شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قتل الصبيان في الحرب

          ░147▒ باب: قَتْلِ الصِّبْيَانِ في الْحَرْبِ
          فيه: ابْنُ عُمَر: (أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ في بَعْضِ مَغَازِي النَّبيِّ ◙، مَقْتُولَةً، فَأَنْكَرَ النَّبيُّ صلعم قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ). [خ¦3014]
          وترجم له باب قتل النساء في الحرب، وقال مكان (فَأَنكَرَ) ((فَنهَى)).
          ولا يجوز عند جميع العلماء قصد قتل نساء الحربيِّين ولا أطفالهم؛ لأنَّهم ليسوا ممَّن قاتل في الغالب. وقال تعالى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ}[البقرة:190]وبذلك حكم رسول الله في مغازيه أن تُقتَل المقاتلة وتُسبَى الذُّرِّيَّة؛ لأنَّهم مال للمسلمين إذا سبوا.
          واتَّفق الجمهور على أنَّ النِّساء والصِّبيان إذا قاتلوا قتلوا وهو قول / مالكٍ واللَّيث وأبي حنيفة والثَّوريِّ والأوزاعيِّ والشَّافعيِّ وأحمد وإسحاق وأبي ثورٍ، وقال الحسن البصريُّ: إن قاتلت المرأة وخرجت معهم إلى ديار المسلمين فلتقتل، وقد قتل رسول الله يوم قريظة والخندق أمَّ قِرفَةَ وقتل يوم الفتح قَينتين كانتا تغنِّيان بهجاء رسول الله.
          واتَّفق مالكٌ والكوفيُّون والأوزاعيُّ واللَّيث أنَّه لا يقتل الشُّيوخ ولا الرُّهبان، وأجاز قتلهم الشَّافعيُّ في أحد قوليه، واحتجَّ بأنَّ رسول الله أمر بقتل دريد بن الصِّمَّة يوم حنينٍ، وكذلك أجمعوا أنَّ من قاتل من الشُّيوخ أنَّه يقتل، واحتجَ الطَّحاويُّ فقال: قد روى علقمة بن مَرثَدٍ، عن بريدة، عن أبيه أنَّ الرَّسول صلعم كان إذا بعث سريَّةُ قال: ((لا تقتلوا شيخًا كبيرًا)).
          وهذا خلاف حديث دريدٍ، وقد قال رسول الله في حديث المرقَّع بن صيفيٍّ في المرأة المقتولة: ((ما كانت هذه تقاتل)). فدلَّ ذلك أنَّ من أبيح قتله هو الذي يقاتل، والذي يجمع بين الأحاديث أنَّ النَّهي من الرَّسول صلعم في قتل الشُّيوخ هم الذين لا معونة لهم على شيءٍ من أمر الحرب في قتلٍ ولا رأي.
          وحديث دريدٍ في الشُّيوخ الذين لهم معونة في الحرب كما كان لدريدٍ، فلا بأس بقتلهم، وإن لم يكونوا يقاتلون؛ لأنَّ تلك المعونة أشدُّ من كثيرٍ من القتال، وهذا قول محمَّد بن الحسن، وهو قياس قول أبي حنيفة أبي يوسف.