إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن كان رسول الله ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به

          1128- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ‼ (قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) إمام الأئمَّة (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهريِّ (عَنْ عُرْوَةَ) بن الزُّبير(1) (عَنْ عَائِشَةَ ♦ قَالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم ) بكسر همزة «إن» مخفَّفة من الثَّقيلة، وأصله: إنَّه كان، فحذف ضمير الشَّأن وخفَّف النُّون (لَيَدَعُ العَمَلَ) بفتح لام «لَيدع» الَّتي للتَّأكيد، أي: ليَتْركُ العمل (وَهْوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ) أي: لأجل خشية (أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ) بنصب «فيُفرض» عطفًا على «أن يعمل»، وليس مراد عائشة أنَّه كان يترك العمل أصلًا وقد فرضه الله عليه أو ندبه، بل المراد ترك أمرهم أن يعملوه معه؛ بدليل ما في الحديث الآتي [خ¦1129]: «أنَّهم لمَّا اجتمعوا إليه في اللَّيلة الثَّالثة أو الرَّابعة؛ ليصلُّوا معه التَّهجد؛ لم يخرج إليهم»، ولا ريب أنَّه صلَّى حِزبَه تلك اللَّيلة (وَمَا سَبَّحَ) وما تنفَّلَ (رَسُولُ اللهِ صلعم سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ، وَإِنِّي لأُسَبِّحُهَا) أي: لَأُصلِّيها، وللكُشْمِيْهَنِيِّ والأَصيليِّ: ”وإنِّي لَأستحبُّها“ من الاستحباب، وذكر هذه الرِّواية العينيُّ ولم يعزُها، والبرماويُّ والدَّمامينيُّ عن «الموطَّأ»، وهذا من عائشة إخبار بما رأت، وقد ثبت: «أنَّه صلعم صلَّاها يوم الفتح» [خ¦1103] وأوصى بها أبوي ذَرٍّ وهريرة [خ¦1178] بل عدَّها العلماء من الواجبات الخاصَّة به.
          ووجه مطابقة هذا الحديث للتَّرجمة من قول عائشة: إن كان لَيدع العمل وهو يحبُّ أن يعمل به؛ لأنَّ كلَّ شيءٍ أحبَّه استلزم التَّحريض عليه لولا ما عارضه من خشية الافتراض.


[1] زيد في (د): «ابن العوَّام».