♫
أحسنُ ما تسهلُ به طوالعُ مقدِّمات الحديث حمدُ الله القديم الَّذي نزَّل أحسن الحديث، كما أنَّ أبلجَ ما تستضيء به مشارق الصَّلاح بوارق شوارق الوآم وصوادق ضوابط الاصطلاح، فله الحمدُ على تسلسل نَعْمائه الحسنة، ولهُ الشكرُ على تواترِ لآلئ آلائه بتواتر الأزمنة، والصَّلاة والسَّلام على فاتح أبواب العلا ومانح أسباب السّعود، وشارح صحيح صريح الشَّريعة بقوله الفصل وفعله المحمود؛ سيِّدنا محمَّد القائل في ظلِّ روضِ القربِ اليانعِ، القائل صلعم: «رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ» صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه، المتَّصلُ سندُ عزِّهم إليه ما تَرَاسَلَتِ الأخبارُ وتَرَنَّمَت في حدائق الأزهارِ سواجعُ الأطيارِ.
أما بعدُ:
فيقولُ الموقوفُ الرَّجاءِ على فيض فضل جَنَابِ الخالقِ الباري عبد الهادي بن رضوان المشهور بِنَجَا الأَبْيَاري:
لمَّا شرعتُ في قراءة صحيح البخاري بالأزهر لا زال معمورًا بالعلم الأنور، مغمورًا بالفضل الأزهر، ألزمني أجلُّ أحبابي وأخصُّ أصحابي؛ الفاضل الهُمام الشيخ محمد الأَنْبَابِي أن أكتبَ على مقدمة شرح القسطلاني على البخاري حاشيةً، قال: فإنَّها لصُعوبتها صارت العناية بها مع الحاجة إليها واهيةً فحاولت قصورًا فلم تُجْدِّ المحاولة، فامتثلتُ مستعينًا بالله الَّذي لا يخيب مؤمِّله، وكتبتُ عليها ما اقتضاه المقام من توضيح ما أَشْكلهُ الشَّارح وإبداء ما أخفاه، وما تنشرح له من المطالب نفس الطَّالب وتقرُّ بهِ عيناه، فجاءت بحمد الله حاشية كحاشية بَرَد الخودِ كافلةً بحلِّ كلِّ معقودٍ، وافيةً بجلِّ ما هو مقصود، جمعتُ من المصطلح أصلحه وأنفعه، ومنعتُ الأذهانَ أن تُشَتَّتْ في طلب فنون الحديث الضَّائع أوجهًا في أرجاء الأسفار المتَّسعة، لاسيَّما في هذه الأزمان القاصرةِ الهمم المتكاثرةِ الغُمم القليلةِ الالتفات إلى هذه العلوم العظيمة النَّفعِ الجليلة الوقعِ، إذ أضحت فيها غريبة ليس لها مأوًى منقطعةَ الصُّحبة لا تجدُ لها مَن يهوى، على أنَّها جديرةٌ بالوصل والضمِّ حقيقةٌ بأن يدأبَ في إيوائها إليه وإدراجها لديه الجمُّ، ولخوفي من التَّطويل مع حرصي على الجمع والتَّحقيق أدمجت فيها تارةً وفصَّلتُ أخرى، ولم ألتفت إلى التَّنميق والتَّدقيق بل إلى التَّوفيق إذ ذلك أحرى، هذا مع جمودِ قريحتي وخمود فكرتي، وتبلبلِ بالي وتشتت أحوالي.
فإليك أيها الأخ الرَّفيق المعذرة ما وجدتَ زلَّةَ قدمٍ أو زلَّة فهمٍ أو سبقَ قلمٍ أو فلتةَ وهمٍ، / فجائزٌ على أبناء جنسك ما تعهده أنت من نفسك، والإنسان محلُّ الخطأ والنِّسيان، وسمَّيتُ هذه الحاشية:
«نيل الأماني في توضيح مقدِّمة القسطلاني»
وعلى الله الاعتماد وإليه الاستناد