الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: وهل ترك لنا عقيل من منزل

          4282- 4283- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ): هو: ابنُ بنتِ شرحبيل التَّميميُّ الدِّمشقيُّ، قال: (حَدَّثَنَا سَعْدَانُ): بفتحِ السين وسكونِ العينِ المهملتين، لقبٌ، واسمه: سعيدٌ (ابْنُ يَحْيَى): كوفيٌّ، نزل دمَشقَ، وليس له في البُخاريِّ سوى هذا الحديثِ، قال: (حَدَّثَنَا): بالجمع لغيرِ أبي ذَرٍّ والأصيليِّ وابنِ عساكرَ (مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ): بفتحِ الحاء والصَّاد المهملتين بينهما فاءٌ ساكنة، واسمه: مَيسرة البصريُّ، وكنيتُهُ: أبو سلمَةَ، وليس له في البُخاريِّ إلا هذا الحديثُ وآخر في الحجِّ قرَنَه بغيرِهِ.
          (عَنِ الزُّهْرِيِّ): هو: محمَّدُ بن شهابٍ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ): بضمِّ الحاء المهملة؛ أي: ابن عليِّ بن أبي طالبٍ (عَنْ عَمْرِو): بفتحِ العين (ابْنِ عُثْمَانَ): أي: ابن عفَّان (عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ): أي: ابن حارثةَ.
          (أَنَّهُ قَالَ زَمَنَ الْفَتْحِ): بنصب: ((زمن)) على الظَّرفيَّةِ، يقال: لكن قبلَ أن يدخلَ مكَّة بيوم (يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ تَنْزِلُ): بفوقيَّة مفتوحةٍ (غَداً؟ قَالَ النَّبِيُّ صلعم: وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ): بفتحِ العين (مِنْ مَنْزِلٍ): أي: مكانٍ يُنزل فيه؛ لتصرُّفِهِ فيه بإرثِهِ أبا طالبٍ، لتأخُّرِ إسلامِهِ.
           (ثُمَّ قَالَ): أي: النَّبيُّ صلعم (لاَ يَرِثُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ، وَلاَ يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُؤْمِنَ): أي: الشَّخصُ الكافرُ، والشَّخصُ المؤمنُ ليشملَ الإناثَ (قِيلَ لِلزُّهْرِيِّ): أي: محمد بن شهابٍ، قال في ((الفتح)): لم أقِفْ على اسم القائِلِ له (وَمَنْ): بالواو، ولأبي ذَرٍّ والأصيليِّ وابنِ عساكرَ بحذفها (وَرِثَ): بكسر الراء (أَبَا طَالِبٍ): أي: عمَّ رسُولَ الله (قَالَ): أي: الزُّهريُّ (وَرِثَهُ): أي: أبا طالب (عَقِيلٌ وَطَالِبٌ): لأنَّهما كانا كافرين؛ أي: دون جعفرٍ وعليٍّ؛ لأنَّهُما كانا مسلمين.
          وفيه إشارةٌ إلى موتِ أبي طالبٍ على الكُفرْ، وهو الصَّحيحُ، قال في ((الفتح)): وهذا يدلُّ على تقدُّمِ هذا الحكمِ من أوائِلِ الإسلام؛ لأنَّ أبا طالبٍ وفاته قبل الهجرةِ، قال: ويحتملُ أنَّ أبا طالبٍ لما مات قبل الهجرةِ استولى عَقيلٌ وطالبٌ على ما خلفَهُ أبو طالبٍ، وكان أبو طالبٍ وضعَ يدَهُ على ما خلفَهُ عبد الله والد النَّبيِّ ◙؛ لأنَّه كان شقيقه، وكان النَّبيُّ عند أبي طالبٍ بعد موتِ عبد المطَّلب، فلما مات أبو طالبٍ ثمَّ وقعَتْ / الهجرة ولم يسلِمْ أبو طالبٌ، وتأخَّرَ إسلام عقيلٍ استوليا على ما خلفَهُ أبو طالبٍ، ومات طالبٌ قبل بدرٍ، فاستولى عقيلٌ على الجميع؛ لأنَّه لم يكن أسلَمَ، ولم يأخذِ النَّبيُّ منه شيئاً بعد إسلامه تفضُّلاً عليه، وقيل: تآلفاً له، وقيل: تصحيحاً لتصرُّفاتِ الجاهليَّةِ، وقال: في قوله: ((وهل ترَكَ لنا عقَيلٌ من دارٍ)) إشارةٌ إلى أنَّهُ لو تركهَا بغيرِ بيعٍ لنزل فيها.
          وفيه تعقُّبٌ لقولِ الخطابيِّ: إنما لم ينزِلْ فيها؛ لأنَّها دورٌ هجرُوهَا في الله تعالى بالهجرةِ فلم يرَ أن يرجعَ في شيءٍ تركهُ لله، انتهى.
          قال: وفيه نظرٌ لا يخفى، فإنَّ الذي يختصُّ بالتَّرك إنَّما هو إقامةُ المهاجرِ في البلدِ التي هاجرَ منها كما مرَّ لا مجرَّدَ نزولِهِ في دارٍ يملكها إذا أقامَ المدَّةَ المأذُونَ فيها، وهي أيام النُّسُكِ وثلاثة أيام بعدَهُ، انتهى فتأمَّله.
          (قَالَ مَعْمَرٌ): أي: ابن راشدٍ (عَنِ الزُّهْرِيِّ): قال في ((الفتح)): أي: بالإسنادِ المذكور، وتقدَّمَتْ موصولةً في الجهادِ، وكذا قال القسطلَّانيُّ مما وصلهُ في الجهاد (أَيْنَ نَنْزِلُ غَداً فِي حَجَّتِهِ): أي: لا في فتحِ مكَّة (وَلَمْ يَقُلْ يُونُسُ): أي: ابن يزيد الأيليُّ: في (حَجَّتِهِ وَلاَ زَمَنَ الْفَتْحِ): أي: سكتَ عن ذلك.
          قال في ((الفتح)): وبقيَ الاختلافُ بين ابنِ أبي حفصَةَ ومَعمر، ومعمرٌ أوثَقُ وأتقنُ من ابنِ أبي حفصةَ.
          وسبقَ الحديثُ في بابِ: توريث دورِ مكَّةَ، من كتاب الحجِّ، مع الكلامِ عليه مبسُوطاً.