الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: سألت عبد الله بن عمرو عن أشد

          2945- الحديث الأوَّل: عن عُروةَ بنِ الزُّبيرِ قال: «سألْتُ عبدَ الله بنَ عمرٍو / عن أشدِّ ما صنَع المشركونَ برسولِ الله صلعم، قال: رأيتُ عقبةَ بنَ أبي معيطٍ جاءَ إلى النَّبيِّ صلعم وهو يصلِّي، فوضَعَ رداءَه في عنقِه فخنقَه به خنقاً شديداً، فجاءَ أبو بكرٍ حتَّى دفعَه عنه وقال: أتقتلونَ رجلاً أن يقولَ ربِّي الله، وقد جاءكمْ بالبيِّناتِ من ربِّكم». [خ¦3678]
          وفي روايةِ عليِّ بنِ عبدِ الله عن الوليدِ بنِ مسلم نحوُه، وفيه: «بينَا(1) رسولُ الله صلعم بفِناءِ الكعبةِ، إذ أقبَل عُقبةُ بنُ أبي معيطٍ فأخَذ بِمَنْكِبِ رسولِ الله صلعم، فلفَّ ثوبَه في عنقِه فخنقَه خنقاً شديداً، فجاءَ أبو بكرٍ، فأخَذ بمنكبِه ودفعَه عن رسولِ الله صلعم...»، وذكَر قولَ أبي بكرٍ. [خ¦4815]
          وأخرجه البخاري تعليقاً فقال: تابعَه ابنُ إسحاقَ فقال: حدَّثني يحيى بنُ عروةَ عن عُروةَ قال: قلتُ لعبدِ الله بن عمرٍو... لم يَزِدْ(2).
          وحديثُ ابنِ إسحاقَ أتمُّ، وقد وقَع لنا متنُه بطولِه من حديثِ ابنِ إسحاقَ، وأخرجه أبو بكرٍ البَرقانيُّ في كتابهِ بالإسنادِ من روايةِ ابنِ إسحاقَ عن يحيى بنِ عروةَ عن عُروةَ عن عبد الله بنِ عمرٍو قال: [«قلتُ له: ما أكثرَ ما رأيتَ قريشاً نالَت منْ رسولِ الله صلعم فيما كانَت تُظهِر من عداوتِه؟ قال: حضرتُهم وقد اجتمعَ أشرافُهم يوماً في الحِجرِ، فذكروا رسولَ الله صلعم، فقالوا: ما رأينا مثلَ ما صبَرنا عليه من هذا الرَّجلِ، سفَّهَ أحلامَنا، وشتَمَ آباءَنا، وعابَ دينَنا، وفرَّق / جماعتَنا، وسبَّ آلهتَنا، ولقد صبَرْنا منه على أمرٍ عظيمٍ، أو كما قالوا.
          فبَينَا هم في ذلك إذا طلَع رسولُ الله صلعم، فأقبَل يمشي حتَّى استَلمَ الرُّكنَ، ثم مَرَّ بهم طائفاً بالبيتِ، فلمَّا مَرَّ بهم غمزُوه ببعضِ القولِ، قال: فعرفْتُ ذلكَ في وجهِ رسولِ الله صلعم، ثم مضى، فلمَّا مرَّ بهم الثَّانيةَ غمزُوه بمثلها، فعرفتُ ذلكَ في وجهِه، ثم مضى، فمرَّ بهم الثَّالثةَ، فغمزُوه بمثلها، حتَّى وقفَ، ثم قال: أتسمَعونَ(3) يا معشرَ قريشٍ، أما والذي نفسُ محمَّدٍ بيده؛ لقَد جئتُكم بالذَّبح!.
          قال: فأطرَق القومُ حتَّى ما منهم رجلٌ إلَّا كأنَّما على رأسهِ طائرٌ واقعٌ، حتَّى إنَّ أشدَّهم فيه وَصَاةً قبل ذلك ليرفأُه بأحسن ما يجدُ(4) من القولِ، حتَّى إنَّه ليقولُ: انصرفْ يا أبا القاسمِ راشداً(5)، فوالله ما كنتَ جهولاً.
          قال: فانصرفَ رسولُ الله صلعم، حتَّى إذا كان الغدُ اجتمعوا في الحجرِ وأنا معهم، فقال بعضُهم لبعضٍ: ذكرتم ما بلَغ منكُم وما بلغَكُم عنه، حتَّى إذا بادأَكم بما كنتم تكرهون تركتُموه.
          فبينا هم في ذلك طلَع رسولُ الله صلعم، فوثبُوا إليه وثبةَ رجلٍ واحدٍ فأحاطوا به، يقولون: أنتَ الذي تقولُ كذا؟ لما كان بلغَهم من عيبِ آلهتِهم / ودينِهم، قال: فيقولُ رسولُ الله صلعم: نعمْ، أنا الذي أقولُ ذلك. قال: فقد رأيتُ منهم رجلاً أخذَ بمجمعِ ردائِه(6).
          قال: وقامَ أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ ☺ دونَه يقولُ وهو يبكي: ويلَكُم أتقتلون رجلاً أن يقولَ ربِّي الله! قال: ثم انصرفوا عنه.
          فإنَّ ذلكَ لأشدُّ ما رأيتُ قريشاً بلغت منه قطُّ»]
.


[1] في (ابن الصلاح): (جلس)، وما أثبتناه من باقي الأصول موافق لما في البخاري.
[2] ذكره إثر حديثِ ░3856▒.
[3] سقط قوله: (أتسمعون) من (ظ).
[4] يرفأُه بأحسنِ ما يجد: أي؛ يسكِّنُه ويلينُ له القولَ ويَتَرَضَّاه، والأصلُ الهمزُ، وقد تخففُ الهمزة فيقال: رفوتُ الرَّجل ورفأتُه، إذا سَكَّنتَه من غضبٍ أو رعبٍ، وقولهم: بالرِّفاءِ والبنينِ دعاءٌ بالاتِّفاقِ وحسنِ الاجتماعِ والالتئامِ.(ابن الصلاح نحوه).
[5] انصرفْ راشداً: أي؛ محفوظاً مستقيمَ الأمرِ غير مُخاطَبٍ بمكروه، قال تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا} [النساء:6] ، أي: حفظاً لما استُحْفِظوا من الأموال، والرُّشدُ والرَّشَدُ والرَّشادُ: الهدى والاستقامة، يقال: رشَد يرشُد ورشِد يرشَد رُشْداً، ومنه قولُه: {لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] .(ابن الصلاح نحوه).
[6] مجتمَع الرِّداء: ما اجتمَع منه حولَ العنقِ.(ابن الصلاح).