حاشية على صحيح البخاري

كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلعم

          ░░1▒▒ قوله: (باب كَيفَ كَانَ بَدْءُ الوَحْي إِلَـى رَسُولِ اللَّهِ صلعم ): ابتدأ صحيحَه بالوحي وقدَّمه على الإيمان؛ لأنَّ الاعتماد على جميع ما سيَذكر في ((الصَّحيح)) يتوقَّف على كونه ╧ نبيًّا أُوحي إليه، والإيمانُ به إنَّما يجبُ لذلك، ولذلك أيَّد أمر الوحي بالآية أعني قوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [النساء:163] الآية، ولمَّا كان الوحي يستعملُ في الإلهام وغيره ممَّا يكون إلى غير النَّبي أيضاً، كما في قوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل:68]، {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} [القصص:7] فلا يدلُّ على ثبوت النُّبوَّة؛ ذكرَ آيةً تدلُّ على أنَّ الإيحاء إليه صلعم كان (1) إيحاء نبوَّة، وبواسطته ثبتت نبوَّته وحصل الاعتماد على جميعِ ما في ((الصَّحيح)) ممَّا نقل عنه صلعم ووجبَ الإيمان به، فلذلك عقَّب باب (2) الوحي بكتاب الإيمان.
          والحاصل: أنَّ الوحي إليه ╧ هو بدءُ أمر الدِّين ومدار النُّبوَّة والرسالة، فلذلك سمي الوحي بدءاً بناءً على أنَّ إضافة البدء إلى الوحي في قوله: بدء الوحي، بيانيَّة، وابتدأَ به الكتاب، والمعنى: كيف (3) كان بدء أمر النُّبوَّة والدِّين الذي هو الوحي، وبهذا التَّقرير / حصلت (4) المناسبة بين تسمية الوحي بدءاً وابتداء الكتاب به، وسقط ما أوردَ بعضُ الفضلاء على ترجمة المصنِّف للباب من أنَّ كثيراً من أحاديث الباب لا يتعلَّق إلَّا بالوحي لا ببدءِ الوحي، فكيف جعل الترجمة باب بدءِ الوحي، وكذا ظهر وجهُ الشبه في قوله تعالى: {كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ} [النساء:163] وهو أنَّ الإيحاء كان إيحاء نبوَّة ورسالة لقطع معذرة النَّاس، كما يدلُّ عليه قوله تعالى في آخر الآيات: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ} [النساء:165]، وكذا ظهرَ وجه تشبيه الوحي بالإرسال والتَّكليم الذي يدلُّ عليه قوله: {وَرُسُلاً} [النساء:164]، وقوله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى} [النساء:164] في أنَّ الكلَّ لقطعِ معذرة النَّاس.
          هذا(5) : ((وقولُ الله ╡)) الأقربُ رفعه على تقدير الخبر؛ أي: وفيه قوله ╡؛ أي: في إثبات الوحي قوله ╡، والله سبحانه وتعالى أعلم.


[1] ((كان)): ليست في (م).
[2] ((باب)): ليست في (م).
[3] في (ز): ((أي كيف)).
[4] في (ز): ((حصل)).
[5] في (م): ((وهذا)).