إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: قال رجل: لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته

          1421- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) الحكم بن نافعٍ قال: (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) هو ابن أبي حمزة قال: (حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ) عبد الله بن(1) ذكوان السَّمَّان (عَنِ الأَعْرَجِ) عبد الرَّحمن بن هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: قَالَ رَجُلٌ) من بني إسرائيل، كما عند أحمد من طريق ابن لَهِيعة عن الأعرج: (لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ) هو من باب الالتزام؛ كالنَّذر مثلًا، والقَسَم فيه مُقدَّرٌ، كأنَّه قال: والله لأتصدقنَّ، وزاد في رواية أبي عَوانة عن أبي أميَّة عن أبي اليمان بهذا الإسناد: «اللَّيلة»، وكرَّرها(2) في المواضع الثَّلاثة، وكذا مسلمٌ من طريق موسى بن عقبة، وبذلك تحصل المطابقة بين الحديث وترجمته بصدقة السِّرِّ على رواية أبي ذرٍّ؛ إذ لو كانت جهرًا لمَا خفيَ عليه حال الغنيِّ؛ لأنَّه في الغالب لا يخفى بخلاف الآخرَين(3) (فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ) ليضعها في يد مستحِقٍّ (فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ) وهو لا يعلم أنَّه سارقٌ (فَأَصْبَحُوا) أي: القوم الذين فيهم هذا(4) المتصدِّق (يَتَحَدَّثُونَ) في موضع نصبٍ، خبر «أصبح» (تُصُدِّقَ) أي: اللَّيلة (عَلَى سَارِقٍ) بضمِّ التَّاء والصَّاد مبنيًّا للمفعول، إخبارٌ بمعنى التَّعجُّب أو الإنكار، ولابن لَهِيعة: «على فلانٍ السَّارق» (فَقَالَ) المتصدِّق: (اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ) على تصدُّقي على سارقٍ، حيث كان ذلك بإرادتك لا بإرادتي، فإنَّ إرادتك كلَّها جميلةٌ، ولا يُحمَد على المكروه سِواك، وقدَّم الخبر على المبتدأ في قوله: «لك الحمد» للاختصاص (لأَتَصَدَّقَنَّ) اللَّيلة (بِصَدَقَةٍ) على مستحقٍّ (فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ) ليضعها في يد مستحقٍّ (فَوَضَعَهَا فِي يَدِ) امرأةٍ (زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا) أي(5): بنو إسرائيل (يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ) مبنيًّا للمفعول(6) (اللَّيْلَةَ عَلَى) امرأةٍ (زَانِيَةٍ، فَقَالَ) المتصدِّق: (اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ) على تصدُّقي (عَلَى) امرأةٍ (زَانِيَةٍ) حيث كان بإرادتك (لأَتَصَدَّقَنَّ) اللَّيلة (بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ(7) غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ) اللَّيلة (عَلَى غَنِيٍّ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، عَلَى سَارِقٍ وَعَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ) زاد الطَّبرانيُّ: «فساءه ذلك» (فَأُتِيَ) في منامه (فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ) زاد أبو أميَّة: «فقد قُبِلت» فأَمَّا (عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ‼ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا) بالقصر، كذا في الفرع وغيره، وقال ابن التِّين: رويناه بالمدِّ، وعند أبي ذرٍّ بالقصر، قال الجوهريُّ: بالقصر لأهل الحجاز، قال تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إ}[الإسراء:32] والمدُّ لأهل نجدٍ، قال الفرزدق:
ومن يشـربِ الخرطومَ يصبح مُسكَرًا                     أبا حاضرٍ مَنْ يَزْنِ يُعرَف زِناؤُه
          (وَأَمَّا الغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ) بالرَّفع فيهما، ولأبي ذرٍّ: ”أن يعتبرَ فينفقَ“ (مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ) وفيه: أنَّ الصَّدقة كانت عندهم مُختصَّةً بأهل الحاجات من أهل الخير(8)، ولهذا تعجَّبوا من الصَّدقة على هؤلاء، وأنَّ نيَّة المتصدِّق إذا كانت صالحةً قُبِلت صدقتُه، ولو لم(9) تقع الموقع، واستحباب إعادة الصَّدقة إذا لم تقع الموقع، وهذا في صدقة التَّطوُّع، أمَّا الواجبة فلا تجزئ على غنيٍّ وإن ظنَّه فقيرًا، خلافًا لأبي حنيفة / ومحمَّدٍ حيث قالا: تسقط ولا تجب عليه الإعادة.
          وهذا الحديث أخرجه مسلمٌ والنَّسائيُّ في «الزَّكاة».


[1] «عبد الله بن»: ليس في (س).
[2] في (د): «وذكرها».
[3] في (د): «الأخيرين».
[4] «هذا»: ليس في (د).
[5] «أي»: ليس في (ص) و(م).
[6] «مبنيًّا للمفعول»: ليس في (د).
[7] في (د) و(س): «يد».
[8] «من أهل الخير»: سقط من (د).
[9] «لم»: ليس في (م).