-
مقدمة المصنف
-
في ذكر نسبه ومولده وصفته
-
في نشأته وطلبه للحديث
-
في مراتب شيوخه الذين أدركهم وحدَّث عنهم
-
في سيرته وشمائله وزهده وفضائله
-
في ثناء مشايخه عليه
-
في ذكر ثناء أقرانه وأصحابه عليه فمن بعدهم
-
في سعة حفظه وسيلان ذهنه
-
في سبب تصنيفه الجامع الصحيح
-
في شرطه
-
في ذكر الرواة عن البخاري
-
في دخوله نيسابور وما امتحن به ثم خروجه منها
-
في رجوعه إلى بخارى ومحنته مع أميرها وخروجه منها ووفاته
░5▒ فَصْلٌ
في ثَنَاءِ مَشَايِخِه عَلَيْهِ
قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ _وَنَظَرَ إِلَيْهِ يَوْمًا_: هَذَا يَكُونُ له صِيتٌ.
قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ نَحْوُهُ لأَحْمَدَ بْنِ حَفْصٍ .
وَقَالَ البُخَارِيُّ :كُنْتُ إِذَا دَخَلْتُ على سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ يقولُ: بَيِّنْ لَنَا غَلَطَ شُعْبَةَ.
وَقَالَ وَرَّاقُهُ : سَمِعْتُهُ يقولُ: كانَ إِسْمَاعِيلُ / ابْنُ أبي أُوَيْسٍ إِذَا انْتَخَبْتُ مِنْ كِتَابِهِ نَسَخَ تِلْكَ الأَحَادِيثَ لِنَفْسِهِ، وَقَالَ: هَذِهِ أَحَادِيثُ انْتَخَبَهَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ مِنْ حَدِيثِي.
وَقَالَ البُخَارِيُّ : اجْتَمَعَ أَصْحَابُ الحَدِيثِ، فَسَأَلُونِي أَنْ أُكَلِّمَ إِسْمَاعِيلَ بْنَ أبي أُوَيْسٍ لِيَزِيدَهُمْ في القِرَاءَةِ، فَفَعَلْتُ، فَدَعَا الجَارِيَةَ وَأَمَرَهَا أَنْ تُخْرِجَ صُرَّةَ دَنَانِيرَ، وَقَالَ: يَا أَبَا عبد اللهِ، فَرِّقْهَا عَلَيْهِمْ. قُلْتُ: إِنَّمَا أَرَادُوا الحَدِيثَ. قَالَ: قَدْ أَجَبْتُكَ إلى ما طَلَبْتَ مِنَ الزِّيَادَةِ، غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ أَنْ تَضُمَّ هَذَا إلى ذَاكَ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ(1) : قَالَ لِي ابْنُ أبي أُوَيْسٍ: انْظُرْ في كُتُبِي، وَمَا أَمْلِكُهُ لَكَ، وَأَنَا شَاكِرٌ لَكَ ما دُمْتُ حَيًّا.
وَقَالَ حَاشِدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ(2) : قَالَ لِي أَبُو مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بنُ أبي بَكْرٍ / الزُّهْرِيُّ المَدَنِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَفْقَهُ عِنْدَنَا وَأَبْصَرُ مِنْ(3) أَحْمَدَ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: جَاوَزْتَ الحَدَّ! فَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: لَوْ أَدْرَكْتَ مَالكًا وَنَظَرْتَ إلى وَجْهِهِ وَوَجْهِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ لَقُلْتَ كِلَاهُمَا وَاحِدٌ في الحَدِيثِ وَالفِقْهِ.
وَقَالَ عَبْدانُ بْنُ عُثْمَانَ : ما رَأَيْتُ بِعَيْنَيَّ شَابًّا أَنْضَــرَ مِنْ هَذَا. وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ.
وَقَالَ قُتَيْبَةُ: جَالسْتُ الفُقَهَاءَ وَالزُّهَّادَ وَالعُبَّادَ، وَمَا رَأَيْتُ مُنْذُ عَقِلْتُ كَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، وَهُوَ في زَمَانِهِ كَعُمَرَ في الصَّحَابَةِ . /
وَعن قُتَيْبَةَ؛ قَالَ: لَوْ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ في الصَّحَابَةِ لَكَانَ آيَةً .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الهَمَذَانِيُّ: كُنَّا عِنْدَ قُتَيْبَةَ، فَجَاءَ رَجُلٌ شَعْرَانِيٌّ يُقَالَ لَهُ: أَبُو يَعْقُوبَ، فَسَأَلَهُ عن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ؛ فَقَالَ: يَا هَؤُلاءِ! نَظَرْتُ في الحَدِيثِ، وَنَظَرْتُ في الرَّأْيِ، وَجَالسْتُ الفُقَهَاءَ وَالزُّهَّادَ وَالعُبَّادَ، ما رَأَيْتُ مُنْذُ عَقِلْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ .
وَقَالَ الفَـِرَبْرِيُّ(4) : كُنَّا عِنْدَ قُتَيْبَةَ، فَسُئِلَ عن طَلَاقِ السَّكْرَانِ؛ فَقَالَ: هَذَا أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ المَدِينِيِّ قَدْ سَاقَهُمْ اللهُ إِلَيْكَ. وَأَشَارَ إِلى البُخَارِيِّ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ قُتَيْبَةَ البُخَارِيُّ : [كُنْتُ](5) عِنْدَ أبي عَاصِمٍ النَّبِيلِ، فَرَأَيْتُ /
عِنْدَهُ غُلَامًا، فَقُلْتُ لَهُ: مِنْ أَيْنَ؟ قَالَ: مِنْ بُخَارَى. قُلْتُ: ابْنُ مَنْ؟ قَالَ: ابْنُ إِسْمَاعِيلَ. فَقُلْتُ: أَنْتَ قَرَابَتِي! فَقَالَ لِي رَجُلٌ عِنْدَ أبي عَاصِمٍ: هَذَا الغُلَامُ يُنَاطِحُ الكِبَاشَ.
يَعْنِي: يُقَاوِمُ الشُّيُوخَ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامٍ : كان الرُّتُوتُ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيثِ _مِثْلُ سَعِيدِ بْنِ أبي مَرْيَمَ، وَالحَجَّاجِ بنِ مِنْهَالٍ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أبي أُوَيْسٍ، وَالحُمَيْدِيِّ، وَنُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، وَالعَدَنِيِّ، وَالخَلَّالِ، وَمُحَمَّدِ بنِ مَيْمُونٍ، وَإِبْرَاهِيمَ بنِ المُنْذِرِ، وَأبي كُرَيْبٍ، وَأبي سَعِيدٍ الأَشَجِّ، وَإِبْرَاهِيمَ بنِ مُوسَى_ يَقْضُونَ لأبي عبد اللهِ البُخَارِيِّ على أَنْفُسِهِمْ في النَّظَرِ وَالمَعْرِفَةِ.
قُلْتُ: الرُّتُوتُ _بِالرَّاءِ المُهْمَلَةِ، وَالتَّاءِ المُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ، وَبَعْدَهَا وَاوٌ، وَبَعْدَهَا تَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ فَوْقٍ أَيْضًا_ هُمُ الرُّؤَسَاءُ. قَالَهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ .
وَقَالَ أَحْمَدُ ابْنُ حَنْبَلٍ: ما أَخْرَجَتْ خُرَاسَانُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ .
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ : مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ فَقِيهُ هَذِهِ الأُمَّةِ. /
وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ مِثْلَهُ .
وَقَالَ بُنْدَارُ : هُوَ أَفْقَهُ خَلْقِ اللهِ في زَمَانِنَا.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ قُرَيْشٍ : قَالَ عَبدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ التِّنِّيسِيُّ لِلْبُخَارِيِّ: يَا أَبَا عَبدِ اللهِ، انْظُرْ في كُتُبِي، وَأَخْبِرْنِي بِمَا فيهَا مِنَ السَّقْطِ. قَالَ: نَعَمْ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ : دَخَلْتُ على الحُمَيْدِيِّ وَأَنَا ابْنُ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ اخْتِلَافٌ في حَدِيثٍ، فَلَمَّا بَصُرَ بِيَ الحُمَيْدِيُّ قَالَ: قَدْ جَاءَ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَنَا. فَعَرَضَا عَلَيَّ، فَقَضَيْتُ لِلْحُمَيْدِيِّ؛ وَكان الحَقُّ مَعَهُ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ : قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ البِيكَنْدِيُّ: انْظُرْ في كُتُبِي، فَمَا وَجَدْتَ فيهَا مِنْ خَطَأٍ فَاضْرِبْ عَلَيْهِ.
وَقِيلَ : كان مُحَمَّد بْن سَلَامٍ يَقولُ: كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيَّ البُخَارِيُّ تَحَيَّرْتُ، وَلَا أَزَالُ خَائِفًا مِنْهُ. /
وَقَالَ سُلَيْمُ بْنُ مُجَاهِدٍ : كُنْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامٍ، فَقَالَ: لَوْ جِئْتَ قَبْلُ لَرَأَيْتَ صَبِيًّا يَحْفَظُ سَبْعِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ.
وَقَالَ حَاشِدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ : رَأَيْتُ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ جَالسًا على المِنْبَرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ مَعَهُ، فَأَنْكَرَ عليه مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ شَيْئًا، فَرَجَعَ إلى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ إِسْحَاقُ: يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ الحَدِيثِ! انْظُرُوا إلى هَذَا الشَّابِّ وَاكْتُبُوا عَنْهُ؛ فَإِنَّهُ لَوْ كان في زَمَنِ الحَسَنِ بنِ أبي الحَسَنِ لاحْتَاجَ إِلَيْهِ؛ لِمَعْرِفَتِهِ بِالحَدِيثِ وَفَهْمِهِ .
وَقَالَ البُخَارِيُّ : أَخَذَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ كِتَابَ «التَّارِيخِ» الَّذي صَنَّفْتُهُ(6) ، فَأَدْخَلَهُ على عبد اللهِ بْنِ طَاهِرٍ، وَقَالَ: أَيُّهَا الأَمِيرُ! أَلَا أُرِيكَ سِحْرًا؟! /
وَقَالَ البُخَارِيُّ : سُئِلَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَمَّنْ طَلَّقَ نَاسِيًا، فَسَكَتَ طَوِيلاً مُتَفَكِّراً، فَقُلْتُ أَنَا: قَالَ النَّبِيُّ صلعم : «إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ عن أُمَّتِي ما حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، ما لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَكَلَّمْ» ، وَإِنَّمَا يُرَادُ مُبَاشَرَةُ هَؤُلاءِ الثَّلَاثِ: العَمَلُ وَالقَلْبُ أو الكَلَامُ، وَهَذَا لَمْ يَعْتَقِدْ بِقَلْبِهِ. فَقَالَ إِسْحَاقُ: قَوَّيْتَنِي. وَأَفْتَى بِهِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ المَدَنِيُّ : كُنَّا يَوْمًا عِنْدَ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَاضِرٌ، فَمَرَّ إِسْحَاقُ بِحَدِيثٍ وَدُوْنَ صَحَابِيِّهِ عَطَاءٌ الكَيْخَارَانِيُّ، فَقَالَ له إِسْحَاقُ: يَا أَبَا عبدِ اللهِ، إِيْش هِيَ كَيْخَارَانُ؟ قَالَ: قَرْيَةٌ بِاليَمَنِ، كان مُعَاوِيَةُ بَعَثَ هَذَا الرَّجُلَ الصَّحَابِيَّ إلى اليَمَنِ، فَسَمِعَ مِنْهُ عَطَاءٌ حَدِيثَيْنِ. فَقَالَ له إِسْحَاقُ: يَا أَبَا عبد اللهِ، كَأَنَّكَ شَهِدْتَ القَوْمَ!
وَقَالَ البُخَارِيُّ: ما اسْتَصْغَرْتُ نَفْسِي عِنْدَ أَحَدٍ إِلَّا عِنْدَ عَلِيِّ ابْنِ المَدِينِيِّ، وَرُبَّمَا كُنْتُ أُغْرِبُ عَلَيْهِ(7) . /
قَالَ حَامِدُ بْنُ أَحْمَدَ: ذُكِرَ لِعَلِيٍّ ابْنِ المَدِينِيِّ قَوْلُ البُخَارِيِّ، فَقَالَ: ذَرُوا قَوْلَهُ؛ هُوَ ما رَأَى مِثْلَ نَفْسِهِ .
وَقَالَ أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ: حَدَّثَنِي فَتْحُ بْنُ نُوحٍ النَّيْسَابُورِيُّ؛ قَالَ: أَتَيْتُ عَلِيَّ ابْنَ المَدِينِيِّ، فَرَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ جَالسًا عن يَمِينِهِ، وَكان إِذَا حَدَّثَ التَفَتَ إِلَيْهِ؛ كَأَنَّهُ يَهَابُهُ .
وَقَالَ البُخَارِيُّ: كان عَلِيُّ ابْنُ المَدِينِيِّ يَسْأَلُنِي عن شُيُوخِ خُرَاسَانَ، فَكُنْتُ أَذْكُرُ له مُحَمَّدَ بْنَ سَلَامٍ، فَلَا يَعْرِفُهُ، إلى أَنْ قَالَ لِي يَوْمًا: يَا أَبَا عبد اللهِ، كُلُّ مَنْ أَثْنَيْتَ عليه فَهُوَ عِنْدَنَا الرِّضَى .
وَقَالَ أَبُو عَمَّارٍ الحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ : لا أَعْلَمُ أَنِّي رَأَيْتُ مِثْلَهُ، كَأَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ إِلَّا لِلْحَدِيثِ.
وَقَالَ رَجَاءُ بْنُ مُرَجَّى : فَضْلُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ على العُلَمَاءِ كَفَضْلِ الرِّجَال على النِّسَاءِ.
وَقَالَ أَيْضًا: هُوَ آيَةٌ مِنَ الآيَاتِ تَمْشِي عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ. /
وَقَالَ البُخَارِيُّ : ذَاكَرَنِي أَصْحَابُ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الفَلَّاسِ بِحَدِيثٍ، فَقُلْتُ: لا أَعْرِفُهُ. فَسُرُّوا بِذَلِكَ، وَصَارُوا إِلى عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ، فَقَالُوا لَهُ: ذَاكَرْنَا مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ بِحَدِيثٍ فَلَمْ يَعْرِفْهُ. فَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: حَدِيثٌ لا يَعْرِفُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ لَيسَ بِحَدِيثٍ.
وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ : خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ عَبدِ اللهِ بْنِ مُــنِيرٍ إلى بُخَارَى، فَلَمَّا رَجَعَ، قَالَ لَهُ: لَقِيتَ أَبَا عبد اللهِ؟ فَقَالَ: لا. فَطَرَدَهُ؛ وَقَالَ: ما فيكَ خَيْرٌ؛ إِذْ قَدِمْتَ بُخَارَى وَلَمْ تَصِرْ إلى أبي عَبدِ اللهِ!
وَقَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ: كان مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ عَبدِ اللهِ بْنِ مُــنِيرٍ، فَقَالَ له لَمَّا قَامَ: يَا أَبَا عبد اللهِ، جَعَلَكَ اللهُ زَيْنَ(8) هَذِهِ الأُمَّةِ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: فَاسْتُجِيبَ له فيهِ .
وَقَالَ الفَـِرَبْرِيُّ : رَأَيْتُ عبدَ اللهِ بْنَ مُــنِيرٍ يَكْتُبُ عن البُخَارِيِّ، / وَسَمِعْتُهُ يَقولُ: أَنَا مِنْ تَلَامِذَتِهِ.
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى عَنْهُ البُخَارِيُّ في «الصَّحِيحِ»، وَقَالَ: لَمْ أَرَ مِثْلَهُ(9) ، وَمَاتَ مَعَ الإِمَامِ أَحْمَدَ في سَنَةٍ وَاحِدَةٍ .
وَقَالَ عَبدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ المُسْنَدِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ إِمَامٌ، فَمَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ إِمَامًا فَاتَّهِمْهُ .
وَقَالَ أَيْضًا: حُفَّاظُ زَمَانِنَا(10) ثَلَاثَةٌ. فَبَدَأَ بِالبُخَارِيِّ .
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ الضَّوءِ(11) : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ ابْنَ أبي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدَ بْنَ / عبد اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ يقولَانِ: ما رَأَيْنَا مِثْلَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ .
وَكان(12) أَبُو بَكْرٍ ابنُ أبي شَيْبَةَ يُسَمِّيهِ: البَازِل .
[يعني: الكاملَ](13) .
وَقَالَ وَرَّاقُ البُخَارِيِّ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ جَعْفَرٍ البِيكَنْدِيَّ يَقولُ: لَوْ قَدِرْتُ أَنْ أَزِيدَ في عُمُرِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ لَفَعَلْتُ؛ فَإِنَّ مَوْتِي يَكُونُ مَوْتَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَمَوْتُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ ذَهَابُ العِلْمِ. /
قَالَ : وَسَمِعْتُهُ يَقولُ: لَوْلَا أَنْتَ ما اسْتَطَبْتُ العَيْشَ بِبُخَارَى.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ : أَخْرَجَتْ خُرَاسَانُ ثَلَاثَةً: البُخَارِيُّ وَأَبُو زُرْعَةَ وَالدَّارِمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبْصَرُهُمْ وَأَعْلَمُهُمْ وَأَفْقَهُهُمْ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ حُجْرٍ أَيْضًا : لا أَعْلَمُ مِثْلُـَهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ السُّرْمَارِيُّ : مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إلى فَقِيهٍ بِحَقِّهِ وَصِدْقِهِ؛ فَلْيَنْظُرْ إلى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ.
وَقَالَ حَاشِدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ الوَاحِدِ : رَأَيْتُ عَمْرَو(14) بْنَ زُرَارَةَ / وَمُحَمَّدَ بْنَ رَافِعٍ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَهُمَا يَسْأَلَانِ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ عن عِلَلِ الحَدِيثِ، فَلَمَّا قَامَا قَالَا لِمَنْ حَضَرَ المَجْلِسَ: لا تُخْدَعُوا عن أبي عبد اللهِ؛ فَإِنَّهُ أَفْقَهُ مِنَّا وَأَعْلَمُ وَأَبْصَرُ.
قَالَ : وَكُنَّا يَوْمًا عِنْدَ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ _وَعَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ ثَمَّ_ وَهُوَ يَسْتَمْلِي على أبي عبد اللهِ، وَأَصْحَابُ الحَدِيثِ يَكْتُبُونَ عَنْهُ، وَإِسْحَاقُ يَقولُ: هُوَ أَبْصَرُ مِنِّي. قَالَ: وَكان مُحَمَّدٌ يَوْمَئِذٍ شَابًّا.
وَقَالَ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيلِيُّ: أَخْبَرَنِي عَبدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الفَرْهَيَانِيُّ ؛ قَالَ: حَضَرْتُ مَجْلِسَ ابْنِ إِشْكَابَ ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ _ذَكَرَ اسْمَهُ_ مِنَ الحُفَّاظِ فَقَالَ: ما لَنَا بِمُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ طَاقَةٌ ؟! فَقَامَ ابنُ إِشْكَابَ وَتَرَكَ المَجْلِسَ؛ غَضَبًا مِنَ المُتَكَلِّمِ في حَقِّ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ . /
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الكِـَرْمَانِيُّ : سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ عَلِيٍّ الفَلَّاسَ يَقولُ: أَبُو عبد اللهِ صَدِيقِي، ليس بِخُرَاسَانَ مِثْلُهُ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الكَـِرْمَانِيُّ : حَكَيْتُ لِمِهْيَارٍ بِالبَصْرَةِ، عن قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: رُحِلَ إِلَيَّ مِنْ شَرْقِ الأَرْضِ وَغَرْبِهَا، فَمَا رَحَلَ إِلَيَّ مِثْلُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ. فَقَالَ مِهْيَارٌ: صَدَقَ؛ أَنَا رَأَيْتُهُ مَعَ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَهُمَا جَمِيعًا يَخْتَلِفَانِ إلى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، فَرَأَيْتُ يَحْيَى يَنْقَادُ له في المَعْرِفَةِ.
وَقَالَ عَبدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ : لَمَّا مَاتَ أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ النَّيْسَابُورِيُّ، رَكِبَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقُ يُشَيِّعَانِ جَـِنَازَتَهُ، فَكُنْتُ أَسْمَعُ أَهْلَ المَعْرِفَةِ بِنَيْسَابُورَ يَنْظُرُونَ وَيقولونَ: مُحَمَّدٌ أَفْقَهُ مِنْ إِسْحَاقَ. /
[1] تصحَّفت في الأَصْلِ إلى: (النحاس)، والحكاية رواها الورَّاق عنه، ينظر سير أعلام النبلاء: 12/429.
[2] رواها الورَّاق، ينظر تاريخ بغداد: 2/19.
وقوله: (حاشِد بن إسماعيلَ)، كذا في الأصل، وهو موافقٌ لما في تغليق التعليق: 5/401، ومقدمة فتح الباري: ص 674، لكنَّه مخالِفٌ لِمَا في مصادر الرواية؛ ففيها أنَّ راوي هذه الحادثةَ هو (حاشِدُ بن عَبد الله)، وهو الصوابُ؛ وهو: حاشِدُ بن عَبدِ الله بن عَبدِ الواحد بن محمَّد التَّميميُّ البخاريُّ أبو عَبد الرحمن الأَغْذُوْنيُّ، وثَّقَه عليُّ بن الحُسَين بن الجُنَيد .
[3] تصحَّفت في الأَصْلِ إلى: (بن)، والمقصود بالذِّكر الإمامُ أحمدُ بنُ محمَّد بن حَنْبَلٍ الشَّيْبانيُّ رحمه الله صاحبُ المذهب المشهور.
[4] كذا في الأصل ، وهو موافقٌ لِما في تغليق التعليق :5/ 402 ، وهو وهمٌ صَريحٌ ؛ فَلِقاءُ الفَـِرَبريِّ بقُتَيبةَ غيرُ مُحتَمَلٍ بَتاتاً ، والصوابُ أنَّ راويَ هذه الحادثةِ هو محمَّدُ بنُ يوسُفَ الهَمَذَانيُّ راوي الحكايةِ السابقةِ ، وقد رواها عنه الوَرَّاقُ كما في سير أعلام النبلاء :12/418 ، وتاريخ الإسلام: 19/ 255 ، لكنَّه سَمَّاه : ( محمَّد بن يوسف ) ولم ينسبه ، فزَلَقَ ظَنُّ المؤلِّف إلى الفربريِّ ؛ لشُهرتِه في ذِهنِه وقتئِذٍ ، وقد تدارَك المؤلِّفُ هذا الوَهمَ فَنَسَبَ الحكايةَ إلى الهَمَذَانيِّ على الصواب عندَما نَقَلَها في مقدمة فتح الباري : ص674.
[5] ما بين المعقَّفتين سَقط من الأصل واستدركناه من مصادر الرواية ومن تغليق التعليق: 5/402.
[6] تصحَّفت في الأصل إلى: (صنفه)، والتصويب من مصادر الرواية موافقٌ لما في تغليق التعليق: 5/405، ومقدمة فتح الباري:ص676، وقد تصحَّفت لفظة (سحراً) في التغليق إلى: (بحراً)، فلتُصَحَّح.
[7] تصحَّفَت في الأصل إلى: (عنه)، والتصويب من مصادر الرواية موافقٌ لما في تغليق التعليق: 5/406 ومقدمة فتح الباري: ص 676، والمُرادُ: كنتُ أُحَدِّثُه بأحاديثَ لا يَعرفُها، وقول الإمام البخاريِّ هذا رواه ابن عَدِيٍّ في «الكامل»: 1/120، وفي «أسامي مَن روى عنهم البخاريُّ في الصحيح»: ص 155؛ دونَ قوله: (ورُبَّما كنتُ أُغرِبُ عَليه)، وهو بتَمامه في تاريخ بغداد: 2/17، وتاريخ دمشق: 52/81، وتهذيب الكمال: 24/451، وسير أعلام النبلاء: 12/411.
[8] تحرَّفت في الأصل إلى: (من)، والتصويب من مصادر الرواية موافقٌ لما في تغليق التعليق: 5/407، ومقدمة فتح الباري: ص 676.
[9] تصحَّفت العبارة في الأصل إلى: (لم أَرَ فيه نقلا)، والتصويب من مصدر الرواية موافقٌ لما في تغليق التعليق: 5/407 ومقدمة فتح الباري: ص 677، وقول الإمام البخاريِّ هذا منقولٌ في ترجمة ابن مُنِيرٍ من تهذيب الكمال: 16/179، وتعليقُ المؤلف برُمَّته مقتَبَسٌ بنصِّه من كلام الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء: 12/416.
[10] نقله الإمام الذهبيُّ في تذكرة الحفَّاظ: 2/564؛ بلفظ: (حُفَّاظُنا...)، ونقله المؤلف في لسان الميزان: 2/162 (ط الهند) = 2/536 (ط أبي غدَّة)؛ بلفظ: (حُفَّاظ بَلَدِنا...)، وهو أشبَهُ، وما في الأصل موافقٌ لِمَصادر الرواية وتغليق التعليق: 5/408، ومقدمة فتح الباري: ص 677، والله أعلم.
[11] تحرَّفت في الأصل إلى: (النضر)، والتصويب من مصادر الرواية موافقٌ لما في تغليق التعليق: 5/407، ومقدمة فتح الباري: ص 676، وهو: أحمد بن الضَّوء بن المنذِر البَكْريُّ، توفِّي سنة خمس وستين ومئتين، تنظر ترجمته في الإكمال: 5/228، والأنساب للسَّمْعاني: 11/88 = (الكَرْمِيني).
[12] في الأصل: (وقال)، والمثبت من مصدر الرواية موافقٌ لما في تغليق التعليق: 5/407، ومقدمة فتح الباري: ص 676.
[13] ما بين المعقَّفتين بياضٌ في الأصل بقَدْر كلمتين، ورَمَّمناه من تغليق التعليق 5/407- 408 ومقدمة فتح الباري ص 676، وقد فسَّر الإمام الذهبيُّ عبارةَ ابن أبي شَيبةَ في السِّيَر فقال: (والبازِلُ هو الجَمَلُ المُسِنُّ، إلَّا إنَّه يُريد ها هنا البَصيرَ بالعلم الشُّجاعَ) ا ه، والذي أُراه أنَّ ابنَ أبي شَيبةَ أراد أنَّ البخاريَّ لا يُجارى في فَنِّه ولا يُنهَض لمناظرته لتمكُّنه ورسوخ قَدَمه في الحِفظ والمعرفة؛ مُشيراً إلى قول جَريرٍ:
[14] تصحَّفت في الأصل إلى: (محمَّد)، والتصويبُ من مصادر الرواية موافقٌ لما في تغليق التعليق: 5/408، ومقدمة فتح الباري: ص 677، وهو: عَمرو بن زُرارةَ بن واقِدٍ الكِلَابيُّ أبو محمَّد النَّيْسابُوريُّ، من شيوخ الإمام البخاريِّ في صحيحه، توفي سنة ثمانٍ وثلاثين ومئتين، تنظر ترجمته في تهذيب الكمال: 22/29، ومحمَّد بن رافع بن أبي زيد القُشَيريُّ مولاهم أبو عبد الله النَّيْسابوريُّ، من شيوخ الإمام البخاريِّ في صحيحه أيضاً، توفي سنة خمسٍ وأربعين ومئتين، تنظر ترجمته في تهذيب الكمال: 25/192.