روح التوشيح على الجامع الصحيح

كتاب التعبير

          ░░91▒▒ (كتاب التعبير): هو تفسير الرُّؤيا، إذ يعبَّر من ظاهرها لباطنها، والعبر والعبور: الدُّخول والتَّجاوز أو لأنَّه ينظر فيها ويفسر بعضها ببعض حتَّى يفهم، فهو من الاعتبار.
          قال ابن العربيِّ: الرُّؤيا إدراكات يلقيها تعالى بقلب عبده على يد ملكٍ أو شيطان بأسمائها حقيقة، أو بكُناها أو بعبارتها، أو بتخليط، ونظيرها باليقظةِ الخواطر، إذ تأتي على نسقٍ، وقد تأتي مسترسلة غيرَ محصلة.
          والمازريُّ: كثُر كلامهم في حقيقتها فقال بها غيرُ الإسلاميين أقاويل كثيرة منكرة، إذ حاولوا الوقوفَ على حقائق تدرك بعقل، ولا يقوم عليها برهان، وهم لا يصدقون بالسَّمعيَّات فاضطربت أقوالهم، فالأطبَّاء ينسبون الرُّؤيا إلى الأخلاط الأربعة، وهو أمرٌ لا دليلَ عليه، والفلاسفة يقولون: إنَّ صور ما يجري بالأرض في العالم العلوي كنقوش فما حاذى بعض النُّقوش منها انتقش فيه، فهو أشدُّ فساداً مما قبله.
          فالصَّحيح قول أهل السُّنَّة: أنَّه تعالى يخلق في قلب النَّائم اعتقاداً كما يخلقه في قلبِ اليقظان، فإذا خلقها فكأنَّه جعلها علماً على أمور أخرى يخلقها في ثاني حال، ومهما وقعَ منها على خلاف المعتقد فهي كما تقعُ لليقظان، وتلك الاعتقادات مرَّة تقعُ بحضرة ملك فيقعُ بعدها ما يسر، أو شيطان فيقع بعدها ما يضر، فبـ(نوادر الأصول) بسندٍ رواه عن عُبادة بنِ الصَّامت مرفوعاً: (رؤيا المؤمن كلامٌ يكلِّم به العبدُ ربَّه في المنام).
          ░1▒ [بابُ التَّعْبِيرِ وأَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلعم مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ.]