♫
بحَمْدِ مَن أَلَّفَ بينَ المُخْتَلِفاتِ تَسْتَهِلُّ يَرَاعَةُ(1) كُلِّ مُؤلَّف، وبشُكْرِ مَنْ جَمَعَ بين المُفْتَرِقات، تَتَواتَرُ النِّعَمُ على كُلِّ مُكلَّف، فلهُ(2) الحَمْدُ حَديثًا وقَديمًا، ولهُ الشُّكْرَ أَن أَوْلانا بِرًّا عَميمًا، وخَيرًا جَسيمًا، وبالصلاةِ والسَّلامِ على مَن أَزالَ الاشْتِباه، وأزاحَ ظُلَمَ الجَهالَةِ بنورِ اللهِ، سَيِّدِنا مُحمَّدٍ الجامعِ لِمَا تَفرَّقَ مِن الجَمالِ، تَتواصَلُ أسبابُ الكَمالِ، وتَتراسَلُ أنواعُ الأفضالِ، فَسَلْسِلِ اللَّهُمَّ صِلاتِ صَلاتِكَ وسَلامِكَ عليهِ وعلى آلهِ، وجَمِّل أَحْوالَنَا بِلُبْسِ صِدَارِ آثارِهِ وشِعَارِهِ(3)، وشِعَارِ أعْمَالهِ.وبَعْد:
فيقولُ فَقيرُ(4) الحِجَا عَبْدُ الهَادِي نَجَا: هذا شرحٌ مُخْتَصَرٌ، وبَيَانٌ مُقْتَصَرٌ، لِمَنْظُومَتِي المَوْسُومَةِ بـ«رِضَابُ المُرْتَشِف فِي نَظمِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنَ المُؤْتَلِفِ والمُخْتَلِف(5)»، مُلَقَّبٌ بـ«كَشْفُ النِّقَابِ لِرَشْفِ الرِّضَابِ»، عَمِلْتهُ للمُبْتَدِئِين؛ فَأَخْلَيْتُهُ مِن التَّطْوِيلِ وعَنِ التَّحْسِينِ، فأَسْأَلُ اللهَ بِجاهِ نبيِّهِ النَّبيهِ صلعم(6)، أَنْ ينتفعَ بهِ كُلُّ مُتَشَبِّثٍ بهِ، رَاغِبٍ فيهِ، آمين.
♫ /
حَمْدًا لِمَنْ أَبْدَعَ الأَشْيَاءَ مُؤْتَلِفًا مِنْهَا وَمُخْتَلِفًا حَتَّى بَدَتْ غُرَرَا
الكلامُ على البسملةِ والحمدلَةِ قُبضَ عِنانُهُ هُنا، [و] بَسْطُهُ في الكُتُبِ المختصَرَةِ والمُطَوَّلَةِ.
و(أبْدعَ الأشْياءَ)؛ أي: أَوْجدها على غيرِ مِثالٍ سابقٍ ما يأتلفُ منها لنحو اتِّحادِ جنسهِ، أو اختلفَ لنحو اختلافه.
(حَتَّى بَدَتْ)؛ أي: ظهرتْ في الوجودِ مُتحققةً تحقُّقَ الشيء النَيِّرِ الِّذِي هو كالغُرر، جمع (غُرَّة)، وأَصلُها: البياض في جبهةِ الفَرَسِ، يُسْتعارُ لِكُلِّ نَيِّرٍ، فَيُكْنَى بهِ عن كُلِّ مُتحققٍ.
والمُؤْتلف والمُخْتلف(7) الذي استهلَّت به يَرَاعة(8) المطلع في المُصطلح مِن الأسماءِ والأنسابِ ونحوها؛ فنٌّ جَلِيلٌ.
قال في «التقريب»: يَقْبُحُ جَهْلُهُ بأهل العلم، لاسيَّما أهل الحديث، ومَن لم يعرِفْهُ يكثر خطؤه، ويُفْتَضَحُ بين أهلِه.
وهو ما اتَّفقتْ صورتهُ خطًّا، واختلفت صيغتُهُ لفظًا؛ كَعُبيدٍ(9) وعَبِيْدٍ _بالتصغير والتكبير(10)_، وأُبَيٍّ _بضمِّ الهمزة وفتح الموحَّدة_ وآبِي(11) _بمدِّ الهمزة وكسر الموحَّدة_، وَكَبُسْرٍ وَبِشْرٍ؛ بضمِّ الموحَّدة وبالمهملة(12) في الأولى(13)، وكسر الموحَّدة وبالمعجمة في الثاني.
وهو / خِلافُ المُتَّفِق المفترق(14)؛ فإنَّه: ما اتَّفقَ لفظًا وخطًّا؛ كالحَنَفِيِّ والحنَفَيِّ؛ نسبة لبني حَنِيفةَ في أحدهما، ولِمَذْهب أبي حَنِيفَةَ في الآخَر.
ومِنَ الأوَّل: عَبْدُ الكبير أبو بَكْرِ بنُ عبدِ المجيدِ الحَنَفِيُّ، وأَخُوه عُبيدُ(15) الله، أخرج لهما الشَّيْخان، وكثيرٌ من المُحَدِّثين ينسبون إلى الأوَّل بزيادة ياء؛ للفرق، وأباه أكثرُ النُّحَاة؛ وصوَّبه السُّيُوطِيُّ في «شرح التقريب» قال: وأخذتُه(16) مِن قوله صلعم: «بُعِثْتُ بِالحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ(17)»؛ فأثبت الياء في اللفظ المنسُوب إلى الحَنِيفِيَّة(18).
ومنه(19):
- مَن سُمِّيَ بمحمَّدِ بنِ إدْرِيس، وهم سبعة: أحدُهم: الإمامُ الشّافعيُّ، وبقيَّتهم ذكرناه في «سُعُود المُطالع».
- ومَن سُمِّيَ بعُمر بن الخطَّاب وهم كذلك، أحدهم: أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين، وباقيهم في ذلك الكتاب.
وأقسام هذا النوع سبعة:
ما اتَّفق في اسم الذات والأب أو الجدِّ(20)، وفرَّق بينهم النسبة أو الصفة أو غيرهما، وما اتَّفق في الاسم واللقب أو الكُنية(21)؛ أي(22): في أحدهما مع النسبة، وافترق في غيره، إلى آخر ما فصَّلْناه في ذلك الكتاب. /
وأمَّا ذلك القسم _أعني: ما نحن بصدده من المؤتلف والمختلف(23)_ فنوعان:
- عامٌّ لا يختصُّ بكتاب من كتب المُحدِّثين(24).
- وخاصٌّ بما في «الصَّحيحين» فقط، أو مع «الموطَّأ»، أو في أحد الثلاثة(25)؛ فالأول بَسَطَتْهُ المَبْسُوطات، والثاني ما ذكرناه هنا بعد قولنا:
ثُمَّ الصّلاةُ عَلى شَمْسِ الوُجُودِ وَمَنْ لَهُ انْتَمَى مَا زَها رَوْضٌ وَمَا زَهَرَا
وهذا البيت لا يحتاجُ(26) في حلِّ معناه للنَّبيه إلى إيضاح أو تنبيه؛ لكنَّ (الروض) ربَّما يُظنُّ أنَّه مفردٌ، وليس كذلك، بل جمعُ (رَوضة)؛ كـ(رياض)، وهي الموضع المعجب بالزهور، سُمِّيت بذلك؛ لاستراضة المياه السائلة إليها؛ أي: سكونها بها؛ كما في «المصباح».
(وَزَها) من زها النَّبْت: ظهرت ألوانُه من صُفرةٍ وحُمرةٍ، وبعضُهم يقول: أزهى أيضًا.
وأما (زَهَرَا)(27) بألف الإطلاق: من زَهَرَ الشيء يزهَرُ _ بفتحتين _: صفا لونه، ويقال: أزهرَ النبتُ: أخرجَ زهره، و(زَهَر) لُغَيَّةٌ في (أزهرَ).
ثمَّ ما بعد هو قولنا:
وَبَعْدُ فاصغ إلى نَظْمٍ لمُشْتَبهٍ جَافِي «الصَّحيحينِ» مِمَّنْ قَدْ رَوى ودَرى /
وذاكَ مُؤْتَلِفٌ رَسْمًا ومُخْتَلِفٌ لَفْظًا لِتَأْمَنَ تَصْحِيفًا لَهُ حُظِرَا
مِمَّا لهُ النَّوَوِي في «شَرْحِ مُسْلِمٍ» اسْـ تَقْصَى وزِدْتُ عَلَيْهِ البَعْضَ مُخْتَصِرا
مُرَتِّبَنهُ على نَظْمِ الحُرُوُفِ بنَظْ ـمٍ قَدْ جَلا وحَلا في ذَوقِ مَنْ نَظَرَا
فاللهُ يَقْبَلُهُ فَضْلًا ويَجْعَلُهُ نَفْعًا لأَهْلِ الحَدِيثِ السَّادةِ النُّظَرَا
(اصغ): أمْرٌ من الصَّغْي؛ كالضرب، وهو الإمالة بالسَّمع، يقال: صغى إليه صغيًا: مالَ بسمعه له.
والمُشتبه بالنَّظم(28): يشمل كِلَا القسمين المذكورين، إلَّا أنَّه لمَّا كان المقصدُ المؤتلفَ [و]المختلفَ؛ خصَّصه بقوله: (وذاك...) إلى آخره، [قوله: (يشمل القسمين)؛ يعني: المتفق والمفترق(29)، والمؤتلف والمختلف(30)](31).
ولفظ: (جا) في البيت بالقصر للنَّظم.
و(الصَّحيحان): «البخاريُّ» و«مسلم».
و(مِمِّنْ قد روى): إمَّا بيان (لمشتبهٍ)؛ لأنَّه في قوَّة ما اشتبه(32)، أو متعلِّق بـ(جاء)، وكِلَا مفعولَي (رأى) و(درى) محذوفٌ؛ إمَّا للعِلْمِ به من ذكر «الصَّحيحين»، أو لعدم تعلُّق الغرض بذكره.
و(التَّصْحِيف): تغيير اللفظ حتَّى يتغيَّر المعنى المراد ويلتبس، فهو والتحريفُ سواءٌ، وفرَّق بعضُهم بينهما بما ذكرتُه / في «الفواكه».
و(حُظِرَ) _ بمهملة فمعجمة، ألفه إطلاق _: من الحظر، وهو المنع؛ أي: مُنِع منه في رجال الحديث؛ لحصول اللَّبْس به المؤدِّي إلى عدم الوثوق بالرواية.
ثمَّ ما نظمناه في هذا النظم(33) استقصاه(34) النَّوَوِيُّ في مقدِّمة «شرح مسلم» مع زيادةٍ نصَّ عليها أئمَّة الحديث مختصرةً من مواضعها، مرتَّبًا على نظم حروف المعجم؛ أي: انتظامها وترتيبها، مُقَدَّمًا(35) فيه ما أوَّله الهمزة، فما أوَّله الباء، وهكذا إلى الياء، بحسب المستثنى تارةً، والمستثنى منه أُخرى.
(بنظم)؛ أي: وزن على أحد البُحور الشِّعريَّة، وهو البسيط الذي أجزاؤه: (مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن) مرتين.
(قَدْ جَلَا) بالمعجمة؛ أي: ظهر؛ من جلا الخبرُ للناس جَلاءً _ بالفتح والمدِّ _: وضح وانكشف، فهو جَلِيٌّ، وجَلَوْتُهُ: أَوْضَحْتُهُ؛ يتعدَّى ولا يتعدَّى.
وقوله: (وحَلا) بالمهملة: من الحلاوة، وفعله: حَلا يَحْلو؛ كـ(دعا يدعو)، سواء ما أُضيف إلى الفم والعين، على ما في «الصِّحاح»، يقال: حَلا الشيء في فمي، وبعيني، يحلو.
وروى / الأصْمعيُّ الفرق بينهما، فيقال: حَلا الشيء في فمي يَحْلو، وحَلِيَ بعيني يَحْلَى(36) _ كرضي يرضى _أي: حَسُن عندي وأعجبني.
قال ابن بَرِّي: وكلاهما من الحلاوة، إلا أنَّه غُيِّر بناؤهما؛ للفرق بينهما، والاسمُ منها(37) حُلْوٌ، ولا يُقَال: حالٍ؛ إذ هو المتحلِّي بالحلي خلاف العاطل، وفعله حَلِيَ؛ كـ(رَضِيَ) أيضًا، يُقال: حَلَيْتُ الجاريَةَ حَلْيًا؛ بفتح فسكون، وتَحَلَّت: لبست الحُلِيَّ كذلك، جمعه(38) حُلِيٌّ؛بضمٍّ فكسر، والأصل على فُعُول؛ كَفَلْسٍ وَفُلُوسٍ، ومثلُ (حَلا) في اختلاف تصريفه باختلاف معناه: (علا)؛ فإنِّه إن كان في المكان؛ فكـ(دعا يدعو)، أو في المرتبة؛ فكـ(رضي) كما نقلتهُ في «الفواكه»، وذكرت فيها من نظائر ذلك أيضًا غيرَه.
و(مَنْ نَظَرَا) في البيت: من النظر؛ بمعنى التأمُّل وإدارة الفكر، ولذلك كانت بالذَّوق أمسَّ، وفي جانب الحلاوة لا الجلاء أنسب، وإلَّا فلك أن تقول: حَلا وجَلا في عين من نظرا _ بإهمال الأوَّل، وإعجام الثاني _، وغير ذلك مما يجلو ويحلى، والاقتصار أولى سيَّما على ما نقله الأصمعيُّ، وإن كان توسيعُ الدائرة أجلى, / و(النُّظَرَا) في البيت الأخير؛ كَـ(كُرَما) جمع (نظير)؛ كـ(كريم).
[1] في الأصل الخطي: (برااعة).
[2] في الأصل الخطي: (فلله).
[3] (وشعاره): ليس في الأصل الخطي.
[4] في الأصل الخطي: (ضعيف).
[5] في الأصل الخطي: (المختلف).
[6] (صلعم): ليس في الأصل الخطي.
[7] في الأصل الخطي: (المختلف).
[8] في الأصل الخطي: (براعة).
[9] في المطبوع: (كعبد).
[10] في الأصل الخطي: (بالتكبير والتصغير).
[11] زيد في الأصل الخطي: (اللحم).
[12] (وبالمهملة): مثبت من الأصل الخطي.
[13] في الأصل الخطي: (الأول).
[14] (المفترق): مثبت من الأصل الخطي.
[15] في الأصل الخطي: (عبد)، وهو تحريف.
[16] في الأصل الخطي: (وقد أخذته).
[17] في الأصل الخطي: (السمحاء).
[18] في الأصل الخطي: (الحنيفة).
[19] في هامش الأصل الخطي: (قوله: «ومنه»؛ أي: من المتفق المفترق).
[20] في الأصل الخطي: (أو والجد).
[21] في الأصل الخطي: (أو والكنية).
[22] في الأصل الخطي: (أو).
[23] في الأصل الخطي: (المختلف).
[24] في الأصل الخطي: (الحديث).
[25] في هامش الأصل الخطي: (قوله: «الثلاثة»؛ يعني: «الصحيحين» و«الموطأ»).
[26] في الأصل الخطي: (احتياج).
[27] في الأصل الخطي: (زهر).
[28] في الأصل الخطي: (في النظم).
[29] في الأصل الخطي: (المفترق).
[30] في الأصل الخطي: (المختلف).
[31] ما بين معقوفين جاء في هامش الأصل الخطي بلا تصحيح، ولعلَّ الصواب ذكره في الحاشية.
[32] في هامش الأصل الخطي: (انظر هذا التعليل).
[33] زيد في الأصل الخطي: (هو ما).
[34] زيد في الأصل الخطي: (الإمام).
[35] زيد في المطبوع: (ما)، ولعل حذفها أولى.
[36] في المطبوع: (يحلو).
[37] في الأصل الخطي: (منهما).
[38] في الأصل الخطي: (وجمعه).
اسم الكتاب : كشف النقاب لرشف الرضاب للأبياري
اسم المؤلف الكامل : الأبياري عبد الهادي نجا بن رضوان المصري
تاريخ الوفاة : 1305
دار النشر : عطاءات العلم
تاريخ النشر : 1439
بلد النشر : المملكة العربية السعودية
المحقق : للجنة العلمية في دار الكمال المتحدة
الأجزاء : 1
حول الكتاب :
المؤتلف والمختلف من الأسماء والأنساب وما يلتحق بها، وهو ما تتفق في الخط صورته وتختلف في النطق والتلفظ صيغته، وقد اجتهد العلماء في ضبطه، وممن اجنهد في هذا مصنف الكتاب هذا ☼، فقد نظم ☼ المؤتلف والمختلف الواقع في الصحيحين بـمنومة سماها: «رِضَابُ المُرْتَشِف فِي نَظمِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنَ المُؤْتَلِفِ والمُخْتَلِف»، ثم صنف كتابه هذا في شرحها.
حول المؤلف :
اسمُه ونسبُه ولقبُه ومولدُه:
هو عبد الهادي نَجَا بن رضوان نَجَا بن محمد، النحويُّ الأبْيَارِيُّ المِصريُّ الشافعيُّ الفقيهُ الأديبُ، ولد في قريـة أَبْيَار من أعمال الغربيـة بمصر سنة 1236 هـ.
نشأتهُ وشيوخهُ ومناصبهُ وتلاميذهُ:
نشأ في كنف أبيه، فأخذ عنه الأدب، واللغة، ومبادئ العلوم، ثم جاور في الأزهر، فسمع على الشيخ البَيْجُورِيّ، والشيخ الدَّمَنْهُورِيّ، وغيرهما، وجَدَّ واجتهد في تحصيل العلوم؛ حتّى نال منها ما لم ينلهُ إلَّا القليلون من مُعاصريـه، فنبغ وذاع صيتـهُ، وتَحَدّثَ القومُ بعلمهِ وفضلهِ، ودرّسَ في الأزْهَرِ، وتخرج بـه الطلبةُ، فتخرجَ عليـه رجالٌ اشتُهروا بالعلمِ والفضل.
عَهِدَ إليهِ الخديوي إسماعيل باشا تأديبَ أولادهِ وتعليمَهُم، ومِن جملتهِم: توفيق باشا الذي - بعد أن تَولّى مُلك مِصْر- عَهِدَ إليهِ إمامةَ مَعِيَّتِهِ وإفتاءها، فظلّ بها إلى أن تُوفِّي.
لا شكَّ أنّ مَن كان لهُ هذهِ المنزلةُ الرّفيعةُ، والكَعْبُ العالي في العِلْم، والأدب، والفضل، تتزاحمُ عليه الطلبةُ، ويتسابق أهْل الفضْل إلى اللقاء بهِ، ويراسلهُ الفضلاء من شَتّى بِقَاع الأرضِ؛ فكان له طُلابٌ وتلاميذُ كُثُرٌ؛ منهم من تصدَّرَ في حياةِ شـيخهِ، ومنهم من يُشارُ لـهُ بالبَنانِ، وصارَ بعدَهُ قِبْلَةً للطلابِ؛ كالشيخ حسن الطويل، والشيخ ابن خليل التونسي، والشيخ ابن خليفة المدني.
ثناء أهل الفضل والعلم عليه:
قال في حقه العلامة الشيخ إبراهيم السّقا نَظْمًا ونَثْرًا تَشُوقًا إليه حينما كان مُسافرًا خارجَ مصر لما حطت بفِنائه الهموم، فكتبَ في حقِّ المُتَرْجَم المَرقُومِ كلامًا كالدُّرِّ المَنْظُوم، فقال:
لقد كَمَّلَ الرحمنُ وَصْفَكَ بِالعُلا وما شِينَ شيْءٌ مِن كَمَالِكَ بِالنَّقْصِ
ومَنْ جَمَعَ الآفاقَ في العَيْنِ قادِرٌ على جَمْعِ أشتاتِ الفَضائِلِ في شَخْصِ
حَلَّتْ مِنا أحرفُ المحبةِ مَحلَّ الزُّلال من الصَّادي
وفَوَّضْنا الأمْرَ في تمتُّعنا قَريبًا بعودةِ العبدِ الجليلِ لربِّهِ الهادي
وقد أُتْحِفنا من حضرةِ أميرِ الكلامِ بِدُرٍّ مَنْثُور، وأشْرَقَتْ مِنهُ المودَّةُ في ليالي السُّطور، فَسُبْحَانَ من أوْدَعكَ سِرًّا أنتَ بهِ العَلَمُ المفردُ بين المَلا، تُحَدِّثُ بأعذبِ مَنْطِقٍ {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى:3].
ويَشْهَدُ اللهُ وحَسْبي بهِ...أَنِّي إِلى مَجْدِكَ مُشْتَاقُ
فللهُ مزاياكَ التي لا تبعث إلَّا على مزيد الاشتياق، ومكارمك التي قضتْ لك بالتفوُّق على الأقْرانِ بالاتفاق، ولقد شقَّ علينا بعدُك مشقةً كُبرى، وحرمانُنا من أُنْسِك الذي يقوم مقامَ الراح للأرواح سُكْرَا، وإني لا أعجبُ ممن جهلَ عظيمَ قدرِك فعاداك، ونقل عنك ما لم تتفوه بـه قط فاك، فإنَّه حسد، ومثلك من يُحسد، والحسدُ لا تهمـد نارُه ولا تخمد، إنَّما أعجبُ من كونه ظلم نفسه، وانطوى على البغي الشنيع، وإنه لا يَرْقُب في مؤمنٍ إلًّا ولا ذمة، وإن الله لسميع، تَحَلَّى وتروَّجَ بالكذب والتمويـه، وتخلَّى عن كُلّ ما فيـه على كرم النفس دلالـةٌ وتنويـه، ولكن على جنابك حُسن التفويض والتسليم لأمـر مولاك، فلا بد إن شـاء الله أن يُريَك بسرعـة العَـوْد لمصرَ ما تَقَرُّ بـه عيناك، وبالصبر تُجْتني ثمـراتُ الآمال، والله تعالى يُحسنُ لنا ولكم الحالَ والمَآل، آمين.
اتخـذه الأديبان سـليمانُ الحريـري التونسي صاحـبُ «برجيـس باريس»، وأحمد فارس الشدياق صاحب «الجوائب» كحَكَمٍ ليفصل المناظرات اللغوية التي قامت بينهما، فكتب كتابه: «النجم الثاقب في المحاكمة بين البرجيس والجوائب». فنظم أحمد فارس قصيدته الدالية التي يقول فيها شاكرًا:
أبدى لنا في مصرَ نَجْمًا ثاقِبًا لكنْ ثَناهُ بكلِّ مِصْرٍ هادِ
فيهِ الفوائدُ والفرائدُ فُصّلَتْ موصولَةَ البرهانِ بالإسنادِ
إن قالَ لم يَتْرُكْ لِقَوَّالٍ مَدًى َو صالَ هالَ وطالَ كُلَّ مُعادِ
هو فَيْصَلٌ في الفِكْر يَرْضَى فصلَهُ مَنْ لَمْ يقنع من الأشهادِ
لولاهُ لم يُقْطَعْ لسانُ المُفْتِري عَنِّي ولم يُفْصَلْ جِدالُ بِلادِ
فلذاكَ كانَ على الجوائِبِ مَدْحُهُ حقًّا وإيجابًا مَدَى الآبادِ
آثارهُ:
كان للشيخ ⌂ حظٌّ وافر من التصانيف؛ نظمًا، وتأليفًا، وشرحًا في شتى مجالات العلوم: الأدبية، والفقهية، والحديثيّة، وغيرها، إليك أسماء ما اطلعت عليه في بطون الكتب:
1- باب الفتوح في معرفة أحوال الروح.
2- البهجة التوفيقية في اللغة والأدب.
3- تفريج النفوس في حواشي القاموس.
4- الثغر الباسم في مختصر حاشية البيجوري على ابن قاسم.
5- حجة المتكلم علـى متن مختصر النّووي لصحيح مسلم، نحـو خمسين كراسة.
6- الحديقة في علم البيان.
7- حسن البيان في نظم مشترك القرآن.
8- دورق الأنداد في جمع أسماء الأضداد.
9- رشف الرضاب في المصطلح.
10- رونق الأسياد شرح دورق الأنداد، نحو أربعين كراسة.
11- زكاة الصيام بإرشاد العوام.
12- زهر الروابي شرح وضعية الأنبابي.
13- الطلع النضيد على إرشاد المريد.
14- زهرة الحمدلة في الكلام على البسملة.
15- سحر العيون في الغزل.
16- سرور الغني شرح المورد الهني.
17- سعود القرآن في نظم مشترك القرآن.
18- سعود المطالع في سعود المطالع في التـاريخ والأدب. مطبـوع بمصر في مجلدين.
19- صحيح المعاني شرح منظومة البيباني في المصطلح.
20- طرفة الربيع في نظم أنواع البديع.
21- العرائس الواضحة الغرر شرح المنظومة البدرية جالية الكدر.
22- فاكهة الإخوان في مجالس رمضان.
23- الفواكه الجنوية في الفوائد النحوية.
24- القصر المبني على حواشي المغني حاشية على حاشية الأمير لمغني اللبيب.
25- كشف النقاب في شرح رشف الرضاب.
26- الكواكب الدرية في نظم الضوابط العلمية.
27 - المواكب العلية في توضيح الكواكب الدريـة في نظم الضوابط العلمية.
28- المورد الهني.
29- كتاب في الألغاز.
30- النجم الثاقب في المحاكمة بين البرجيس والجوائب.
31- نشوة الأفراح في شرح راحة الأرواح.
32- نفحة الأكمام في نظم ما ثلث من الكلام، في اللغة.
33- النور المبين للحصن الحصين.
34- نيل الأماني في توضيح مقدمة القسطلاني، وهو كتابنا هذا.
35- الوسائل الأدبية في الرسائل الأحدبية. مطبوع بمصر.
الكتب التي طبعت بتحقيقه وتصحيحه:
1 - العقد الثمين في محاسن أخبار وبدائع آثار الأقدمين من المصريين.
2 - البيان في التمدن وأسباب العمران.
وفاته:
توفي ⌂ في القاهرة سنة ألف وثلاثِمائة وخمس، وقد أناف على السبعين.
عملنا :
تمت المقابلة على نسخة الأزهر التي لم نعثر على غيرها، ورمزنا لها بالرمز (أ).

