غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

أحمد بن حنبل

          53 # أحمد بن حنبل، هو: أحمد بن محمَّد بن حنبل بن هِلال بن أَسَد، الإمام الجليل، أبو عبد الله الشَّيبانيُّ، المَرْوَزِيُّ، ثمَّ البغداديُّ.
          إمام أهل السُّنَّة، صاحب المذهب، الصَّابر على المحنة، النَّاصر للسُّنَّة، مَن قال فيه الشَّافعيُّ: خرجتُ من بغداد، وما خلَّفتُ بها أفقه، ولا أورع، ولا أزهد، ولا أعلم من أحمد(1)
          قال المُزَنيُّ: أبو بكر يوم الرِّدَّة، عمر يوم السَّقِيفة، عثمان يوم الدَّار، عليٌّ يوم صِفِّين، أحمد يوم المِحْنة.
          قال أبو زُرْعة لعبد الله بن أحمد: كان أبوك يحفظ ألفَ ألفِ حديث، فقلت له: وما يدريك؟ قال: ذاكَرْتُه، فأخذتُ عليه الأبواب. /
          وعن أبي زُرْعة: حُزر(2) كُتب أحمد يوم مات، فبلغت اثني عشر حِمْلاً وعِدْلاً، ما كان على ظهر كتاب منها حديثُ فلان، ولا في بطنه حدَّثنا فلان، وكلُّ ذلك يحفظه عن(3) ظهر قلبه.
          قال عبد الله: قال لي أبي: خذ أيَّ كتابٍ شئتَ من كتب وَكِيع، فإنْ شئتَ أنْ تسألني عن الكلام حتَّى أخبركَ بالإسناد، وإنْ شئتَ بالإسناد حتَّى أخبركَ بالكلام.
          وقال أبو القاسم الجِيْليُّ: أكثرُ النَّاس يظنُّون أنَّ أحمد إذا سُئل كأنَّ عِلْمَ الدُّنيا بين عينيه. قال إبراهيم الحَرْبيُّ: رأيتُ كأنَّ الله(4) جمع له علم الأوَّلين والآخِرين.
          قال قُتيبة بن سَعيد: خير أهل زماننا ابنُ المبارك، ثمَّ هذا الشابُّ _يعني أحمد بن حنبل_ وإذا رأيتَ الرَّجلَ يحبُّه، فاعلم أنَّه صاحب سُنَّة. وقيل له: تَضمُّ أحمد إلى التَّابعين؟ فقال: إلى كبار التَّابعين، ولولا(5) الثَّوريُّ لمات الوَرَع، ولولا أحمد لأحدثوا في الدِّين، أحمد إمامُ الدُّنيا، ومات الثَّوريُّ، ومات الورع، ومات الشَّافعيُّ، ومات السُّنن، وبموت أحمد، يظهر البدع(6)
          وقال إسحاق: أحمد حجَّة الله بينه وبين خَلْقه.
          ولد سنة أربع وستِّين ومئة ببغداد، وحملتْ به أمُّه من مَرْو.
          وتفقَّه على الشَّافعيِّ، وهو الذي روى عنه أنَّه يجوز بيعُ الباقِلَّاء في قشرته(7) وأنَّ السَّيِّدَ يُلاعِنُ أَمَته، وكان يقول: أَلَا تَعجَبون من أبي عبد الله؛ يقول: يلاعن السَّيِّد أمَّ ولدِه؟!
          واختلف الأصحاب، فمنهم مَن قطع بخلافه، وحمل قولَ أحمد على أنَّ مراده بأبي عبد الله إمَّا مالك، وإمَّا سُفيان، وضعَّف الرُّويَانيُّ هذا؛ لأنَّه رَوى عنه: أَلَا تَعجَبون من الشَّافعيِّ. ومنهم من أوَّل بتأويل.
          وطلب الحديث سنة تسع وسبعين، وهو ابن خمس عشرة سنة(8) فقرأ على الشَّافعيِّ وهُشَيم، وسُفيان بن عُيينة، وغُنْدَر، وأبي يوسف(9) القاضي، وإسماعيل ابن عُلَيَّة، وغيرهم.
          روى عنه: البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، وابناه: صالح، وعبد الله.
          ونشأ ببغداد، ورحل في طلب العلم إلى الكوفة، والبصرة، والمدينة، ومكَّة، واليمن، والشَّام، والجزيرة.
          وألَّف مُسنَده، وهو أصل من أصول هذه الأمَّة، ومَرجع وثيق لأهل الحديث، انتُقِيَ من حديثٍ كثيرٍ، ومسموعاتٍ وافِرة، فيُجعَل مُقْتَدَىً، وعند التَّنَازع مُستَنَداً، وقال أحمد: إنَّ المسندَ قد جمعتُه وانتقيتُه من أكثر من سبع مئة وخمسين ألفاً، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله صلعم فارجعوا إليه، فإنْ كان فيه، وإلَّا ليس بحجَّة.
          قال / إبراهيم الحَربيُّ: أدركت ثلاثةً لم يُر مثلُهم أبداً، تعجز النِّساء أن يلدن مثلهم: أبا عُبيدٍ القاسمَ بنَ سَلَّام، ما مثَّلتُه إلَّا بِجَبَلٍ يُنفخ فيه الرُّوح، وبِشْر بن الحارث، ما شبَّهتُه إلَّا برجل [عجن] من قَرْنِهِ إلى قدمه عقلاً، وأحمد بن حنبل، كأنَّ الله تعالى جمع له علم الأوَّلين من كلِّ صنف، يقول ما شاء، ويمسك ما شاء.
          قيل لأبي مُسْهِر: هل تعرف أحداً يحفظ على هذه الأمَّة دِينها؟ قال: لا أعلم إلَّا شابًّا بالمشرق: أحمد بن حنبل.
          قال قُتيبة: لو أدرك أحمدُ عصر الثَّوريِّ والأوزاعيِّ، ومالك، واللَّيث، لكان هو المقدَّم.
          قال يحيى بن مَعين لأحمد: أوصني، فقال: لا تحدِّث المسنَد إلَّا من كتاب.
          وكنَّا(10) نجالس أحمد، فيذكر الحديث، ويحفظه، ويتقنه، فإذا أردنا أن نكتبه قال: الكتاب أحفظُ. فَيَثِبُ ويجيء بالكتاب.
          وحدَّث الهيثمُ بحديث هُشَيم، فوهم، فقيل له: خالفوك، فقال: مَن خالفني؟ قال: أحمد بن حنبل. قال: وددتُ أنَّه نقص من عمري وزيد في عمر أحمد.
          قال محمَّد بن سعيد: سألت أبا عُبيد (الله) عن قول رسول الله صلعم: «لا عَقْرَ في الإسلام»(11) قال: لا أدري. فسألوا أبا عبد الله الأعرابيَّ، فقال [عنها] : لا أدري. فسألوا أبا عَمْرو الشَّيبانيَّ، فقال: لا أدري. فقيل: سلوا أهلَها. فقالوا لأحمد عنه، فقال: كانوا في الجاهليَّة إذا مات فيهم السَّيِّدُ عَقَروا على قبره، فنُهيَ عن ذلك. قال: فأخبرت أبا عمرو الرَّقِّيَّ، فأُعجب بذلك، وأنشد قول الشَّاعر(12)
وإذا مررتَ بقبره فاعقِر به                     كُوْمَ الجِيَادِ وكُلَّ طِرْفٍ سابِحِ(13)
          ثمَّ قال: عُقِرَ في الجاهليَّة على قبر رَبيعة بن مُكَدَّم، وفي الإسلام على قبر المُغِيْرة بن المُهَلَّب(14)
          وقال عبد الله: كتب أبي عشرة آلاف ألف حديث، لم يَكْتب سواداً في بياض إلَّا حَفِظَه. وقال: خرَّج أبي المسنَد من(15) سبع مئة ألف حديث.
          قال أبو موسى: أمَّا عدد أحاديث المسند، فلم أزل كنتُ أسمع من أفواه النَّاس أنَّها أربعون ألفاً، إلى أن قرأتُ على أبي منصور زُرَيق، قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب، قال: وقال ابن المُنَادِي(16) لم يكن أحدٌ في الدُّنيا أروى عن أبيه من عبد الله بن أحمد؛ لأنه سمع المسنَدَ وهو ثلاثون ألفاً، والتفسيرَ وهو مئة وعشرون ألفاً، سمع منها ثلاثين ألفاً، والباقي وِجَادةً.
          قال السُّبْكيُّ(17) فلا أدري هذا الذي ذكر ابن المُنَادِي، أراد به ما لا يكرَّر فيه [هو] ، أو أراد غيره مع المكرَّر، فيَصحُّ القولان جميعاً؟ والاعتماد على ابن المُنادِي، قال: وأمَّا عدد الصَّحابة فيه فنحو سبع مئة رجل. /
          قال سفيان بن وَكِيع: أحمدُ عندنا محنة(18) من عاب أحمد عندنا فهو فاسق.
          وأنشد ابن الأَعْيَن في الإمام أحمد بن حنبل _من البحر الكامل_ والنَّظم للحافظ (أبي القاسم) ابن عساكر عليِّ بن الحسن ☼ (19)
أضحى ابنُ حَنْبَل مِحنَةً مأمونةً                     وبِحُبِّ أحمدَ يُعرف المتنسِّكُ
وإذا رأيتَ لأحمدٍ منتقِّصاً                     فاعلمْ بأن سُتُوَره سَتُهَتَّكُ
          وأمَّا زهدُ أحمد وورعُه وتَقَلُّلُه من الدُّنيا، فقد سارت به الرُّكْبان، وقد أفرد جماعة التَّصنيفَ في مناقبه، كالبَيهقيِّ، وابن الجَوزيِّ، وأبي إسماعيل(20) الأنصاريِّ.
          قال إدريس الحدَّاد: كان أحمد له حالة الصَّالحين، وشِعَار المؤمنين. قال: وكان له على ولده عبد الله كلَّ يوم رَغيف خبز، وشيء من الإدام، فلمَّا وَلِيَ ولدُه القضاءَ امتنع من قبول الرَّغيف، وقال: والله لا آكل له طعاماً أبداً. وفعل كما قال، إلى أن مات.
          وقال: ما رأيته قطُّ إلَّا مصلِّياً، أو يقرأ في المصحف، أو في كتاب، ما رأيته في شيء من أمور الدُّنيا، وكان إذا اشتدَّ به الأمر بقي اليوم والاثنين والثلاثة(21) لا يأكل شيئاً، فإذا رأى أهلَه شرب الماء يوهمهم أنَّه شبعان.
          وقال: لمَّا كانت المِحْنةُ، وصُرف أحمد إلى بيته، حُمل إليه مال جليل، وهو محتاج إلى أيسره، فردَّ جميع ذلك، ولم يقبل منه شيئاً، فجعل عمُّه إسحاق يَحْسُب ما ردَّه في ذلك اليوم، فبلغ خمسين ألف دينار، فقال له أحمد: يا عمِّ! أراك مشغولاً بحسابِ ما لا يفيدك. فقال له: قد رددتَ اليوم كذا وكذا، وأنت محتاج إلى حبَّة(22) ! فقال: يا عمِّ!(23) لو طلبْنا لم يأتنا، إنما أتانا لمَّا تَرَكْنا.
          وقال عليُّ بن سعيد(24) جُزْنا يوماً مع أحمد بن حنبل إلى باب المتوكِّل، فلمَّا(25) أدخلوه من باب الخاصَّة، قال أحمد: انصرِفوا عافاكم الله. فما مرض منَّا أحد بعد ذلك اليوم.
          وقال المَرْوَزِيُّ: لمَّا حَبَسوا أحمد في سجن الواثق، جاء السَّجَّان فقال: يا أبا عبد الله، الحديثُ الذي يُروى في الظَّلَمةِ وأعوانِهمِ، صحيح؟ قال: نعم. قال السَّجَّان: فأنا من أعوان الظَّلَمة؟ قال: لا. (قال): وكيف ذلك؟ قال: لأنَّ أعوان الظَّلَمة مَن يأخذ شَعْرك، ويغسل ثوبك، ويُصلح طعامك، وأمَّا أنت فمن الظَّلَمة.
          وقال هلال بن العلاء(26) أربعة لهم مِنَّةٌ على الإسلام: أحمد بن حنبل؛ حيث ثبَت على المِحْنة، ولم يقل بخَلْق القرآن. والشَّافعيُّ؛ حيث بَنى الفقه على الكتاب والسُّنَّة. وأبو عُبيد القاسم بن سَلَّام؛ حيث فسَّر الحديث. وأبو زكريَّا يحيى بن مَعين؛ حيث بيَّن الصَّحيحَ من السَّقيم. /
          قال محمَّد بن موسى: حُمل إلى الحُسين بن عبد العزيز ميراثُه من مصر، وكان مَبْلغاً عظيماً، فحَمل منه إلى أحمدَ ثلاثةَ آلاف دينار، وقال: هذا ميراثٌ حلالٌ(27) استعن به على عائلتك. قال: لا حاجة لي، أنا في كفاية من الله. وردَّها عليه.
          وقال عبد الله: كان أبي يقرأ كلَّ ليلة سُبعاً من القرآن، ويختم في كلِّ سبعة أيام خَتمة، ثمَّ يقوم إلى الصَّباح، وكان يصلِّي كلَّ يوم ثلاث مئة ركعة، فلمَّا ضُرب بالسِّياط أضعفه ذلك، فكان يصلِّي كلَّ يوم مئة وخمسين(28) ركعة، وكان له في اللَّيل ثلاثُ هَدآت، وثلاثُ صَيْحَاتٍ، أمَّا الهدآت، فإنَّه كان يَسْتَغيث في كلِّ ثُلُث من الليل: أوَّاهُ من ليلةٍ صُبْحُها يومُ القيامة.
          قال إدريس: وكان أحمد لا يلبسَ ثوباً مكفوفاً، بل كان يَشُلُّه بالإبرة، ويقوِّر وسطه، ويُنزِلُه في عنقه، ويقول: هذا لِمَن الموتُ خلْفه كثير. وكان(29) أكثر مؤنته من نبات الأرض، يقول: والله هذا هو الحلال الذي ليس له حساب ولا تَبِعَة. وكان يوماً جالساً، وعنده جماعة من أصحابه، فجاءته امرأة، وقالت له: سيِّدي إنَّنا جماعة نساء نقعد على سطوحنا باللَّيل، ونغزل القطن، وتمرُّ بنا مشاعلُ الشُّرطة، أفيجوز(30) لنا أن نَغْزِل في شُعاعها؟ فقال لها: مَن أنت؟ قالت: أنا(31) أخت بِشْر الحافي. فقال: من بيتكم خرج الوَرَع، لا تغزِلي في ضوئها.
          وقال: لمَّا دخل أحمد مكَّة للحجِّ، عَسُر عليه بعض حوائجه، فأخذ سَطْلاً كان معه، ودفعه إلى بعض البقَّالين رهناً على شيء أخذه، فلما فُتح عليه أتى البقَّال، ودفع المبلَغ، وطلب السَّطْلَ، فأحضر البقَّال سطلَين على هيئة واحدة، وقال: اشتَبه عليَّ السَّطْل، فخذ أيَّهما شئتَ. فقال(32) أحمد: وقد أشكل عليَّ أيضاً، والله لا أخذتُه أبداً. فقال البقَّال معتذراً إليه: هذا سطلك خذه، وإنَّما أردت تجربتك في دين الله، فرأيتك شديداً. قال: لا والله لا أخذته. قال البقَّال: وأنا والله لأتركنَّهما(33) أبداً. فاتَّفقا على بيعهما والتَّصدُّق بثمنهما.
          [ودفع ذات يوم(34) رغيفين إلى شخص وقال: اشتر بهذا دبساً وضعه على هذا. فذهب الرَّجل ورجع بالدِّبس على رغيف، فقال: أيَّهما دفعت إليه؟ قال: لا أدري. فترك وما أكل؛ لأنَّه عيَّن أحدهما للبيع، ولم يدر أنَّ الوكيل امتثل] .
          قال: وإذا شَهِدَ جنازة لم يُفطر ذلك اليوم، ولم يَنم تلك اللَّيلة، وإذا رأى قبراً صرخ كما تصرخ الثَّكْلى.
          قال: وخرج يوماً من داره، فرأى امرأة مكشوفة الوجه، فقال: لا حول ولا قوة إلَّا بالله العليِّ العظيم! وحلف أن لا يخرج بعد ذلك إلَّا مغطَّى الرَّأس؛ لئلَّا يبصر أحداً. وكان إذا وقعت مسألة، لا يكتبها / حتَّى يَعرضها على الفقهاء، فإن وافق رأيُهم رأيَه كتب، وإلَّا تركها، واستَغفَر الله تعالى ممَّا خطر بباله. وكان من ورعه إذا مسح القلم مسحه في ثوبه، فقيل له في ذلك، قال: إنَّ هذا مدادُ أَثرِ العلم، فلا أضيِّعه في خِرقة لعلَّها تُرمى في نجاسة. وكان أزهدَ أهل زمانه، وأعلمَهم قد روى ألفَ ألفِ حديث، منها بالأسانيد والمتون مئتا ألف وخمسون ألفاً.
          - مُناظرةٌ بين الشَّافعيِّ وأحمد بن حنبل رحمهما(35) الله تعالى.
          حُكي أنَّ أحمد ناظر الشَّافعيَّ في عدم تكفير تارك الصَّلاة، فقال له الشَّافعيُّ: يا أحمد! أتقول أنَّه يكفر؟ قال: نعم. قال: فإذا كان كافراً فبم يُسْلِم؟ قال: يقول: لا إله إلَّا الله محمَّد رسول الله. قال الشَّافعيُّ: فالرَّجل مُسْتدِيمُ هذا القولِ لَمْ يتركه. قال: يُسْلِم بأن يصلِّي. قال: صلاة الكافر لا تصحُّ، ولا يحكم بإسلام الكافر بالصَّلاة. فانقطع أحمد وسكت.
          فائدةٌ جليلةٌ تناسب ذكرها ههنا، وهي:
          تَشكيكٌ [من] المُزَنيِّ على قتل تارك الصَّلاة، يشير إلى أنَّه لا يتصوَّر قتله؛ لأنَّه إمَّا أن يكون على ترك الماضية أو الآتية، والأوَّل باطل؛ لأنَّ المَقضيَّة لا يُقتَل بتركها، والثَّاني كذلك؛ لأنَّه ما لم يَخْرج الوقت فله التَّأخير، فَعَلامَ يُقتل؟
          قال السُّبكي(36) وهذا تَشكيكٌ صعب، وأقصى ما تحصَّلْت في دفعه من كلام الأصحاب على ثلاثة(37) مسالك:
          الأوَّل: أنَّ هذا يلزمكم في حبسه وتعزيره، فإنَّ المُزَنِيَّ يقول بحبس تاركها وتعزيره، وهذه طريقة القاضي أبي الطَّيِّب، وذكره الشَّيخ أبو حامد أيضاً، فما كان جواباً للمُزَنيِّ عن الحبس والتعزير، فهو جوابنا عن القتل. قال السُّبكيُّ: وهذه طريقة جَدَليَّة لا أرضاها.
          المسلك الثَّاني، وعليه الأكثر: نقتله(38) على الماضية؛ لأنَّه تركها بلا عذر، والقضاء على الفور في هذه الصُّورة، فإذا امتنع منه قُتل. قال السُّبكيُّ: ولا أرضى هذا(39) أيضاً، فإنَّ لنا خلافاً شهيراً في أنَّ القضاء هل يجب على الفور أو لا؟ جمهور العراقيِّين على عدم الوجوب، فعلى هذا يلزم أن يجيء خلافٌ في قتل تارك الصَّلاة، وذلك لا يُعرَف، بل وقع في كلام كثير من المتقدِّمين أنَّ الشَّافعيَّ لا يقتُل بالمَقْضِيَّة مطلقاً، وعن أبي إسحاق أنَّه لا خلاف بين الأصحاب أنَّه لا يُقتل بالامتناع من القضاء.
          المسلك الثَّالث، وهو خير المسالك عند السُّبكيِّ: أنَّا نقتله للمؤدَّاة في آخر وقتها إذا لم يبقَ من الوقت إلَّا قدر ما يصلَّى فيه الفرض، / وهذا نصَّ عليه الشَّيخ أبو حامد، وهو جيِّد، لكن يلزم منه أنَّ المبادرة إلى قتل تارك الصَّلاة أحقُّ منها إلى المرتدِّ، فإنَّ المرتدَّ يُستتاب، [وهذا لا يُستتاب] ؛ لأنَّه لو أُمْهِلَ للتَّوبة لخرج الوقت، ولو خرج لصارت مقضيَّة. قال السُّبكيُّ: ولا يخفى على الفَطِن صعوبة تشكيك(40) المُزَنيِّ، وقد سلكه(41) ابن الرِّفْعَة في فَسْخِ المَرْأة بإعسار زوجها عن نفقتها؛ حيث قال الأصحاب: إنَّ الفسخَ يكون بالعجز عن نفقة اليوم الرَّابع، أو بعد مُضِيِّ يوم وليلة. فليُتَدبَّر.
          ذكر الدَّاهية العظمى، وهي محنة علماء زمانه، ودعائهم إلى القول بخَلْق القرآن(42)
          وكان أوَّل ما لُهِج بذلك سنة ثنتي(43) عشرة ومئتين، ولكن اشتدَّ الأمر في ذلك، ودُعي النَّاسُ إلى القول به في زمن المأمون، سنة ثمان عشرة ومئتين، واستمرَّت على ذلك بقيَّةَ خلافة المأمون، ثمَّ خلافة المعتصم بأَجمعها(44) وهكذا خلافة الواثق بتمامها، وهو تولَّى الخلافة سنة سبع وعشرين، إلى أن تَولَّى الخلافة المتوكِّلُ، فرفع الله تعالى هذه المحنة، وفرَّج عن المسلمين الكُربة، وعاد عُود الإسلام إلى رَوْضِه، وسُلْسِل الشَّيطان عن وَسْوسته بهذا الباطل وخَوضه، وبَعث المتوكِّل في سنة اثنتين(45) وثلاثين إلى سائر ممالك الإسلام بترك هذه المقالة، وأن يُظهروا قِدَمَ كلام الله الكريم، والمنَّة لله الملك الرَّحيم.
          وسبب إثارة المحنة(46) أنَّ القاضي أحمد ابن أبي دُؤَاد(47) كان عالماً، فصيحاً، مُحَبَّباً، كريماً، مُمَدَّحاً، وفيه يقول بعضهم _من البحر الوافر _:(48)
لقد أَنْسَتْ مساوئَ كلِّ دهرٍ                     محاسنُ أحمدَ ابنِ أبي دُؤَادِ
وما طَرَقَتْ بي الآفاقُ إلَّا                     ومِنْ جَدْواكَ راحلتي(49) وزادي
          وكان معظَّماً عند المأمون يصغي إلى كلامه، وتولَّى القضاءَ للمعتصم، ثمَّ للواثق، واستفحل أمره عندهم، وأحبُّوه حتَّى إنَّه مرض مرَّةً(50) فعادَه المعتصم، فتلقَّاه، فقال: قد شفاني الله يا أمير المؤمنين. فدعا له بالعافية، فقال: قد تمَّم الله شفائي، ومَحَقَ دائي بدعاء أمير المؤمنين. فقال المعتصم: إنِّي نذرت إن عافاك الله أن أتصدَّق بعشرة آلاف دينار. فقال: يا أمير المؤمنين، فاجعلها لأهل الحَرَمين؛ فقد لَقُوا من غلاء الأسعار شدائد(51) فقال: نويتُ أن أتصدَّق بها ههنا، وأنا(52) أُطْلِقُ لأهل الحرمين مثلَها. ثمَّ نهض، فقال أحمد(53) أمتَعَ اللهُ الإسلامَ وأهلَه ببقائك يا أمير المؤمنين. فقيل للمعتصم: إنَّك لا تَعُود إخوتَك وأكابرَ أهلك، / وتعود أحمد! فقال(54) وكيف لا أعود رجلاً ما وقعت عيني عليه [قطُّ] إلَّا ساقَ لي أجراً، وأوجبَ لي شكراً، وأفادني فائدةً تنفعني في ديني ودنياي، وما سألني قطُّ حاجةً لنفسه.
          ولمَّا تعاظم أمرُ ابن أبي دُؤَاد عند المأمون، وعلم أنَّ كلامه يؤثِّر، دسَّ إلى المأمون القولَ بخَلْق القرآن، وزيَّن له ذلك حتَّى اعتقد حقيقتَه في سنة ثمان عشرة ومئتين، وبعث إلى نائبه(55) ببغداد إسحاق بنِ إبراهيم الخُزَاعيِّ في امتحان العلماء كتاباً، وأمره أن يقرأ كتابه على العلماء، ويحملَهم على الكلام بخَلْق القرآن، وكتب إليه أن يُشخص إليه سبعة أنفس: محمَّد بن سَعْد كاتب الواقديِّ، ويحيى بن مَعِين، وأبا خَيْثَمة، وأبا مُسْلِم، وإسماعيل بن داود، وإسماعيل بن أبي مسعود، وأحمد بن إبراهيم الدَّوْرَقيَّ. فأشخصهم إليه، فامتحنهم (بخَلْق القرآن، فأجابوه، فردَّهم من الرَّقَّة إلى بغداد، وإنَّما طلبهم؛ لأنَّهم توقَّفوا أوَّلاً، ثمَّ أجابوا) خوفاً.
          وكتب أيضاً إلى نائبه بأن يُحضِر الفقهاءَ ومشايخَ الحديث؛ يخبرهم بما أجاب السَّبعة، ففعل ذلك، فأجاب طائفة، وامتنع آخرون، وكان يحيى بن مَعِين يقول: أَجَبْنا خوفاً من السَّيف.
          ثمَّ كتب المأمون إلى نائبه بأن يُحضر من امتنع، فأحضر جماعة منهم: أحمد بن حنبل، وبِشْر بن الوليد الكِنْديُّ، وأبو حسَّان الزِّياديُّ، وعُبيد الله بن عُمر القَوَارِيريُّ، وعليُّ بن الجَعْد، وقُتيبة بن سعيد، ومحمَّد بن نوح العِجْليُّ، وأبو نَصْر التَمَّار، ومحمَّد بن حاتِم، وغيرهم، وعرض عليهم كتابَ المأمون، فلم يجيبوا، ولم ينكروا ووَرَّوا، فقال أبو حسَّان: القرآن كلام الله، وإنْ أَمَرنا أميرُ المؤمنين بأمر سمعنا وأطعنا. وقال أحمد: القرآن كلام الله. قال: أمخلوق هو؟ قال: هو كلام الله، لا أَزِيْد على هذا. ثمَّ امتَحَن الباقين واحداً واحداً، وكتب أجوبَتهم إلى المأمون.
          فورد عليه كتاب المأمون: بَلَغَنا ما أجاب به مُتصنِّعةُ أهل القبلة، وملتمِسوا الرِّئاسة، فيما ليسوا بأهل له، فمَن لم يُجب أنَّه مخلوق، فامنعه من الفَتْوى والرِّواية. وشَنَّع في الكتاب على كلِّ واحد، ورماهم بما هم بَرَاء منه _حاشاهم_ إلى أن قال: ومَن لم يرجع عن شِرْكِه ممَّن سمَّيتُ، فاحمِلْهم موثوقين إلى عسكر أمير المؤمنين؛ ليسألهم، فإن لم يَرجعوا، احملهم إلى السَّيف.
          فأجابوا عند ذلك كلُّهم إلَّا أحمدَ بن حنبل، ومحمَّد بن نوح، والقَواريريُّ، فأمر بهم فُقيِّدوا، ثمَّ سألهم من الغد وهم في القُيود، / فأجابهم القواريريُّ، ووجَّه بأحمد ومحمَّد إلى طَرَسوس، وبلغ المأمون أنَّهم إنَّما أجابوا مكرَهين، فغضب، وأمر بإحضارهم، فلمَّا بلغوا الرَّقَّة بلغتْهم وفاةُ المأمون، فَلَطَفَ الله وفرَّج.
          وأمَّا محمَّد بن نوح، فكان عَديلاً لأحمد بن حنبل في المَحْمِل، فمات، وصلَّى عليه أحمد (_أظنَّه قال_ بِعَانة).
          وأمَّا المأمون، فمرض بالرُّوم، وقد نَفَذَت الكتب إلى البلدان بهذا الأمر، وكتب وصيَّةً طويلة يحرِّض الخليفة بعده على حَمْل الخَلْق على القول بخَلْق القرآن، ثمَّ توفِّي في رجب، ودفن بطَرَسوس، واستقلَّ المعتصم بالخلافة، وكان من سعادة المأمون موتُه قبل حضور أحمد بن حنبل، وكان أحمد قد دعا الله أن لا يرى المأمون، فأجيب، ولم يكن ضربه على يده.
          وكانت فتنة شديدة، وأوَّلُ مَن(56) امتُحن فيها من العلماء عَفَّانُ بن مُسْلم الحافظ، ولمَّا عُرِض عليه القولُ فامتنع، قيل له: رُسِمَ بقطع عطائك. وكان يُعطى ألف درهم كلَّ شهر، قال: { وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } [الذاريات:22] . وكانت عنده عائلة كثيرة، قيل: فدَقَّ عليه البابَ داقٌّ في ذلك اليوم لا يُعرف، وقال: خذ هذه الألف، ولك(57) عندي [في] كلَّ شهر ألف، يا أبا عثمان! ثبَّتك الله، كما ثَبَّتَّ الدِّين.
          ثمَّ امتُحن النَّاسُ بعده، واشتعلت نار الفتنة، قال أحمد [بن حنبل] : ما رأيت أحداً على حَدَاثة سِنِّه أقوم بأمر الله من محمَّد بن نوح، وإنِّي أرجو(58) أن يكون خُتم له بخير، قال لي ذات يوم: يا أبا عبد الله! اللهَ، اللهَ، إنَّك لستَ مثلي، أنتَ رجل يُقتدى بك، قد مدَّ النَّاس أعناقَهم لِمَا يكون منكَ(59) فاتَّق الله، واثبُتْ لأمر الله.
          قال صالح بن أحمد: ورجعوا بأبي مقيَّداً، فمكث بالنَّاصريَّة(60) أيَّاماً، ثمَّ حُبس بدار الرَّيْثِ(61) ثمَّ حُمل إلى حبس العامَّة، فكان يصلِّي بأهل الحبس وهو مقيَّد، فلمَّا كان رمضان سنة تسع عشرة، حُوِّل إلى دار إسحاق بن إبراهيم، وحبس في إِصْطَبْل لمحمَّد بن إبراهيم أخي إسحاق، وكان في حبسٍ ضيِّق، ومرض في رمضان، فحُبس في ذلك الحبس قليلاً، ثمَّ نقل إلى حبس العامَّة، فمكث في السِّجن قريباً من ثلاثين شهراً، وكان العلماء يأتونه، ويقرؤون عليه العلم في الحبس، وكان يصلِّي بأهل الحبس وهو في القيد، وكان يُخرج رِجْلَه من حَلْقة القَيْد في الصَّلاة، وعند النَّوم.
          قال: وكان الخليفة وجَّه إليه أحمد بن أبي رَبَاح، وأبا شُعيب / الحجَّار؛ ليناظراه، فلمَّا أرادا(62) الانصراف دُعي بقيد، فزيد في قيوده، قال أحمد: فلمَّا كان اليومُ الثَّالث دخل عليَّ أحدُ الرَّجلين، فناظرني، فقلتُ: ما تقول في علم الله؟ فقال: مخلوق. فقلتُ: كَفَرتَ! فقيل لي: هذا رسول الخليفة. قلت: إنَّ هذا قد كفر. فلمَّا كانت اللَّيلةُ الرَّابعة حُمِلْتُ إلى إسحاق بن إبراهيم بأمر المعتصم، فقال لي: يا أحمد! إنْهَ نفسَك(63) إنَّ المعتصم لا يقتلك بالسَّيف، إنَّه حلف إن لم تجبه أن يضربك ويقتلك في موضع لا يُرى فيه شمس ولا قمر، أليس قد قال الله تعالى: { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا } [الزُّخرف:3] أفيكون مجعولاً، ولا يكون مُحْدَثاً؟! قلت: فقد قال [الله] تعالى: { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ } [الفيل:5] أفخلقهم؟! قال: فسكتَ، ثمَّ حُملت على دابَّة، وعليَّ الأقياد، وليس أحد يمسكني، فكدتُ أقع لثقل الأقياد غير مرَّة، فجيء بي إلى دار المعتصم، وأُدخلت بيتاً في جوف اللَّيل ليس فيه سِرَاج، فأردتُ أن أتمسَّح للصَّلاة، فمددت يدي، فإذا أنا بإناء فيه ماء وَطِشْت(64) موضوع، فتوضَّأت، وصلَّيت، فلمَّا كان الغد أَخرجتُ تِكَّتي من السَّراويل، وشَدَدْتُ بها الأقياد أحملها، وغطَّيت السَّروايل، فجاء رسول المعتصم، فقال: أجبْ. فأخذ بيدي، وأدخلني عليه، والتِّكَّة في يدي أحمل بها الأقياد، وإذا هو جالس، وابن أبي دُؤَاد حاضر، وقد جمع خلقاً كثيراً من أصحابه، فقال لي المعتصم: اُدْنُ(65) فلم يزل يُدْنيني حتَّى قربت منه، فجلست، وقد أثقلتْني القيود، فمكث قليلاً، ثمَّ قلتُ: أتأذن لي في الكلام؟ قال: تكلَّم، قلتُ: إلامَ دعا الله ورسوله؟ فسكت قليلاً، ثمَّ قال: شهادة أن لا إله إلَّا الله. فقلت: وأنا أشهد أن لا إله إلَّا الله، ثمَّ قلتُ: إن جدَّك ابنَ عبَّاس يقول: لمَّا قدم وفدُ عبد القَيْس على رسول الله صلعم سألوه عن الإيمان، فقال: «أتدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلَّا الله، وأنَّ محمَّداً رسول الله، وإقام الصَّلاة، وإيتاء الزَّكاة، وأن تؤدُّوا من المَغْنَم الخُمس»(66) فقال المعتصم: لولا أنَّي وجدتك في يد مَن كان قبلي ما عَرَضْتُ لك. ثمَّ قال: كلِّمْه يا عبد الرحمن، فقال لي: ما تقول في القرآن؟ فقلتُ له: ما تقول في علم الله؟ فسكت، فقال لي بعضهم: أليس قد قال الله تعالى: { اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } [الزمر:62] والقرآن شيء؟ فقلتُ: قال الله تعالى: { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا } [الأحقاف:25] أفدمَّرت إلَّا ما أراد الله؟ فقال بعضهم: { مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ } [الأنبياء:2] فيكون مُحْدَثٌ إلَّا مخلوقاً؟(67) فقلت: قال الله تعالى: { ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ } [ص:1] فالذِّكر(68) هو القرآن، وتلك ليس فيها ألف ولا لام. وذكر بعضهم حديثَ عِمْران بن حُصَين: / «إن الله خَلق الذِّكرْ»(69) فقلت: هذا خطأ، حدَّثنا غيرُ واحد: «إنَّ الله كَتَب الذِّكرَ». فاحتجُّوا بحديث ابن مسعود: «ما خَلَق الله من جنَّةٍ ولا نارٍ، ولا سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسيِّ»(70) قلت: إنَّما وقع الخلق على الجنَّة والنَّار والسَّماء والأرض، ولم يقع على القرآن. وجعل أحمد بن أبي دُؤَاد ينظر إليَّ(71) كالمُغضَب، وكلَّما انقطع رَجلٌ اعترض [عليَّ] (ابن) أبي دؤاد، فيقول(72) يا أمير المؤمنين، هو والله ضالٌّ مُضِلٌّ مبتدِع. فيقول المعتصم: كلِّموه. فيتكلَّم(73) هذا، فأردُّ عليه، (ويتكلَّم هذا، فأردُّ عليه)، فإذا انقطعوا يقول لي المعتصم: ويحك يا أحمد! ما تقول؟ فأقول: يا أمير المؤمنين! أعطوني شيئاً من كتاب الله، أو سنَّة رسول الله حتَّى أقول به. فيقول ابن أبي دؤاد: أنت ما تقول إلَّا ما في كتاب الله، أو سنَّة رسول الله؟! فقلت له: تأوَّلتَ تأويلاً، فأنتَ أعلم، وما تأوَّلتُ ما يُحبَس(74) عليه، وما يُقتَل عليه.
          ثمَّ إنَّ المعتصم دعا أحمد في مجلسين يطول شرحهما، وهو يدعوه إلى البدعة، والإمام يأبى عليه أشدَّ الإباء، قال أحمد: ولمَّا كانت اللَّيلةُ الثَّالثة، قلتُ: خَليق أن يَحدُث من أمري شيء، فقلت لبعض مَن كان معي الموكَّل بي: أريد خيطاً. فجاءني بخيط، فشددت به الأقياد، ورددت التِّكَّة إلى سراويلي؛ مخافةَ أن يحدُث من أمري شيء، فأتعرَّى، فلمَّا كان من الغد في اليوم الثَّالث، وُجِّه إليَّ، وأحضرت، وإذا الدَّار مَشْحونة بالخَلْق، وقوم معهم السُّيوف، وقوم معهم السِّياط، إلى غير ذلك، ولم يكن في اليومين الماضيين شيء من ذلك، فلمَّا انتهيت إليه قال لي: اقعد. ثمَّ قال: كلِّموه. فكلَّموني، فجعلت أردُّ على هذا، وعلى هذا، وجعل صوتي يعلو أصواتَهم، فلمَّا طال المجلس نَحَّاني وخلا بهم، ثمَّ نحَّاهم، وردَّني [إليه] ، وقال: ويحك يا أحمد! أجبني حتَّى أُطْلق عنك بيدي. فقلت: أعطني شيئاً من كتاب الله، أو سنَّة رسول الله صلعم أتمسَّك به. فقال لي: وعليك اللَّعن، خذوه، واسحبوه(75) وعَرُّوه. وإذا بالعُقابين(76) سحبوني، وجرَّدوني من الثِّياب _وذُكر أنَّ المعتصم لمَّا رأى تصميم أحمد لانَ له، فأغراه ابن أبي دؤاد، وقال له: إن تركتَه قيل: إنَّك تركتَ مذهبَ المأمون. فحمله [ذلك] على ضَرْبه_ فجعل الرَّجل يتقدَّم ويضربني، ويأتي الآخَر ويضربني، وهكذا، وكلَّما ضربني أحدٌ يقول المعتصم: شُدَّ قطع الله يدَك.
          روي أنَّه لمَّا ضُرب سَوطاً قال: بسم الله. وثانياً قال: لا حول ولا قوَّة إلَّا بالله. وثالثاً قال: القرآن كلام الله غير مخلوق. /
          فلمَّا ضرب الرَّابع قال: { قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا } [التوبة:51] .
           فرحمه الله ما أثبته في دين الله!
          فلمَّا ضُرب تسعةَ عشر، قام إليه المعتصم، فقال: يا أحمد! عَلَامَ تقتُل نفسَك؟! إنِّي والله عليكَ لشَفيق. فجعل بعضهم يطعنني بسيفه، ويقول: أتريد أن تغلِب هؤلاء كلَّهم؟! ويحك! الخليفة على رأسك قائم. فقال بعضهم: دمه في عنقي، اقتُلْه. وجعلوا يقولون: يا أمير المؤمنين! أنت صائم، وأنت في الشَّمس قائم. فقال لي: ويحك يا أحمد، ما تقول(77) فقلت: أعطوني شيئاً من كتاب الله، أو سنَّة رسول الله أقول به. فرجع إلى موضعه وجلس، وقال للجلَّاد: تقدَّمْ واضربْ، وشُدَّ قطع الله يدك. وقال بعضهم: مَن فعل بنفسِه مِن أصحابك ما تفعل؟! وهو مُصِرٌّ على الحقِّ، فضربوه حتَّى غاب عن عقله ☺، ثمَّ أُتي بسَويق، وقيل له: اشرب، وتقيَّأ. فقال: لا أفطر.
          ثمَّ جيء به إلى دار إسحاق بن إبراهيم، فحضرت صلاة الظُّهر، فتقدَّم وصلَّى، فلمَّا انفتل من صلاته قيل له: صلَّيت والدَّم يسيل في ثوبك. فقال: قد صلَّى عُمر وثوبه يسيل دماً. فرحمه الله ما أرشدَه في دين الله وأحفظَه لسنَّة رسول الله صلعم والخلفاءِ بعده!
          ثمَّ خُلِّي، وصار إلى منزله، وكان مُكْثُه في السِّجن _منذ أُخِذ إلى أن ضُرب_ ثمانية وعشرين شهراً.
          قيل: إنَّهم راقبوه في هذه الأيَّام الثَّلاثة، وهم يناظرونه مع ما فيه من الأهوال، فما لَحَن في كلمة واحدة، فما أظنُّ أحداً(78) يكون في مثل شجاعته، وشدَّة قلبه.
          قيل: تَكَّتُه كانت حاشيةَ ثوب، فانقطعت، فنزل السَّروايل إلى عانته، فرمى بطرفه إلى السَّماء، وحرَّك شفته، فما كان بأسرع أن عاد(79) السَّروايل من لحظته إلى ما كان، فسُئل أحمد بعد سبعة أيَّام عمَّا حرَّك به شفتيه، فقال: قلت: اللَّهمَّ إنِّي أسألك باسمك الذي ملأ العرش، إن كنتَ تَعلم أنَّي على الصَّواب، فلا تهتك [لي ستراً، إلهي وسيدي، وقفتني هذا الموقف، فلا] تهتكني على رؤوس الخلائق(80)
          ورُوي أنَّه كلَّما ضُرب سوطاً(81) أبرأَ ذمَّة المعتصم، فسئل عن ذلك، فقال: كرهت أن آتي يوم القيامة، فيقال: هذا غريم أحمد من أهل بيت رسول الله صلعم.
          وبالجملة: اشتدَّت المحنة إلى زمن المتوكِّل، ثمَّ اضمحلَّت، وهكذا(82) كلُّ باطل، يكون له نائرةُ (يُوَيْمات) ثمَّ يُقذف الحقُّ على الباطل فيدمغه، فإذا هو زاهق، قال الله تعالى ممِّثلاً / لإذهاب الباطل، وإظهار الحقِّ: { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ } [البقرة:17] .
          وكان سبب إظهار الحقِّ ما ذُكر أنَّ الواثق أُتي بشيخ كبير، فقال له ابن أبي دؤاد: يا شيخ، ما تقول في القرآن، أمخلوق هو؟ فقال الشَّيخ: لَمْ تُنصفني المسألة، أنا أسألك قبل الجواب، هذا الذي تقوله من خَلْق (القرآن)، أشيء عَلِمَه رسول الله صلعم وأبو بكر وعمر وعثمان وعليٌّ، أم جهلوه؟ فقال: بل علموه. فقال: هل دَعَوا إليه النَّاسَ كما دعوتهم إليه أنت أم سكتوا؟ قال: بل سكتوا؟ قال: فهلَّا وَسِعَك ما وسعهم من السُّكوت. فسكت ابن أبي دؤاد، وأَعجب الواثقَ كلامُه، وأمر بإطلاق سبيله، وقام الواثق من مجلسه، وهو يقول: هلَّا وسعك ما وسعهم! يكرِّر هذه الكلمة، فهذا كان من الأسباب [الميِّهجة] لرفع المحنة، وإن كان الرَّفع كان بعده على زمن المتوكِّل.
          ومن الأسباب ما رُوي أنَّ عبد العزيز بن يحيى المكِّيَّ دخل على المتوكِّل، فقال: يا أمير المؤمنين، ما رُئي أعجبُ من أمر الواثق! قَتَل أحمد بن نَصْر الخُزَاعيَّ، وكان لسانُه يقرأ القرآن إلى أن دفن. قلت: إنه ☺ صمَّم على الحقِّ، فأمر الواثقُ ببسط النُّطوع، ونهى أحداً(83) يساعده، وأخذ السَّيف، وضرب بيده عنقه، فوقع رأسُه، وهو يقول: لا إله إلَّا الله. وقال بعضهم: سمع رأسه(84) يقول: { الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ } [العنكبوت:1-2] . فوَجَد المتوكِّلُ من ذلك، وساءه ما سمعه في أخيه، ثمَّ دخل عليه محمَّد بن عبد الملك الزَّيَّات الوزير، فقال له: يا ابن عبد الملك! في قلبي مِنْ قَتْل أحمد بن نصر. فقال: يا أمير المؤمنين! أحرقَني الله بالنَّار إنْ قَتَلَهَ(85) أميرُ المؤمنين إلَّا كافراً. ثمَّ دخل عليه هَرْثَمَةُ، فقال: يا هَرثمة! في قلبي من قَتْل أحمد بن نصر. فقال: يا أمير(86) المؤمنين، قطَّعني الله إربَاً إربَاً إنْ قَتَلَ الواثقُ إلَّا كافراً. ثمَّ دخل عليه أحمد بن أبي دُؤَاد، فقال: يا أحمد! في قلبي من قَتْل أحمد بن نصر. فقال: يا أمير المؤمنين، ضربني(87) الله بالفالج إنْ قَتَلَ الواثقُ إلَّا كافراً. قال المتوكِّل: أما ابن الزَّيَّات، فإنِّي أحرقته بالنَّار(88) وذلك لأنَّه لمَّا تولَّى الوزارة اتَّخذ تَنُّوراً من حديد داخله الأسياخ، وكلَّما غضب على أحد عذَّبه بذلك، فأمر / بالتَّنُّور فأُحمي، وأدخل(89) الشَّخصَ، فإنْ ثَبَت احتَرَق، وإنْ تحرَّك دخلَت الأَسْياخُ في جسده، فلمَّا تغيَّر الواثقُ عليه فعل به كذلك، فاحترق. قال: وأمَّا هَرْثَمَةُ، فإنَّه قُطِّع إرباً إرباً؛ لأنَّه خرج إلى البادية، فاجتاز بقبيلة خُزاعة، فعرفوه، فقطَّعوه قطعاً، وأما ابن أبي دؤاد، فحبسه الله في جِلْده، فضُرب بالفالج حتَّى مات مفلوجاً.
          روي أنَّه دخل عليه شخص، فقال: يا أمير المؤمنين! أعظمَ الله أجرَكَ. قال: فيمَن؟ قال: في القرآن. قال: ويلك! القرآنُ يموت؟! قال: يا أمير المؤمنين! كلُّ مخلوقٍ يموت، مَن يصلِّي بالنَّاس التَّراويحَ إذا ماتَ القرآنُ؟ فضحك الخليفة، وقال: قاتلك الله، أَمْسِكْ.
          ولم تزل تظهر آيات الحقِّ شيئاً(90) بعد شيء، إلى سنة أربع وثلاثين ومئتين، فقام الخليفة المتوكِّل على الله في ذلك حقَّ القيام لمَّا ظهر له الحقُّ بنور الله، فرفع المحنة في مجلسه، ونهى عن القول بخلق القرآن، وكتب بذلك إلى الآفاق، وتوفَّر دعاء الخلق له، وبالغوا في الثَّناء عليه، حتَّى قيل: الخلفاء ثلاثة: أبو بكر في الرِّدَّة، وعمر بن عبد العزيز في ردِّ المظالم، والمتوكِّل في إحياء السُّنَّة. ولله الحمد على ذلك.
          وعاش الإمام أحمد بعدَه، وقَرَّ الله عينيه برؤية الحقِّ الأَبْلج، وارتفع شأنُ الإمام أحمد عند الخاصِّ والعامِّ، حتَّى لمَّا مرض عاده النَّاس أفواجاً أفواجاً، حتَّى تعطَّل بعض البيَّاعين(91) من ازدحام الناس في الشَّوارع، وحيل بينهم وبين البيع والشِّراء، وكان الرَّجل إذا أراد أن يدخل ربَّما دخل من بعض الدُّور، وربَّما تسلَّق الجدار، وجاء العلماء، فقعدوا على الباب، وجاء حاجب ابن طاهر، وقال: إنَّ الأمير يُقرئك السَّلامَ، ويشتهي أن يراك. فقال: هذا ممَّا أكره، وأمير المؤمنين أعفاني ممَّا أكره.
          وأصحابُ الخبر يكتبون بخبره إلى العسكر، والبُرُدُ(92) يختلف كلَّ يوم، وجاء بنو هاشم، فدخلوا عليه، وجعلوا يبكون عليه، وجاء قوم من القضاة، فاستأذنوا الدُّخول، فلم يؤذن لهم، ودخل عليه شيخ فقال: اذكُرْ وقوفَك بين يدي الله. فشهق شهقةً الإمامُ، وسال الدُّموع على خدِّه(93)
          فلمَّا كان قبل وفاته بيومين، قال: ائتوني بالصِّبيان. فجعلوا ينضمُّون إليه، وجعل يشمُّهم، ويمسح بيده على رأسهم، وعيناه تذرفان، وجعل الطِّسْت تحته، فرأى بوله دماً عَبيطاً ليس فيه ماء، فقال الطَّبيب: هذا رجل قد قَطَّع الحزن والغمُّ جوفه.
          واشتدَّ الوجع يوم الخميس، فوضَّاه المَرْوَرُّوذِيُّ(94) فقال: خلِّل الأصابع. /
          فلمَّا كانت ليلةُ الجمعة من ربيع الأوَّل سنة إحدى وأربعين ومئتين، ثَقُل، وقُبض صدرَ النَّهار، فصاح النَّاس، وعلَت الأصوات بالبكاء حتَّى كأنَّ الدُّنيا ذهبت، وامتلأت الشَّوارع بالنَّاس، وأُخرجت الجنازة بعد منصرف النَّاس من الجمعة، وخرج معه النَّاس في كثرة عظيمة، واختلفوا في عددهم، فقيل: ستُّ مئة ألف. وقيل: ألف ألف وثلاث مئة ألف وأكثر، سوى ما في الأطراف والأماكن المتفرِّقة، وفي السُّفن. وقيل: أمر المتوكِّل أن يمسح الأرض الذي وقف عليه النَّاس للصَّلاة عليه، فبلغ مقام ألفي ألف. وقيل: حضر من النِّساء ستُّ مئة ألف امرأة. وقيل غير ذلك.
          وقيل: أسلم يومَ موته من اليهود والنَّصارى والمجوس عشرون ألفاً. وقيل: عشرة آلاف. لكنْ أنكر قصَّةَ الإسلام السُّبْكِيُّ(95) وقال: هذا أمر تتوفَّر الدَّواعي إلى ذِكره، ولو أسلم عشرة أنفس لذَكَره ابنُه أو المَرْوَرُّوْذِيُّ(96) وإنَّما ذَكَر هذه الحكايةَ الوَرْكانيُّ رجلٌ كان يسكن جوار الإمام أحمد.
          قال الرَّبيع: قال لي الشَّافعيُّ: خذ كتابي هذا، وامض به، وسلِّمه إلى أبي عبد الله، وأتني بالجواب. قال الرَّبيع: فدخلت بغداد ومعي الكتاب، فصادفت أحمد في صلاة الصُّبح، فلمَّا انفتل من المحراب سلَّمت(97) إليه الكتاب، وقلت: هذا كتاب أخيك الشَّافعيِّ من مصر. فقال لي أحمد: نظرتَ فيه؟ قلت: لا يُكسر الخَتْم. فقرأ، وتغرغرت عيناه، فقلت له: أيُّ شيء فيه؟ قال: يذكر فيه أنَّه رأى النَّبيَّ صلعم في النَّوم، فقال له: اكتب إلى أبي عبد الله وأقرئه السَّلام، وقل له: إنَّك ستُمتحن(98) وتدعىَ إلى خَلْق القرآن، فلا تُجبهم، فيرفع الله لك عَلَماً إلى يوم القيامة. قال الرَّبيع: فقلت له: البشارة يا أبا عبد الله! فخلَع أحد قميصيه الذي يلي جِلْده فأعطانيه، فأخذت الجواب، وخرجت إلى مصر، وسلَّمتُ إلى الشَّافعيِّ، فقال: أيَّ شيء أعطاك؟ فقلت: قميصه. فقال الشَّافعيُّ: ليس نَفْجَعُك، ولكن بُلَّهُ، وادفع إليَّ الماء؛ لأتبرَّكَ به(99)
          وكان حسنَ الوجه، رَبْعَةً، يخضب بالحِنَّاء خضاباً ليس بالقاني(100) في لحيته(101) شُعيرات سُود. قاله ابن خَلِّكان(102)
          ولم يزل بعد الامتحان في عُلُوٍّ ورفعة وزيادة في عين النَّاس، وزهادة في الدُّنيا، ورغبة في الآخرة، وكان النَّاس إذا رأوه كأنَّهم رأوا نبيًّا.
          ودخل عليه بعضهم وهو يجود بنفسه، فبكى، وقال: يا أبا عبد الله أوصني. فأشار إلى لسانه، وقال: { لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ } [الصافات:61] . وتوفِّي، ⌂، وحشرنا في زمرته، وقد ذكرنا وقت وفاته.
          حدَّث عن: مُعْتِمر بن سُليمان.
          وروى(103) عنه: مسلم والبخاريُّ، / لكن ما روى البخاريُّ في صحيحه عنه إلَّا في موضع واحد بواسطة أحمد بن الحسن التِّرمذيِّ، في المغازي [خ¦4473] ، نعم استشهد به في مواضع(104)


[1] في (س): (أحمد بن حنبل).
[2] في (ن) تصحيفاً: (حرز).
[3] في غير (ن): (على).
[4] في (ن) تصحيفاً: (كأنَّ إليه).
[5] في (ن): (فقال ولولا).
[6] في غير (ن): (ويموت أحمد ويظهر البدع).
[7] في (ن): (قشريه).
[8] في (ن): (خمس سنين) وهو خطأ.
[9] في غير (ن) تصحفت إلى: (أبي سفيان).
[10] الكلام لإبراهيم بن جابر المروزيِّ، انظر مناقب الإمام أحمد لابن الجوزيِّ: ص349.
[11] أخرجه أبو داود في باب كراهية الذبح عند القبر برقم (2805)، وابن حبان في صحيحه برقم (3213).
[12] الشعر لزياد الأعجم في المغيرة بن المُهلَّب، وهو في وفيات الأعيان 2/235.
[13] في (ن) تصحيفاً: (ساج).
[14] في (ن) تصحيفاً: (المعسر بن مهلبة).
[15] في (ن): (في) والمثبت أصوب.
[16] تصحفت في (ن) هنا إلى: (المناوي) وكذلك في الموضعين بعده.
[17] طبقات الشَّافعيَّة الكبرى:2/ 32.
[18] في غير (ن): (حجة).
[19] كذا قال المؤلِّف، وهو وهم صريح، والبيتان لمحمَّد بن عبد الله بن طاهر، كما في السِّير:11/ 299، وأنشدهما ابن أعين، كما في تاريخ مدينة السَّلام للخطيب:6/ 101، وعن الخطيب نقلها الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق:5/323، وفي تبيين كذب المفتري: ص421، وابن السُّبكيِّ في طبقات الشَّافعية الكبرى:2/ 33، و الرَّواية في غير (ن): (حجَّة مأمونة).
[20] سقطت في جميع النسخ: (أبي) والمثبت من مصارد الترجمة.
[21] في (ن) تصحيفاً: (والثلاثاء).
[22] الحبة: سدس ثمن درهم، وهو جزء من ثمانية وأربعين جزءاً من الدرهم: اللسان: (مكك).
[23] في (ن) تصحيفاً: (عمر).
[24] في (س): (سعد).
[25] في غير (ن): (فما)
[26] في كل النسخ (هلال بن عطاء) والمثبت من المصادر.
[27] في (س): (هذا ميراثاً حلالاً).
[28] في (س): (خمسون) وقوله (فكان) قبله في غير (ن) (وكان).
[29] في غير (ن): (فكان).
[30] في غير (ن): (فيجوز).
[31] في (ن) تصحيفاً: (لنا).
[32] في (ن): (وقال) والمثبت أولى.
[33] في (ن): (لأتركنه) والمثبت مناسب للسياق.
[34] سقطت كلمة (يوم) من (ن) واستدركت لضرورة السياق.
[35] في غير (ن): (رحمه).
[36] طبقات الشَّافعيَّة الكبرى:2/ 107.
[37] في (ن): (ثلاث).
[38] في غير (ن): (بقتله).
[39] في غير (ن): (هذا).
[40] تقرأ في (ن): (تشكك).
[41] في غير (ن): (سلك).
[42] جاء في (ن): (الزمان) بدل (زمانه) وفي غير (ن) (هو) بدل (هي) و (دعاؤهم) بدل (دعائهم) وجاء في هامش (ه): مطلب المحنة إلى القول بخلق القرآن، وقد سقطت كلمة (المأمون) الأولى من (س).
[43] في غير (ن): (اثنتي).
[44] جاء في هامش (ه) بعد هذه الكلمة: وتولى المعتصم سنة ثمان عشرة ومئتين، وسقطت من (س).
[45] في (ن): (اثنين).
[46] في (ن): (المحن) والمثبت أولى.
[47] في (س): (داود) حيث وردت، وهو تصحيف. وجاءت في (ه) (دُؤاد) مضبوطة.
[48] الشعر رواه أبو تمام عن رجل لم يسمه رآه عند ابن أبي دؤاد. انظر تاريخ مدينة السلام:5/233.
[49] في (ن) تصحيفاً: (رحلتي).
[50] سقطت (مرة) من (ن) و(س).
[51] في (س): (شديداً).
[52] في (ن) تصحيفاً: (وأن).
[53] سقطت (أحمد) من (س).
[54] في (ن): (قال).
[55] في (ن) تصحيفاً: (تابعيه).
[56] في (ن): (ما).
[57] في (ن) تصحيفاً: (ولكن).
[58] في غير (ن): (لأرجو).
[59] في (ن) تصحيفاً: (مثلك).
[60] هكذا في جميع النسخ وهي في المصادر (بالياسريَّة) كما في سيرة الإمام أحمد لابنه صالح: ص 51، ومناقب الإمام أحمد لابن الجوزيِّ: ص428، والسِّير:11/ 242.
[61] هكذا في (ه) و(س) وأهمل نقطها في (ن)، والذي في المصادر (اكتُرِيت)، ولعلَّ ما في المصادر مصحَّف من (التريُّث)، ويكون المراد بدار الحبس المؤقَّت، والله أعلم.
[62] في (ن): (أراد).
[63] في غير (ن): (إنَّها نفسك).
[64] فيها لغات: طَسْت، طَشْت وهو من آنية الصُّفْر (النحاس) وهو الطسُّ بلغة طيِّء.
[65] في غير (ن): (ادنه).
[66] أخرجه البخاري برقم: (53).
[67] جاء في (س) فوق كلمة (محدث) في الآية إشارة لحق، وفي الهامش: إنزاله كذا قال علماؤنا.
[68] جاء في (س) فوق كلمة (ص) في الآية إشارة لحق، وفي الهامش: معنى كلام الإمام أحمد أن الذكر في آيتهم ليس المراد به القرآن لأنه نكرة فاعترض الآخر عليه بالذكر معرفاً فأجاب بالغلط وبدل (كتب) بـ(خلق).
[69] ذكره ابن بطة العكبري في كتابه الإبانة الكبرى:5/476 بابُ بيانِ كفر الجهمية.
[70] أخرجه الترمذي برقم (2809) وليس فيه: من جنة ولا نار.
[71] في (ن) و(س): (إليه).
[72] في غير (ن): (يقول).
[73] في (ن): (فتكلَّم).
[74] في (ن): (تحبس).
[75] في (ن): (واسجنوه).
[76] في غير (ن): (بالمعاقبين).
[77] في (ن) تصحيفاً: (ما يقول).
[78] في (ن): (أحد).
[79] في (ن): (قاد) وجاء فيها (سئل) بدل (فسئل).
[80] قال الذهبي في السير بعد ذكر هذه القصة:11/255: هذه حكاية منكرة، أخاف أن يكون داود [يعني ابن عَرَفة، راويها] وضعها.
[81] في (س): (صوتاً).
[82] في غير (ن): (هكذا).
[83] في (ن) (أن أحداً) وفي (س): (واحداً).
[84] سقط من (س) بمقدار سطر من قوله: (يقول لا إله إلا الله... إلى رأسه).
[85] في (س): (قتل).
[86] في (ن) تصحيفاً: (يا مير).
[87] في (ن)تصحيفاً: (ضرني).
[88] في (س): (فإنه أحرق).
[89] في غير (ن): (وأدخله).
[90] في النسخ كلها: (شيء) والمثبت يوافق وجوه العربية.
[91] في غير (ن): (البائعين).
[92] في (ن) تصحيفاً: (البرو) والبرد جَمع بَريد.
[93] في غير (ن): (خدَّيه) وبعده (ولمَّا) بدل (فلمَّا).
[94] في (ن) تصحيفاً: (المرو لروذي) (س): (المروزي). وقد جاء في حاشية (ه) ضبطها هكذا: قوله: المَرْوَرُّوْذي بفتح الميم وسكون الرَّاء وفتح الواو وضمِّ الرَّاء المشدَّدة وسكون الواو بعدها ذال معجمة، نسبة إلى (مرورُّوذ) مدينة بالعجم. قاله ابن السَّمعانيِّ. انتهى.
[95] طبقات الشَّافعيَّة الكبرى:2/ 35، ونقله عن شيخه الإمام الذَّهبيِّ، انظر السِّير:11/ 343.
[96] في (ن): (المرو الرُّوذي) وجاء في حاشية (ه) ترجمة: المرو الرُّوذيُّ: هو أبو بكر أحمد بن محمَّد البغداديُّ صاحب الإمام أحمد وأنيسه، تولَّى تغميض عينه وغسله، أمُّه مروزيَّة وأبوه خوارزميٌّ، توفِّي سنة خمس وسبعين ومئتين.
[97] في (ن) تصحيفاً: (سلَّمه).
[98] في (س): (ممتحنفي).
[99] هذه الحكاية عدَّها شيخ الإسلام ابن تيميَّة ممَّا اختَلَقه العامَّة مبالغةً في الثَّناء على سيرة الإمام أحمد، انظر الآداب الشَّرعيَّة:2/ 15.
[100] في (ن): (بالغاً).
[101] في (س): (مشعته) وهو تصحيف.
[102] في غير (ن): (قال) وينظر وفيات الأعيان:1/ 64.
[103] في غير (ن): (روى).
[104] ذكر البخاري أيضاً سؤال أحمد بن حنبل لابن المديني بعد الحديث رقم 377، وروى عنه تعليقاً برقم 5105.