إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين

          5708- وبه قالَ: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثني“ بالإفراد (مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى) أبو مُوسى العَنَزيُّ الحافظُ قال: (حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ) ولأبي ذرٍّ: ”محمَّد بن جعفرٍ“ قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بنُ الحجَّاج (عَنْ عَبْدِ المَلِكِ) بن عُميرٍ، أنَّه (قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ) بفتح العين في الأوَّل، وضم الحاء المهملة وفتح الراء آخره مثلَّثة مصغَّرًا في الثاني، المخزوميَّ، له صحبةٌ (قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ) أي: ابن عَمرو بن نُفيلٍ العدويَّ، أحد العشرة المبشَّرة(1) ♥ (قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم يَقُولُ: الكَمْأَةُ) بفتح الكاف وسكون الميم بعدها همزة وتاء تأنيث. قال في «القاموس»: الكمءُ نباتٌ معروفٌ، وجمعه أَكْمُؤ وكمآت، أو هي اسمٌ للجمع أو هي للواحد، والكمءُ للجمع، أو هي تكون واحدةً وجمعًا. وقال غيرهُ: نباتٌ لا ورقَ له ولا ساق، توجدُ في الفلواتِ من غير أن تُزرع، وهي كثيرةٌ بأرضِ العربِ(2) وتوجدُ بأرض الشَّامِ ومصرَ، وأجودُها ما كانت أرضُه رملةً قليلةَ الماءِ، وأنواعُها المشهورة ثلاثةٌ: أحدُها ما يضرب لونُه إلى الحُمرة وهي قتَّالة، والثَّاني يضربُ إلى البياض، وتُسمَّى الفَقع _بفتح الفاء وكسرها_ وتسمَّى شحمةَ الأرضِ، والثَّالث(3) إلى الغبرةِ والسَّوادِ وهي الَّتي تؤكلُ، وهي بأنواعها باردةٌ رطبةٌ في الدَّرجةِ الثَّانيةِ تؤكل نيِّئةً ومطبوخةً باللُّحومِ والأدهانِ والأفاويهِ، ولمَّا كانتِ الكمأةُ من النَّبات توجد عفوًا من غير علاجٍ ولا بذرٍ، قال صلعم : الكمأةُ (مِنَ المَنِّ) أي: الَّذي امتنَّ الله به على عبادهِ من غير مشقَّةٍ، وفي مسلم «الكمأةُ من المنِّ الَّذي أُنزلَ على بني إسرائيل».
          واستُشكل: بأنَّ المنزَّلُ عليهم كان التَّرنجبينُ(4) السَّاقط من السَّماء وهذا ينبتُ من الأرض. وأجيبَ باحتمالِ أنَّ الَّذي أُنزل عليهم كان أنواعًا منَّ اللهُ تعالى عليهم بها من النَّبات، ومن الطَّير الَّذي يسقطُ عليهم من غير اصطيادٍ، ومن الطَّلِّ السَّاقط على الشَّجرِ، والمنُّ مصدرٌ بمعنى المفعول، أي: ممنونٌ به، فلمَّا لم يكن لهم فيه شائبةُ كسبٍ كان(5) منًّا محضًا، وإن كانتْ(6) نعمُ اللهِ على عبادهِ منًّا منه عليهم، فالكمأةُ(7) فردٌ من أفراد المنِّ.
          (وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ) من دائها، أو مخلوطًا(8) بدواءٍ كالكُحلِ والتُّوتيا، وقيل: إن كان لتبريدِ ما في العين من حرارةٍ فماؤُها مجردًا شفاء وإلَّا فمركبًا، وقال النَّوويُّ: والصَّحيحُ بل(9) الصَّوابُ أنَّ ماءَها مُجرَّدًا(10) شفاءٌ للعين مطلقًا، وقد جرَّبتُ أنا وغيري في زماننَا ممَّن(11) ذهب بصرُه فكحَّل عينَه بماء الكمأةِ مجرَّدًا فشُفيَ وعاد إليه بصرُه، وهو الشَّيخُ العدلُ الكمال الدِّمشقيُّ صاحبُ رواية في الحديثِ، وكان استعماله لها اعتقادًا في الحديث وتبرُّكًا به. انتهى.
          وقيل: إنَّ‼ استعمالها يكونُ بعد شيِّها واستقطارِ مائها؛ لأنَّ النَّار تلطِّفه وتُنضجه وتُذيب فضلاتهِ ورطوباتهِ الرَّديئة وتُبْقِي المنافع. وقيل(12): المرادُ بمائها الماءُ الَّذي يحدثُ به من المطرِ، وهو أوَّلُ مطرٍ ينزلُ إلى الأرضِ، فتكون إضافة اقترانٍ لا إضافة جزءٍ. قال في «زاد المعاد»: وهذا أبعدُ الوجوهِ وأضعفُها، وفي «الطِّبِّ» لأبي نعيم عن ابن عبَّاسٍ مرفوعًا: «ضحكَتِ الجنَّةُ فأخرجَتِ الكمأةَ» ولأبي ذرٍّ عن المُستملي: ”من العينِ“.
          ((13)قَالَ شُعْبَةُ) بنُ الحجَّاج بالإسناد السَّابق: (وَأَخْبَرَنِي) بالإفراد (الحَكَمُ) بفتح الحاء المهملة والكاف (بْنُ عُتَيْبَةَ) بضم العين مصغَّرًا، أبو محمَّد الكنديُّ الكوفيُّ (عَنِ الحَسَنِ) بفتح الحاء، ابن عبدِ الله (العُرَنِيِّ) بضم العين المهملة وفتح الراء بعدها نون، الكوفيِّ (عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ) القرشيِّ المخزوميِّ الصَّحابيِّ الصَّغير المذكور (عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ) ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم . قَالَ شُعْبَةُ) بنُ الحجَّاج: (لَمَّا) بالتَّشديد (حَدَّثَنِي) بالإفراد (بِهِ) بالحديث السَّابق (الحَكَمُ) بنُ عُتيبة (لَمْ أُنْكِرْهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ المَلِكِ) بن عُميرٍ. قال الحافظُ ابن حجر: كأنَّه أراد أنَّ عبد الملك كبُر وتغيَّر حفظُه، فلمَّا حدَّث به شعبةُ توقَّف فيه، فلمَّا تابعهُ الحكم بروايتهِ ثبت عند شُعبة فلم يُنكرهُ وانتفى عنه التَّوقُّف فيه.


[1] «المبشرة»: ليست في (ص) و(م).
[2] في (ب) و(س): «الغرب».
[3] في (د) و(ص) و(م): «الثالث».
[4] في (د): «كالترنجبين».
[5] في (ص): «كانت».
[6] في (د) و(ص): «كان».
[7] في (ص): «سابقة عليهم والكمأة».
[8] قال الشيخ قطة ☼ : هكذا في النسخ، ولعلَّ فيه سقطًا، والأصل: «مجردًا أو مخلوطًا».
[9] في (د): «وهو».
[10] «مجردًا»: ليست في (د).
[11] في (د): «من».
[12] في (م) و(د): «هل».
[13] في (م) زيادة: «و».