4141- حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: حدَّثنا إِبْراهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عن صالِحٍ، عن ابْنِ شِهابٍ، قالَ: حدَّثني عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ، وَعَلقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ:
عَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قالَ لَها أَهْلُ الإِفْكِ ما قالُوا _وَكُلُّهُمْ حدَّثني طائِفَةً مِنْ حَدِيثِها، وَبَعْضُهُمْ كانَ (1) أَوْعَى لِحَدِيثِها مِنْ بَعْضٍ، وَأَثْبَتَ لَهُ اقْتِصاصًا، وَقَدْ وَعَيْتُ عن كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمُ الحَدِيثَ الَّذِي حدَّثني عن عائِشَةَ، وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا، وَإِنْ كانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ. قالُوا: قالَتْ عائِشَةُ_: كانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أَرادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْواجِهِ، فَأَيُّهُنَّ (2) خَرَجَ سَهْمُها خَرَجَ بها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ، قالَتْ عائِشَةُ: فَأَقْرَعَ بَيْنَنا فِي غَزْوَةٍ غَزاها، فَخَرَجَ فيها سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَما أُنْزِلَ الْحِجابُ، فَكُنْتُ أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي (3) وَأُنْزَلُ فِيهِ، فَسِرْنا حَتَّى إذا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَقَفَلَ، دَنَوْنا (4) مِنَ الْمَدِينَةِ قافِلِينَ، آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ، فَمَشَيْتُ حَتَّى جاوَزْتُ الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إلى رَحْلِي، فَلَمَسْتُ صَدْرِي، فَإِذا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ ظَفارِ (5) قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ فالْتَمَسْتُ عِقْدِي، فَحَبَسَنِي ابْتِغاؤُهُ، قالَتْ: وَأَقْبَلَ
/
الرَّهْطُ الَّذِينَ كانُوا يُرَحِّلُونِي (6)، فاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ (7) على بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ عَلَيْهِ، وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ، وَكانَ النِّساءُ إِذْ ذاكَ خِفافًا لَمْ يَهْبُلْنَ، وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ، إِنَّما يَأكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ خِفَّةَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ وَحَمَلُوهُ، وَكُنْتُ جارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الْجَمَلَ فَسارُوا، وَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَما اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنازِلَهُمْ وَلَيْسَ بها مِنْهُمْ داعٍ وَلَا مُجِيبٌ، فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ (8)، وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي (9) فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ، فَبَيْنا أَنا جالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ، وَكانَ صَفْوانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوانِيُّ مِنْ وَراءِ الْجَيْشِ، فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوادَ إِنْسانٍ نائِمٍ، فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَكانَ رَآنِي قَبْلَ الْحِجابِ، فاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبابِي، وواللَّهِ ما تَكَلَّمْنا بِكَلِمَةٍ، وَلَا سَمِعْتُ منه كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجاعِهِ، وَهَوَى حَتَّى أَناخَ راحِلَتَهُ، فَوَطِئَ على يَدِها، فَقُمْتُ إِلَيْها فَرَكِبْتُها، فانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنا الْجَيْشَ مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ وَهُمْ نُزُولٌ، قالَتْ: فَهَلَكَ (10) مَنْ هَلَكَ، وَكانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَ الإِفْكِ عَبْدَُ اللَّهِ بْنَُ أُبَيٍّ ابنَُ (11) سَلُولَ (12). قالَ عُرْوَةُ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ كانَ يُشاعُ وَيُتَحَدَّثُ بِهِ عِنْدَهُ، فَيُقِرُّهُ وَيَسْتَمِعُهُ وَيَسْتَوْشِيهِ. وَقالَ عُرْوَةُ أَيْضًا: لَمْ يُسَمَّ مِنْ أَهْلِ الإِفْكِ أَيْضًا إِلَّا حَسَّانُ بْنُ ثابِتٍ، وَمِسْطَحُ بْنُ أُثاثَةَ، وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ، فِي ناسٍ آخَرِينَ لَا عِلْمَ لِي بِهِمْ، غَيْرَ أَنَّهُمْ عُصْبَةٌ، كَما قالَ اللَّهُ تَعالَى، وإنَّ (13) كبْرَ ذَلِكَ يُقالُ (14): عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابنُ سَلُولَ. قالَ عُرْوَةُ: كانَتْ عائِشَةُ تَكْرَهُ أَنْ يُسَبَّ عِنْدَها حَسَّانُ، وَتَقُولُ: إِنَّهُ الَّذِي قالَ:
فَإِنَّ أَبِي وَوالِدَهُ وَعِرْضِي. لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقاءُ
قالَتْ عائِشَةُ: فَقَدِمْنا الْمَدِينَةَ، فاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا، والنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَصْحابِ الإِفْكِ، لَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وهو يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لَا أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّطَفَ (15) الَّذِي كُنْتُ أَرَى منه حِينَ أَشْتَكِي، إِنَّما يَدْخُلُ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُولُ: «كَيْفَ تِيكُمْ؟» ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَذَلِكَ يَرِيبُنِي وَلَا أَشْعُرُ بِالشَّرِّ، حَتَّى خَرَجْتُ حِينَ نَقَهْتُ (16)، فَخَرَجْتُ مَعَ أُمِّ مِسْطَحٍ (17) قِبَلَ الْمَناصِعِ، وَكانَ مُتَبَرَّزَنا، وَكُنَّا لَا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إلى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنا، قالَتْ: وَأَمْرُنا
/
أَمْرُ الْعَرَبِ الأُوَلِ فِي البَرِّيَّةِ قِبَلَ الْغائِطِ، وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَها عِنْدَ بُيُوتِنا، قالَتْ: فانْطَلَقْتُ أَنا وَأُمُّ مِسْطَحٍ _وَهيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنافٍ، وَأُمُّها بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عامِرٍ خالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ (18)، وابْنُها مِسْطَحُ بْنُ أُثاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ_ فَأَقْبَلْتُ أَنا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي حِينَ فَرَغْنا مِنْ شَأْنِنا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِها فقالتْ: تَعسَ (19) مِسْطَحٌ (20). فَقُلْتُ لَها: بِئْسَ ما قُلْتِ؛ أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا؟! فقالتْ: أَيْ هَنْتاهْ (21) ولَمْ (22) تَسْمَعِي ما قالَ؟! قالَتْ: وَقُلْتُ: ما (23) قالَ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ، قالَتْ: فازْدَدْتُ مَرَضًا على مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إلى بَيْتِي دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ، ثُمَّ قالَ: «كَيْفَ تِيكُمْ؟» فَقُلْتُ لَهُ: أَتَأذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟ قالَتْ: وَأُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِما. قالَتْ: فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ لِأُمِّي: يا أُمَّتاهُ، ماذا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قالَتْ: يا بُنَيَّةِ (24)، هَوِّنِي عَلَيْكِ؛ فَواللَّهِ لَقَلَّ ما كانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّها، لَها ضَرائِرُ، إِلَّا كَثَّرْنَ (25) عَلَيْها. قالَتْ: فَقُلْتُ: سُبْحانَ اللَّهِ، أَوَلَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذا؟! قالَتْ: فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي، قالَتْ: وَدَعا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طالِبٍ وَأُسامَةَ بْنَ زَيْدٍ، حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ، يَسْأَلُهُما وَيَسْتَشِيرُهُما فِي فِراقِ أَهْلِهِ، قالَتْ: فَأَمَّا أُسامَةُ فَأَشارَ على رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَراءَةِ أَهْلِهِ، وَبِالَّذِي يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ، فقالَ أُسامَةُ: أَهْلَكَ (26)، وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا. وَأَمَّا عَلِيٌّ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ، والنِّساءُ سِواها كَثِيرٌ، وَسَلِ الْجارِيَةَ تَصْدُقْكَ. قالَتْ: فَدَعا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيرَةَ، فَقالَ: «أَيْ بَرِيرَةُ، هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ؟» قالَتْ لَهُ بَرِيرَةُ: والَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، ما رَأَيْتُ عَلَيْها أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ، غَيْرَ أَنَّها (27) جارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنامُ عن عَجِينِ أَهْلِها، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ. قالَتْ: فَقامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَوْمِهِ فاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، وهو على المِنْبَرِ، فَقالَ: «يا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ أَذاهُ فِي أَهْلِي؟! واللَّهِ ما عَلِمْتُ على أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا ما عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، وَما يَدْخُلُ على أَهْلِي إِلَّا مَعِي». قالَتْ: فَقامَ سَعْدُ بْنُ مُعاذٍ (28) أَخُو بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ فَقالَ:
/
أَنا يا رَسُولَ اللَّهِ أَعْذِرُكَ، فَإِنْ كانَ مِنَ الأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وَإِنْ كانَ مِنْ إِخْوانِنا مِنَ الْخَزْرَجِ، أَمَرْتَنا فَفَعَلْنا أَمْرَكَ. قالَتْ: فَقامَ رَجُلٌ مِنَ الْخَزْرَجِ _وَكانَتْ أُمُّ حَسَّانَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ فَخِذِهِ، وهو سَعْدُ بْنُ عُبادَةَ، وهو سَيِّدُ الْخَزْرَجِ، قالَتْ: وَكانَ (29) قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صالِحًا، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ_ فقالَ لِسَعْدٍ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ، وَلَا تَقْدِرُ على قَتْلِهِ، وَلَوْ كانَ مِنْ رَهْطِكَ ما أَحْبَبْتَ أَنْ يُقْتَلَ (30). فَقامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ _وهو ابْنُ عَمِّ سَعْدٍ_ فقالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبادَةَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ، فَإِنَّكَ مُنافِقٌ تُجادِلُ عن الْمُنافِقِينَ. قالَتْ: فَثارَ الْحَيَّانِ الأَوْسُ والْخَزْرَجُ، حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائِمٌ على الْمِنْبَرِ، قالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ، حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ، قالَتْ: فَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، قالَتْ: وَأَصْبَحَ أَبَوايَ عِنْدِي، وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا، لَا يَرْقأ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ (31)، حَتَّى إِنِّي لَأَظُنُّ أَنَّ الْبُكاءَ فالِقٌ كَبِدِي، فَبَيْنا أَبَوايَ جالِسانِ عِنْدِي وَأَنا أَبْكِي، فاسْتَأذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصارِ فَأَذِنْتُ لَها، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، قالَتْ: فَبَيْنا نَحْنُ على ذَلِكَ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنا فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، قالَتْ: وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ ما قِيلَ قَبْلَها، وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأنِي بِشَيْءٍ، قالَتْ: فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَلَسَ، ثُمَّ قالَ: «أَمَّا بَعْدُ، يا عائِشَةُ، إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذا وَكَذا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً، فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ، فاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ إذا اعْتَرَفَ ثُمَّ تابَ، تابَ (32) اللَّهُ عَلَيْهِ». قالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى ما أُحِسُّ منه قَطْرَةً، فَقُلْتُ لِأَبِي: أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ _ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ عَنِّي (33) فِيما قالَ. فقالَ أَبِي: واللَّهِ ما أَدْرِي ما أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ لِأُمِّي: أَجِيبِي رَسُولَ اللَّهِ _ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ فِيما قالَ. قالَتْ أُمِّي: واللَّهِ ما أَدْرِي ما أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ وَأَنا جارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ كَثِيرًا: إِنِّي واللَّهِ لقد عَلِمْتُ لَقَدْ سَمِعْتُمْ هَذا الْحَدِيثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي بَرِيئَةٌ، لَا تُصَدِّقُونِي (34)، وَلَئِنِ (35) اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ، واللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي (36) منه بَرِيئَةٌ، لَتُصَدِّقُنِّي، فَواللَّهِ لَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا أَبا يُوسُفَ حِينَ قالَ: { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } [يوسف: 18]. ثُمَّ تَحَوَّلْتُ واضْطَجَعْتُ (37) على فِراشِي، واللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي حِينَئِذٍ بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي
/
بِبَراءَتِي، وَلَكِنْ واللَّهِ ما كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ مُنْزِلٌ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى (38)؛ لَشَأنِي فِي نَفْسِي كانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ، وَلَكِنْ (39) كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ رُؤْيا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِها، فَواللَّهِ ما رامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسَهُ، وَلَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ ما كانَ يَأخُذُهُ مِنَ الْبُرَحاءِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ (40) منه مِنَ الْعَرَقِ مِثْلُ الْجُمانِ، وهو فِي يَوْمٍ شاتٍ، مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ، قالَتْ: فَسُرِّيَ عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يَضْحَكُ، فَكانَتْ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بها أَنْ قالَ: «يا عائِشَةُ أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ». قالَتْ: فقالتْ لِي أُمِّي (41): قُومِي إِلَيْهِ. فَقُلْتُ: واللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ؛ فَإِنِّي (42) لَا أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ عَزَّ وَجلَّ. قالَتْ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعالَى: { إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ (43) } الْعَشْرَ الآياتِ [النور: 11-20]، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ هَذا فِي بَراءَتِي. قالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ (44)، وَكانَ يُنْفِقُ على مِسْطَحِ بْنِ أُثاثَةَ لِقَرابَتِهِ منه وَفَقْرِهِ: واللَّهِ لَا أُنْفِقُ على مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا؛ بَعْدَ الَّذِي قالَ لِعائِشَةَ ما قالَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: { وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ } إلى قَوْلِهِ: { غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [النور: 22]. قالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ (45): بَلَى واللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي. فَرَجَعَ إلى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقالَ: واللَّهِ لَا أَنْزِعُها منه أَبَدًا. قالَتْ عائِشَةُ: وَكانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عن أَمْرِي، فقالَ لِزَيْنَبَ: «ماذا عَلِمْتِ؟»، أَوْ: «رَأَيْتِ». فقالتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، واللَّهِ ما عَلِمْتُ إِلَّا خَيْرًا. قالَتْ عائِشَةُ: وَهيَ الَّتِي كانَتْ تُسامِينِي مِنْ أَزْواجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَصَمَها اللَّهُ بِالْوَرَعِ. قالَتْ: وَطَفِقَتْ أُخْتُها حَمْنَةُ تُحارِبُ لَها، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ. قالَ ابْنُ شِهابٍ: فَهَذا الَّذِي بَلَغَنِي مِنْ حَدِيثِ هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ. ثُمَّ قالَ عُرْوَةُ: قالَتْ عائِشَةُ: واللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي قِيلَ لَهُ ما قِيلَ لَيَقُولُ: سُبْحانَ اللَّهِ، فَوالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ما كَشَفْتُ مِنْ كَنَفِ أُنْثَى قَطُّ. قالَتْ: ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.