3- 4- حدَّثنا (1) يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، قالَ: حدَّثنا اللَّيْثُ، عن عُقَيْلٍ، عن ابْنِ شِهابٍ، عن عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ:
عن عائِشَةَ (2) أُمِّ المُؤْمِنِينَ، أَنَّها قالتْ: أَوَّلُ ما بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فكانَ (3) لا يَرَى رُؤْيا إلَّا جاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاءُ، وكانَ يَخْلُو بِغارِ حِراءٍ، فَيَتَحَنَّثُ فيه _وهو التَّعَبُّدُ_ اللَّيالِيَ ذَواتِ العَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ (4) إِلى أَهْلِهِ، ويَتَزَوَّدُ(5) لذلك (6)، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِها، حتَّى جاءَهُ الحَقُّ وهو فِي غارِ حِراءٍ، فَجاءَهُ المَلَكُ، فقالَ: اقْرَأْ. قالَ (7): «ما أَنا بِقارِي(8)». قالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ (9)، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فقالَ: اقْرَأْ. قُلْتُ (10): «ما أَنا بِقارِي». فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ (11)، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فقالَ: اقْرَأْ. فَقُلْتُ: «ما أَنا بِقارِي». فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فقالَ: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. } [العلق: 1-3] ». فَرَجَعَ بها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فقالَ: «زَمِّلُونِي، زَمِّلُونِي (12) ». فَزَمَّلُوهُ حتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فقالَ لِخَدِيجَةَ وأَخْبَرَها الخَبَرَ: «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي». فقالَت (13) خَدِيجَةُ: كَلَّا، واللَّهِ ما يُخْزِيكَ (14) اللَّهُ أَبَدًا؛ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَكْسِبُ (15) المَعْدُومَ، وتُقْرِي (16) الضَّيْفَ، وتُعِينُ عَلَى نَوائِبِ الحَقِّ.
فانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حتَّى أَتَتْ بِهِ ورَقَةَ بنَ نَوْفَلِ بنِ أَسَدِ بنِ عَبْدِ العُزَّى، ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ، وكانَ امْرَأً قَدْ (17) تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وكانَ يَكْتُبُ الكِتابَ العِبْرانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالعِبْرانِيَّةِ ما شاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وكانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فقالَت لَهُ خَدِيجَةُ: يا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِن ابْنِ أَخِيكَ. فقالَ لَهُ ورَقَةُ: يا ابْنَ أَخِي ماذا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ (18) ما رَأَى، فقالَ لَهُ ورَقَةُ: هَذا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ (19) اللَّهُ عَلَى مُوسَى (20) يا لَيْتَنِي فيها جَذَعًا (21)، لَيْتَنِي (22) أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. فقالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟!». قالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ ما جِئْتَ (23) بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ ورَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ، وَفَتَرَ الوَحْيُ.
قالَ ابْنُ شِهابٍ: وأخبَرَني أَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ:
أَنَّ جابِرَ بنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصارِيَّ قالَ وهو يُحَدِّثُ عن فَتْرَةِ الوَحْيِ، فقالَ فِي حَدِيثِهِ: «بَيْنا أَنا أَمْشِي إِذْ سمعتُ صَوْتًا مِنَ السَّماءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي، فَإِذا المَلَكُ الَّذِي جاءَنِي بِحِراءٍ جالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّماءِ والأَرْضِ، فَرُعِبْتُ مِنْهُ، فَرَجَعْتُ، فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي (24)، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعالَى (25): { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنذِرْ } إلى
/
قَوْلِهِ: { وَالرُّجْزَ(26) فَاهْجُرْ } [المدثر: 1-5] (27). فَحَمِيَ الوَحْيُ وتَتابَعَ (28) ».
تابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بنُ يُوسُفَ وأَبُو صالِحٍ.
وتابَعَهُ هِلالُ بنُ رَدَّادٍ (29) عن الزُّهْرِيِّ.
وقالَ يُونُسُ ومَعْمَرٌ: «بَوادِرُهُ (30) ».