إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها في آخر اليوم

          5204- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ) الفريابيُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) الثَّوريُّ (عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ) عروةَ بنِ الزُّبيرِ‼ (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ) بفتح الزاي والعين المهملة بينهما ميم ساكنة، ابنِ الأسودِ بن المطَّلبِ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: لَا يَجْلِدْ) بالجزم على النَّهي، أي: لا يضربْ (أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ) وعند الإسماعيليِّ عن أحمد بنِ سفيان(1)، عن محمَّد بنِ يوسف الفريابيِّ بصيغة الخبر، وعند أحمدَ من رواية أبي معاوية: «إلامَ يجلد» وعنده من روايةِ وكيع: «علامَ يجلدُ» وعنده من روايةِ ابنِ عُيينة: وعظهم في النِّساء فقال: «يضربُ أحدكُم امرأتهُ» (جَلْدَ العَبْدِ) بالنصب، أي: مثل جلد العبدِ (ثُمَّ يُجَامِعُهَا فِي آخِرِ اليَوْمِ) وفي التِّرمذيِّ مصححًا: «ثمَّ لعلَّه أن(2) يُضاجِعَها من آخرِ يومهِ». وفيه: جواز(3) تأديبُ الرَّقيقِ بالضَّربِ الشَّديد، والإيماءُ إلى جواز ضربِ النِّساء دون ذلك، وإليه أشار المصنِّفُ بقوله: غير مبرِّح، وإنَّما يباح ضربها من أجل عصيانِها زوجها فيما يجب من حقِّه عليها بأن تكون ناشزةً، كأن يدعوها للوطءِ فتأبى، أو تخرج من المنزلِ بغير إذنهِ، فيعظُها بظهورِ أمارةِ النُّشوز، كالعُبوس / بعد طلاقة الوجه، والكلام الخشن بعد لينهِ، فيقول لها نحو: اتَّقي الله في الحقِّ الواجب لي عليك، واحذَري العقوبةَ، ويضربها بتحقُّقه لقولهِ تعالى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}[النساء:34] قال في «الكشَّاف»: أمر بوعظهنَّ أولًا، ثمَّ بهجرانهنَّ في المضاجعِ، ثمَّ بالضَّرب إن لم ينجعْ فيهنَّ الوعظ والهجران. انتهى.
          لكن(4) قال في «الانتصاف»: التَّرتيب الَّذي أشار إليه الزَّمخشريُّ غير مأخوذ من الآية لأنَّها واردةٌ بواو العطف، وإنَّما استفيد من أدلَّةٍ خارجة. قال الطِّيبيُّ: ما أظهر دَلالةَ الفاء في قوله: {فَعِظُوهُنَّ} على التَّرتيب، وكذا قضيَّة التَّرتيب في الرِّفق والنَّظم، فإنَّ قوله: {فَالصَّالِحَاتُ} وقوله: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ}[النساء:34] تفصيل لما أجملَ في قوله: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء}[النساء:34] كما سبقَ، أخبرَ الله تعالى بتفضيل الرِّجال على النِّساء وقِوامهم عليهنَّ، ثمَّ فصل النِّساء قسمين: إمَّا قانتاتٌ صالحاتٌ يحفظن أزواجهنَّ في الحضورِ والغيبةِ، فعلى الرِّجال الشَّفقة عليهنَّ، وإمَّا ناشزاتٌ غير مطيعاتٍ، فعلى الرِّجال التَّرفُّق بهنَّ أولًا بالوعظ والنَّصيحةِ، فإن لم ينجع الوعظُ فيهن فبالهجرانِ والتَّفرُّق في مضاجعهنَّ ثانيًا، ثمَّ التَّأديب بالضَّرب لأنَّ المقصود الإصلاح والدُّخول في الطَّاعة لقوله تعالى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ}[النساء:34] فرتَّب الوعظ على الخوفِ من النُّشوز، فلا بدَّ من تقديمه على قرينيه. انتهى.
          والأولى له العفو عن الضَّرب، وحديثُ أبي داود والنَّسائيِّ‼ وصحَّحه ابن حبَّان والحاكم عن إياس بنِ عبدِ الله بن أبي(5) ذُبَاب _بضم المعجمة وبموحدتين الأولى خفيفة_ رفعه: «لا تضرِبُوا إماءَ اللهَ» محمولٌ على الضَّربِ بغير سببٍ يقتضيهِ، أو على العفوِ لا على النَّسخِ؛ إذ لا يصارُ إليه إلَّا إذا تعذَّرَ الجمع وعلمنا التَّاريخ، ولو كان الضَّرب غير مفيدٍ في ذلك في ظنِّه فلا يضربها كما صرَّح به الإمام، وينبغي أن يتولَّى تأديبَها بنفسه، ولا يرفعها إلى القاضِي ليؤدِّبها لما فيه من المشقَّةِ والعارِ والتَّنفيرِ للقلوبِ، لكن قال الزَّركشيُّ: ينبغي تخصيصُ ذلك بما إذا لم يكن بينهما عداوةٌ، وإلَّا فيتعيَّنُ الرَّفع إلى القاضي(6). وللزَّوج منع زوجتهِ من عيادة أبويها، ومن شهودِ جنازتهما، وجنازةِ ولدها، والأولى خلافهُ.
          ولمَّا كان هذا البابُ فيه ندبُ المرأةِ إلى طاعة زوجها، خصَّص ذلك بما لا يكون فيه معصية، فقال:


[1] في (د): «سفيان النسائي».
[2] «أن»: ليست في (م) و(د).
[3] لفظة: «جواز» زيادة توضيحية من «الفتح» مصدر المصنف.
[4] «لكن»: ليست في (م).
[5] لفظة: «أبي» زيادة من مصادر التخريج.
[6] في (د) و(م): «للقاضي».