إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا تأكلوا حتى أسأل النبي

          2304- وبه قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثني“ بالإفراد (إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) بن رَاهُوْيَه، أنَّه(1) (سَمِعَ المُعْتَمِرَ) بن سليمان يقول: (أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللهِ) _بالتَّصغير_ ابن عمر العمريُّ، واستعمل الإنباء بصيغة الجمع، ولا فرق عنده _كآخرين_ بين لفظ: «أنبأنا» و«أخبرنا» و«حدَّثنا»، وخصَّ المتأخِّرون الأوَّل بالإجازة كما مرَّ تفصيله في أوائل الكتاب [خ¦3/4-110] (عَنْ نَافِعٍ) مولى ابن عمر (أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ) عبد الله كما جزم به المزِّيُّ، أو هو أخوه عبد الرَّحمن، قال ابن حجرٍ كالكِرمانيِّ: إنَّه الظَّاهر؛ لأنَّه روى طرفًا من هذا الحديث كما عند(2) ابن وهبٍ عن أسامة بن زيدٍ عن ابن شهابٍ عن عبد الرَّحمن بن كعب بن مالكٍ (يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ) كعب بن مالكٍ(3) الأنصاريِّ، أحد الثَّلاثة الذين تيب عليهم (أَنَّهُ) أي: أنَّ الشَّأن (كَانَتْ لَهُمْ) بضمير الجمع، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”له“ بضمير الإفراد (غَنَمٌ) شاملٌ للضَّأن والمعز (تَرْعَى بِسَلْعٍ) بفتح السِّين المهملة وبعد اللَّام السَّاكنة عينٌ مُهمَلةٌ: جبلٍ بطيبة (فَأَبْصَرَتْ جَارِيَةٌ لَنَا) لم يُعرَف اسمها (بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِنَا‼ مَوْتًا) / بنون الجمع، وللكُشْمِيْهَنِيِّ: ”من غنمها“ أي: غنم الجارية التي ترعاها، فالإضافة ليست للملك (فَكَسَرَتْ حَجَرًا) يجرح كالسِّكِّين (فَذَبَحَتْهَا بِهِ) فيه جواز ذبيحة الحرَّة والأَمَة، والذَّبح بكلِّ جارحٍ إلَّا السِّنَّ والظُّفر، فورد استثناؤهما كما سيأتي _إن شاء الله تعالى_ في بابهما [خ¦2488] [خ¦5506] (فَقَالَ لَهُمْ) كعبٌ: (لَا تَأْكُلُوا) منها شيئًا (حَتَّى أَسْأَلَ النَّبِيَّ) ولأبي ذرٍّ: ”رسول الله“ ( صلعم أَوْ) قال: حتَّى (أُرْسِلَ إِلَى(4) النَّبِيِّ صلعم مَنْ يَسْأَلُهُ) عن ذلك، شكَّ الرَّاوي (وَأَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صلعم عَنْ ذَاكَ)(5) أي: عن(6) ذبح الشَّاة، وفي نسخةٍ: ”عن ذلك“ باللَّام (أَوْ أَرْسَلَ) إلى النَّبيِّ صلعم من يسأله، فسأله (فَأَمَرَهُ) ╕ (بِأَكْلِهَا. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ) بن عمر العمريُّ راوي الحديث بالإسناد المذكور إليه: (فَيُعْجِبُنِي أَنَّهَا أَمَةٌ وَأَنَّهَا ذَبَحَتْ، تَابَعَهُ) أي: تابع المعتمر بن سليمان (عَبْدَةُ) بفتح العين المهملة وسكون المُوحَّدة، ابن سليمان الكوفيُّ في روايته (عَنْ عُبَيْدِ اللهِ) المذكور، وهذه المتابعة وصلها المؤلِّف ☼ في «كتاب الذَّبائح» [خ¦5504].
          وفي هذا الحديث تصديق الرَّاعي والوكيل فيما ائتُمِن عليه حتَّى يظهر عليه دليل الخيانة والكذب، قال في «عمدة القاري»: وهو قول مالكٍ وجماعةٍ، وقال ابن القاسم: إذا خاف الموت على شاةٍ فذبحها لم يضمن، ويُصدَّق إن جاء بها مذبوحةً، وقال غيره: يضمن حتَّى يبين ما قال، وقال ابن القاسم: إذا أنزى على إناث الماشية بغير إذن مالكها فهلكت فلا ضمان عليه؛ لأنَّه من صلاح المال ونمائه، وقال أشهب: عليه الضَّمان، وأمَّا مطابقة التَّرجمة من الحديث(7) في مسألة الرَّاعي فظاهره(8)؛ لأنَّ الجارية كانت راعيةً للغنم، فلمَّا رأت شاةً منها تموت ذبحتها، ولمَّا رُفِع أمرها إلى النَّبيِّ صلعم أمر بأكلها، ولم ينكر على من ذبحها، وأمَّا مسألة الوكيل فمُلحَقةٌ بها؛ لأنَّ يد كلٍّ من الرَّاعي والوكيل يد أمانةٍ، فلا يعملان إلَّا بما فيه مصلحةٌ ظاهرةٌ، ولا يمنع من(9) ذلك كون الجارية كانت ملكًا لصاحب الغنم؛ لأنَّ الكلام في جواز الذَّبح الذي تضمَّنته التَّرجمة لا في الضَّمان.
          وهذا الحديث أخرجه أيضًا في «الذَّبائح» [خ¦5501] وكذا ابن ماجه.


[1] «أنَّه»: ليس في (د).
[2] زيد في (م): «عبد الرَّحمن»، والمثبت موافقٌ لما في «الفتح» (4/563).
[3] «بن مالك»: ليس في (د).
[4] في (ب): «لي»، وهو تحريفٌ.
[5] في (م): «ذلك»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[6] «عن»: ليس في (ص).
[7] في (ب) و(س): «للحديث».
[8] قوله: «فظاهره» زيادة من «عمدة القاري».
[9] «من»: ليس في (د) و(ص) و(م).