-
المقدمة
-
في أسانيد روايتنا لـجامع البخاري
-
في التعريف بالإمام البخاري رضي الله عنه
-
في بيان السبب الباعث للتأليف
-
في بيان شرط الإمام البخاري في جامعه
-
في سياق ما في الكتاب من الألفاظ الغريبة
-
في بيان المؤتلف والمختلف من الأسماء والكنى والألقاب
-
في عدد ما لكل صحابي في صحيح البخاري
-
في مناسبة ترتيب كتب الجامع
الفصل الأوَّل من فصول هذا «المختصر» الثَّمانية:
في أسانيد روايتنا لـ«جامع البخاريِّ»:
أقول_والله المستعان_: قرأت «الجامع الصحيح» لإمام المحدِّثين أبي عبد الله محمَّد بن إسماعيل البخاريِّ ☺ على جماعة من الأئمَّة المحقِّقين والعلماء المتقنين؛ فمنهم: سيِّدنا وبركتنا عوض والدنا الإمام العالم العلَّامة المشارك، الدرَّاكة الفهَّامة / صاحب التَّقاييد الكثيرة، والفوائد النيِّرة، الضابط المتقن، المحقِّق المتفنِّن، ذو الخلق الحسن، سيِّدي أبو الحسن عليُّ بن قاسم بن عمر البطويُّ ☼ ونفع به، وعلى يده كان الفتح، فجزاه الله عنِّي خيرًا، وأعظم له في الأخرى أجرًا، قرأت عليه بلفظي جميع «صحيح البخاريِّ» من أوَّله إلى آخره، وهو ☺ يُمسِك أصله المنسوخ جُلُّهُ من أصل ابن سَعَادَة قراءة تفهُّم وتدبُّر، مع إحضار جملة من الحواشي والشراح، كما قرأت عليه أيضًا بلفظي جميع «مسند الإمام مسلم بن الحجَّاج النيسابوريِّ» ☺ مِن أوَّله إلى آخره وهو ☺ يُمسِك أصلًا صحيحًا من «صحيح مسلم» قراءة تفهُّم وتدبُّر، مع إحضار شارحه الأبيِّ و«إكمال إكمال الإكمال» للشيخ السنوسيِّ، وذلك كلُّه بالمسجد القريب لداره الكائن بدرب العقيبة، قرب زقاق البقل من فاس المحروسة، وقرأت عليه قبل ذلك أيضًا «رسالة الشيخ ابن أبي زيد» من أوَّلها إلى آخرها، و«نظائرها» لابن غازي، و«ألفيَّة ابن مالك»، و«لاميَّة الأفعال» له، «جمل المجراد»، و«صغرى الإمام السنوسيِّ» مرَّتين؛ مرَّة بشرح المؤلِّف، ومرَّة بشرح تلميذه الملاليِّ، و«العقيدة الكبرى» للسنوسيِّ أيضًا بتصوير المسألة فقط، و«مختصر الشيخ خليل» إلَّا قليلًا منه / لم أستحضره الآن، مُلتزِمًا في طرف كبير منه «شرح المُوَّاق» و«حاشية ابن غازي»، وقرأت عليه أيضًا النصف الأوَّل من «مختصر ابن الحاجب» الفرعيِّ، من أوَّله إلى (باب البيوع)، ومن (باب القضاء) إلى آخر (الدماء)، بقي لنا درس يوم لترجمة موجبات العقوبة من «ابن الحاجب»، وكلُّ ذلك بتتبُّع كلام «التوضيح» وتفهُّمه، وسرده عليه، وتصحيح نُسَخِنا، وإحضار « حاشية اللَّقانيِّ» عليه، و«حاشية المشداليِّ» التي اعتنى فيها بأبحاث ابن عرفة مع ابن الحاجب، وإحضار «شرح ابن عبد السَّلام»، فكنَّا نسرد كلام «التوضيح» ونراجع ما عداه ممَّا ذكرنا عند الحاجة إليه، وقرأت عليه بلفظي أيضًا جميع «شمائل الإمام أبي عيسى الترمذيِّ» ☺ مرَّات متعدِّدة، وجميع كتاب «الشفا» للقاضي أبي الفضل عياض ☼، وجميع «ألفيَّة العراقيِّ» في علم الحديث، ومرَّة ثانية من أوَّلها إلى (الإجازة)، أو ما يقرب منها، ونحو النصف أو ما يقرب منه من «الجامع الصغير» للإمام السُّيوطيِّ، وجملة وافرة من «تحفة الحكَّام» لابن عاصم، وجميع الوثائق التي تعرف بـ« الفاسيَّات»، وطرفًا من «جمع الجوامع» لابن السبكيِّ، واستفدت منه وقيَّدت عنه، والمقصود هنا بالذات: إنَّما هو قراءة « صحيح البخاريِّ»، وما ذُكِر بعده إنَّما هو / تبرُّع واستطراد انجرَّ إليه الكلام، وذُكِر بحسب التبع، وكذا كلُّ ما يُذكَر زائدًا عليه في ترجمة غير هذا الشيخ، كان شيخنا المذكور ☼ عالمًا، متفنِّنًا، زاهدًا، مولعًا بالخلوة؛ للذِّكر والمطالعة والتقييد، تاركًا للأسباب الدنيويَّة، ملازمًا لبيته، منعزلًا عن الناس، نسخ بخطِّه كتبًا عديدة، أدرك جماعةً من بقيَّة العلماء وقرأ عليهم؛ كالإمام المس الفرضيِّ سيِّدي يعقوب اليدويِّ، والعالم الشهير الوليِّ الصالح سيِّدي رضوان بن عبد الله، والأستاذ النحويِّ سيِّدي أبي العبَّاس أحمد القدُوميِّ، وإمام النُّحاة ومحقِّقهم سيِّدي أبي عبد الله محمَّد الزيَّاتيِّ، وإمام العصر في علم الكلام وغيره سيِّدي أبي العبَّاس أحمد المنجور، قيَّد عنه فوائد على «الكبرى» للشيخ السنوسيِّ، وإمامَي عصرهما في الفقه؛ مفتي فاس وقاضيها سيِّدي يحيى السرَّاج، وسيِّدي عبد الواحد الحميدي، والإمام العالم الوليِّ الصالح سيِّدي يوسف الفاسيِّ، والإمام العالم سيِّدي الحسن الدراويِّ، والإمام العالم قاضي الجماعة بفاس سيِّدي أبي الحسن عليِّ بن عمران، والإمام العالم النحويِّ ذي التآليف العديدة أبي الفضل قاسم بن أبي العافية الشهير بابن القاضي، والإمام المحقِّق المتفنِّن مفتي فاس وخطيبها سيِّدي أبي عبد الله محمَّد القصَّار وغيرهم، وعمدته على القصَّار المذكور، وكان ☼ حسن النيَّة ذا / خلق حسن وحِلم وحياء، ينتفع بالقراءة عليه في الأيَّام اليسيرة ما لا ينتفع بالقراءة على غيره في أضعاف ذلك مع سهولة تعبيره وعدم تكلُّفه، قيَّد ☼ على طرر كتبه من الفوائد ما يستخرج منه حواشيَ مستقلَّة، وله حاشية عجيبة على «شرح المكوديِّ لألفيَّة ابن مالك» أبدى فيها من الفوائد والأبحاث ما لا يخطر ببال، جلُّها عن شيخه الزيَّاتيِّ المذكور، وقيَّد حاشية على «تحفة ابن عاصم» رأيتها مرَّات، ولم توجد في تَرِكَتِه، تُوُفِّي ☼ ليلة الجمعة ثامن وعشرين من ربيع الثاني سنة تسع وثلاثين وألف(1) ، وإلى سنة وفاته أشرت بلفظ: (كشيط) من قولنا في جملة أبيات في تاريخ وفيات بعض شيوخنا، وفي الإشارة إلى بعض صفاتهم:
أَبُو الحَسَنِ البطويُّ مَا زَالَ مُتْقِنا لِعِلْمٍ وإِلْقَاءٍ كَشِيط بِمَعْزِلِ
ففي ذلك اللِّفظ زيادةٌ على إفادة التاريخ بحساب الجُمَّل الإشارةُ إلى تجرُّده من الأسباب المستلزم غالبًا للانعزال عن الناس، كما صرَّح به آخر البيت.
ومنهم: سيُّدنا العالم الهمام، القدوة الإمام، ذو التآليف المشهورة، والفوائد المنظومة والمنثورة، أبو زيد سيِّدي عبد الرحمن بن محمَّد الفاسيُّ، رحمه / الله ونفع به، سمعت عليه جميع «صحيح البخاريِّ»، من أوَّله إلى آخره إلَّا مجلسًا واحدًا؛ أوَّله (باب وقت صلاة المغرب)، أو نحو هذه العبارة من (كتاب الصلاة)، وذلك بقراءة تلميذه الفقيه الأجلِّ، التَّالي لكتاب الله ╡، المرابط، الخيِّر، الفاضل، الناسك سيِّدي أبي عبد الله محمَّد، عُرِف بابن عبد الله، وذلك بالمسجد الملاصق لداره، المعلَّق على الساباط، الكائن بباب القَلقلِيَّين من فاس المحروسة، وذلك قبل أحداث الزاوية المجاورة للمسجد المذكور، وقرأت عليه بلفظي بالمسجد المذكور «شمائل أبي عيسى الترمذيِّ»، وسمعت عليه بقراءة ولد ابن أخيه الفقيه الأجلِّ الدرَّاكة، المشارك أبي محمَّد سيِّدي عبد القادر بن عليٍّ الفاسيِّ بالزاوية الحديثة البناء قرب المسجد المذكور، من أوَّل «البخاريِّ» إلى (كتاب الحجِّ)، وجميع أحاديث «الشهاب» للقضاعيِّ، كان ☼ إمامًا عالمًا، متفنِّنًا درَّاكًا، شهد له بذلك شيوخه وأقرانه، زاهدًا، لم يتعاط قطُّ أسباب الدنيا، له معرفة بالنحو واللغة، والفقه والأصول، والمنطق والبيان وعلم الكلام، وغير ذلك، وأمَّا التفسير والحديث والتصوُّف المؤيَّد بالكتاب والسُّنَّة؛ فلا يُجارى في ذلك أصلًا، تُصَحَّحُ من فِيهِ نُسَخُ «البخاريِّ» و«مسلم»، يستحضر جلَّ مسائل «مشارق عياض»، / على «الصحيحين» و«الموطَّأ»، ويستحضر معارضات الآيات ومعارضات الأحاديث وأجوبتها، وما قيل في ذلك من صحيح وسقيم، ومآخذ الصوفيَّة من الكتاب والسنَّة، له حاشية مفيدة على «دلائل الخيرات» للوليِّ الصالح أبي عبد الله محمَّد بن سليمان الجزُّوليِّ، وحاشية عجيبة مفيدة جدًّا على «صحيح البخاريِّ»، وحاشية عجيبة على «تفسير الجلالين»، وحاشية على «العقيدة الصغرى» للسنوسيِّ، وحاشية عجيبة على «الحزب الكبير» للشاذليِّ ☺، وله تقاييد كثيرة في التَّفسير، والحديث، وعلم الكلام وغير ذلك، أدرك شيوخًا جلَّة، يغني تقدُّمهم في الترجمة الأولى عن إعادتهم، وقرأ عليهم، وعمدتُه على المنجور، والقصَّار، وأخيه سيِّدي يوسف، تُوُفِّي ☼ آخر ليلة الأربعاء السَّابع والعشرين من ربيع النَّبويِّ، من عام ستَّة وثلاثين وألف(2) ، وإلى سنة وفاته رمز صاحبنا الأديب الشهيرُ سيِّدي محمَّد المكلاتيُّ ☼ (3) في «تكميل نظم الوفيات» للكاتب الأديب سيِّدي محمَّد بن عليٍّ الفَشتاليِّ بالشين، واللَّام، والواو من قوله:
أَبُو زَيْدٍ الفَاسِيُّ شِلْوٌ مُعَظَّمٌ وَتَاهُ حَدِيْثُ المُصْطَفَى خَيْر مُرْسَلِ
ومنهم: شيخنا الإمام العالم العلَّامة، المتفنِّن، الحاجُّ، الأبرُّ المجاهد سيِّدي أبو محمَّد عبد الواحد بن أحمد بن عليِّ بن عاشر الأنصاريُّ نسبًا، / الأندلسيُّ أصلًا، الفاسيُّ منشأً ودارًا، سمعت عليه «صحيح الإمام أبي عبد الله البخاريِّ»، و«صحيح الإمام مسلم بن الحجَّاج»، وذلك بقراءة صاحبنا الفقيه المدرِّس، الخطيب البليغ، سيِّدي أبي عبد الله محمَّد بن سودة، سدَّدنا الله وإيَّاه، كما قرأت عليه أيضًا «مختصر الشيخ خليل»، و«ألفيَّة ابن مالك»، وقرأت عليه أيضًا «مورد الظَّمآن» في الرسم لأبي عبد الله الخرَّاز مرَّات متعدِّدة قبل شرحه له، وحالة تأليفه لـ«الشَّرح»، وبعد كماله، وكذا قرأت عليه «ذيل المورد» في الضبط، بشرح الإمام أبي عبد الله محمَّد التَّنسيِّ مرَّات متعدِّدة، وقرأت عليه أيضًا طرفًا وافرًا من «الدرر اللوامع» لأبي الحسن عليِّ ابن برِّي بـ«شرح ابن المجراد» السلويِّ، وطرفًا من «رسالة ابن أبي زيد»، وطرفًا من «التلخيص» لابن البنَّاء، وقرأت عليه أيضًا «أرجوزة الحكيم الرئيس الشهير أبي عليٍّ ابن سيناء» في علم الطبِّ، من أوَّلها إلى آخرها مع جماعة من أصحابنا، إلَّا أنَّا لم نعتن بعدُ بذلك الفنِّ.
وقد كتب ☼ في آخر إجازته لنا في «صحيح البخاريِّ» ما نصُّه: قال الفقير إلى ربِّه عبد الواحد ابن عاشر: وقد أجزت للفقيه المذكور جميع مرويَّاتي ومقروءاتي، وما لي من ملفَّق كـ«فتح المنَّان المرويِّ بمورد الظمآن»، ومقطَّع كـ«المرشد المعين على الضروريِّ من علوم الدين»، وكلُّ ما يجوز لي وعنِّي روايته بشرطه عند أهله، / اهـ، كان ☼ متفنِّنًا في علوم شتَّى، قرأ القرآن على الإمام الشهير الأستاذ المحقِّق أبي العبَّاس أحمد ابن الفقيه الأستاذ سيِّدي عثمان اللمطيِّ وعلى غيره، وأخذ قراءات الأئمَّة السبعة عن الأستاذ أبي العبَّاس أحمد الكفيف، ثمَّ على العالم الشهير مفتي فاس وخطيب حضرتها أبي عبد الله محمَّد الشريف المربِّي التلمسانيِّ وغيرهما.
قلت: ولا أشكُّ أنَّه فاق أشياخه في التفنُّن في التوجيهات والتعليلات رحمة الله على جميعهم، وقرأ على جماعة آخرين؛ كالإمام العالم الوليِّ الصالح أبي عبد الله سيِّدي محمَّد بن أحمد التجيبيِّ، شُهِر بابن عَزِيز؛ بفتح العين المهملة وكسر الزاي الأولى، وكان الشيخ ☼ يذكر لنا عنه كراماتٍ، وكالإمام العالم مفتي فاس وخطيب حضرتها أبي عبد الله محمَّد بن قاسم القصَّار الأندلسيِّ القيسيِّ، وكشيخنا الفقيه، المحدِّث، المُسنِد الرواية، الأديب الحاجِّ، الأبرِّ، ذي الخلق الحسن أبي العبَّاس أحمد بن محمَّد بن أبي العافية الشهير بابن القاضي، وابن عمِّه العالم النحويِّ، صاحب التآليف المفيدة سيِّدي(4) أبي القاسم ابن القاضي، وكالعالم المحقِّق قاضي الجماعة أبي الحسن عليِّ بن عمران، وكالعالم المفتي الخطيب سيِّدي محمَّد الهوَّاريِّ، / وكشيخنا الإمام العالم، قاضي الجماعة ومفتيها أبي القاسم بن أبي النُّعَيْم الغسَّانيِّ، وكان شيخنا هذا ☼ ذا معرفة بالقراءات وتوجيهها، وبالنحو، والتفسير، والإعراب، والرسم، والضبط، وعلم الكلام، يحفظ نظم الإمام ابن زكري عن ظهر قلب، وبعلم الأصول، والفقه، والتوقيت، والتعديل، والحساب، والفرائض، وعلم المنطق، والبيان، والعَروض، والطبِّ، وغير ذلك، وحجَّ وجاهد مرَّات، واعتكف، وكان يقوم من الليل ما شاء الله، ألَّف ☼ تآليف عديدة، مُخْتَصَرة مفيدة؛ منها « شرحه» العجيب على «مورد الظمآن»، فقد أجاد فيه ما شاء، وليس الخبر كالعِيان، وقد أدرج فيه تأليفًا آخر سمَّاه «الإعلان بتكميل مورد الظمآن» في كيفيَّة رسم قراءة غير نافع من بقيَّة السبعة في نحو خمسين بيتًا، وشرَحَه، وابتدأ شرحًا عجيبًا على «مختصر الشيخ خليل»، التزم فيه نقل لفظ ابن الحاجب، ثمَّ لفظ «التوضيح»، وأضاف إلى ذلك فوائد عجيبة ونكتًا غريبة، جلُّها من بنات أفكاره، كتب فيه من قوله في (النكاح والكفاءة): الدَّين والحال إلى (باب السَّلَم)، والله أعلم، وله طرر عجيبة مفيدة على «المختصر» المذكور، بعضها يتعلَّق بلفظ «المختصر»، وبعضها بلفظ شارحه الإمام التتائيِّ في «شرحه الصغير»، كتبها على حاشية / نسخته من «شرح التتائي» المذكور، وقد أمر سيِّدنا الإمام العالم العلَّامة، الوليُّ الصالح، إمام العصر، ووحيد الدهر
حَلَفَ الزَّمَانُ لَيَأتِيَنَّ بِمِثْلِهِ حَنَثَتْ يَمِيْنُكِ يَا زَمَانُ فَكَفِّرِ
الحاجُّ الأبرُّ، سيِّدي أبو عبد الله محمَّد بن أبي بكر_رحمه الله ونفع به، وجازاه عنَّا وعن جميع المسلمين خيرًا_ بإخراج تلك الطرر ونسخها مفردة؛ ليُنتفَع بها، فأُخرِجت في نحو أربعين كُرَّاسًا، وله نظم عجيب في قواعد الإسلام الخمس ومبادئ التصوُّف سمَّاه «المرشد المعين على الضروريِّ من علوم الدين»، أجاد فيه كثيرًا، وقد كنت شرحته شرحًا حفيلًا، تضمَّن علمًا جليلًا سمَّيته «الدر الثمين والمورد المعين في شرح المرشد المعين على الضروريِّ من علوم الدين»، قد شرعت الآن في اختصاره، أعانني الله على إكماله، وله رسالة عجيبة في عمل «الربع المجيب» في مئة وثلاثين بيتًا من الرجز، وسمعت أنَّ له تقاييد عجيبة على «العقيدة الكبرى» للإمام السنوسيِّ، وله طرر عجيبة على «شرح الإمام أبي عبد الله التَّنسيِّ لذيل مورد الظمآن» في الضبط، وله مُقطَّعات في جمع نظائرَ ومسائل مهمَّة من الفقه والنحو وغيرهما، ومن نظمه ☼ وكان يكثر من إنشاده عندما تكثر عنده الأسئلة / الفقهيَّة، ومن إملائه نقلت:
يُزَهِّدُنِي فِي الفِقْهِ أنَّنِي لَا أرَى يُسَائِلُ عَنْهُ غير صِنْفَيْنِ فِي الوَرَى
فَزَوْجَانِ رَامَا رَجْعَةً بَعْدَ بَتَّةٍ وذِئْبَانِ رَامَا جِيْفَةً فَتَسَّعَّرَا
ومن نظمه أيضًا في الكتابة على طريق اللُّغز:
للهِ فِي خَلْقِهِ مِن صُنْعِهِ عَجَبُ كَادَتْ حَقَائِقُ فِي الوُجُودِ تَنْقَلِبُ
كلم بِعَيْنٍ تُرى لا الأذْن تسْمعهَا خِطَابهَا حَاضِرٌ وَأهْلُهَا ذَهَبُ
أُصِيْبَ ☼ بالداء المسمَّى عند العامَّة بالنُّقطة ضحى يوم الخميس ثالث الحجَّة الحرام من عام أربعين وألف(5) ، ومات عند الاصفرار من ذلك اليوم ☼ ونفع به، وإلى سنة وفاته أشرت بالشين والميم بحسب الجُمَّل من قولنا في جملة أبيات:
وَعَاشر المَبْرُورُ غَزْوًا وَحِجَّةً إمَامُ التُّقَى وَالعِلْمِ شَمُّ قَرَنْفُلِ
ومنهم: شيخنا الإمام العالم، الحافظ الدرَّاك، أعجوبة زمانه في الحفظ والفصاحة، مفتي فاس وخطيب جامع القرويِّين منها أبو العبَّاس سيِّدي أحمد بن محمَّد المقرئ القرشيُّ التلمسانيُّ، نزيل فاس المحروسة، وشيخنا بل وشيخ الجماعة بأسرها الإمام العالم، العلَّامة الهمام، المقدَّم في العلوم؛ خصوصًا علم البيان والكلام، قاضي الجماعة بفاس وخطيب حضرتها العليَّة أبو / القاسم بن محمَّد أبي النعيم الغسَّانيُّ ►، فقد سمعت عليهما معًا «صحيح الإمام أبي عبد الله محمَّد بن إسماعيل البخاريِّ»، مِن أوَّله إلى آخره نحوَ ستِّ ختمات أو ما يقرب منها، كانا يجلسان بمجلس واحد بجامع القرويِّين، ويحضر مجلسهما جميع أعيان(6) طلبة فاس وغيرهم من العدول والعامَّة، ويُحضِرون شروحًا وحواشيَ عديدة، جلُّها من خزانة السلطان مولانا أحمد ☼ التي أنشأ تحبيسها على الجامع المذكور، فاستفادوا وأفادوا، إلى أن فرَّقهم الزَّمان وبادوا رحمة الله علينا وعليهم أجمعين، وذلك كلُّه بقراءة شيخنا وسيِّدنا الإمام العالم العلَّامة، الحافظ المتفنِّن، المحدِّث الرواية، الأستاذ المحقِّق أبي عبد الله سيِّدي محمَّد بن محمَّد البوعناني الشريف الحسنيِّ، أبقى الله بركته وعظَّم حرمته آمين.
أمَّا شيخنا المقرئ المذكور؛ فقد كان إمامًا عالمًا، متفنِّنًا حافظًا، مستحضرًا لفروع الفقه وللنوازل، غاية في الحفظ والفهم وفصاحة اللسان، له ولوع بالأدب وطريقته، قرأ بتلمسان على جماعة، واعتماده على عمِّه الإمام العالم المفتي المدرِّس سيِّدي سعيد المقرئ، ثمَّ تفقَّه بفاس، ووُلِّي الفتوى والخطابة والإمامة بجامع القرويِّين بعد وفاة الفقيه المفتي سيِّدي محمَّد الهوَّاريِّ، وذلك في جمادى / الأولى من عام اثنين وعشرين وألف، وبقي على الخطط المذكورة إلى أن خرج للحجِّ، وذلك أواخر رمضان من عام سبعة وعشرين وألف، وقد أنشدنا ☼ وقت خروجه حين ودَّعناه وذلك قرب جنان الخادم الذي بباب الجيسة؛ أحد أبواب فاس، ما نصُّه:
أودِّعُكُمْ وَأوْدِعُكُمْ جَنَانِي وَأنْشُرُ أدْمُعِي مِثْلَ الجُمَانِ
فَلَو نُعْطَى الخِيَارَ لَمَا افْتَرَقْنَا وَلَكِنْ لَا اخْتِيَارَ مَعَ الزَّمَانِ
فحجَّ واستوطن مصر، وكملت حجَّاته خمسًا والله أعلم، ألَّف تآليف عديدة، محرَّرة مفيدة؛ منها: «حاشية على مختصر الشيخ خليل»، وكتابٌ في التعريف بالقاضي أبي الفضل عياض، نسيت الآن تسميته(7) ، ألَّفه قرب خروجه للحجِّ، ثمَّ ذكر لي سيِّدنا الفقيه(8) العالم الأستاذ المحدِّث، سيِّدي محمَّد البوعنانيُّ الشريف الحسنيُّ: أنَّه سمَّاه «زهر الريَّاض في أخبار عياض»، أطال فيه وأجاد، واستطرد طرفًا فاستفاد وأفاد، ونظمٌ عجيبٌ في علم الجدول، ومنظومة في العقائد سمَّاها «إضاءة الدُّجُنَّة في اعتقاد أهل السُّنَّة»، اشتملت على فوائدَ عديدةٍ، وجواهرَ فريدةٍ، مع سلاسة النظم وحسن المساق، وله تآليف في النعلين الشريفين، وتآليف في العمامة الشريفة، وغير ذلك، قرأت عليه_☼_ زيادةً على «الجامع» المذكور «مُختَصَر / الشيخ خليل» من أوَّله إلى آخره مرَّتين في ستِّ سنين؛ ثلاث سنين في كلِّ ختمة، ينقل عليه جل كلام الشرَّاح؛ كالتتائيِّ في « الكبير»، والموَّاق، وابن غازي، والخطَّاب، وفوائد من غيرهما، فقد كان ظفر بطررٍ وتقاييدَ على «المختصر» لم يظفر بها غيره، وقرأت عليه أيضًا «رسالة ابن أبي زيد» إلَّا يسيرًا منها، ينقل عليها كلام الجزُّوليِّ والقلسانيِّ وغيرهما، وقرأت عليه بلفظي «شمائل الترمذيِّ»، وسمعتها عليه مرَّة أخرى بقراءة غيري، وقرأت عليه طرفًا من «ألفيَّة ابن مالك»، تُوُفِّي ☼ بمصر منتصف رجب أو شعبان سنة إحدى وأربعين وألف، وإلى سنة وفاته أشرت بالشين والألف والميم بحسب الجُمَّل_مع إفادة كونه كان عازمًا على استيطان الشام، فاخترمته المنيَّة(9) _ من قولنا في جملة أبيات في هذا المعنى:
وجامع أشتات العلوم بأسرها وذا أحمد المُقرِئ شام بمنزل
وأمَّا شيخنا القاضي أبو النعيم؛ فقد كان إمامًا، عالمًا، متفنِّنًا، له باع كبير في علم البيان وعلم الكلام، أدرك شيوخًا جلَّة وقرأ عليهم، وعمدتُه الإمام المشهور أبو العبَّاس أحمد بن عليٍّ المنجور، وسمعت عليه زيادة على «صحيح البخاريِّ»: «كبرى الشيخ السنوسيِّ» بشرح مؤلِّفها، من أوَّلها إلى آخرها، وكان ☼ / يقرأ التَّفسير قراءة جيِّدة؛ لعلمه بآلاته، ويحضر مجلسه فيه جهابذة وقته ولا أذكر الآن له تأليفًا؛ لاشتغاله بخطَّة القضاء، بل والفتوى في غالب الأوقات، كان ☼ فظًّا غليظًا، يقمع أهل الفساد، ويفضحهم على رؤوس الأشهاد، ويسبُّهم بالآباء والأجداد، فتوسَّموا أنَّه يريد كسر شوكتهم، وانقراض دولتهم بقطع هامتهم، فتمالؤوا على قتله؛ مجازاة له على فعله، فقتلوه بطالعة فاس إثر رجوعه من صلاته بالسلطان صلاة الجمعة، خامس القعدة الحرام، من عام اثنين وثلاثين وألف عام، جدَّد الله عليه رحمته، وأسكنه جنَّته، بجاه النبيِّ المختار، وآله وأصحابه الأخيار، آمين يا ربَّ العالمين، وإلى سنة وفاته وكونه مات مقتولًا أشار صحبنا الكاتب الرفيع الأديب أبو عبد الله سيِّدي محمَّد المكلاتيُّ في «تكميل الوفيات»، كما مرَّ بقوله: أودى شهيدًا(10) ، من قوله:
وَقَاضِي الوَرَى أوْدَى شَهِيْدًا وَإنَّهُ لَفِي دَارِه دار(11) النَّعِيْمِ بِمنزلِ
ومنهم: شيخنا الإمام، العالم، الهمام، القدوة البركة، قاضي الجماعة بفاس ومفتيها وخطيبها، نجل الأئمَّة الكرام، الصلحاء الأعلام، أبو عبد الله سيِّدي محمَّد بن عبد الوهَّاب الدَّكَّالي / بن إبراهيم الدَّكَّاليُّ ☼، سمعت عليه «صحيح الإمام البخاريِّ» من أوَّله إلى آخره إلَّا مجالس قليلة شملتها الإجازة، وقد أجازنا فيه_☼_ وجميع مَن حضر يوم ختمه، وأذن لنا بالتَّحدُّث به عنه، وذلك بالمسجد المجاور لداره الكائن بالدوح مِن طالعة فاس، كان ☼ عالمًا، مُتفنِّنًا، ذا أبَّهة وهيئة حسنة، له ولوع بالتصوُّف وحكايات الصالحين، وله ممارسة كثيرة بـ«حكم ابن عطاء الله»، قرأت عليه منها جملة وافرة، وله ممارسة بـ«شرحها» لابن عبَّاد والشيخ زرُّوق، قرأ على جماعة مِن أهل وقته؛ كالمفتي سيِّدي يحيى السَّرَّاج، والقاضي سيِّدي عبد الواحد الحُميديِّ، وغيرهما، وكان يقرِّر « رسالة ابن أبي زيد» تقريرًا حسنًا، و«ألفيَّة ابن مالك»، وغير ذلك، تُوُفِّي_رحمه الله ونفع به_ أوائل القعدة من عام ستَّة(12) وثلاثين وألف(13) ، وإلى سنة وفاته أشرت بالشين واللَّام والواو من قولنا في جملة أبيات:
وإنَّ ابن إبراهيم شِلْوٌ معظَّم ونجل السَّادات تصوُّفه جَلُ
رحمة الله علينا وعليهم أجمعين.
أمَّا الشُّيوخ الثَّلاثة الأُوَل؛ وهم: سيِّدنا عليٌّ البطويُّ، وسيِّدنا عبد الرحمن الفاسيُّ، وسيِّدنا عبد الواحد بن عاشر؛ فقد روى كلُّ واحد منهم «صحيح البخاريِّ» على / جماعة؛ أشهرها: الإمام العالم، المشارك المحقِّق، إمام المحدِّثين في وقته، الجهبذة للنظَّار، مفتي فاس وخطيبها أبو عبد الله(14) سيِّدي محمَّد بن قاسم القصَّار الأندلسيُّ، تُوُفِّي ☼ يوم عيد الفطر، من سنة اثنتي عشرة(15) وألف(16) ، قال شيخنا البطويُّ المذكور: وشيخنا القصَّار المذكور يرويه قراءة بلفظه لأكثره، وسماعًا لبعضه، وإجازةً لجميعه عن(17) العالم القدوة الشهير عند العامَّة والخاصَّة، المتبرَّك به حيًّا وميتًا، الورع السنِّيُّ، إمام المحدِّثين سيِّدي أبي النعيم(18) رضوان بن عبد الله الجنويُّ ☺، وقد كان له باع طويل في معرفة «الصَّحيحين»، قال لي شيخنا المذكور عنه: إنَّه قال: بقيت مدَّة طويلة وأنا أميِّز بين ما انفرد به البخاريُّ مِن الأحاديث، وما انفرد به مسلم، وما اتَّفقا على تخريجه، ثمَّ اختلط ذلك عليه آخر عمره، تُوُفِّي ☺ يوم الأربعاء عند العشاء الأخيرة، ثالث عشر ربيع النَّبويِّ، عام إحدى وتسعين وتسع مئة، قال شيخنا المذكور: والشيخ رضوان المذكور يرويه قراءة بلفظه غير مرَّة، وسماعًا وإجازة ومناولة لجميعه مِن الشيخ الإمام العالم العلَّامة الأستاذ، المحدِّث المُسنِد، الحاجِّ الرحَّال، مفتي فاس وخطيبها أبي زيد عبد الرحمن بن عليٍّ القصريِّ، ثمَّ الفاسيِّ، السفيانيِّ العاصميِّ، عُرِف بسُقَيْن، تُوُفِّي رحمه / الله بالحَرَم، فاتح ستٍّ وخمسين وتسع مئة، عن سنٍّ عالية تزاحم التسعين، قال: وسُقَينٌ المذكور يرويه عن الشيخين العظيمين المحدِّثين؛ جمال الدين أبي الفتح إبراهيم بن الشيخ عليٍّ القرشيِّ الشافعيِّ القَلْقَشَنديِّ سماعًا لبعضه، وإجازةً لجميعه حسب ما بفهرسته، وشيخ الإسلام زكريَّاء بن محمَّد بن أحمد بن زكريَّاء زين الدين الأنصاريِّ الشافعيِّ، شارح «البخاريِّ»، و«ألفيَّة العراقيِّ» التي في علم الحديث، و«المنفرجة» لأبي الفضل بن النَّحويِّ، وغيرها، وكلُّ واحد من هذين الإمامين يرويه عن جماعة، ومِن أعلى مَن روياه عنه وأجلِّهم قدرًا(19) الإمام العالم الشهير، العادم الشبيه(20) والنَّظير، إمام(21) المحدِّثين وقدوة المقتدين، قاضي القضاة شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن عليٍّ الشهير بابن حجر العسقلانيِّ، ثمَّ المصريِّ، وهو يرويه عن جلَّة أعلام، مِن أعلاهم الشيخ الفاضل الزَّكيُّ برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد التنوخيُّ سماعًا لجميعه، وهو يرويه عن جماعة؛ مِن أجلِّهم أبو العبَّاس أحمد بن أبي طالب بن أبي النِّعم نعمة بن حسن بن عليٍّ الصَّالحيُّ، المعروف بالحجَّار سماعًا لجميعه، وهو يرويه عن الشيخ المعظَّم أبي عبد الله الحسين بن أبي بكر المبارك بن محمَّد بن يحيى(22) الزَّبِيديِّ؛ بفتح الزاي وكسر الموحَّدة، وهو يرويه عن جماعة؛ منهم: أبو الوقت عبد الأوَّل بن عيسى بن أشعث السِّجزيُّ(23) الهرويُّ / سماعًا لجميعه، وهو يرويه عن الشيخ الجليل أبي الحسن عبد الرحمن بن محمَّد بن المظفَّر بن داود الدَّاوديِّ، وهو يرويه عن أبي محمَّد عبد الله بن أحمد بن حمُّويه السَّرَخسيِّ_بفتح السين والراء_ وهو يرويه عن أبي عبد الله محمَّد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر الفربريِّ، قال: أنبأنا به مؤلِّفه الحافظ الحجَّة الجهبذ، أمير المحدِّثين أبو عبد الله محمَّد بن إسماعيل البخاريُّ ☼، سماعًا عليه مرَّتين؛ مرَّة ببُخارى ومرَّة بفِرَبْرَ.
قلت: ولشيخ شيوخنا القصَّار المذكور طريقٌ أخرى عن الإمام العالم، الأديب المُتفنِّن، الحاجِّ الرحَّال أبي عبد الله محمَّد خروف الأنصاريِّ التونسيِّ، نزيل فاس، سماعًا لبعضه، وإجازة لجميعه، عن شيخ الإسلام الكمال الطويل القادريِّ، عن الشيخ الحجازيِّ، عن الشيخ ابن أبي المجد، عن الحافظ الراوية المُسِنِّ أبي العبَّاس أحمد بن أبي طالب، المعروف بالحجَّار، بالسَّند المتقدِّم، وهذه الطريق أعلى مِن الأولى، وله أيضًا في روايته لـ«مسند الإمام مسلم بن الحجَّاج النيسابوريِّ» ☺ قال: إنِّي أرويه عن سيِّدي رضوان بن عبد الله سماعًا لبعضه، وإجازة ومناولة لجميعه، عن سُقَين قراءة لجميعه، عن زكريَّاء، وقد تقدَّم ذكر هؤلاء في رواة «البخاريِّ»، وزكريَّاء عن أبي ذرٍّ عبد الرحمن بن محمَّد الزركشيِّ، عن أبي عبد الله محمَّد بن إبراهيم الخزرجيِّ البيانيِّ، عن أبي الفضل أحمد بن / هبة الله بن عساكر، عن أبي الحسن المؤيَّد بن محمَّد الطُّوسيِّ، عن فقيه الحرم أبي عبد الله الفُراويِّ_بضمِّ الفاء_ عن عبد الغافر، عن أبي أحمد الجلوديِّ_بفتح الجيم وضمِّها_ عن أبي إسحاقَ بن سفيان قال: أخبرنا به مؤلِّفه☺، ولشيخ شيوخنا القصَّار المذكور في ذلك طرقٌ أخرى، وفيما ذكرناه كفاية.
قلت: وقد أنشدني شيخنا سيِّدي عليٌّ البطويُّ المذكور لشيخه(24) القصَّار المذكور ► أبياتًا نظم فيها إسناده لرواية «الصحيحين» بالطريق المتقدِّم، فقال:
رويتُ عن إمامنا رضوان عن سيِّدي سُقَين السفياني
عَن زَكَرِيَّاءَ عَنِ ابْنِ حَجَر عَنِ التَّنُوخِيِّ عَنِ الحَجَّارِ رِي(25)
عَنِ الزَّبِيْدِيِّ عَنَ ابِي الوَقْتِ عَن الدَّاوُدِيِّ عَنِ السَّرَخْسِيِّ الفَطِن
عَن الفِرَبْرِيِّ عَن البُخَارِي ومُسْلِمًا لِزَكَرِيَّاءَ الدَارِ
عَن زَرْكَشي عَن البَيَانِي المُسْنِدِيِّ عَن العَسَاكِرِي عَنِ المُؤَيَّدِ
عَن الفُراوي مُسنِدِ الوُجُودِ عَن عَبْدِ غَفَّارٍ عَن الجُلودِي
عَنِ ابنِ سُفْيَانَ الوَلِي عَن مُسْلِمٍ أبْقَاهُ رَبُّنَا لِكُلِّ مُسْلِمِ
وله من رواية سيِّدي محمَّد خروف المتقدِّمة في رواة «البخاريِّ» ما نصُّه(26):
رَوَيْتُ عَن مُحَمَّدٍ خَرُوف عَن الطَّوِيْلِ القَادِرِي المَعْرُوفِ
عن الحِجَازِيِّ شِهَابِ الدِّيْنِ عَن ابْنِ أبِي المَجْدِ عَن الحَجَّارِ /
عن الزَّبيديِّ. . . . . .
إلى آخر ما تقدَّم.
وقوله آخر البيت الثاني: (ري)، لعلَّه: فعل أمر من (ورى)، وقوله في نظم الطريق الثانية: (عن الحجَّار عن)، لعلَّ نون (عن) الثانية مخفَّفَة للوزن، والأصل: عن أبي، عرض تكميلًا للبيت، والله أعلم، قلت(27): وقد وطَّأت لهذه الأبيات؛ لوصل روايتنا بالشيخ القصَّار المذكور بقولنا:
يَقُولُ نَجْلُ أحْمَدٍ مُحَمَّدُ مَيَّارةٌ ربِّي الكَرِيمَ أحْمَدُ
مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِي وَصَحْبِهِ والتَّابِعِينَ كُلِّهِم وَحِزْبِهِ
رَوَيْتُ عَن إمَامِنَا سَيِّدِنَا عليٍّ البُطويِّ شَيْخِ عَصْرِنَا
وَغَيْرِهِ كَالفَاسِي وابْن عَاشِر ممَّن عَلَى هُدَى النَّبِيِّ الحَاشِر
صَحِيْحَيِ البُخَارِي قُلْ وَمُسْلِم جَازَاهُمَا المَوْلَى بِكُلِّ(28) مُسْلِمِ
عَن شَيْخِهِم مُحَقِّقِ النُّظَّارِ مُحَمَّدٍ المَدْعوِّ بِالقَصَّارِ
إمَامُ وَقْتِه لَدَى الحَديْثِ وَهْوَ الذِي قَدْ قَالَ في التَّحْدِيْثِ
رويتُ عَن إِمَامِنا رضْوانِ.
إلى آخر الأبيات المتقدِّمة.
قلت: إلَّا أنِّي لم أروِ «صحيح مسلم» عن شيخنا الفاسيِّ المذكور(29) مشافهةً كما يعطيه ظاهر النظم المتقدِّم، وإنَّما رويته بقراءتي له بلفظي مِن أوَّله إلى آخره على شيخنا الإمام، العالم العلَّامة، الحافظ المُتفنِّن، الأستاذ المحقِّق أبي عبد الله سيِّدي محمَّد بن محمَّد البوعنانيِّ الشريف الحسنيِّ، / أبقى الله بركته وعظَّم حرمته، وهو رواه عن شيخنا الفاسيِّ المذكور بقراءته عليه بلفظه، وهو عن القصَّار المذكور بسنده.
قلت: ولشيوخنا المذكورين في رواية «الصَّحيحين» طرقٌ أخرى تركناها اختصارًا؛ لحصول الغرض المقصود؛ وهو اتِّصال السَّند بما مرَّ.
وأمَّا شيخنا الإمام الحافظ أبو العبَّاس سيِّدي أحمد المقرئ؛ فقد(30) روى «صحيح البخاريِّ» وغيره عن عمِّه الإمام العالم الشهير مفتي تلمسان سيِّدي سعيد المقرئ، وهو عن جماعة؛ منهم الإمام العلَّامة سيِّدي أبو عبد الله التَّنَسيُّ، عن والده الإمام الحافظ الكبير صاحب التآليف الشهيرة سيِّدي محمَّد بن عبد الله بن عبد الجليل التَّنَسيِّ الأمويِّ، عن شيوخه المعلومين في فهرسته، ومن أشهرهم شيخُ الشيوخ، الإمام البحر، المؤلِّف المجتهد، سيِّدي أبو عبد الله محمَّد بن أحمد بن محمَّد بن مرزوق، عن شيوخه المشارقة والمغاربة المسمَّين في «فهرسته»، قال شيخنا المذكور: ومِن شيوخي الذين أخذت عنهم واستفدت منهم الإمام الشهير أبو العبَّاس سيِّدي أحمد الشهير بباب السودانيُّ التنبكتيُّ، فقد ناولني جملةً من تآليفه وأجازني فيها وفي غيرها إجازةً عامَّة في «الصحيحين» وغيرهما، اهـ، ويأتي قريبًا اتِّصال رواية سيِّدي أحمد باب إن شاء الله.
وأمَّا شيخنا الإمام / القاضي أبو النُّعَيم ☼؛ فقد روى «صحيح البخاريِّ» عن خاتمة العلماء بحضرة فاس، العالم المتبحِّر المشهور أبي(31) العبَّاس سيِّدي أحمد بن عليِّ بن عبد الرحمن المنجور، عن الشيخ المحدِّث، المُسنِد الرحلة، الحاجِّ الجوَّال، شيخ المحدِّثين بالمغرب، الخطيب أبي محمَّد عبد الرحمن بن عليٍّ السُّفيانيِّ العاصميِّ القصريِّ الفاسيِّ، المعروف بسُقَين المذكور قبلُ، عن شيخ الإسلام قاضي القضاة جمال الدين أبي الفتح إبراهيم بن علاء الدين القرشيِّ القلقشنديِّ الشافعيِّ، قال: أخبرنا به أبو الفضل ابن حَجَر: قال: أخبرنا أبو عليٍّ محمَّد بن أحمد بن عليِّ بن عبد العزيز المهدويُّ إذنًا مشافهةً، عن يحيى بن محمَّد بن سعد، عن جعفر بن عليٍّ الهَمْدانيِّ: أخبرنا أبو محمَّد عبد الله بن عبد الرحمن الديباجيُّ إجازة: أخبرنا عبد الله بن محمَّد بن محمَّد بن عليٍّ الباهليُّ: حدَّثنا الحافظ أبو عليٍّ الجيَّانيُّ: أخبرنا أبو عمر أحمد بن محمَّد بن يحيى الحذَّاء سماعًا، وأبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البرِّ إجازة، قالا: أخبرنا أبو محمَّد عبد الله بن محمَّد بن أسد الجهنيُّ: أخبرنا أبو عليٍّ سعيد بن عثمان بن سعيد بن السكن: أخبرنا أبو عبد الله محمَّد بن يوسف بن مطر الفربريُّ: أخبرنا أبو عبد الله إمام الأئمَّة محمَّد بن إسماعيل البخاريُّ.
قال شيخنا المذكور: وروى شيخنا المنجور المذكور أيضًا، عن الشيخ الرحَّال، المفتي، الخطيب، الورع، الحاجِّ، الحافظ أبي عبد الله / محمَّد بن أحمد بن عبد الرحمن الفسيشي(32) ، عن الشيخ العلَّامة البارع المسند الرحلة عبد الحقِّ أبي محمَّد شمس الدين بن محمَّد بن عبد الحقِّ السنباطيِّ الشافعيِّ، وعن جماعة من المشارقة بسندهم إلى البخاريِّ.
قال شيخنا القاضي أبو النُّعيم المذكور: وممَّن رويت عنه «صحيح البخاريِّ» أيضًا شيخنا العالم المحدِّث، المُسنِد العلَّامة، المتقشِّف الفاضل الزاهد الورع، سليل العلماء أبو العبَّاس سيِّدي أحمد باب ابن العالم الحاجِّ الرحلة أحمد ابن العالم الربَّانيِّ الحاجِّ أحمد بن عمر آقيت السودانيِّ التنبكتيِّ، عن والده المذكور، عن العالم محمَّد النهرواليِّ الخرقانيِّ القادريِّ قائلًا: أروي «صحيح البخاريِّ» سماعًا وقراءةً على جماعة أعلام، وشيوخ كرام، من علماء الإسلام؛ منهم: سيِّدي ووالدي، عن مفتي المسلمين مولانا علاء الدين أحمد بن محمَّد بن قاضي خان القطبيِّ النهرواليِّ الحنفيِّ، نزيل بلاد الله الحرام، قال: حدَّثني به جماعة من العلماء الحفَّاظ، والجهابذة الأيقاظ؛ منهم: الإمام الحافظ شمس الدين محمَّد بن عبد الرحمن السخاويُّ القاهريُّ، نزيل الحرمين الشريفين ☺ قال: أخبرني به خلق يزيد عددهم على مئة وعشرين شيخًا؛ أجلُّهم إمامي الحافظ أبو الفضل قاضي القضاة أحمد بن عليِّ ابن حجر العسقلانيُّ ☺، ومنهم: الشيخان الإمامان؛ البرهان أبو إسحاق بن صدقة الصاليُّ الحنبليُّ، / والزين أبو محمَّد [بن الجمال أبي إسحاق اللَّخميُّ قراءة وسماعًا على الأوَّلين: أخبرنا به النَّجم أبو محمَّد](33) بن رزين، قال أوَّلهما: إلَّا ما فاتني معه قراءة فإجازة، زاد فقال: وأخبرنا به الصلاح أبو عليٍّ الزفتاويُّ، وقال الثَّالث: أخبرني به؛ أي: قال الثلاثة: أخبرنا به أبو العبَّاس الصالحيُّ، زاد الزفتاويُّ وابن رزين؛ قالا: وأنبأتنا به أمُّ محمَّد ستُّ الوزراء(34) التنوخيَّة، قال الزفتاويُّ: يفوت يسيرٌ عليها بإجازةٍ إن لم يكن سماعًا؛ قالا: أخبرنا أبو عبد الله بن الزبيديِّ: أخبرنا به أبو الوقت السرويُّ: أخبرنا به أبو الحسن الداوديُّ: أخبرنا به أبو محمَّد السَّرَخسيُّ: أخبرنا به أبو عبد الله الفربريُّ: أخبرنا به مؤلِّفُه، وأمَّا شيخنا القاضي أبو عبد الله سيِّدي محمَّد بن عبد الوهَّاب بن إبراهيم؛ فقد حدَّثنا بـ«صحيح البخاريِّ»، وأجازنا فيه يوم ختمه_كما ذكرنا_ عن شيخه الفقيه الجليل المحدِّث الوليِّ الصالح الحاجِّ الرحَّال أبي محمَّد سيِّدي أبي القاسم بن الإمام الشهير أبي عبد الله محمَّد بن الإمام الكبير الحافظ الأثير القاضي سيِّدي عبد الجبَّار بن أحمد بن موسى البرزوزيِّ الفجيجيِّ، وهو يرويه عن أبيه عن جدِّه على ما هو مشهور مسطَّر في فهاريسهم.
قلت: رأيت في بعض التقاييد أنَّ مِن أشياخ سيِّدي محمَّد بن عبد الجبَّار والد شيخ شيخنا هذا؛ جماعةً؛ منهم: الشيخ سيِّدي محمَّد بن غازي، وسيِّدي أحمد بن يحيى الونشريسيُّ، وسيِّدي محمَّد بن يوسف الدقوق، وسيِّدي محمَّد بن يوسف / السنوسيُّ، وغيرهم.
قلت: ولكلِّ واحد من شيوخي المذكورين طرقٌ أخرى، وفيما ذكرناه كفاية.
قلت: وقد أنشدنا شيخنا المذكور عند قراءة حديث هرقل مع أبي سفيان بيتين قائلًا: إنَّهما للإمام العالم سيِّدي عليِّ بن هارون في المسائل التي سأل عنها هرقل أبا سفيان، وهما من المتدارك، فقال:
نَسَبُوا قَالُوا مَلَكُوا شَرفُوا زَادُوا ارتَدُّوا كَذَبُوا غَدَرُوا
قَتَلُوا حَرْبًا أمَرُوا فَاحفَظْ لِأبِي سُفْيَانَ وَمَا سَطَرُوا
[1] في هامش (ب): (قف على وفاة 1039 الإمام البطوي).
[2] في هامش (ب): (قف على وفاة «1036» ابن زيد سيدي عبد الرحمن الفارسيُّ، ☼).
[3] اسم الجلالة ليس في (أ).
[4] (سيدي): ليس في (أ).
[5] في هامش (ب): (قف وفاة 1040 ابن عاشر).
[6] في (أ): (عيان).
[7] في هامش (ب): (اسمه «أزهار الرياض في أخبار عياض»، طبع منه أوَّلُ جزء بتونس، كتبه عمر حمدان).
[8] (الفقيه): ليس في (أ).
[9] في هامش (ب): (على وفاة 1041 الشيخ أحمد المقرئ).
[10] في هامش (ب): (قف على وفاة «1032» القاضي أبي النعيم).
[11] (دار): ليس في (أ).
[12] في (أ) و(ب): (ست).
[13] في هامش (ب): (قف على وفاة 1036 القاضي أبو عبد الله، سيِّدي محمَّد بن عبد الوهَّاب بن إبراهيم الدَّكَّاليُّ).
[14] اسم الجلالة ليس في (ب).
[15] في (أ) و(ب): (اثني عشر).
[16] في هامش (ب): (قف وفاة 1012 الإمام القصَّار).
[17] في (أ): (على).
[18] (النعيم): ليس في (أ).
[19] في (أ): (قدر).
[20] في (ب): (الشبه).
[21] في (أ): (أم).
[22] في (أ) و(ب): (عيسى)، والمثبت من هامشهما.
[23] في (أ): (السجز).
[24] في (أ): (بشيخه).
[25] في هامش (ب): (أي: ريء، كذا بخطِّ القصَّار).
[26] في (أ): (في رواة ما نصَّه البخاري).
[27] (قلت): ليس في (أ).
[28] في هامش (ب): (الباء بمعنى «عن»).
[29] (المذكور): ليس في (أ).
[30] (فقد): ليس في (ب).
[31] في (أ) و(ب): (أبو).
[32] في (ب): (الفسيتني).
[33] ما بين معقوفين سقط من (أ).
[34] في (أ): (الوزر).