نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: اللهم إني أعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد

          2822- (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التَّبوذكي، قال: (حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ) بفتح العين، الوضاح اليشكريُّ، قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ) على صيغة التصغير، قال: (سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ الأَوْدِيَّ) بفتح الهمزة وسكون الواو وبالدال المهملة، نسبة إلى أَوْد بن معن، هذا في باهلة، وأَوْد أيضاً في مذحج، وهو: أود بن صَعْب.
          وذكر أبو عمر بن عبد البرِّ في «الاستيعاب» عن عمرو بن ميمون أنَّه معدودٌ من التَّابعين من الكوفيين، قال: وهو الذي رأى الرجم في الجاهلية بين القردة إن صحَّ ذلك؛ لأنَّ رواته مجهولون قال: وقد ذكر البخاري في «التاريخ» عن نعيم، عن هشيم، عن حصين، عن عمرو بن ميمون الأودي مختصراً قال: رأيت في الجاهلية قردةً زنت فرجموها، ثمَّ قال: والقصَّة بطولها تدور على عبد الملك بن مسلم، عن عيسى بن خطَّان، وليسا ممَّن يحتجُّ بهما، وهذا عند جماعة أهل العلم / منكر إذ لا يصحُّ إضافة الزِّنا إلى غير مكلَّفٍ، وإقامة الحدود على البهائم، ولو صحَّ لكانوا من الجنِّ؛ لأنَّ العبادات والتَّكليفات في الجنِّ والإنس دون غيرهما، انتهى والله تعالى أعلم.
          (قَالَ: كَانَ سَعْدٌ) هو: ابن أبي وقَّاص أحد العشرة المبشرة (يُعَلِّمُ بَنِيهِ هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ كَمَا يُعَلِّمُ الْمُعَلِّمُ الْغِلْمَانَ الْكِتَابَةَ، وَيَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلعم كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْهُنَّ دُبُرَ الصَّلاَةِ) أي: عقيبها بعد الفراغ أو عقيب التَّشهد (فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ) وقد مرَّ تفسيره [خ¦2821]، وإنَّما تعوَّذ منه لأنَّه يؤدِّي إلى عذاب الآخرة؛ لأنَّه يكون سبباً إلى الفرار من الزَّحف فيدخل تحت وعيد الله تعالى فقد باء بغضبٍ من الله، وربما يفتتن في دينه فيرتدُّ لجبن أدركه وخوف على مهجته من الأسر والعبوديَّة.
          (وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ) أي: عن الرَّد، وكلمة أن مصدرية (إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) وهو: الخرفُ؛ يعني: العود كهيئته الأُولى في أوان الطفولة، ضعيف البنية، سخيف العقل، قليل الفهم، ويقال: أرذلُ العمر أردؤه، وهو: حالةُ الهرم والضَّعف عن أداء الفرائض، وعن خدمة نفسه فيما يتنظَّف به، فيكون كَلَّاً على أهله، ثقيلاً بينهم، يتمنَّون موته، فإن لم يكن له أهل، فالمصيبة أعظم.
          (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا) هو أن يبيعَ الآخرة بما يتعجَّله في الدُّنيا من حالٍ أو مال (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ) قال عبد الملك بن عُمير (فَحَدَّثْتُ مُصْعَباً) هو: ابنُ سعد بن أبي وقَّاص ☺ (فَصَدَّقَهُ) وقال الحافظ المزي في «الأطراف» في رواية عَمرو بن ميمون هذه عن سعد: لم يذكر البخاري مصعباً وهو غريبٌ منه؛ فإنَّ هذا ثابتٌ عند البخاريِّ في جميع الرِّوايات، وذكره النَّسائي أيضاً.
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة في قوله: ((أعوذ بك من الجبن))، والحديث أخرجه التِّرمذي في الدعوات، والنَّسائي في الاستعاذة وفي اليوم والليلة.