♫
قال الشَّيخ الإمام الحافظ أبو الفضل محمَّد بن طاهر بن علي بن أحمد المقدسي ☼:
الحمد لله على كل حال، وأمام كل حاجةٍ وسؤالٍ، وصلاتُه على خيرته من خلقه محمَّد(1)؛ وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعدُ: وفَّقنا الله ╡ للعمل الصَّالح كما وفَّقنا لسلوك سنَّة رسول الله صلعم، ولم يجعلنا ممَّن ابتدع بعده بدعة يدعو إليها، أو عصبيّة يحث عليها؛ إذ كان قد نص صلعم في مقالات شتَّى على فضل هذه الطَّائفة(2) المنصورة، ودعا لهم؛ فاستُجيب له صلعم؛ فبعث الله ╡ في كل وقت وزمان مَن يقوم بهذا الشَّأن، ويبيّنه للنَّاس حق البيان؛ إلى عصر الإمامَين الحافظَين: أبي عبد الله البُخارِي وأبي الحُسَين؛ مُسلِم بن الحجَّاج؛ النَّيسابوري، فميَّزا صحيح الحديث من سقيمه، واقتصرا(3) من جُملة الصَّحيح(4) على ما في كتابَيهما «الصَّحيحين»، فصارا حُجَّة لأهل الإسلام؛ لما علم الله تعالى من صدق نيَّتهما؛ وصحَّة عقيدتهما فيما قصداه.
إذ كان في عصرهما من الأئمَّة _شرقاً وغرباً_ في هذا الشَّأن مَن يكون منزلته في الفضل في أنواع شتَّى من أنواع علوم الشَّريعة أو في منزلتهما منهم من هو من مشايخهما الذين أخرجا عنهم في هذين الكتابَين.
ثم من بعد هؤلاء أئمَّة كل عصر، إلى يومنا هذا شرحوا ما أشكل، وخرَّجوا على تراجمهما، إذ لم يمكن الزِّيادة في الصَّنعة عليهما.
ثم طائفة من حُفَّاظ الحديث مثل: أبي أحمد بن عَدِي؛ وأبي الحسن الدَّارَقُطْني؛ وأبي عبد الله بن مَنده؛ وأبي عبد الله الحاكم؛ ثم من بعدهم إلى يومنا هذا. لما صح عندهم: أن كل من أخرجا(5) حديثه في هذين الكتابين _وإنْ تكلَّم فيه بعضُ النَّاس_ يكون حديثه حجّة؛ لروايتهما عنه في الصَّحيح، إذ كانا رحمة الله عليهما لم يخرِّجا إلا عن ثقة؛ عدل؛ حافظ؛ يحتمل سنّه ومولده السّماعَ / ممَّن تقدّمه؛ على هذه الوتيرة إلى أن يصل الإسناد إلى الصَّحابي المشهور؛ إلّا أحرفاً نبيّنها(6) في مواضعها؛ إن شاء الله تعالى على حسب ما انتهى إلينا علم ذلك، صنَّفوا في ذلك تصانيف كثيرة؛ مختصرة بحيث لا يقف الطّالب المبتدئ على كثير(7) فائدة منها، ومشروحة بحيث يغيب المقصود في كثرة الشَّرح(8)، فالذي اختصر أشار إلى الأسماء فحسبُ، والذي شرح ذكر الاسم في التَّرجمة؛ وذكر طائفة ممَّن سمع منهم؛ وطائفة ممَّن سمع منه في الصَّحيح وخارج الصَّحيح؛ كما صنَّف أبو القاسم اللالكائي(9) وغيره.
ووقفت على كثير من تصانيف هؤلاء المتقدِّمين والمتأخِّرين في هذا الفن؛ فلم أرَ أحداً شفى في تصانيفه إلَّا رجلَين؛ سلكا في تصنيفهما طريقاً بين الطَّريقين، ذكرا الاسمَ وطرفاً من مشايخه الذين حدَّث عنهم في الكتاب؛ ومن روى عنه في الكتاب فقط، وربَّما استقصيا هذا المعنى في المحدِّث والمحَدَّث عنه.
صنَّف أحدهما أسماء ما اشتمل عليه كتاب الإمام أبي عبد الله(10) البُخارِي؛ وهو: أبو نَصْر أحمد بن محمَّد بن الحُسَين الكلاباذي البُخارِي.
وصنَّف الآخَر بعده أسماء ما اشتمل عليه كتاب الإمام أبي الحُسَين مُسلِم النَّيسابوري؛ وهو: أبو بكر أحمد بن علي الأصبهاني، فأحسنا في تصنيفهما؛ وأجملا.
[منهج المؤلِّف في ترتيب كتابه]:
ولمَّا رأيتُ أكثر الأسماء ممَّا اتَّفقا عليه، وأقلّها ممّا انفردا به، حملني(11) ذلك على أن جمعتُ بين الكتابين ليخفَّ(12) حجمه؛ ويكثر نفعه، ثم أُورد ما أورداه، وأستدرك ما أغفلاه، وأختصر ما يُستغنى عنه من التَّطويل، وأُشير عند ذِكر الرَّاوي الذي له حديث واحد عندهما أو عند أحدهما إلى ذلك الحديث؛ إمَّا بإسناده إن علَوتُ فيه ؛ وإمَّا بمتنه إن وقع نازلاً.
وكذلك أُبين ما تكلَّم(13) فيه الحفَّاظ من / عِلَل أحاديثَ أدخلاها في الصَّحيحين عند ذِكر الرَّاوي المشهور بتلك الرِّواية، وأذكر: هل لِما عُلِّل به ذلك الحديث وجه أم لا ؟.
وأبين من أوردا حديثَه استشهاداً به، ومن أورداه مقروناً بغيره قبل متن الحديث أو بعده مردوفاً به(14).
ومَن أوردا له حديثاً في موضع، وأوردا له في غير ذلك الباب حديثاً آخرَ؛ فنسباه إلى غير النِّسبة الأُولى، لئلَّا يُظن أنّهما اثنان.
ومَن أورداه غيرَ منسوب فقالا أو أحدهما: حدَّثنا فلان، ويشتبه به غيرُه.
ومن حدَّثا عنه، وحدَّثا عن رجل عنه، ووقع لأحدهما عالياً وللآخر نازلاً.
وأرتِّب على نسق(15) حروف المعجم ما اتَّفقا عليه، وما انفردا به.
وقدّمنا من اسمه «أحمد» ليجمع معنيين:
أحدهما: تبرَّكاً بالابتداء باسم رسول الله صلعم.
والثَّاني: أنَّه أوَّل باب الألف، والله الموفِّق لجميع ما ذكرته، والمعين عليه؛ بمنِّه وفضله.
[1] في (ف): «وصلواته وسلامه على محمد».
[2] في (ف): «العصابة».
[3] في (ف): «اختصرا».
[4] في (ص، ف): «صحيحه».
[5] في (ف): «أخرجوا».
[6] في (ف): «يثبتها».
[7] في (ف): «كبير».
[8] سقطٌ في النسخة (ز) يبدأ من هنا إلى ترجمة «إسماعيل بن زكريا، أبو زياد ».
[9] في (ف): «الإلكائي».
[10] في (ف): «أبي محمد البخاري».
[11] في (ف): «حَدَاني».
[12] من هنا تبدأ النسخة (هـ): «حجمه ويكثر نفعه.... »، وقد ذكر في (حاشية هـ) في رأس الورقة: كتاب في أسماء الرجال مما اتفق البخاري ومسلم أو انفرد أحدهما، لابن طاهر، نبه عليه: أحمد عمر المحمصاني الأزهري.
[13] في (ف، هـ): «تكلموا».
[14] في (ف): « ومن أورداه مقرونا بغيره.........مردوفا به » هذه العبارة ساقطة من(ف).
[15] في (ف): «ورأيت على سبق».