♫
بعد حمد الله خاتمة كلِّ ختام، منوِّرةٍ لكلِّ مُدلهمَّة وظلام، والصَّلاة والسَّلام على أشرفِ الأنام، مصباح الظَّلام، وعلى آله الغُرِّ الكرام.
لمَّا منَّ الرَّبُّ جلَّ جلاله وتقدَّست أسماؤه بالفراغ من شرحي لصحيح الإمام أبي عبد الله محمَّد بن إسماعيل البخاري ولله الحمدُ والمِنَّة، وكان جامعًا لفنونه، موضحًا لعيونه، كاشفًا عن نقابه، متجلِّيًا لعروس خطابه، أردتُ أن أُتحفَ طلَّابه وأَمنحَ خُطَّابه بكتابٍ مفرد لأسمائه الواقعة فيه من الصَّحابة وأتباعه(1) وأتباع أتباعهم، وتلك وإن كانت في غضون الشَّرح ليكون تكملة للنِّصاب وختامًا، وعمدة في هذا الفن خصوصًا وإمامًا، أسلكُ فيه طريق التَّوسُّط فإنَّه أنجح للطلَّاب، دون الاختصار المُجحِف فإنَّه بعيدٌ عن الصَّواب.
وكنتُ عزمتُ على أن أُرتِّبه على الطَّبقات أوَّلًا فأوَّلًا، فبتَتُّ العزم عنه وإن فعله اللالكائي على هذا النَّمط والولاء، ووافقتُ الجمهور في ترتيبهم على حروف المعجم وعلاماتهم.
فعلامة ما أخرج له مع مسلم والأربعة (ع)، وما أخرج له وحده (خ)، وما أخرج له مع مسلم (خ م)، وما أخرجه أبو داود معه (خ د)، وما أخرجه التِّرمذي معه (خ ت)، وما أخرجه النَّسائي معه (خ س)، وما أخرجه ابن ماجه معه (خ ق). وربَّما زدتُّ على هذه العلامات مع البيان.
ولمَّا وصلتُ فيه إلى حرف العين طمحت النَّفس إلى رجال مسلم والأربعة أيضًا؛ لِمَا رأت من كمال هذا العقد النَّضيد، وتحقيق القول: الحائز قصب السَّبق الفريد، فشرعت فيما زاده مسلم على البخاري، ثمَّ ما زاده الأربعة، فصار حاويًا للكتب السِّتَّة المتعاضدين للمُريد، ولله الحمد على ذلك ونسأله المزيد.
ولا بأسَ قبل الخوض في ذلك أن نَعْرِف ترجمتَه مختصرة فنقول.
هو محمَّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مغيرة بن بردزبه، وقيل: بذدزبة(2)، أبو عبد الله الجعفي مولاهم، البخاري، الإمام، صاحب الجامع الصَّحيح وغيره، ولد سنة أربع وتسعين(3) ومئة، وطلب العلم ابن عشرٍ، ورحل وسنُّه أحد وعشرين.
وكتب عن أبي عاصم، ومكِّي، وعبيد الله بن موسى، والفِريابي، وخلقٍ.
وعنه: التِّرمذي، وابن خزيمة، وابن صاعد، والفِريابي، والفَرَبْري، وأبو حامد بن الشَّرقي، والمحاملي، ومنصور بن محمَّد البزدوي(4)، وأممٌ. والصَّحيح أنَّ النَّسائي لم يسمع.
وكان أحد الأئمَّة الحفَّاظ النَّقَلَة، يعدُّ(5) رأسًا في الحديث والفقه جامعًا بين فنونها، مجتهدًا في أفراد العلم، مع الدِّين والورع والتَّألُّه.
مات بقرية خرتنك من عمل بُخارى ليلة عيد الفطر، سنةَ ستٍّ وخمسين ومئتين.
وعلى الله الاعتماد والتَّفويض والاستناد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
[1] كذا في الأصل، ولعلَّ الصواب: (وأتباعهم).
[2] في الأصل: (بردزبه) مثل الأولى.
[3] في الأصل: (وسبعين) والمثبت من كتب التراجم.
[4] في الأصل وهمًا: (البزدي)، والمثبت الصَّواب.
[5] في الأصل: (يعقد) وهو تصحيف.