الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: دخل النبي مكة يوم الفتح وحول البيت

          4287- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ): أي: المروزيُّ، قال: (أَخْبَرَنَا): ولأبي ذَرٍّ والأصيليِّ: <حدَّثنا> (ابْنُ عُيَيْنَةَ): هو: سفيان (عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ): بفتحِ النون هو: عبدُ الله، وأبوه يسار (عَنْ مُجَاهِدٍ): أي: ابن جبْرٍ (عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ): بفتح الميمين، هو: عبدُ الله بن سخبرةَ.
          (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ): أي: ابن مسعودٍ (☺، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلعم مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ) وجملةُ: (وَحَوْلَ الْبَيْتِ): أي: الكعبةِ (سِتُّونَ وَثَلاَثُمِائَةِ نُصُبٍ): حاليَّةٌ، و((نُصُب)) بضم النون والصاد المهملة وقد تسكَّن، فموحدة، واحدَةُ الأنصاب مجرور تمييزٌ: ((ثلاثمائة))، وحُذِف تمييزُ: ((ستون)) لدلالةِ المذكُورِ عليه لكنَّه منصوبٌ، ثمَّ يحتملُ أن المذكورَ تمييزٌ عنها، فتأمَّل.
          قال الكرمانيُّ: النُّصُب: الصَّنمُ المنصوبُ للعبادةِ من دونِ الله، قال تعالى: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة:3].
          وقال في ((الفتح)): فقال: هو ما يُنصَب للعبادةِ من دونِ الله، ووقَعَ في روايةِ ابنِ أبي شيبةَ عن ابن عُيينةَ: صنمٌ بدل: ((نصب)) قال: ويطلَقُ النُّصُب ويرادُ به الحجارةُ التي كانوا يذبحُونَ عليها للأصنامِ، وليسَتْ مرادةً هنا، قال: وتطلَقُ الأنصَابُ على أعلامِ الطَّريقِ، وليست مرادةً هنا ولا في الآيةِ.
          قال في ((القاموس)): الأنصَابُ: حجَارةٌ كانت حَولَ الكَعبةِ تُنصَبُ فيُهَلُّ عليها، ويُذبَحُ لغيرِ اللهِ تعالى، ومن الحَرمِ: حدودُه.
          (فَجَعَلَ): أي: النَّبيُّ صلعم (يَطْعُنُهَا): بضمِّ العينِ على الأفصحِ (بِعُودٍ فِي يَدِهِ، وَيَقُولُ: جَاءَ الْحَقُّ): أي: الإسلامُ أو القرآنُ (وَزَهَقَ): أي: اضمحلَّ (الْبَاطِلُ): أي: الكفرُ (جَاءَ الْحَقُّ، وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ): أي: ولا ينشِئُ الكفر خلقاً ولا يعيدُهُ بعد هلاكِهِ، وقيل: لا يبدِئُ خير الأهلَّةِ ولا يعيدُ؛ لأنَّ الإبداءَ والإعادةَ من صفاتِ الحيِّ، وقيل: ((الباطلُ)): الأصنامُ، وقيل: إبليسُ؛ لأنَّه صاحبُ الباطِلِ، أو لأنَّه هالكٌ كما قيل له: الشَّيطانُ من شاطَ: إذا هلَكَ واحترَقَ، وقيل: ((ما)) استفهاميَّةٌ منصوبٌ بما بعدها.
          تنبيه: قال في ((الفتح)): وعند مسلمٍ من حديثِ أبي هريرةَ: يطعَنُ في عينِهِ بسِيَةِ القوس، وفي حديثِ / ابن عمرَ عند الفاكِهيِّ، وصحَّحهُ ابنُ حبَّان: فيسقُطُ الصَّنمُ ولا يمسُّهُ، وللفاكهيِّ والطَّبرانيِّ من حديث ابنِ عبَّاس: فلم يبقَ وثنٌ استقبلَهُ إلا سقطَ على قفاهُ، مع أنَّها كانت ثابتَةً بالأرضِ قد شدَّ لهم إبليسُ أقدامها بالرَّصاصِ، وفعلَ النَّبيُّ صلعم بها ذلك؛ لإذلالها لعابدِيهَا، ولإظهارِ أنَّها لا تضرُّ ولا تنفَعُ ولا تدفعُ عن نفسها شيئاً فكيف تصلُحُ للرُّبوبيَّةِ.
          قال الشَّاعرُ:
أربٌّ يبولُ الثُّعلُبانُ برأسِهِ                     لَقَدْ ذلَّ مَنْ بالَتْ عَلَيهِ الثَّعَالبُ
          وسبقَ حديثُ البابِ في باب: هل تكسرُ الدِّنانُ، من كتابِ المظالمِ.