عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

سورة براءة
  
              

          ░░░9▒▒▒ (ص) سورة بَرَاءَةَ.
          (ش) أي: هذه سورة براءة؛ يعني: في بيان بعض تفسيرها، وسيأتي معنى (براءة) عن قريبٍ إن شاء الله تعالى، وقال أبو الحسن بن الحصَّار: هي مدنيَّة باتِّفاق، وقال مقاتل: إلَّا آيتين من آخرها {لَقَدْ جَاءَكُمْ}[التوبة:128] إلى آخرها نزلت بِمَكَّةَ، وقيل: فيها اختلافٌ في أربع عشرة آيةً، وهي عشرة آلاف وثمان مئة وسبعة وثمانون حرفًا، وألفان وأربع مئة وسبعٌ وتسعون كلمةً، ومئة وثلاثون آيةً مدنيٌّ وبصريٌّ وشاميٌّ ومَكِّيٌّ، ومئة وعشرون وتسعٌ كوفيٌّ، ولها ثلاثة عشر اسمًا: اثنان مشهوران: براءة والتوبة، وسورة العذاب، والمُقَشقِشَة؛ لأنَّها تُقَشقِشُ عنِ النفاق؛ أي: تُبرِّئ، وقيل: مِن تقشَّش المريض؛ إذا برأ، والبَحوث؛ لأنَّها تبحث عن سرائر المنافقين، والفاضحة؛ لأنَّها فضحت المنافقين، والمبعثِرة؛ لأنَّها بعثرت أخبار الناس وكشفت عَن سرائرهم، والمُثيرة؛ لأنَّها أثارت مخازيَ المنافقين، والحافِرة؛ لأنَّها حفرت عن قلوبهم، والمشرِّدة؛ لأنَّها تشرِّد المنافقين، والمخزية؛ لأنَّها تخزي المنافقين، والمنكِّلة؛ لأنَّها تنكِّلهم، والمُدَمدِمة؛ لأنَّها تُدَمدِم عليهم.
          واختُلِفَ في سببِ سقوطِ البَسملة مِن أوَّلها:
          فقيل: لأنَّ فيها نقضَ العهد، والعرب في الجاهليَّة إذا نُقِضَ العهد الذي بينهم وبين قومٍ لم يكتبوا فيه البسملة، ولمَّا نزلت براءة بنقض العهد؛ قرأها عليهم عليٌّ ☺ ، ولم يُبَسْمِل؛ جَرْيًا على عادتهم.
          وقيل: لأنَّ عثمان ☺ قال: كانت الأنفال مِن أوائل ما نزلت وبراءة مِن آخره، وكانت قصَّتها شبيهةً بقصَّتها، وقُبِض النَّبِيُّ صلعم ولم يبيِّن لنا أنَّها منها، فظننتُ أنَّها منها، فمِن ثَمَّ قرنتُ بينهما، ولم أكتب بينهما البسملة، رواه الحاكم وصحَّحه.
          وقيل: لمَّا سقط أوَّلها سقطت البسملةُ معه، ورُوِيَ عن عثمان أيضًا، وقاله مالكٌ في رواية ابن وَهْبٍ وابن القاسم، وقال ابن عجلان: بلغني أنَّ براءة كانت تعدل البقرة أو قربها، فذهب منها؛ فلذلك لم تُكتَب البسملة.
          وقيل: لمَّا كُتِبَ المصحف في خلافة عثمان اختلفت الصحابة؛ فقال بعضهم: براءة والأنفال سورةٌ واحدة، وقال بعضهم: هما سورتان، فتُرِكَ بينهما فرجةٌ لقول مَن قال: إنَّهما سورتان، وتُرِكَت البسملةُ لقول مَن قال: هما سورة واحدة، وبه قال خارجةُ وأبو عِصمةَ وآخرون.
          وقيل: روى الحاكم في «مستدركه» عن ابن عَبَّاسٍ قال: سألتُ عليًّا ☺ عن ذلك، فقال: لأنَّ البسملة أمان، وبراءة نزلت بالسيف / ليس فيها أمان، قال القشيريُّ: والصحيحُ أنَّ التسمية لم تكتب فيها؛ لأنَّ جبريل ◙ ما نزل بها فيها، وروى الثعلبيُّ عن عائشة ♦: أنَّ سيِّدنا رسول الله صلعم قال: «ما نزل عليَّ القرآن إلَّا آيةً آيةً وحرفًا حرفًا، خلا سورة براءة و{قُلْ هُوَ اللهُ أَحَد} فَإِنَّهُما أنزلتا عليَّ ومعهما سبعون ألفًا مِنَ الملائكة».
          (ص) {مَرْصَدٍ} طَرِيقٌ.
          (ش) أشار به إلى قولِهِ تعالى: {وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ}[التوبة:5] أي: على كلِّ طريق، ويُجمَع على (مراصد) وهي الطُرُق.
          قوله: ({لَهُمْ}) أي: للكفَّار المشركين، ولم تقع هذه اللفظة إلَّا في بعض النُّسَخ.