إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث أبي موسى: إنا لو رخصنا لهم في هذا لأوشك إذا برد

          346- وبه قال: (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ) بضمِّ العين (قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي) حفص بن غياثٍ (عَنِ الأَعْمَشِ) سليمان بن مهران، ولغير أبوَي ذَرٍّ والوقت: ”حدَّثنا الأعمش“ (قَالَ: سَمِعْتُ‼شَقِيقَ بْنَ سَلَمَةَ) هو أبو وائلٍ (قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ) بن مسعودٍ (وَأَبِي مُوسَى) الأشعريِّ ☻ (فَقَالَ لَهُ) أي: لابن مسعودٍ (أَبُو مُوسَى: أَرَأَيْتَ) أي: أخبرني (يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هي كنية ابن مسعودٍ (إِذَا أَجْنَبَ) الرَّجل (فَلَمْ يَجِدْ مَاءً كَيْفَ يَصْنَعُ؟) ولابن عساكر: ”فلم يجدِ الماء“ وفي روايةٍ: ”إذا أجنبت فلم تجد الماء كيف تصنع؟“ بتاء الخطاب في الثَّلاثة (فَقَالَ عَبْدُ اللهِ:لَا يُصَلِّي حَتَّى) أي: لا يصلِّي الرَّجل إلى أن(1)(يَجِدَ المَاءَ) وللأَصيليِّ: ”لا تصلِّي(2) حتَّى تجد“ بتاء الخطاب، وسقط عنده وابن عساكر(3) لفظة«الماء» فاقتصرا على”حتَّى تجد“ (فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِقَوْلِ عَمَّارٍ حِينَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلعم : كَانَ يَكْفِيكَ) أي: مسح الوجه والكفَّين؟ (قَالَ) ابن مسعودٍ: (أَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِذَلِكَ) زاد في رواية أبي ذَرٍّ عن المُستملي / والأَصيليِّ وابن عساكر: ”منه“ أي: من عمَّار بذلك(4)(فَقَالَ أَبُو مُوسَى) له(5): (فَدَعْنَا) أي: اتركنا (مِنْ قَوْلِ عَمَّارٍ) واقطع لي(6) النَّظر عنه (كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الآيَةِ؟) أي: في قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ }[المائدة:6] فانتقل في(7) المحاجَّة من دليلٍ إلى آخر ممَّا فيه الخلاف إلى ما عليه الاتِّفاق؛ تعجيلًا لقطع خصمه وإفحامه (فَمَا دَرَى) أي: فلم يعرف (عَبْدُ اللهِ) بن مسعودٍ (مَا يَقُولُ) في توجيه الآية على وفق فتواه، واستُشكِل ما ذهب إليه ابن مسعودٍ كعمر ☻ من إبطال هذه الرُّخصة، مع ما فيها من إسقاط الصَّلاة عمَّن خُوطِب بها وهو(8) مأمور بها(9)، وأُجيببأنَّهما إنَّما تأوَّلا المُلامَسة في الآية؛ وهي قوله تعالى: {لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} على مماسَّة(10) البشرتين من غير جماعٍ؛ إذ لو أراد(11) الجماع لكان فيه مُخالَفةٌ لآيةٍ صريحةٍ؛ لأنَّه تعالى قال: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ} أي: اغتسلوا، ثمَّ قال: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ} فجعل التَّيمُّم بدلًا عنِ الوضوء، فلا يدلُّ على جواز التَّيمُّم للجنب، ولعلَّ مجلس المُناظَرة بين أبي موسى وابن مسعودٍ ما كان يقتضي تطويل المُناظَرة، وإلَّا فكان لابن مسعودٍ أن يجيب أبا موسى بأنَّ المُلامَسة في الآية المُرادُ بها تلاقي البشرتين بلا جماعٍ _كما مرَّ_ والحاصل: أنَّ عمر وابن مسعودٍ ☻ لا يريان تيمُّم الجنب لآية: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ} ولآية: { وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ}[النساء:43](فَقَالَ) أي: ابن مسعودٍ (إِنَّا لَوْ رَخَّصْنَا لَهُمْ فِي هَذَا) أي: في التَّيمُّم للجنب (لأَوْشَكَ) بفتح الهمزة، أي:قَرُبَ وأسرع (إِذَا بَرَدَ عَلَى أَحَدِهِمُالمَاءُ) بفتح الرَّاء وضمِّها، كذا(12) ضبطه(13) في الفرع كأصله، لكن قال الجوهريُّ: الفتح أشهر (أَنْ يَدَعَهُ وَيَتَيَمَّمَ) قال الأعمش: (فَقُلْتُ لِشَقِيقٍ) أبي وائلٍ: (فَإِنَّمَا كَرِهَ عَبْدُ اللهِ) بن مسعودٍ التَّيمُّم للجنب (لِهَذَا؟) أي: لأجل احتمال أن يتيمَّم للبرد؟(قَالَ) شقيقٌ _ولأبوي ذَرٍّ والوقت: ”فقال“_: (نَعَمْ) كرهه لذلك.


[1] في (د): «إلَّا أن».
[2] «لا تصلِّي»: مثبتٌ من (م).
[3] في (د): «ولابن عساكر إسقاط»، وهي ساقطةٌ عند الأصيليِّ أيضًا.
[4] «بذلك»: مثبتٌ من (م).
[5] في (م): «إذًا».
[6] «لي»: مثبتٌ من (م).
[7] في (م): «من».
[8] «وهو»: ليس في (ب) و(ص).
[9] قوله:«عمَّن خُوطِب بها وهو مأمور بها» سقط من (م).
[10] في (د): «مُلامسة».
[11] في (م): «أرادوا».
[12] في (م): «كما».
[13] في (م): «ضبط».