إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن أول قسامة كانت في الجاهلية لفينا بني هاشم

          3845- وبه قال: (حَدَّثَنَا‼ أَبُو مَعْمَرٍ) بسكون العين المُهمَلة بين فتحتين، عبد الله بن عمرٍو المُقعَد المِنْقَرِيُّ _بكسر الميم وسكون النُّون وفتح القاف_ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ) بن سعيدٍ أبو عبيدة البصريُّ التَّنُّوريُّ قال: (حَدَّثَنَا قَطَنٌ) بفتح القاف والطَّاء المهملة بعدها نونٌ، ابن كعبٍ البصريُّ القُطَعِيُّ؛ بضمِّ القاف وفتح المُهمَلة الأولى (أَبُو الهَيْثَمِ) بالمُثلَّثة، قال: (حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ) من الزِّيادة (المَدَنِيُّ) ولأبي ذرٍّ ”المدينيُّ البصريُّ“ قال في «الفتح»: ويُقال له: المدينيُّ؛ بزيادة تحتيَّةٍ، ولعلَّ أصله كان من المدينة، ولكن لم يروِ عنه أحدٌ من أهلها، وسُئِل عنه مالكٌ فلم يعرفه ولم يعرف اسمه، وقد وثَّقه ابن معينٍ وغيره، وليس له ولا للرَّاوي عنه في «البخاريِّ» إلَّا هذا الموضع (عَنْ عِكْرِمَةَ) مولى ابن عبَّاسٍ (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ☻ ) أنَّه (قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ قَسَامَةٍ كَانَتْ فِي الجَاهِلِيَّةِ لَفِينَا) بلام التَّأكيد (بَنِي هَاشِمٍ) كان الحكم بها، و«بني» مجرورٌ بدلٌ من الضَّمير المجرور؛ وذلك أنَّه (كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ) هو عمرو بن علقمة بن المطَّلب بن عبد منافٍ؛ كما قال الزُّبير بن بكَّارٍ، وكأنَّه نسبه إلى بني هاشمٍ؛ مجازًا؛ لِمَا كان بين بني هاشمٍ وبني(1) المطَّلب من المودَّة والمُؤاخَاة، وسمَّاه ابن الكلبيِّ عامرًا (اسْتَأْجَرَهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ) اسمه خِدَاشٌ _بخاءٍ مُعجَمةٍ مكسورةٍ فدالٍ مُهمَلةٍ، وبعد الألف شينٌ مُعجَمةٌ_ ابن عبد الله بن أبي قيسٍ العامريُّ؛ كما عند الزُّبير بن بكَّارٍ، وللأَصيليِّ وأبي ذرٍّ _فيما ذكره في «الفتح»(2)_: ”استأجر رجلًا من قريشٍ“ قال(3): وهو مقلوبٌ، والصَّواب الأوَّل (مِنْ فَخْـِذٍ أُخْرَى) بكسر الخاء المُعجَمة وتُسكَّن آخره مُعجَمةٌ (فَانْطَلَقَ) الأجير (مَعَهُ) مع المستأجر (فِي إِبِلِهِ) إلى الشَّام (فَمَرَّ رَجُلٌ بِهِ) أي: بالأجير، ولأبي ذرٍّ وابن عساكر ”فمرَّ به رجلٌ“ (مِنْ بَنِي هَاشِمٍ) لم يُسَمَّ (قَدِ انْقَطَعَتْ(4) عُرْوَةُ جُوَالِقِهِ) بضمِّ الجيم وكسر اللَّام مُصحَّحًا عليها في الفرع كالأصل من غير همزٍ، أي: وعائه، ويكون من جلودٍ وغيرها، فارسيٌّ مُعرَّبٌ (فَقَالَ) للأجير: (أَغِثْنِي) بمُثلَّثةٍ، من الإغاثة (بِعِقَالٍ) بكسر / العين المهملة؛ بحبلٍ (أَشُدُّ بِهِ عُرْوَةَ جُوَالِقِي، لَا تَنْفِرُ الإِبِلُ) بكسر الفاء وضمِّ الرَّاء مُصحَّحًا عليها في الفرع وأصله(5) (فَأَعَطْاهُ عِقَالًا، فَشَدَّ بِهِ عُرْوَةَ جُوَالِقِهِ، فَلَمَّا نَزَلُوا) منزلًا (عُقِلَتِ الإِبِلُ) بضمِّ العين مبنيًّا للمفعول (إِلَّا بَعِيرًا وَاحِدًا) لم يُعقَل؛ لعدم وجدان عقاله الذي شدَّ به الجوالق (فَقَالَ الذِي اسْتَأَجَرَهُ: مَا شَأْنُ هَذَا البَعِيرِ لَمْ يُعْقَلْ مِنْ بَينِ الإِبِلِ؟ قَالَ) له الأجير: (لَيْسَ لَهُ عِقَالٌ، قَالَ) المستأجر له: (فَأَيْنَ عِقَالُهُ؟) زاد الفاكهيُّ من وجهٍ آخر عن أبي مَعْمَرٍ شيخ المؤلِّف: فقال: «مرَّ بي رجلٌ من بني هاشمٍ قد انقطعت عروة جُوالِقه واستغاث بي فأعطيته» (قَالَ: فَحَذَفَهُ) بالمُهمَلة والذَّال المُعجَمة، أي: رماه (بِعَصًا) أصابت مقتله (كَانَ فِيهَا أَجَلُهُ) وقول العينيِّ _تبعًا للحافظ ابن حجرٍ ☼ _: قوله: «فمات» أي: أشرف على الموت، ظاهره أنَّه من الحديث عند البخاريِّ‼، ولم أجده في أصلٍ من أصوله بعد الكشف عنه فالله أعلم، نعم قوله: «فكان فيها أجله» معناه: مات(6)، لكنَّه لا يلزم منه الفوريَّة بدليل قوله: (فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ) لم يُسَمَّ، أي: قبل أن يقضي (فَقَالَ) له: (أَتَشْهَدُ المَوْسِمَ؟) أي: موسم الحجِّ (قَالَ) الرَّجل المارُّ: (مَا أَشْهَدُ) بحذف ضمير المفعول (وَرُبَّمَا شَهِدْتُهُ، قَالَ) له: (هَلْ أَنْتَ مُبْلِغٌ) بضمِّ الميم وسكون المُوحَّدة وكسر اللَّام (عَنِّي رِسَالَةً مَرَّةً مِنَ الدَّهْرِ؟) بسكون الهاء وفي «اليونينيَّة»: بفتحها، أي: وقتًا من الأوقات (قَالَ: نَعَمْ) أفعل ذلك (قَالَ: فَكُنْتُ) بضمِّ الكاف وسكون النُّون وضمِّ الفوقيَّة، مُصحَّحًا عليها في الفرع كأصله، وفي غيره: بفتحها على الخطاب، من الكون فيهما، ولأبي ذرٍّ ”فكتب“ بالفوقيَّة والمُوحَّدة، من الكتابة، قال ابن حجرٍ ☼ : وهذه أوجهُ من الأولى، وقال عياضٌ: إنَّها بالنُّون عند الحَمُّويي والمُستملي، وإنَّها التي في أصل سماعه (إِذَا أَنْتَ شَهِدْتَ المَوْسِمَ فَنَادِ يَا آلَ قُرَيْشٍ) بإثبات الهمزة في الفرع، وبحذفها في غيره، على الاستغاثة (فَإِذَا أَجَابُوكَ فَنَادِ يَا آلَ بَنِي هَاشِمٍ) بالهمزة وحذفها كسابقه (فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاسْألْ) بسكون السِّين بعدها همزةٌ في الفرع، وفي «اليونينيَّة»: ”فَسَلْ“ بفتح السِّين من غير همزٍ (عَنْ أَبِي طَالِبٍ، فَأَخْبِرْهُ أَنَّ فُلَانًا) الذي استأجرني (قَتَلَنِي فِي) أي: بسبب (عِقَالٍ، وَمَاتَ المُسْتَأْجَرُ) بفتح الجيم بسبب تلك الحذفة بعد أن أوصى اليمانيُّ بما أوصاه (فَلَمَّا قَدِمَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ؛ أَتَاهُ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ) له: (ما فَعَلَ صَاحِبُنَا؟ قَالَ: مَرِضَ فَأَحْسَنْتُ القِيَامَ عَلَيْهِ) وتُوفِّي (فَوَلِيتُ دَفْنَهُ) بفتح الواو وكسر اللَّام (قَالَ) أبو طالبٍ: (قَدْ كَانَ أَهْلَ ذَاكَ) بغير لامٍ، ولأبي ذرٍّ: ”ذلك“ (مِنْكَ، فَمَكُثَ حِينًا) بضمِّ الكاف (ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ) اليمانيَّ (الَّذِي أَوْصَى إِلَيْهِ أَنْ يُبْلِغَ) بضمِّ التَّحتيَّة وسكون المُوحَّدة وكسر اللَّام (عَنْهُ) ما ذكر (وَافَى المَوْسِمَ) أي: أتاه (فَقَالَ: يَا آلَ قُرَيْشٍ، قَالُوا) له: (هَذِهِ قُرَيْشٌ، قَالَ: يَا آلَ بَنِي هَاشِمٍ) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”يا بني هاشمٍ“ (قَالُوا: هَذِهِ بَنُو هَاشِمٍ، قَالَ: أَيْنَ) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”من“ (أَبُو طَالِبٍ؟ قَالُوا: هَذَا أَبُوطَالِبٍ، قَالَ) له(7): (أَمَرَنِي فُلَانٌ أَنْ أُبْلِغَكَ) بضمِّ الهمزة وسكون المُوحَّدة (رِسَالَةً: أَنَّ) بفتح الهمزة (فُلَانًا قَتَلَهُ فِي) أي: بسبب (عِقَالٍ) وزاد ابن الكلبيِّ: فأخبره بالقصَّة، وخِدَاشٌ يطوف بالبيت لا يعلم بما كان، فقام رجالٌ من بني هاشمٍ إلى خِدَاشٍ فضربوه وقالوا: قتلتَ صاحِبَنا فجحدَ (فَأَتَاهُ أَبُوطَالِبٍ فَقَالَ) لَهُ: (اخْتَرْ مِنَّا إِحْدَى ثَلَاثٍ) كانت معروفةً عندهم (إِنْ شِئْتَ أَنْ تُؤَدِّيَ) بهمزةٍ مفتوحةٍ (مِئَةً مِنَ الإِبِلِ؛ فَإِنَّكَ) أي: بسبب أنَّك (قَتَلْتَ صَاحِبَنَا، وَإِنْ شِئْتَ حَلَفَ) بلفظ الماضي (خَمْسُونَ مِنْ قَوْمِكَ أَـإِنَّكَ) بفتح الهمزة وكسرها في «اليونينيَّة» (لَمْ تَقْتُلْهُ، فَإِنْ أَبَيْتَ) أي: امتنعت من ذلك (قَتَلْنَاكَ بِهِ) والظَّاهر أنَّ هذه هي الثَّالثة، وعند الزُّبير بن بكَّارٍ‼ أنَّهم تحاكموا في ذلك إلى الوليد بن المغيرة، فقضى أن يحلف خمسون رجلًا من(8) بني عامرٍ عند البيت ما قتله خِدَاشٌ (فَأَتَى قَوْمَهُ) فذكر لهم ذلك (فَقَالُوا: نَحْلِفُ، فَأَتَتْهُ) أي: أبا طالبٍ (امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ) اسمها زينب بنت علقمة، أخت المقتول (كَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْهُمْ) اسمه عبد العزَّى بن أبي(9) قيسٍ العامريُّ (قَدْ وَلَدَتْ(10) لَهُ) ولدًا اسمه حُوَيطِبٌ _بمُهمَلتين مُصغَّرًا_ وله صحبةٌ (فَقَالَتْ / : يَا أَبَا طَالِبٍ أُحِبُّ أَنْ تُجِيزَ) بجيمٍ وزايٍ؛ تُسْقِط (ابْنِي) حُوَيطِبًا (هَذَا) من اليمين وتعفو عنه (بِرَجُلٍ) أي: بدل رجلٍ (مِنَ الخَمْسِينَ، وَلَا تَصْبُـِرْ يَمِينَهُ) بفتح الفوقيَّة وسكون الصَّاد المُهمَلة وضمِّ المُوحَّدة وتُكسَر، مجزومٌ على النَّهي، ولأبي ذرٍّ ”ولا تُصبِر“ بضمِّ أوَّله وكسر ثالثه، أي: ولا تلزمه باليمين (حَيْثُ تُصْبَرُ الأَيْمَانُ) _بضمِّ الفوقيَّة وفتح المُوحَّدة_ بين الرُّكن والمقام (فَفَعَلَ) أبوطالبٍ ما سألته (فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ) لم يُسَمَّ (فَقَالَ: يَا أَبَا طَالِبٍ أَرَدْتَ خَمْسِينَ رَجُلًا أَنْ يَحْلِفُوا مَكَانَ مِئَةٍ مِنَ الإِبِلِ، يُصِيبُ) فعلٌ مضارعٌ (كُلَّ رَجُلٍ) بنصب «كلَّ» على المفعوليَّة(11): (بَعِيرَانِ، هَذَانِ بَعِيرَانِ فَاقْبَلْهُمَا عَنِّي) بفتح المُوحَّدة (وَلَا تَصْبُـِر) بفتح أوَّله وضمِّ ثالثه وقد تُكسَر، ولأبي ذرٍّ ”ولا تُصبِر“ بضمِّ أوَّله وكسر ثالثه (يَمِينِي حَيْثُ تُصْبَـِرُ الأَيْمَانُ) بضمِّ أوَّله وفتح ثالثه، مبنيًّا للمفعول، وبكسر المُوحَّدة مبنيًّا للفاعل (فَقَبِلَهُمَا، وَجَاءَ ثَمَانِيةٌ وَأَرْبَعُونَ) رجلًا (فَحَلَفُوا) زاد ابن الكلبيِّ: «عند الرُّكن أنَّ خِدَاشًا بريءٌ من دم المقتول» (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ بالسَّند المذكور: (فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا حَالَ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ ”ماجاء“ (الحَوْلُ) من يوم حلفهم (وَمِنَ الثَّمَانِيَةِ وَأَرْبَعِينَ) الذين حلفوا، وللأَصيليِّ وابن عساكر ”والأربعين“ (عَيْنٌ تَطْرِفُ) بكسر الرَّاء، أي: تتحرَّك، زاد ابن الكلبيِّ: «وصارت رباع الجميع لحويطبٍ فلذا كان أكثر من بمكَّة رباعًا»، واستُشكِل قول ابن عبَّاسٍ ☻ : «فوالذي نفسي بيده...» إلى آخره مع كونه حين ذاك لم يُولَد(12)، وأُجيب باحتمال أنَّ الذي أخبره بذلك جماعةٌ اطمأنَّت نفسه إلى صدقهم حتَّى وسعه أن يحلف على ذلك، قاله(13) السَّفاقسيُّ، وقال في «الفتح»: ويحتمل أن يكون الذي أخبره بذلك هو النَّبيّ صلعم ، قال: وهو أمكنُ في دخول هذا الحديث في الصَّحيح، وقال في «الكواكب»: فيه ردعٌ للظَّالمين وسلوةٌ للمظلومين، ووجه الحكمة في هلاكهم كلِّهم أن يتمانعوا من الظُّلم؛ إذ لم يكن فيهم إذ ذاك نبيٌّ ولا كتابٌ ولا كانوا يؤمنون بالبعث، فلو تُرِكوا مع ذلك هملًا لأكل القويُّ الضَّعيفَ، ولاقتضم الظَّالم المظلوم، وروى الفاكهيُّ _كما ذكره في «الفتح»_ من طريق ابن أبي نَجيحٍ عن أبيه قال: حلف ناسٌ عند البيت قسامةً على باطلٍ، ثمَّ خرجوا فنزلوا تحت صخرةٍ، فانهدمت عليهم.
          وهذا الحديث أخرجه النَّسائيُّ في «القسامة»، ومباحث «القسامة» تأتي إن شاء الله تعالى في محلِّها بعون الله وقوَّته [خ¦87/22-10245].


[1] «بني»: ليس في (ص) و(م).
[2] نسب الرواية في «الفتح» لكريمة.
[3] «قال»: ليس في (ب).
[4] في (م): «فانقطعت»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[5] «وأصله»: ليس في (ب).
[6] «مات»: ليس في (ص) و(م).
[7] «له»: ليس في (ب).
[8] في (م): «عن»، وهو تحريفٌ.
[9] قوله: «أبي» زيادة من «الفتح» ومصادر التخريج.
[10] في (ص) و(م): «فولدت»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[11] في (م): «نُصِب على المفعولية». وزيد في (ص) و(م): «لقوله»، ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.
[12] في (ص): «يوجد».
[13] في (م): «قال»، وهو تحريفٌ.