شرح النووي على صحيح البخاري
تأليف الإمام محيي الدين يحيى بن شرف أبو زكريا النووي
مقابلة وسام الشيخ أمين
مراجعة خالد عواد
التصنيف الرئيسي : الشروح
اسم الكتاب : شرح النووي على صحيح البخاري
اسم المؤلف الكامل : النووي محيي الدين يحيى بن شرف أبو زكريا
تاريخ الوفاة : 676
دار النشر : عطاءات العلم
تاريخ النشر : 1438
بلد النشر : المملكة العربية السعودية
المحقق : مقابلة وسام الشيخ أمين، مراجعة خالد عواد
الأجزاء : 1
حول الكتاب :
قدم الإمام النووي ☼ لكتابه بمقدمة تضمنت تعريفًا بالبخاري وكتابه في تسعة فصول افتتحها بالتعريف براوي الصحيح عن البخاري وختمها بذكر الرواة بيننا وبين البخاري، ثم سرد فصولًا في التعريف بالمصطلحات الحديثية وبلغت خمسة عشر فصلًا، ثم أنشأ فصلًا في ضبط جملة من الأسماء المتكررة في صحيحي البخاري ومسلم المشتبهة، ثم بدأ بالشرح فاخترمته المنية ☼ قبل أن يتم شرح الحديث الثامن والخمسين من الصحيح في كلام سيدنا جرير يوم مات المغيرة ☼.
حول المؤلف :
هو الإمام محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مُرِّي بن حسن بن حسين بن حزام الحزامي النووي.
لقبه محيي الدين، ومحيي السنة أيضاً، وكنيته أبو زكريا.
والنووي نسبة إلى بلدة (نَوى) التي وُلد فيها وأمضى شرخ شبابه.
وقد نسبه المؤرخون (النووي) بغير ألف، ويجوز في نسبته (النواوي) بألف بعد الواو الأولى، قال السخاوي: (وبإثباتها وحذفها قرأته بخط الشيخ) انتهى.ونوى بلدة صغيرة بين حوران ودمشق، على بعد 90 كيلومتراً جنوب دمشق.
مولده ونشأته: في المحرم بداية السنة الحادية والثلاثين بعد الستمائة من الهجرة النبوية ولد الإمام النووي، في هذه البُلَيْدَة الصغيرة (نوى)، البعيدة عن العواصم، وعن منابع العلم، ونشأ وأمضى القسم الأول من حياته، لكنه لم يعدم في بليدته هذه أساس الدين والعلوم، وهو القرآن الكريم، كما أنه وجد المعلم المرشد الذي يوجهه في التربية في شؤون دينه، وهو والده الشيخ الزاهد الورع ولي الله تعالى أبو يحيى الحزامي، ثم في شيخه المربي الشيخ ياسين بن يوسف الزركشي.
وفي سنٍّ مبكرة من الصغر وهي السابعة أصبح لديه إدراك فائق للأمور الدينية والأحاسيس الروحانية، دل على عظمة موهبته، وما أعطاه الله من صفاء فطرة، وشفافية حِسٍّ وسمو روح.
(ذكر أبوه أن ابنه يحيى كان نائماً إلى جنبه _وقد بلغ من العمر سبع سنين_ ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان، فانتبه نحو نصف الليل، وقال: يا أبتِ ما هذا الضوء الذي ملأ الدار ؟ !فاستيقظ الأهل جميعاً. قال: فلم نر كلنا شيئاً، قال والده: فعرفت أنها ليلة القدر).
وهكذا نشأ الإمام النواوي بهذه الفطرة والروح متوجهاً بِكُلِّيته إلى العبادة والقرآن، والتفكر والذكر، على غير ما ينشأ الصبيان.
يقول مرشده الشيخ ياسين الزركشي: (رأيت الشيخ محيي الدين وهو ابن عشر سنين بنوى، والصبيان يُكْرِهُونه على اللعب معهم، وهو يهرب منهم ويبكي لإكراهم، ويقرأ القرآن في تلك الحال، فوقع في قلبي حبه، وجعله أبوه في دُكّانه، فجعل لا يشتغل بالبيع والشراء عن القرآن، قال: فأتيت الذي يُقرئه القرآن فوصيته، وقلتُ له: هذا الفتى يُرجى أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم، وينتفع الناس به، فقال لي: مُنَجِّمٌ أنت ؟. فقلت لا، وإنما أنطقني الله بذلك. فذكر ذلك لوالده فحرص عليه إلى أن خَتَم القرآن، وقد ناهز الاحتلام).
طلبه للعلم:
هكذا وجد والد الإمام النووي في ابنه الشاب القابلية والاستعداد، فلما كان ابن تسع عشرة سنة قدم به والده إلى دمشق فسكن بالمدرسة الرواحية، وراح ينهل العلم من منابعه الصافية، في دمشق القرآن السابع الهجري، العامرة بالمعاهد، الآهلة بكبار العلماء.
وكما كانت نشأته في نوى عجباً، كذلك كان طلبه للعلم في دمشق عجباً، فإنه ما إن قدم دمشق سنة تسع وأربعين وستمائة حتى أكبّ على العلم، فحفظ كتاب « التنبيه » في أربعة أشهر ونصف والتنبيه كتاب جليل من تأليف الشيرازي، كان أكثر كتب الشافعية تداولاً، ثم قرأ النووي ربع كتاب المهذب حفظاً في باقي السنة، ثم حج مع أبيه، وأقام بالمدينة المنورة شهراً ونصفاً يحضر حلقات العلم فيها، ثم عاد إلى دمشق وقد نهل من أنوار المشاعر، والمناسك المقدسة، والزيارة المباركة، فلاحت عليه أمارات النجابة والفهم، فعكف على تحصيل العلوم، وأكثر من التحصيل جداً، بما يدل على موهبته وحرصه، وعلى كرامة الله إياه، وحتى ضُرب به المثل في إكبابه على طلب العلم ليلاً ونهاراً، وهجره النومَ إلا عند غلبته، وضبط أوقاته بلزوم الدرس، أو الكتابة، أو المطالعة، أو التردد إلى الشيوخ.
وقد حدّث النووي عن نفسه فيما روى عنه تلميذه العلاقة أبو الحسن العطار: أن الإمام النووي ذكر له أنه كان يقرأ كل يوم اثني عشر درساً على مشايخه شرحاً وتصحيحاً: درسين في الوسيط، ودرساً في المهذب، ودرساً في الجمع بين الصحيحين، ودرساً في صحيح مسلم، ودرساً في اللمع لابن جني، ودرساً في إصلاح المنطق، ودرساً في التصريف، ودرساً في أصول الفقه، ودرساً في أسماء الرجال، ودرساً في أصول الدين (أي العقائد).
ولم يكن الدرس عنده تلقياً مجرداً، بل تفهماً ومناقشة واستيعاباً، قال النووي يصف طلبه للعلم،: وكنت أعلق جميع ما يتعلق بها من شرح مشكل، ووضوح عبارة، وضبط لغة، وبارك الله تعالى في وقتي. وقال ابن كثير: ثم لزم المشايخ تصحيحاً وشرحاً، فكان يقرأ كل يوم اثني عشر درساً على المشايخ.
وقد خطر للإمام النووي أن يدرس علم الطب، يقول ☼: (وخطر لي أن أشتغل في الطب، واشتريت كتاب القانون، فأظلم قلبي، وبقيت أياماً لا أقدر على الاشتغال، فأفقت على نفسي، وبعت القانون، فأنار قلبي).
هكذا توجه الإمام النووي بكليته إلى العلوم الشرعية، ووسائلها علوم اللغة العربية، وتوسع في تحصيلها، ونوّع دراسته بما يحقق له التكامل، فقهاً، وأصول فقه، ونحواً وصرفاً، ولغة، وعقيدة.. حتى كمل تكوينه العلمي، ورسخ فيه، وبرع سريعاً كما قال الإمام السبكي: (وبارك الله له في العُمر اليسير، ووهبه العلم الكثير).
شيوخ الإمام النووي تلقى الإمام النووي العلم على نخبة من علماء عصره، كانت دمشق تزهو بهم، فاجتمع لديه ما تفرق عندهم، حتى كان إمام عصره في الحديث والفقه.
فمن شيوخه في الحديث الذين سمع منهم وأخذ عنهم:
1- الإمام المحدث الكبير الضياء بن تمام الحنفي، ولازمه في سماع الحديث وما يتعلق به، وعليه تخرج وبه انتفع.
2- شيخ الشيوخ الإمام عبد العزيز بن محمد الأنصاري المتوفى سنة 662.
3- القاضي عماد الدين عبد الكريم بن الحرستاني خطيب دمشق، المتوفى سنة 662.
4- الإمام المفيد المحدث الحافظ زين الدين خالد بن يوسف النابلسي، المتوفى سنة 663.
5- الحافظ أبو زكريا يحيى بن أبي الفتح الحرّاني الصيرفي، المتوفى سنة 678.
6- شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن الشيخ أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي، وهو أجلِّ شيوخه، توفي سنة 682.
7- الإمام تقي الدين أبو محمد إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر، كبير المحدثين ومسندهم المتوفى سنة 672.
وغيرهم من المحدثين في طبقتهم.
ومن شيوخه في الفقه:
1- أول شيوخه في الفقه الإمام المتفق على علمه وزهده وورعه وكثرة عبادته وعظم فضله الكمال إسحاق بن أحمد المغربي ثم المقدسي، المتوفى سنة 650، وكان معظم انتفاعه عليه.
2- ثم الإمام العارف الزاهد العابد الورع المتقن مفتي دمشق شمس الدين أبو محمد عبد الرحمن بن نوح، المقدسي، ثم الدمشقي،المتوفى سنة 654.
3- ثم الإمام المتقن المفتي أبو حفص عز الدين عمر بن أسعد الإربلي وكان النووي يتأدب كثيراً معه، ويخدمه في الأشياء اليسيرة التافهة.
4- ثم الإمام العالم المجمع على إمامته وتقديمه في علم المذاهب على أهل عصره في هذه النواحي: سلار بن الحسن الإربلي ثم الحلبي ثم الدمشقي، المتوفى سنة 670.
أخذ النووي عنهم الفقه قراءة وتصحيحاً، وسماعاً وشرحاً وتعليقاً.
ومن شيوخه في أصول الفقه:
القاضي عمر بن علي التفليسي، وفي النحو وعلوم العربية أحمد المصري، وابن مالك صاحب الألفية، وقرأ النووي على ابن مالك كتاباً من مصنفات ابن مالك، وغيرهم من الشيوخ العلماء كثير.
ولازم الاشتغال ليل نهار على شيوخه العلماء الفضلاء، وتلقى عنهم العلم والعمل والورع، حتى برع في العلوم ورسخ فيها، وتمكن في العلم بالعلم والزهد حتى صارت مواظبته على المجاهدة مثلاً عالياً.
قال تلميذه ابن العطار علاء الدين أبو الحسن علي بن إبراهيم الدمشقي فيما روى عنه الذهبي: ذكر لي شيخنا ⌂ أنه كان لا يضيع له وقتاً، لا في ليل ولا في نهار إلا في اشتغال، حتى في الطرق، وأنه دام على هذا ست سنين، ثم أخذ في التصنيف والإفادة، والنصيحة وقول الحق، مع ما هو عليه من المجاهدة بنفسه والعمل بدقائق الورع والمراقبة، وتصفية النفس من الشوائب، ومحقها من أغراضها، كان حافظاً للحديث وفنونه ورجاله، وصحيحه وعليله، رأساً في معرفة المذهب.
تلامذته:
وقد أقبل الطلبة على الإمام النووي ينهلون من بحور علمه، ويتلقون عنه، حتى تخرج به جماعة من العلماء الفحول، كوّنوا علومهم عليه، نذكر منهم:
1- القاضي صدر الدين سليمان الجعفري: خطيب داريا، المتوفى سنة 726، وهو ممن أثنى عليه النووي نفسه.
2- شهاب الدين الأربدي.
3- شهاب الدين أحمد بن محمد بن عباس بن جعوان.
4- علاء الدين علي بن أيوب المقدسي، المتوفى سنة 748 ونسخ للنووي متن المنهاج، وحرّره بضبط وإتقان تامّيْن.
5- بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة قاضي القضاة، المتوفى سنة 733، له مؤلفات منها (المنهل الروي) اختصر فيه علوم الحديث وتصرف فيه.
وفي الحديث خاصة: سمع منه أكابر المحدثين، منهم:
1- المحدث الحافظ أبو العباس أحمد بن فَرْح الإشبيلي، صاحب المنظومة الشهيرة في المصطلح غرامي صحيح، والمتوفى سنة 699.
2- المحدث الحافظ ابن أبي الفتح وهو من شيوخه كما سبق.
3- المزي الحافظ أبو الحجاج يوسف المزي صاحب كتاب تهذيب الكمال، قال الإمام السبكي في الطبقات الوسطى: روى عنه شيخنا المزي، قرأت عليه عنه جميع الأربعين التي له وشرح مشكلها.
4- علاء الدين أبو الحسن علي بن إبراهيم بن داود الدمشقي، المعروف بابن العطار، وهو من أخص تلامذته، وكان يخدمه، وله فيه ترجمة مفردة، قال فيها: (وسمع منه خلق من العلماء والحفاظ والصدور والرؤساء، وتخرج به خلق كثير من الآفاق، وسار علمه وفتاويه في البلدان)، توفي ابن العطار سنة 724، وكان يقال له: (مختصر النووي).
شخصية الإمام النووي: أوتي النووي الفضل في مظهره وشخصيته، كما أوتيه في علمه وعمله، قال عارفوه في وصفه: وكان أسمر كثّ اللحية، ربعة، مهيأ، قليل الضحك، عديم اللعب، بل هو جِدٌّ صِرف، يقول الحق وإن كان مراً، لا يخاف في الله لومة لائم. وكان في ملبسه مثل آحاد الفقهاء من الحوارنة، لا يؤبه له، وكانت لحيته سوداء فيها شعرات بيض، وعليه هيبة وسكينة.
ووصفوا خُلُقه بما يدل على غاية فضله ونبله، فقد كان ليّن القلب، سالكاً طريق السلف في الزهد في الدنيا، والمبالغة في الخشوع والورع، غزير الدمعة، كثير الصمت، حافظاً للسانه أشد الحفظ، غاضاً للطرف، طويل الفكر، حسن الأخلاق، إذا آذاه أحد يقول له: يا مبارك الحال، مثابراً على الصوم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أشد المواطن وأصعبها، محاسباً لنفسه، حافظاً لأوقاته، قد جَزَّأ كل وقت منها لنوع من العمل....
ذكر الإمام بدر الدين بن جماعة أنه سأل النووي عن نومه فقال: (إذا غلبني النوم استندتُ إلى الكتب لحظة وأنتبِه).
قال البدر: (وكنت إذا أتيته أزورُه يضع بعض الكتب على بعض، ليوسع لي مكاناً أجلسُ فيه).
ومن أخلاقه أنه كان من سعة علمه عديم النظير، وكان لا يرى الجدال ولا تعجبه المبالغة في البحث، ويتأذى ممن يجادل ويعرض عنه. وذلك أن النووي كان يحقق المسألة علمياً، وخوض الجدال بعد التحقيق يؤدي إلى آفات ومفاسد، فكان يبتعد عن الجدال، وكان ذلك دأب السلف رضي الله عنهم يدلي كل واحد بحجته، ويُذَكِّر صاحبه، ثم يعذر كل الآخر إذا لم يوافقه في اجتهاده.
وقال الإمام تاج الدين السبكي في النووي: الشيخ الإمام العلامة محيي الدين أبو زكريا شيخ الإسلام، أستاذ المتأخرين، وحجة الله على اللاحقين، والداعي إلى سبيل السالفين، كان يحيى ☼ سيَّداً وحصوراً، وليثَاً على النفس هصوراً، وزاهداً لم يبال بخراب الدنيا إذا صيّر دينه ربْعاً معموراً، له الزهد والقناعة، ومتابعة السالفين من أهل السنة والجماعة، والمصابرة على أنواع الخير لا يصرف ساعة في غير طاعة، هذا مع التفنن في أصناف العلوم، فقهاً ومتون أحاديث، وأسماء رجال، ولغة وتصوفاً، وغير ذلك.
وقال الإمام الذهبي: شيخ الإسلام، شيخ الشافعية، القدوة الزاهد العلم محيي الدين يحيى بن شرف النووي، وله سيرة مفردة في علومه وتصانيفه، ودينه ويقينه، وورعه وزهده، وقناعته باليسير، وتعبده وتهجده، وخوفه من الله تعالى.
وقال الشيخ شمس الدين بن الفخر الحنبلي: كان إماماً بارعاً، حافظاً متقناً، أتقن علوماً جمة، وصنف التصانيف الجمة، وكان شديد الورع والزهد، تاركاً لجميع الرغائب من المأكول إلا ما يأتيه به أبوه من كعك وتين، وكان يلبس الثياب الرثة المرقعة، ولا يدخل الحمام، وترك الفواكه جميعها، ولم يتناول من الجهات درهماً، ⌂ .
وقال ابن كثير في البداية والنهاية: محيي الدين أبو زكريا النووي ثم الدمشقي الشافعي، شيخ المذهب، وكبير الفقهاء في زمانه.. وقد كان من الزهادة والعبادة، والورع والتحري، والانجماع عن الناس على جانب كبير لا يقدر عليه أحد من الفقهاء غيره.
وقال ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة: الفقيه الشافعي، الحافظ الزاهد، صاحب المصنفات المشهورة، وفضله وعلمه وزهده أشهر من أن يُذكر.
وتلخص لنا خصائص النووي هذه العبارة التي رواها الإمام الذهبي قال: (وكان شيخنا ابن فَرْح يشرح على الشيخ الحديث، فقال نوبة: الشيخ محيي الدين قد صار إلى ثلاث مراتب ؛ كل مرتبة لو كانت لشخص لَشُدَّت إليه الرحال: العلم، والزهد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر).
هذه العبارة تلخص لنا أهل خصائص الإمام النووي، التي تميز بها، نفصلها لك فيما يلي: عبادته وخشوعه: ظهر توجه الإمام النووي إلى العبادة والتقوى بل ولعه بهما منذ حداثة سنّه، بملازمته قراءة القرآن، حتى وهو يلعب مكرهاً مع الصبيان، ثم في عمله، عندما ألحقه أبوه بالدكان، مما لفت إلهي نظر شيخه، وكلم معلمه الذي يعلمه القرآن في شأنه للاعتناء به، وقال له: (هذا الصبي أرجو أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم وينتفع الناس به).
وأجمع مترجموه على وصفه بغاية التعبد والخشوع ☺ ، وتأمل هذا الموقف له في العبادة، يصفه العالم الفاضل أبو عبد الله محمد البعلي، يقول: كنت ليلة في أواخر الليل بجامع دمشق، والشيخ واقف يصلي إلى سارية في ظلمة، وهو يردِّدُ قولَه تعالى: { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ } [الصافات:24] مراراً بخوف وخشوع، حتى حصل عندي من ذلك أمر عظيم.
وقد ظل على هذا الحال، بل في الازدياد منه، بملازمة العبادة، والأوراد، والصيام والذكر، عملاً منه بسنة النبي صلعم، فقد ثبت أنه كان النبي صلعم يذكر الله على كل أحيانه، ولقوله تعالى: { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } [آل عمران:191]، وقوله تعالى: { وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ } [الأحزاب:35].
زهده: ضرب الإمام النووي في الزهد مثلاً عالياً، في جميع أحواله، حتى كانت سيما الزهد عليه واضحة.
كان من صفاته كما ذكر العلماء ملازمة الصبر على العيش الخشن في المأكل والملبس ملازمة كية لا مزيد عليها، ملبسة ثوب خام، وعمامته شبختانية صغيرة، مقتصداً إلى الغاية في ملبسه ومطعمه وأثاثه، تعلوه سكينة وهيبة.
وكان لا يأخذ من حقوقه في الأوقاف شيئاً، مكتفياً بالسكن في الرواحية، ويقتات بما يرسله له أبوه من نوى من كعك وتين، وظل على هذا الحال عندما نبَّه شأنه، وسار ذكره في الناس وأسندت إليه وظائف تدريس العلوم، وترأس مشيخة دار الحديث، فظل على هذا الحال، ولم يقبل من الأوقاف وجهات الصرف على هذه الوظائف ومخصصاتها المالية شيئاً، وكان يجمع ذلك عند الناظر ويشتري به كتباً أو أشياء يوقفها لتلك الجهات.
كذلك كان لا يقبل الهدايا ممن يشتغل عليه، وذلك لأنهم نصوا على أنه يكره أن يقبل الأستاذ من تلامذته شيئاً، لئلا يشبه أخذ الأجرة منهم، ويقبل الهدية_في النادر_ ممن لا يشتغل عليه، وقد أهدى إليه فقيرٌ إبريقاً فقبله، ولهذا دلالة واضحة لا تخفى.
وكان الإمام النووي يتخفف ويقل من الطعام والشراب، فيأكل كلّ يوم أكلة، ويشرب شربة عند السحر.
وكان لا يجمع في طعامه لونين إلا نادراً.
وكان الإمام النووي ☺ يصير على هذه المجاهدة، ولا يبالي عذل العاذلين، من العلماء والمحبين. قال العلامة رشيد الدين إسماعيل الحنفي شيخ الإمام الذهبي: عذلتُ الشيخ محيي الدين في عدم دخوله الحمّام، وتضييق العيش في مأكله وملبسه وأحواله، وخوّفْتُه من مرض يعطل عن الاشتغال ؟ !، فقال: إن فلاناً صام وعبَدَ الله حتى اخضرّ جلده.
وكان يمتنع من أكل الفواكه والخيار، ويقول: أخاف أن يرطب جسمي ويجلب النوم، فهذا سبب ترك الخيار.
ويبدي الإمام النووي سبباً في امتناعه عن أكل الفواكه فيقول: دمشق كثيرة الأوقاف، وأملاك من تحت الحَجْرِ والتصرُّف لهم لا يجوز إلا على وجه الغبطة لهم، ثم المعاملة فيها على وجه المساقاة، وفيها خلاف، فكيف تطيب نفسي بأكل ذلك ؟ !.
وهذا يبين لنا غاية الورع في بُعد النووي عن الشبهات غاية البعد وذلك من وجهين دقيقين يلحظهما، هما: البعد عما يخشى وقوع المخالفة الشرعية فيه من الغير، ومراعاة الخلاف بين الفقهاء.
قال الإمام الذهبي في زهد النووي وورعه:(وكان مع تبحره في العلم وسعة معرفته بالحديث والفقه واللغة وغير ذلك مما قد سارت به الركبان- رأساً في الزهد، قدوة في الورع، عديم المثل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قانعاً باليسير، راضياً عن الله، والله عنه راضٍ).
وقال الإمام تاج الدين السّبكي: (ودرّسَ بدار الحديث الأشرفية وغيرها، ولم يتناول فلساً واحداً، ولا انتقل من بيته الذي في الرّواحيّة، وهو بيت لطيف عجيب الحال، وكان لا يشرب إلا مرة واحدة عند السَّحر، وما أكل شيئاً من فاكهة دمشق، ولا قبل من أحد شيئاً. وبالجملة كان قطب زمانه، وسيّد وقته، وسِرُّ الله في خلقه، والتطويل بذكر كراماته تطويل في مشهور، وإسهاب في معروف).
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
وكان للإمام النووي الحظ الأوفى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في العامة والخاصة، الكبير والصغير، الملك والرعية، حتى صار عند المؤرخين أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر أشهر من أن يُذكر_كما قال السُّبكيُّ_ وحكاياته مع الملك الظاهر ومواجهتُه له غير مرة ومكاتباته التي أرسلها إليه معروفة مشهورة.
وقال ابن كثير: (وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر للملوك وغيرهم).
وقال الذهبي: (وكان يواجه الملوك والظلمة بالإنكار، ويكتب إليهم، ويخوفهم بالله تعالى)، وقال أيضاً: (عديمَ المثل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
وجدير بالذكر هنا أن الملوك في عصر النووي_ ولا سيما الملك الظاهر بيبرس البندقداري_ كانوا من ملوك الإسلام الأقوياء الذين خاضوا غمار المعارك ضد الصليبيين، وسجلوا الانتصارات الباهرة عليهم، وعلى التتار.
ومن أمثلة مواقف النووي ☺ ومكاتباته الكتاب الذي أرسله إلى الملك الظاهر بيبرس بواسطة أحد كبار الموظفين في دمشق. وكان من سبب هذا الموقف من الملك الظاهر إغراء بعض المنافقين من المتزيين بزي العلم، الذين لا يخلو منهم زمان، يتزلفون إلى الحكام بتزيين كل ما هم فيه، وبالنبل من الناصحين المخلصين .
على أن ذلك لم يفتّ في عضد النووي وهو يقرأ في كتاب الله وفي حديث رسول الله الحض المؤكد على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والوصية بالصبر، والترغيب فيما عند الله، والتزهيد في الدنيا، والحثّ على النصيحة، حتى جُعِلت معيار الدين وأساسه الدين النصيحة، مما نجد مكاتبات النووي تحفل به من هذه المعاني، في كتبه للملوك والرؤساء، يذكرهم بها، ويعظهم بإيراداها في كتاباته إليهم. كتب الإمام النووي في الجواب على هذا الرد العنيف: (بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العلامين، اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، من عبد الله يحيى النواوي: يُنْهِي أن خَدمة الشرع كانوا كتبوا ما بلغ السلطان أعز الله أنصاره، فجاء الجواب بالإنكار والتهديد..).
وقال في كتابه هذا: (وإنما يُستعان في الجهاد وغيره بالافتقار إلى الله تعالى، واتباع النبي صلعم، وملازمة أحكام الشرع...). //(وأما ما ذُكِرَ في الجواب من كوننا لم ننكر على الكفار كيف كانوا في البلاد ؟ !، فكيف تُقاسُ ملوكُ الإسلام وأهل الإيمان والقرآن بطغاة الكفار، وهم لا يعتقدون شيئاً من ديننا ). (وأما تهديد الرعبة بسبب نصيحتنا وتهديد طائفة فليس هو المرجو من عدل السلطان وحِلمه.... وأما أنا في نفسي فلا يضرني التهديد ولا أكثر منه، ولا يمنعني ذلك من نصيحة السلطان، فإني أعتقد أن هذا واجب عليّ وعلى غيري، وما ترتب على الواجب فهو في خير وزيادة عند الله تعالى ؛ {إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر:37])، {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:44].
وكان لا يكتفي بمكاتبة الملك الظاهر، بل يعمد لمقابلته ومكالمته، وكان من عادة الملوك تخصيص يوم في الأسبوع لمقابلة مراجعات الناس، وكان للملك الظاهر يوم في الأسبوع في دار العدل، يوقع فيه على أحكام القضاة، فكان النووي يواقف الملك ويكلمه، وكان لهذه المقابلات أثرها البليغ في نفس الظاهر.
يحدثنا عن هذا الأثر الشيخ العلامة قطب الدين اليونيني يقول: (كان أوحد زمانه في العلم والورع والعبادة، والتقلل، وخشونة العيش، واقف الملك الظاهر بدار العدل غير مرة)، فحكي عن الملك الظاهر أنه قال: (أنا أفزع منه).
هذا والملك الظاهر هو ركن الدين بيبرس البندقداري، وكان قبل ملكه الرجل الأول في معركة عين جالوت الفاصلة، التي قهر المسلمون فيها التتار، بقيادة الملك المظفر قطز، وباء فيها التتار بالخزي والدمار، والظاهر هو صاحب الفتوحات الكثيرة التي قهر فيها الصليبيين، كما أنه صاحب السلطان الواسع الذي شمل مصر وبلاد الشام وغيرهما، وإذا به يهاب النووي هذه الهيبة.
اشتغل الإمام النووي بعلوم متنوعة من علوم اللغة والشرع، من أيام الطلب والتحصيل، ووجه عنايته أكثر إلى علمين جليلين هما: الفقه، والحديث. أما الفقه فأخذه، أئمة المذهب الشافعي الذين ذكرنا طائفة منهم، ودرس عليهم أمهات كتب المذهب. وأما الحديث فقد توسع فيه كثيراً (فسمع الكتب الستة، والمسند، والموطأ، وشرح السنة للبغوي، وسنن الدارقطني وأشياء كثيرة، وقرأ كتاب الكمال في أسماء الرجال للحافظ عبد الغني المقدسي، وشرح في أحاديث الصحيحين...).
وهذه مؤلفاته في الفقه تدلك بما يورد فيها من الأحاديث والتخريج والدراية وأنواع الدراسة على سعة تبحره في الحديث وإحاطته. ثم تفرغ للاشتغال بنشر العلم تدريساً وتصنيفاً، فبلغ في التدريس أقصى غاية، بما أُسنِد إليه من الدروس، حتى ولي مشيخة دار الحديث الأشرفية، كما بلغ في التصنيف الغاية القصوى، ولاسيما في الفقه والحديث.
عكف على الفقه الشافعي يستدل له بالأدلة الدقيقة، ويحرره، ويوضح القول القوي من الضعيف فيه: والصحيح من الأصح، وصف في ذلك أنواعاً من الكتب المختصرة والمطولة، فعني العلماء بعمله الجليل، وانتهوا إلى الإقرار بفضله، وأنه محرر المذهب الشافعي بالإجماع.
وحسبنا مثلاً على ذلك كتابه المختصر (منهاج الطالبين)، فقد حاز الاعتماد العلمي، فوضعت عليه شروح يصعب حصرها وإحصاؤها. وكتابه (المجموع شرح المهذب) وشهرته وحرص العلماء عليه، على الرغم من أنه لم يكمل. قال الإمام ابن كثير، (ومما لم يتممه_ ولو كمل لم يكن له نظير في بابه _ شرح المهذب الذي سماه (المجموع)، وصل فيه إلى كتاب الربا، فأبدع فيه وأجاد وأفاد، وأحسن الانتقاد، وحرر الفقه فيه في المذهب وغيره، وحرر الحديث على ما ينبغي، والغريب واللغة، أشياء مهمة لا توجد إلا فيه....). وفي الحديث سارت بكتبه الركبان، كالأربعين حديثاً، والأذكار، ورياض الصالحين، وكذا شرح لصحيح مسلم، حتى لا يخطر ببال الناس غيره شرحاً لصحيح مسلم، وكتابه التقريب في المصطلح الذي شرح السيوطي في كتابه تدريب الراوي، واعتمد أساساً للتكوين في المصطلح، وغير ذلك من كتبه ☺ .
مؤلفاته:
كثرت مؤلفات النووي وتنوعت، وأكب الناس وأهل العلم عليها، لما وجدوا فيها من الفوائد الغزيرة، والتحقيق الدقيق، ولما تميزت به من سهولة المنزع وقرب المأخذ، والبعد عن التكلف والتعقيد، وتحاشي الغموض والإبهام، هذا مع تنوعها في عدة علوم وفنون، وقد بلغت نحواً من الخمسين كتاباً، ألفها في الزمن اليسير والعمر القصير، مما يدل على ما آتاه الله تعالى من البركة في علمه وعمله. وقد أثنى العلماء على مؤلفاته، وأشادوا بها.
قال الشيخ العلامة شمس الدين بن الفخر الحنبلي: (وكان إماماً بارعاً، حافظاً متقناً، أتقن علوماً جمة، وصنف التصانيف الجمة).
وقال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء: الشيخ الإمام القدوة، الحافظ الزاهد، الفقيه المجتهد، الرباني، شيخ الإسلام، حسنة الأنام، محيي الدين، صاحب التصانيف التي سارت بها الركبان، واشتهرت بأقاصي البلدان.
فمن مؤلفاته في الحديث:
1- المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج ط.
2- رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين. أنهاه سنة ░670▒ ط.
3- الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار أنهاه سنة ░667▒. ط.
4- شرح البخاري، وهو آخر مصنف كتبه ولم يكمله، وهو كتابنا هذا.
5- التقريب والتيسير إلى حديث البشير النذير، مختصر كتابه الإرشاد مطبوع بشرحه الحافل تدريب الراوي للسيوطي، ومترجم للغة الفرنسية منذ زمن بعيد. ط.
6- المبهمات، ط.
7- الخلاصة في أحاديث الأحكام، لم يكمله. ط.
8- إرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة سنن خير الخلائق. ط
9- الأربعون في جوامع الإسلام، أنهاه سنة ░668▒
ومن مؤلفاته في الفقه:
1- روضة الطالبين، مطبوع في 12 مجلداً.
2- المجموع شرح المهذب، وصل إلى الربا ولم يكمله، ثم أكمله السبكي وتوفي قبل إنجازه. ط.
3- منهاج الطالبين وعمدة المفتين. ط.
4- الإيضاح في مناسك الحج. ط.
5- المنثورات في الفقه، وهو فتاواه، مطبوع بعنوان فتاوى الإمام النووي. ط.
6و7- كتابا (تحرير التنبيه)، و (تصحيح لغات التنبيه). مطبوعان.
8- التحقيق، وهو خلاصة كلامه في الفقه، لم يتمه، وصل فيه إلى صلاة المسافر، ط.
ومن مؤلفاته في العلوم الأخرى:
1- بستان العارفين، وهو كتاب تصوف لطيف ط.
2- التبيان في آداب حَمَلةِ القرآن. ط.
3- الترخيص بالقيام لذوي الفضل والمزية من أهل الإسلام. ط.
4- تهذيب الأسماء واللغات. ط.
5- التبيان والمواعظ، وله مختصر عليه أيضاً.
وبالجملة فمؤلفاته كثيرة، تشهد كثرتها أنها كرامة من الله له، في البركة الظاهرة له في علمه وعمله وعُمُره، ☺ وأرضاه.
وفاته: هكذا مضى الإمام النووي في حياته على هذه السيرة المرضية، جهاداً للنفس، وجهاداً لإعلاء الحق في المجتمع، وزهداً وترفعاً على حطام الدنيا، وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر_ دون فرق بين ملك ورعية _ وخدمةً للعلم، تدريساً وتصنيفاً مفيداً محققاً، حتى وافته المنية، ولا يزال في مقتبل العمر، ابن خمس وأربعين سنة، سنة ست وسبعين وستمائة، في الرابع والعشرين من شهر رجب، كما اتفقت عليه المصادر في تعيين الشهر أنه رجب.
ثناء العلماء عليه:
استفاض ثناء العلماء والأئمة على الإمام النووي بالإمام في العلم، وعلوم القدم في الورع والزهد والتحلي بالمكارم والفضائل.
قال الإمام الذهبي في الطبقة العشرين من تذكرة الحفاظ: (الإمام الحافظ الأوحد القدوة، شيخ الإسلام، عَلَم الأولياء، محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري الحزامي، الحوراني الشافعي صاحب التصانيف النافعة).
وقال في أول الطبقة الحادية والعشرين: (النواوي شيخ الإسلام، محيي الدين، هو سيد أهل هذه الطبقة، وإنما ذكرته في الطبقة العشرين لتقدم موته، رحمة الله تعالى عليه).
عملنا :
قابلنا الكتاب على خمس نسخ خطية، هي:
1- نسخة المكتبة الأزهرية ░449 رواق الأتراك▒ وهي نسخة نفيسة تعود لسنة ░763▒ تداولتها أيدي علماء في ░68▒ لوحة اعتمدناها أصلًا، ورمزنا لها بالرمز (ز).
2 – نسخة مكتبة لايبزك بألمانيا وهي نسخة نفيسة تعود لسنة ░773▒ عليها تملك الشيخ عبد الرحمن الكزبري، في ░164▒ لوحة، رمزنا لها بالرمز (ك).
3- نسخة قليج علي بتركيا ░243▒ وهي بعد تمام المقابلة ظهرت لنا أنها أنفس النسخ على الإطلاق، تعود لسنة ░703▒، في ░108▒ لوحات، رمزنا لها بالرمز (ك).
4- نسخة دار الكتب المصرية تعود لسنة ░774▒، في ░90▒ لوحة، رمزنا لها بالرمز (ص).
5- نسخة مبتورة الأول من مكتبة الملك عبد العزيز تعود للقرن ░10▒ تقديرًا، في ░41▒ لوحة، رمزنا لها بالرمز (ع).
اسم الكتاب : شرح النووي على صحيح البخاري
اسم المؤلف الكامل : النووي محيي الدين يحيى بن شرف أبو زكريا
تاريخ الوفاة : 676
دار النشر : عطاءات العلم
تاريخ النشر : 1438
بلد النشر : المملكة العربية السعودية
المحقق : مقابلة وسام الشيخ أمين، مراجعة خالد عواد
الأجزاء : 1
حول الكتاب :
قدم الإمام النووي ☼ لكتابه بمقدمة تضمنت تعريفًا بالبخاري وكتابه في تسعة فصول افتتحها بالتعريف براوي الصحيح عن البخاري وختمها بذكر الرواة بيننا وبين البخاري، ثم سرد فصولًا في التعريف بالمصطلحات الحديثية وبلغت خمسة عشر فصلًا، ثم أنشأ فصلًا في ضبط جملة من الأسماء المتكررة في صحيحي البخاري ومسلم المشتبهة، ثم بدأ بالشرح فاخترمته المنية ☼ قبل أن يتم شرح الحديث الثامن والخمسين من الصحيح في كلام سيدنا جرير يوم مات المغيرة ☼.
حول المؤلف :
هو الإمام محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مُرِّي بن حسن بن حسين بن حزام الحزامي النووي.
لقبه محيي الدين، ومحيي السنة أيضاً، وكنيته أبو زكريا.
والنووي نسبة إلى بلدة (نَوى) التي وُلد فيها وأمضى شرخ شبابه.
وقد نسبه المؤرخون (النووي) بغير ألف، ويجوز في نسبته (النواوي) بألف بعد الواو الأولى، قال السخاوي: (وبإثباتها وحذفها قرأته بخط الشيخ) انتهى.ونوى بلدة صغيرة بين حوران ودمشق، على بعد 90 كيلومتراً جنوب دمشق.
مولده ونشأته: في المحرم بداية السنة الحادية والثلاثين بعد الستمائة من الهجرة النبوية ولد الإمام النووي، في هذه البُلَيْدَة الصغيرة (نوى)، البعيدة عن العواصم، وعن منابع العلم، ونشأ وأمضى القسم الأول من حياته، لكنه لم يعدم في بليدته هذه أساس الدين والعلوم، وهو القرآن الكريم، كما أنه وجد المعلم المرشد الذي يوجهه في التربية في شؤون دينه، وهو والده الشيخ الزاهد الورع ولي الله تعالى أبو يحيى الحزامي، ثم في شيخه المربي الشيخ ياسين بن يوسف الزركشي.
وفي سنٍّ مبكرة من الصغر وهي السابعة أصبح لديه إدراك فائق للأمور الدينية والأحاسيس الروحانية، دل على عظمة موهبته، وما أعطاه الله من صفاء فطرة، وشفافية حِسٍّ وسمو روح.
(ذكر أبوه أن ابنه يحيى كان نائماً إلى جنبه _وقد بلغ من العمر سبع سنين_ ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان، فانتبه نحو نصف الليل، وقال: يا أبتِ ما هذا الضوء الذي ملأ الدار ؟ !فاستيقظ الأهل جميعاً. قال: فلم نر كلنا شيئاً، قال والده: فعرفت أنها ليلة القدر).
وهكذا نشأ الإمام النواوي بهذه الفطرة والروح متوجهاً بِكُلِّيته إلى العبادة والقرآن، والتفكر والذكر، على غير ما ينشأ الصبيان.
يقول مرشده الشيخ ياسين الزركشي: (رأيت الشيخ محيي الدين وهو ابن عشر سنين بنوى، والصبيان يُكْرِهُونه على اللعب معهم، وهو يهرب منهم ويبكي لإكراهم، ويقرأ القرآن في تلك الحال، فوقع في قلبي حبه، وجعله أبوه في دُكّانه، فجعل لا يشتغل بالبيع والشراء عن القرآن، قال: فأتيت الذي يُقرئه القرآن فوصيته، وقلتُ له: هذا الفتى يُرجى أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم، وينتفع الناس به، فقال لي: مُنَجِّمٌ أنت ؟. فقلت لا، وإنما أنطقني الله بذلك. فذكر ذلك لوالده فحرص عليه إلى أن خَتَم القرآن، وقد ناهز الاحتلام).
طلبه للعلم:
هكذا وجد والد الإمام النووي في ابنه الشاب القابلية والاستعداد، فلما كان ابن تسع عشرة سنة قدم به والده إلى دمشق فسكن بالمدرسة الرواحية، وراح ينهل العلم من منابعه الصافية، في دمشق القرآن السابع الهجري، العامرة بالمعاهد، الآهلة بكبار العلماء.
وكما كانت نشأته في نوى عجباً، كذلك كان طلبه للعلم في دمشق عجباً، فإنه ما إن قدم دمشق سنة تسع وأربعين وستمائة حتى أكبّ على العلم، فحفظ كتاب « التنبيه » في أربعة أشهر ونصف والتنبيه كتاب جليل من تأليف الشيرازي، كان أكثر كتب الشافعية تداولاً، ثم قرأ النووي ربع كتاب المهذب حفظاً في باقي السنة، ثم حج مع أبيه، وأقام بالمدينة المنورة شهراً ونصفاً يحضر حلقات العلم فيها، ثم عاد إلى دمشق وقد نهل من أنوار المشاعر، والمناسك المقدسة، والزيارة المباركة، فلاحت عليه أمارات النجابة والفهم، فعكف على تحصيل العلوم، وأكثر من التحصيل جداً، بما يدل على موهبته وحرصه، وعلى كرامة الله إياه، وحتى ضُرب به المثل في إكبابه على طلب العلم ليلاً ونهاراً، وهجره النومَ إلا عند غلبته، وضبط أوقاته بلزوم الدرس، أو الكتابة، أو المطالعة، أو التردد إلى الشيوخ.
وقد حدّث النووي عن نفسه فيما روى عنه تلميذه العلاقة أبو الحسن العطار: أن الإمام النووي ذكر له أنه كان يقرأ كل يوم اثني عشر درساً على مشايخه شرحاً وتصحيحاً: درسين في الوسيط، ودرساً في المهذب، ودرساً في الجمع بين الصحيحين، ودرساً في صحيح مسلم، ودرساً في اللمع لابن جني، ودرساً في إصلاح المنطق، ودرساً في التصريف، ودرساً في أصول الفقه، ودرساً في أسماء الرجال، ودرساً في أصول الدين (أي العقائد).
ولم يكن الدرس عنده تلقياً مجرداً، بل تفهماً ومناقشة واستيعاباً، قال النووي يصف طلبه للعلم،: وكنت أعلق جميع ما يتعلق بها من شرح مشكل، ووضوح عبارة، وضبط لغة، وبارك الله تعالى في وقتي. وقال ابن كثير: ثم لزم المشايخ تصحيحاً وشرحاً، فكان يقرأ كل يوم اثني عشر درساً على المشايخ.
وقد خطر للإمام النووي أن يدرس علم الطب، يقول ☼: (وخطر لي أن أشتغل في الطب، واشتريت كتاب القانون، فأظلم قلبي، وبقيت أياماً لا أقدر على الاشتغال، فأفقت على نفسي، وبعت القانون، فأنار قلبي).
هكذا توجه الإمام النووي بكليته إلى العلوم الشرعية، ووسائلها علوم اللغة العربية، وتوسع في تحصيلها، ونوّع دراسته بما يحقق له التكامل، فقهاً، وأصول فقه، ونحواً وصرفاً، ولغة، وعقيدة.. حتى كمل تكوينه العلمي، ورسخ فيه، وبرع سريعاً كما قال الإمام السبكي: (وبارك الله له في العُمر اليسير، ووهبه العلم الكثير).
شيوخ الإمام النووي تلقى الإمام النووي العلم على نخبة من علماء عصره، كانت دمشق تزهو بهم، فاجتمع لديه ما تفرق عندهم، حتى كان إمام عصره في الحديث والفقه.
فمن شيوخه في الحديث الذين سمع منهم وأخذ عنهم:
1- الإمام المحدث الكبير الضياء بن تمام الحنفي، ولازمه في سماع الحديث وما يتعلق به، وعليه تخرج وبه انتفع.
2- شيخ الشيوخ الإمام عبد العزيز بن محمد الأنصاري المتوفى سنة 662.
3- القاضي عماد الدين عبد الكريم بن الحرستاني خطيب دمشق، المتوفى سنة 662.
4- الإمام المفيد المحدث الحافظ زين الدين خالد بن يوسف النابلسي، المتوفى سنة 663.
5- الحافظ أبو زكريا يحيى بن أبي الفتح الحرّاني الصيرفي، المتوفى سنة 678.
6- شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن الشيخ أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي، وهو أجلِّ شيوخه، توفي سنة 682.
7- الإمام تقي الدين أبو محمد إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر، كبير المحدثين ومسندهم المتوفى سنة 672.
وغيرهم من المحدثين في طبقتهم.
ومن شيوخه في الفقه:
1- أول شيوخه في الفقه الإمام المتفق على علمه وزهده وورعه وكثرة عبادته وعظم فضله الكمال إسحاق بن أحمد المغربي ثم المقدسي، المتوفى سنة 650، وكان معظم انتفاعه عليه.
2- ثم الإمام العارف الزاهد العابد الورع المتقن مفتي دمشق شمس الدين أبو محمد عبد الرحمن بن نوح، المقدسي، ثم الدمشقي،المتوفى سنة 654.
3- ثم الإمام المتقن المفتي أبو حفص عز الدين عمر بن أسعد الإربلي وكان النووي يتأدب كثيراً معه، ويخدمه في الأشياء اليسيرة التافهة.
4- ثم الإمام العالم المجمع على إمامته وتقديمه في علم المذاهب على أهل عصره في هذه النواحي: سلار بن الحسن الإربلي ثم الحلبي ثم الدمشقي، المتوفى سنة 670.
أخذ النووي عنهم الفقه قراءة وتصحيحاً، وسماعاً وشرحاً وتعليقاً.
ومن شيوخه في أصول الفقه:
القاضي عمر بن علي التفليسي، وفي النحو وعلوم العربية أحمد المصري، وابن مالك صاحب الألفية، وقرأ النووي على ابن مالك كتاباً من مصنفات ابن مالك، وغيرهم من الشيوخ العلماء كثير.
ولازم الاشتغال ليل نهار على شيوخه العلماء الفضلاء، وتلقى عنهم العلم والعمل والورع، حتى برع في العلوم ورسخ فيها، وتمكن في العلم بالعلم والزهد حتى صارت مواظبته على المجاهدة مثلاً عالياً.
قال تلميذه ابن العطار علاء الدين أبو الحسن علي بن إبراهيم الدمشقي فيما روى عنه الذهبي: ذكر لي شيخنا ⌂ أنه كان لا يضيع له وقتاً، لا في ليل ولا في نهار إلا في اشتغال، حتى في الطرق، وأنه دام على هذا ست سنين، ثم أخذ في التصنيف والإفادة، والنصيحة وقول الحق، مع ما هو عليه من المجاهدة بنفسه والعمل بدقائق الورع والمراقبة، وتصفية النفس من الشوائب، ومحقها من أغراضها، كان حافظاً للحديث وفنونه ورجاله، وصحيحه وعليله، رأساً في معرفة المذهب.
تلامذته:
وقد أقبل الطلبة على الإمام النووي ينهلون من بحور علمه، ويتلقون عنه، حتى تخرج به جماعة من العلماء الفحول، كوّنوا علومهم عليه، نذكر منهم:
1- القاضي صدر الدين سليمان الجعفري: خطيب داريا، المتوفى سنة 726، وهو ممن أثنى عليه النووي نفسه.
2- شهاب الدين الأربدي.
3- شهاب الدين أحمد بن محمد بن عباس بن جعوان.
4- علاء الدين علي بن أيوب المقدسي، المتوفى سنة 748 ونسخ للنووي متن المنهاج، وحرّره بضبط وإتقان تامّيْن.
5- بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة قاضي القضاة، المتوفى سنة 733، له مؤلفات منها (المنهل الروي) اختصر فيه علوم الحديث وتصرف فيه.
وفي الحديث خاصة: سمع منه أكابر المحدثين، منهم:
1- المحدث الحافظ أبو العباس أحمد بن فَرْح الإشبيلي، صاحب المنظومة الشهيرة في المصطلح غرامي صحيح، والمتوفى سنة 699.
2- المحدث الحافظ ابن أبي الفتح وهو من شيوخه كما سبق.
3- المزي الحافظ أبو الحجاج يوسف المزي صاحب كتاب تهذيب الكمال، قال الإمام السبكي في الطبقات الوسطى: روى عنه شيخنا المزي، قرأت عليه عنه جميع الأربعين التي له وشرح مشكلها.
4- علاء الدين أبو الحسن علي بن إبراهيم بن داود الدمشقي، المعروف بابن العطار، وهو من أخص تلامذته، وكان يخدمه، وله فيه ترجمة مفردة، قال فيها: (وسمع منه خلق من العلماء والحفاظ والصدور والرؤساء، وتخرج به خلق كثير من الآفاق، وسار علمه وفتاويه في البلدان)، توفي ابن العطار سنة 724، وكان يقال له: (مختصر النووي).
شخصية الإمام النووي: أوتي النووي الفضل في مظهره وشخصيته، كما أوتيه في علمه وعمله، قال عارفوه في وصفه: وكان أسمر كثّ اللحية، ربعة، مهيأ، قليل الضحك، عديم اللعب، بل هو جِدٌّ صِرف، يقول الحق وإن كان مراً، لا يخاف في الله لومة لائم. وكان في ملبسه مثل آحاد الفقهاء من الحوارنة، لا يؤبه له، وكانت لحيته سوداء فيها شعرات بيض، وعليه هيبة وسكينة.
ووصفوا خُلُقه بما يدل على غاية فضله ونبله، فقد كان ليّن القلب، سالكاً طريق السلف في الزهد في الدنيا، والمبالغة في الخشوع والورع، غزير الدمعة، كثير الصمت، حافظاً للسانه أشد الحفظ، غاضاً للطرف، طويل الفكر، حسن الأخلاق، إذا آذاه أحد يقول له: يا مبارك الحال، مثابراً على الصوم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أشد المواطن وأصعبها، محاسباً لنفسه، حافظاً لأوقاته، قد جَزَّأ كل وقت منها لنوع من العمل....
ذكر الإمام بدر الدين بن جماعة أنه سأل النووي عن نومه فقال: (إذا غلبني النوم استندتُ إلى الكتب لحظة وأنتبِه).
قال البدر: (وكنت إذا أتيته أزورُه يضع بعض الكتب على بعض، ليوسع لي مكاناً أجلسُ فيه).
ومن أخلاقه أنه كان من سعة علمه عديم النظير، وكان لا يرى الجدال ولا تعجبه المبالغة في البحث، ويتأذى ممن يجادل ويعرض عنه. وذلك أن النووي كان يحقق المسألة علمياً، وخوض الجدال بعد التحقيق يؤدي إلى آفات ومفاسد، فكان يبتعد عن الجدال، وكان ذلك دأب السلف رضي الله عنهم يدلي كل واحد بحجته، ويُذَكِّر صاحبه، ثم يعذر كل الآخر إذا لم يوافقه في اجتهاده.
وقال الإمام تاج الدين السبكي في النووي: الشيخ الإمام العلامة محيي الدين أبو زكريا شيخ الإسلام، أستاذ المتأخرين، وحجة الله على اللاحقين، والداعي إلى سبيل السالفين، كان يحيى ☼ سيَّداً وحصوراً، وليثَاً على النفس هصوراً، وزاهداً لم يبال بخراب الدنيا إذا صيّر دينه ربْعاً معموراً، له الزهد والقناعة، ومتابعة السالفين من أهل السنة والجماعة، والمصابرة على أنواع الخير لا يصرف ساعة في غير طاعة، هذا مع التفنن في أصناف العلوم، فقهاً ومتون أحاديث، وأسماء رجال، ولغة وتصوفاً، وغير ذلك.
وقال الإمام الذهبي: شيخ الإسلام، شيخ الشافعية، القدوة الزاهد العلم محيي الدين يحيى بن شرف النووي، وله سيرة مفردة في علومه وتصانيفه، ودينه ويقينه، وورعه وزهده، وقناعته باليسير، وتعبده وتهجده، وخوفه من الله تعالى.
وقال الشيخ شمس الدين بن الفخر الحنبلي: كان إماماً بارعاً، حافظاً متقناً، أتقن علوماً جمة، وصنف التصانيف الجمة، وكان شديد الورع والزهد، تاركاً لجميع الرغائب من المأكول إلا ما يأتيه به أبوه من كعك وتين، وكان يلبس الثياب الرثة المرقعة، ولا يدخل الحمام، وترك الفواكه جميعها، ولم يتناول من الجهات درهماً، ⌂ .
وقال ابن كثير في البداية والنهاية: محيي الدين أبو زكريا النووي ثم الدمشقي الشافعي، شيخ المذهب، وكبير الفقهاء في زمانه.. وقد كان من الزهادة والعبادة، والورع والتحري، والانجماع عن الناس على جانب كبير لا يقدر عليه أحد من الفقهاء غيره.
وقال ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة: الفقيه الشافعي، الحافظ الزاهد، صاحب المصنفات المشهورة، وفضله وعلمه وزهده أشهر من أن يُذكر.
وتلخص لنا خصائص النووي هذه العبارة التي رواها الإمام الذهبي قال: (وكان شيخنا ابن فَرْح يشرح على الشيخ الحديث، فقال نوبة: الشيخ محيي الدين قد صار إلى ثلاث مراتب ؛ كل مرتبة لو كانت لشخص لَشُدَّت إليه الرحال: العلم، والزهد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر).
هذه العبارة تلخص لنا أهل خصائص الإمام النووي، التي تميز بها، نفصلها لك فيما يلي: عبادته وخشوعه: ظهر توجه الإمام النووي إلى العبادة والتقوى بل ولعه بهما منذ حداثة سنّه، بملازمته قراءة القرآن، حتى وهو يلعب مكرهاً مع الصبيان، ثم في عمله، عندما ألحقه أبوه بالدكان، مما لفت إلهي نظر شيخه، وكلم معلمه الذي يعلمه القرآن في شأنه للاعتناء به، وقال له: (هذا الصبي أرجو أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم وينتفع الناس به).
وأجمع مترجموه على وصفه بغاية التعبد والخشوع ☺ ، وتأمل هذا الموقف له في العبادة، يصفه العالم الفاضل أبو عبد الله محمد البعلي، يقول: كنت ليلة في أواخر الليل بجامع دمشق، والشيخ واقف يصلي إلى سارية في ظلمة، وهو يردِّدُ قولَه تعالى: { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ } [الصافات:24] مراراً بخوف وخشوع، حتى حصل عندي من ذلك أمر عظيم.
وقد ظل على هذا الحال، بل في الازدياد منه، بملازمة العبادة، والأوراد، والصيام والذكر، عملاً منه بسنة النبي صلعم، فقد ثبت أنه كان النبي صلعم يذكر الله على كل أحيانه، ولقوله تعالى: { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } [آل عمران:191]، وقوله تعالى: { وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ } [الأحزاب:35].
زهده: ضرب الإمام النووي في الزهد مثلاً عالياً، في جميع أحواله، حتى كانت سيما الزهد عليه واضحة.
كان من صفاته كما ذكر العلماء ملازمة الصبر على العيش الخشن في المأكل والملبس ملازمة كية لا مزيد عليها، ملبسة ثوب خام، وعمامته شبختانية صغيرة، مقتصداً إلى الغاية في ملبسه ومطعمه وأثاثه، تعلوه سكينة وهيبة.
وكان لا يأخذ من حقوقه في الأوقاف شيئاً، مكتفياً بالسكن في الرواحية، ويقتات بما يرسله له أبوه من نوى من كعك وتين، وظل على هذا الحال عندما نبَّه شأنه، وسار ذكره في الناس وأسندت إليه وظائف تدريس العلوم، وترأس مشيخة دار الحديث، فظل على هذا الحال، ولم يقبل من الأوقاف وجهات الصرف على هذه الوظائف ومخصصاتها المالية شيئاً، وكان يجمع ذلك عند الناظر ويشتري به كتباً أو أشياء يوقفها لتلك الجهات.
كذلك كان لا يقبل الهدايا ممن يشتغل عليه، وذلك لأنهم نصوا على أنه يكره أن يقبل الأستاذ من تلامذته شيئاً، لئلا يشبه أخذ الأجرة منهم، ويقبل الهدية_في النادر_ ممن لا يشتغل عليه، وقد أهدى إليه فقيرٌ إبريقاً فقبله، ولهذا دلالة واضحة لا تخفى.
وكان الإمام النووي يتخفف ويقل من الطعام والشراب، فيأكل كلّ يوم أكلة، ويشرب شربة عند السحر.
وكان لا يجمع في طعامه لونين إلا نادراً.
وكان الإمام النووي ☺ يصير على هذه المجاهدة، ولا يبالي عذل العاذلين، من العلماء والمحبين. قال العلامة رشيد الدين إسماعيل الحنفي شيخ الإمام الذهبي: عذلتُ الشيخ محيي الدين في عدم دخوله الحمّام، وتضييق العيش في مأكله وملبسه وأحواله، وخوّفْتُه من مرض يعطل عن الاشتغال ؟ !، فقال: إن فلاناً صام وعبَدَ الله حتى اخضرّ جلده.
وكان يمتنع من أكل الفواكه والخيار، ويقول: أخاف أن يرطب جسمي ويجلب النوم، فهذا سبب ترك الخيار.
ويبدي الإمام النووي سبباً في امتناعه عن أكل الفواكه فيقول: دمشق كثيرة الأوقاف، وأملاك من تحت الحَجْرِ والتصرُّف لهم لا يجوز إلا على وجه الغبطة لهم، ثم المعاملة فيها على وجه المساقاة، وفيها خلاف، فكيف تطيب نفسي بأكل ذلك ؟ !.
وهذا يبين لنا غاية الورع في بُعد النووي عن الشبهات غاية البعد وذلك من وجهين دقيقين يلحظهما، هما: البعد عما يخشى وقوع المخالفة الشرعية فيه من الغير، ومراعاة الخلاف بين الفقهاء.
قال الإمام الذهبي في زهد النووي وورعه:(وكان مع تبحره في العلم وسعة معرفته بالحديث والفقه واللغة وغير ذلك مما قد سارت به الركبان- رأساً في الزهد، قدوة في الورع، عديم المثل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قانعاً باليسير، راضياً عن الله، والله عنه راضٍ).
وقال الإمام تاج الدين السّبكي: (ودرّسَ بدار الحديث الأشرفية وغيرها، ولم يتناول فلساً واحداً، ولا انتقل من بيته الذي في الرّواحيّة، وهو بيت لطيف عجيب الحال، وكان لا يشرب إلا مرة واحدة عند السَّحر، وما أكل شيئاً من فاكهة دمشق، ولا قبل من أحد شيئاً. وبالجملة كان قطب زمانه، وسيّد وقته، وسِرُّ الله في خلقه، والتطويل بذكر كراماته تطويل في مشهور، وإسهاب في معروف).
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
وكان للإمام النووي الحظ الأوفى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في العامة والخاصة، الكبير والصغير، الملك والرعية، حتى صار عند المؤرخين أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر أشهر من أن يُذكر_كما قال السُّبكيُّ_ وحكاياته مع الملك الظاهر ومواجهتُه له غير مرة ومكاتباته التي أرسلها إليه معروفة مشهورة.
وقال ابن كثير: (وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر للملوك وغيرهم).
وقال الذهبي: (وكان يواجه الملوك والظلمة بالإنكار، ويكتب إليهم، ويخوفهم بالله تعالى)، وقال أيضاً: (عديمَ المثل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
وجدير بالذكر هنا أن الملوك في عصر النووي_ ولا سيما الملك الظاهر بيبرس البندقداري_ كانوا من ملوك الإسلام الأقوياء الذين خاضوا غمار المعارك ضد الصليبيين، وسجلوا الانتصارات الباهرة عليهم، وعلى التتار.
ومن أمثلة مواقف النووي ☺ ومكاتباته الكتاب الذي أرسله إلى الملك الظاهر بيبرس بواسطة أحد كبار الموظفين في دمشق. وكان من سبب هذا الموقف من الملك الظاهر إغراء بعض المنافقين من المتزيين بزي العلم، الذين لا يخلو منهم زمان، يتزلفون إلى الحكام بتزيين كل ما هم فيه، وبالنبل من الناصحين المخلصين .
على أن ذلك لم يفتّ في عضد النووي وهو يقرأ في كتاب الله وفي حديث رسول الله الحض المؤكد على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والوصية بالصبر، والترغيب فيما عند الله، والتزهيد في الدنيا، والحثّ على النصيحة، حتى جُعِلت معيار الدين وأساسه الدين النصيحة، مما نجد مكاتبات النووي تحفل به من هذه المعاني، في كتبه للملوك والرؤساء، يذكرهم بها، ويعظهم بإيراداها في كتاباته إليهم. كتب الإمام النووي في الجواب على هذا الرد العنيف: (بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العلامين، اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، من عبد الله يحيى النواوي: يُنْهِي أن خَدمة الشرع كانوا كتبوا ما بلغ السلطان أعز الله أنصاره، فجاء الجواب بالإنكار والتهديد..).
وقال في كتابه هذا: (وإنما يُستعان في الجهاد وغيره بالافتقار إلى الله تعالى، واتباع النبي صلعم، وملازمة أحكام الشرع...). //(وأما ما ذُكِرَ في الجواب من كوننا لم ننكر على الكفار كيف كانوا في البلاد ؟ !، فكيف تُقاسُ ملوكُ الإسلام وأهل الإيمان والقرآن بطغاة الكفار، وهم لا يعتقدون شيئاً من ديننا ). (وأما تهديد الرعبة بسبب نصيحتنا وتهديد طائفة فليس هو المرجو من عدل السلطان وحِلمه.... وأما أنا في نفسي فلا يضرني التهديد ولا أكثر منه، ولا يمنعني ذلك من نصيحة السلطان، فإني أعتقد أن هذا واجب عليّ وعلى غيري، وما ترتب على الواجب فهو في خير وزيادة عند الله تعالى ؛ {إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر:37])، {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:44].
وكان لا يكتفي بمكاتبة الملك الظاهر، بل يعمد لمقابلته ومكالمته، وكان من عادة الملوك تخصيص يوم في الأسبوع لمقابلة مراجعات الناس، وكان للملك الظاهر يوم في الأسبوع في دار العدل، يوقع فيه على أحكام القضاة، فكان النووي يواقف الملك ويكلمه، وكان لهذه المقابلات أثرها البليغ في نفس الظاهر.
يحدثنا عن هذا الأثر الشيخ العلامة قطب الدين اليونيني يقول: (كان أوحد زمانه في العلم والورع والعبادة، والتقلل، وخشونة العيش، واقف الملك الظاهر بدار العدل غير مرة)، فحكي عن الملك الظاهر أنه قال: (أنا أفزع منه).
هذا والملك الظاهر هو ركن الدين بيبرس البندقداري، وكان قبل ملكه الرجل الأول في معركة عين جالوت الفاصلة، التي قهر المسلمون فيها التتار، بقيادة الملك المظفر قطز، وباء فيها التتار بالخزي والدمار، والظاهر هو صاحب الفتوحات الكثيرة التي قهر فيها الصليبيين، كما أنه صاحب السلطان الواسع الذي شمل مصر وبلاد الشام وغيرهما، وإذا به يهاب النووي هذه الهيبة.
اشتغل الإمام النووي بعلوم متنوعة من علوم اللغة والشرع، من أيام الطلب والتحصيل، ووجه عنايته أكثر إلى علمين جليلين هما: الفقه، والحديث. أما الفقه فأخذه، أئمة المذهب الشافعي الذين ذكرنا طائفة منهم، ودرس عليهم أمهات كتب المذهب. وأما الحديث فقد توسع فيه كثيراً (فسمع الكتب الستة، والمسند، والموطأ، وشرح السنة للبغوي، وسنن الدارقطني وأشياء كثيرة، وقرأ كتاب الكمال في أسماء الرجال للحافظ عبد الغني المقدسي، وشرح في أحاديث الصحيحين...).
وهذه مؤلفاته في الفقه تدلك بما يورد فيها من الأحاديث والتخريج والدراية وأنواع الدراسة على سعة تبحره في الحديث وإحاطته. ثم تفرغ للاشتغال بنشر العلم تدريساً وتصنيفاً، فبلغ في التدريس أقصى غاية، بما أُسنِد إليه من الدروس، حتى ولي مشيخة دار الحديث الأشرفية، كما بلغ في التصنيف الغاية القصوى، ولاسيما في الفقه والحديث.
عكف على الفقه الشافعي يستدل له بالأدلة الدقيقة، ويحرره، ويوضح القول القوي من الضعيف فيه: والصحيح من الأصح، وصف في ذلك أنواعاً من الكتب المختصرة والمطولة، فعني العلماء بعمله الجليل، وانتهوا إلى الإقرار بفضله، وأنه محرر المذهب الشافعي بالإجماع.
وحسبنا مثلاً على ذلك كتابه المختصر (منهاج الطالبين)، فقد حاز الاعتماد العلمي، فوضعت عليه شروح يصعب حصرها وإحصاؤها. وكتابه (المجموع شرح المهذب) وشهرته وحرص العلماء عليه، على الرغم من أنه لم يكمل. قال الإمام ابن كثير، (ومما لم يتممه_ ولو كمل لم يكن له نظير في بابه _ شرح المهذب الذي سماه (المجموع)، وصل فيه إلى كتاب الربا، فأبدع فيه وأجاد وأفاد، وأحسن الانتقاد، وحرر الفقه فيه في المذهب وغيره، وحرر الحديث على ما ينبغي، والغريب واللغة، أشياء مهمة لا توجد إلا فيه....). وفي الحديث سارت بكتبه الركبان، كالأربعين حديثاً، والأذكار، ورياض الصالحين، وكذا شرح لصحيح مسلم، حتى لا يخطر ببال الناس غيره شرحاً لصحيح مسلم، وكتابه التقريب في المصطلح الذي شرح السيوطي في كتابه تدريب الراوي، واعتمد أساساً للتكوين في المصطلح، وغير ذلك من كتبه ☺ .
مؤلفاته:
كثرت مؤلفات النووي وتنوعت، وأكب الناس وأهل العلم عليها، لما وجدوا فيها من الفوائد الغزيرة، والتحقيق الدقيق، ولما تميزت به من سهولة المنزع وقرب المأخذ، والبعد عن التكلف والتعقيد، وتحاشي الغموض والإبهام، هذا مع تنوعها في عدة علوم وفنون، وقد بلغت نحواً من الخمسين كتاباً، ألفها في الزمن اليسير والعمر القصير، مما يدل على ما آتاه الله تعالى من البركة في علمه وعمله. وقد أثنى العلماء على مؤلفاته، وأشادوا بها.
قال الشيخ العلامة شمس الدين بن الفخر الحنبلي: (وكان إماماً بارعاً، حافظاً متقناً، أتقن علوماً جمة، وصنف التصانيف الجمة).
وقال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء: الشيخ الإمام القدوة، الحافظ الزاهد، الفقيه المجتهد، الرباني، شيخ الإسلام، حسنة الأنام، محيي الدين، صاحب التصانيف التي سارت بها الركبان، واشتهرت بأقاصي البلدان.
فمن مؤلفاته في الحديث:
1- المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج ط.
2- رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين. أنهاه سنة ░670▒ ط.
3- الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار أنهاه سنة ░667▒. ط.
4- شرح البخاري، وهو آخر مصنف كتبه ولم يكمله، وهو كتابنا هذا.
5- التقريب والتيسير إلى حديث البشير النذير، مختصر كتابه الإرشاد مطبوع بشرحه الحافل تدريب الراوي للسيوطي، ومترجم للغة الفرنسية منذ زمن بعيد. ط.
6- المبهمات، ط.
7- الخلاصة في أحاديث الأحكام، لم يكمله. ط.
8- إرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة سنن خير الخلائق. ط
9- الأربعون في جوامع الإسلام، أنهاه سنة ░668▒
ومن مؤلفاته في الفقه:
1- روضة الطالبين، مطبوع في 12 مجلداً.
2- المجموع شرح المهذب، وصل إلى الربا ولم يكمله، ثم أكمله السبكي وتوفي قبل إنجازه. ط.
3- منهاج الطالبين وعمدة المفتين. ط.
4- الإيضاح في مناسك الحج. ط.
5- المنثورات في الفقه، وهو فتاواه، مطبوع بعنوان فتاوى الإمام النووي. ط.
6و7- كتابا (تحرير التنبيه)، و (تصحيح لغات التنبيه). مطبوعان.
8- التحقيق، وهو خلاصة كلامه في الفقه، لم يتمه، وصل فيه إلى صلاة المسافر، ط.
ومن مؤلفاته في العلوم الأخرى:
1- بستان العارفين، وهو كتاب تصوف لطيف ط.
2- التبيان في آداب حَمَلةِ القرآن. ط.
3- الترخيص بالقيام لذوي الفضل والمزية من أهل الإسلام. ط.
4- تهذيب الأسماء واللغات. ط.
5- التبيان والمواعظ، وله مختصر عليه أيضاً.
وبالجملة فمؤلفاته كثيرة، تشهد كثرتها أنها كرامة من الله له، في البركة الظاهرة له في علمه وعمله وعُمُره، ☺ وأرضاه.
وفاته: هكذا مضى الإمام النووي في حياته على هذه السيرة المرضية، جهاداً للنفس، وجهاداً لإعلاء الحق في المجتمع، وزهداً وترفعاً على حطام الدنيا، وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر_ دون فرق بين ملك ورعية _ وخدمةً للعلم، تدريساً وتصنيفاً مفيداً محققاً، حتى وافته المنية، ولا يزال في مقتبل العمر، ابن خمس وأربعين سنة، سنة ست وسبعين وستمائة، في الرابع والعشرين من شهر رجب، كما اتفقت عليه المصادر في تعيين الشهر أنه رجب.
ثناء العلماء عليه:
استفاض ثناء العلماء والأئمة على الإمام النووي بالإمام في العلم، وعلوم القدم في الورع والزهد والتحلي بالمكارم والفضائل.
قال الإمام الذهبي في الطبقة العشرين من تذكرة الحفاظ: (الإمام الحافظ الأوحد القدوة، شيخ الإسلام، عَلَم الأولياء، محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري الحزامي، الحوراني الشافعي صاحب التصانيف النافعة).
وقال في أول الطبقة الحادية والعشرين: (النواوي شيخ الإسلام، محيي الدين، هو سيد أهل هذه الطبقة، وإنما ذكرته في الطبقة العشرين لتقدم موته، رحمة الله تعالى عليه).
عملنا :
قابلنا الكتاب على خمس نسخ خطية، هي:
1- نسخة المكتبة الأزهرية ░449 رواق الأتراك▒ وهي نسخة نفيسة تعود لسنة ░763▒ تداولتها أيدي علماء في ░68▒ لوحة اعتمدناها أصلًا، ورمزنا لها بالرمز (ز).
2 – نسخة مكتبة لايبزك بألمانيا وهي نسخة نفيسة تعود لسنة ░773▒ عليها تملك الشيخ عبد الرحمن الكزبري، في ░164▒ لوحة، رمزنا لها بالرمز (ك).
3- نسخة قليج علي بتركيا ░243▒ وهي بعد تمام المقابلة ظهرت لنا أنها أنفس النسخ على الإطلاق، تعود لسنة ░703▒، في ░108▒ لوحات، رمزنا لها بالرمز (ك).
4- نسخة دار الكتب المصرية تعود لسنة ░774▒، في ░90▒ لوحة، رمزنا لها بالرمز (ص).
5- نسخة مبتورة الأول من مكتبة الملك عبد العزيز تعود للقرن ░10▒ تقديرًا، في ░41▒ لوحة، رمزنا لها بالرمز (ع).
Loading...
Loading ...