♫
{رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} [الكهف:10]
الحمدُ لله الذي شرحَ صدورَ أهلِ الإيمانِ بالهدى، ونكَّتَ في قلوبِ أولي الطُّغْيانِ فلا تعي الحكمةَ أبدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهًا أحدًا صمدًا، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله ما أكرمه عبدًا سيدًا وأزكاه صلاةً مَحْتِدًا، وأظهره مضجعًا ومولدًا، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه غُيُوْثِ النَّدَا وليوثِ العِدَا، صلاةً وسلامًا دائِمَيْنِ منَّا منَ اليوم إلى أنْ يُبْعَثَ الناسُ غدًا.
أمَّا بعد:
فهذه نُكَتٌ مفيدةٌ موضحةٌ «للجامعِ الصحيح» لأبي عبدِ الله محمدِ بنِ إسماعيلَ بنِ إبراهيمَ البخاريِّ، عَلَمِ الْمُحَدِّثِيْنَ ورأسِ الحُفَّاظِ الْمُتْقِنينَ، قد بيَّنتُهَا من كلام الأئمة الذين اعتنوا به في قديم الزمان وحديثه، مع ما ضممتُه إليها من التنبيهات التي أظنُّ أنَّهم أغفلوها أو ذكروها ولم أطلعْ على ذلك في مظانِّهِ، وقد كنتُ شرعتُ في شرحٍ كبيرٍ استفتحته بمقدمة تحوي غالب مقاصد الشرح، فلما أتقنتها وحررتها وكتبتُ من الشرح مواضع هذبتها ومواضع سوَّدتها، رأيتُ الهِمَمَ قصيرة والبواعثَ على تحصيل المطولات يسيرة، وسألني بعض الإخوان عن النُّكَتِ التي وضعها العلامة بَدْرِ الدِّينِ الزَّرْكَشِيِّ على الكتابِ المذكور ِهل تُغْنِ الطالبَ عن مراجعة غيره أم لا؟ فتأملتها فوجدتها في غاية الحسن والتقريب والاختصار المفيد العجيب، إلا أنَّها ليست على مِنْوالٍ واحدٍ في ذلك، بل رُبَّمَا أطالَ فيما لا طائلَ فيه، ورُبَّمَا أهملَ ما تحيَّرُ الأفكار في توجيهه، فلا يوجد له في كلامه توجيهٌ، فأحيانًا يتعرضُ لبيانِ بعضِ منْ أُهْمِلَ تمييزه أو أُبْهِمَ اسمه، ويترك بجنبه من هو أولى بالتنبيه عليه لعُسرِ مأخذه، وكذا يتعرض أوقاتًا لوصل بعض الْمُعَلَّقاتِ، أو التوفيق بين الترجمة وحديث الباب، ويترك أهمها وأنفعها وأكثرها فائدة إلى غير ذلك مما اشتملت عليه مقاصد «الجامع» إذ هو جامعٌ كاسمه بحرٌ زخارٌ مُفْصِحٌ بسعة اطلاع مصنِّفهِ ووفور علمه.
فَحَدَاني ذلك على جَمْعِ هذه النكت شاملة لمبهمات ذلك على طريق وسطى(1) أرجو نفعها كافلة بما اطلعتُ عليه / من ذلك، إذ لا يُكَلِّفُ الله نفسًا إلا وسعها، وقبل الشروع في ذلك أُقّدِّمُ فَصْلَيْنِ أحدهما في الإشارةِ إلى شرطِ الْمُصَنِّفِ في هذا التصنيفِ، وفيه الإشارةُ إلى مناسبةِ ترتيب أبواب كتابه، وثانيهما في سياق جُمَلٍ من ترجمته تشتمل على حالة من بدايته إلى نهايته، وفيها وصف الأئمة له بما لا مزيد عليه، ثم تلوتُ ذلك بضوابط يُرْجَعُ إليها ويُعَوَّلُ عند الاختلاف عليها تُغني عن التكرار عملًا بشرط الاختصار، يَسَّرَ الله تعالى ذلك بِمَنِّهِ.
[1] جاء في حاشية الأصل(ز): ((كَمَا قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي مَدْخله أما بعد: فَإِنِّي نظرت فِي كتاب الْجَامِع الَّذِي أَلفه أَبُو عبد الله البُخَارِيُّ فرأيته جَامعاُ كَمَا سمَّى لكثير من السُّنَنِ الصَّحِيحَةِ، ودالًا على جمل من الْمعَانِي الْحَسَنَة المستنبطة الَّتِي لَا يكمل لمثلهَا إلَّا من جمع إِلَى معرفَة الحَدِيث نقلته وَالْعلم بالروايات وعللها علمًا بالفقه واللغة وتمكنًا مِنْهَا كلهَا وتبحرًا فِيهَا)).