♫
(صلَّى الله على سيِّدنا محمد سيِّدِ المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين) أخبرنا الشَّيخُ الإمامُ القُدوةُ العلَّامةُ قاضي القضاةِ بدرُ الدِّينِ أبو عبد الله محمَّدُ بنُ الإمامِ العارف برهانِ الدِّين أبي إسحاقَ إبراهيمَ بنِ سعدِ الله بنِ جَماعةَ الكِنَانيُّ إذنًا قال: أنبأنا أبو العبَّاس أحمدُ بنُ الفرجِ بنِ عليِّ بنِ مسلمةَ الدِّمشقيُّ إجازةً قال: أنبأنا أبو الفتح محمَّدُ بنُ عبد الباقي بنِ أحمدَ ابنُ البَطِّيِّ إجازةً قال: أنبأنا أبو عبد الله محمَّدُ بنُ [أبي] نصرٍ الحُمَيديُّ الحافظُ إجازةً قال: سمعت الفقيهَ أبا محمَّدٍ عليَّ بنَ أحمدَ(1) بنِ سعيدٍ الحافظَ _وهو ابن حزمٍ بالأندلس(2) _وقد جرى ذِكْرُ «الصحيحين»، فعظَّم منهما ورفع من شأنهما، وحكى أنَّ سعيدَ ابنَ السَّكَنِ اجتمع إليه يومًا قومٌ من أصحابِ الحديثِ فقالوا له: إنَّ الكتب من(3) الحديثِ قد كثُرَتْ علينا، فلو دلَّنا الشَّيخُ على شيءٍ نقتصر عليه منها، فسكت عنهم ودخل إلى بيته، فأخرج (أربعَ رُزَمٍ) وضع(4) بعضها على بعض، وقال: هذه قواعدُ الإسلام: «كتاب مسلمٍ» و«كتاب البخاريِّ» و«كتاب أبي داود» و«كتاب النَّسائيِّ». _ ثمَّ جرى الكلامُ_ فقال لنا أبو محمَّدٍ(5): وما وجدنا للبخاريِّ ومسلمٍ (►) في كتابَيهما شيئًا لا يحتملُ مَخرجًا إلَّا حديثَين؛ لكلِّ واحدٍ منهما حديثٌ تمَّ عليه في تخريجه الوهمُ، مع إتقانِهما(6) وصحَّةِ معرفتهما.
فأمَّا الَّذي في «كتاب مسلم»(7) فأخرجه(8) عن عبَّاس بنِ عبدِ العظيم وأحمدَ بنِ جعفرٍ المَعْقِريِّ(9)، عن النَّضرِ(10) بنِ محمَّدٍ اليَمَاميِّ، عن(11) عِكرمةَ _هو ابنُ عمَّار_ عن أبي زُمَيلٍ(12) _وهو(13) سِمَاكٌ الحنفيُّ(14)_ عن(15) ابن عبَّاسٍ _ عبدُ الله بنُ عبَّاسٍ_ قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيانَ ولا يُقَاعِدونه، فقال للنَّبيِّ صلعم: يا نبيَّ الله، ثلاثٌ(16) أَعْطينِهِنَّ(17)، قال: «نعم»، قال(18): عندي أحسن (نساء) العرب وأجمله، أمُّ حَبيبةَ بنتُ أبي سفيانَ، أُزوِّجكَها، قال: «نعم»، قال(19): ومعاويةُ تجعله كاتبًا، قال: «نعم»، قال: وتُؤَمِّرُني حتَّى أُقاتلَ الكفَّارَ كما كنت أُقاتلُ المسلمين، قال: «نعم». قال أبو زُمَيلٍ: ولولا أنَّه طلب ذلك من النَّبيِّ صلعم ما أعطاه ذلك؛ لأنَّه لم يُسأل شيئًا إلَّا قال: «نعم».
قال لنا أبو محمَّد(20): وهذا حديثٌ موضوعٌ(21) لا شكَّ في وضعه(22)، والآفةُ فيه من عِكرمةَ بنِ عمَّارٍ، ولا يختلف اثنان(23) من أهل المعرفةِ بالأخبارِ في(24) أنَّ النَّبيَّ صلعم لم يتزوَّج أمَّ حبيبة(25) إلَّا قبل الفتحِ بدهرٍ، وهي بأرضِ الحبشةِ، وأبوها (أبو سفيانَ)(26) / كافرٌ(27)، هذا ما(28) لا شكَّ فيه(29).
وأمَّا الَّذي في «كتابِ البخاريِّ»(30) _وقد تابعه(31) مسلمٌ عليه_ فهو قبل تمامِ الكتابِ بأوراقٍ(32) في بابٍ(33) ترجَمه(34): {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164] [ذكره(35) (عن) عبد العزيز بن عبد الله عن(36) سليمانَ _هو ابن بلال_ عن شَريكِ بنِ عبدِ الله _هو ابنُ أبي نَمِر_ قال(37):] (38) سمعتُ أنسَ بن مالكٍ يقول: ليلةَ أُسري برسولِ(39) الله صلعم من مسجدِ الكعبةِ: «أنَّه(40) جاءه ثلاثةُ نَفَرٍ قبل أَنْ يُوحَى إليه...» هكذا قال، ثمَّ مضى في الحديثِ، وفيه: «حتَّى جاء سدرةَ المنتهى، ودنا الجبَّارُ ربُّ العزَّةِ فتدلَّى، حتَّى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إليه ما يوحَى(41): خمسين صلاة...». [خ¦7517]
قال أبو محمَّد(42): فهذه ألفاظٌ مُعْجَمةٌ مُنْكَرةٌ(43)، (والآفةُ من شَريكٍ في ذلك) (44)، أوَّلها قوله: «قبل(45) أَنْ يُوحَى إليه»، وأنَّه حينئذٍ فُرِضَتْ عليه(46) الخمسون صلاة، وهذا _بلا(47) خلافٍ من(48) أحدٍ من أهلِ العلم_ إنَّما(49) كان قبل الهجرةِ بسنةٍ، بعد(50) أَنْ أُوحي إليه بنحوِ(51) اثنتي عشرة(52) سنةً، (فكيف يكون ذلك قبل أن يوحَى إليه؟!)(53) [ثمَّ قولُه: «إنَّ الجبَّار دنى فتدلَّى، حتَّى كان منه قاب قوسين أو أدنى» وعائشةُ أمُّ المؤمنين ♦ تروي عن النَّبيِّ صلعم أنَّ الَّذي دنى فتدلَّى جبريلُ ◙] (54). (فنسأل الله العصمة والتوفيق)(55). /
[1] في (أ): «أبا محمَّدٍ بن عليَّ أحمد»، ولعله سبق قلم.
[2] جاء السند في النسخة (ب) كالآتي: «أخبرنا الشَّيخ الحافظ أبو طاهرٍ أحمدُ بنُ محمَّدِ بنِ أحمدَ بنِ محمَّدِ بنِ إبراهيمَ الأصبهانيُّ قال: سمعت الشَّيخَ أبا الحسن محمَّدَ بنَ مرزوقِ بنِ عبدِ الرَّزاق الزَّعفرانيَّ ببغدادَ لفظًا يقول: سمعت أبا عبدِ الله محمَّدَ بنَ [أبي] نصرٍ الحميديَّ الحافظَ يقول: سمعت أبا محمَّدٍ عليَّ بنَ أحمدَ بنِ سعيدٍ الحافظَ الفقيهَ بالأندلس».
[3] في (ب): «في».
[4] في (ب): «ووضع».
[5] من هنا تبدأ النسخة (ز) وفيها: «قال ابنُ طاهرٍ المقدسيُّ: سمعت أبا عبد الله الحميديَّ ببغداد يقول: قال لنا أبو محمدٍ ابن حزمٍ».
[6] زاد في (ب) و(ز): «وحفظهما».
[7] زاد في (ب): « فهو قريبٌ من آخرِ الكتابِ»، وبهامشها: (الحديث الذي وهم فيه الإمام مسلم).
[8] في (ب): «خرَّجه».
[9] في (أ) تصحيفًا: «المعفري»، وكانت في (ز): «الجعفري» فطمس على الجيم لتصبح: «المعفري» كما في (أ).
[10] في (ب): «قالا: حدَّثنا النضرُ».
[11] في (ب): «حدَّثنا».
[12] في (ب): «حدَّثنا أبو زُمَيل».
[13] ليست في (ز).
[14] في (أ) تصحيفًا: «الجعفيّ».
[15] في (ب): «حدَّثنا».
[16] في (ب) و(ز): «ثلاثة».
[17] في (ب): «أعطنِيهِنَّ».
[18] ليست في (أ)، ولا يستقيم الكلام بدونها.
[19] ليست في (أ)، ولا يستقيم الكلام بدونها.
[20] في (ز): «قال ابن حزم».
[21] ليست في (ب).
[22] في (ب): «استحالته».
[23] في (ب): (إنسان).
[24] ليست في (ز).
[25] زاد في (ب): «♦ ».
[26] ليست في (ب).
[27] في (ب): «كافر يومئذٍ»، وفي (ز): «يومئذ كافر».
[28] في (ب) و(ز): «ممَّا».
[29] زاد في (ز): «وإنما أسلم يوم الفتح». وأما في (ب) فزاد فيها: «ومثلُ هذا لا يكون خطأ أصلًا، ولا يكون إلَّا قَصْدًا، نعوذ بالله من البلاءِ».
[30] في هامش (ب): (الحديث الذي وهم فيه الإمام البخاري).
[31] في (ز): «وتابعه».
[32] في (ب): «بنحو سبع أوراق».
[33] في (ز): «كتاب».
[34] في (ب): «ترجمتُه».
[35] في (ب): «خرَّجه».
[36] في (أ) خطأ: «بن».
[37] في (ب): «أنه قال».
[38] ما بين معقفتين جاء في (ز) هكذا: «فساق عن شريك بن عبد الله قال».
[39] في (ز): «بالنبيِّ».
[40] ليست في (ز).
[41] في (ب): « فأوحَى إليه فيما يُوحِي إليه ╡ ».
[42] في (ز): «قال ابن حزم».
[43] في (ب): «فهذه ألفاظٌ مقحمةٌ بلا شكٍّ».
[44] ليست في (ز).
[45] في (ز): «أن ذلك قبل»، وفي (ب): «ذلك قبل».
[46] في (ز): «عليهم».
[47] في (ز): «لا».
[48] في (ب) و(ز): «بين».
[49] في (ز): «أنه».
[50] في (ز): «وبعد»، و(ب): «وذلك بعد».
[51] في (ز): «نحو».
[52] في (ز): «اثني عشر».
[53] ليست في (ب)، وفي (ز) بدلها: «وكيف يكون قبل الوحي إليه».
[54] ما بين معقفتين زيادة من (ب)، وقد ذكرها ابن الجوزي في كشف المشكل نقلًا عن ابن حزم، وكذا الحافظ في الفتح.
[55] ليست في (ز)، وفي (ب) بدلها: «وبالله تعالى التَّوفيق».