الجمع بين الصحيحين لابن الخراط

حديث: أفتستحقون الدية بأيمان خمسين منكم؟

          2113- وخرَّجَ عَنْ أبي قِلابةَ: أنَّ عمرَ بنَ عبدِ العزيزِ أبرزَ سريرهُ يومًا للنَّاسِ، ثُمَّ أذن لهم فدخلوا، فقالَ: مَا تقولونَ في القسامةِ؟ قالوا: نقولُ: القسامةُ القَوَدُ(1) بها حقٌّ، وقد أقادتِ الخلفاءُ [بها](2) ، قالَ لي: مَا تقولُ: يا أبا قِلابةَ؟ ونصبني للنَّاسِ، فقلتُ: يا أميرَ المؤمنين؛ عَنْدكَ رؤوسُ الأجنادِ وأشرافُ العربِ، أرأيتَ لو أنَّ خمسينَ منهم شهدوا على رجلٍ مُحصَنٍ بدمشقَ أنَّهُ قد زنى لم(3) يروهُ أكنتَ ترجُمُهُ؟ قالَ: لا، قلتُ: أرأيتَ لو أنَّ خمسينَ منهم شهدوا على رجلٍ منهم بحمصَ أنَّهُ قد سرقَ أكنتَ تقطعهُ ولم يروهُ؟ قالَ: لا، قلتُ: فوالله مَا قَتَلَ رسولُ اللهِ صلعم أحدًا قطُّ إلَّا في إحدى ثلاثِ خصالٍ: رجلٌ قَتَلَ بجريرةِ نفسهِ فقُتِلَ، أوْ رجلٌ زنى بعد إحصانٍ، أوْ رجلٌ حاربَ الله ورسولَه وارتدَّ عَنِ الإسلامِ، فقالَ القومُ: أوَليسَ قد حدَّثَ أنسُ بنُ مالكٍ: أنَّ رسولَ اللهِ صلعم قطعَ في السَّرَقِ، وسَمَرَ الأعينَ ثُمَّ نبذهم في الشَّمسِ؟ فقلتُ: أنا أحدِّثكم حديثَ أنسٍ: حدَّثني أنسٌ أنَّ نفرًا من عُكْلٍ ثمانيةً قَدِموا على رسولِ اللهِ صلعم فبايعوهُ على الإسلام فاستوخموا الأرضَ، فسقمتْ أجسامُهم فشكَوا ذلكَ إلى رسولِ اللهِ صلعم فقالَ: «أفلا(4) تخرجونَ مع راعينا في إبِلِه فتصيبونَ من أبوالها وألبانها؟» قالوا: بلى، فخرجوا فشَرِبوا من أبوالِها وألبانِها، فصحُّوا فقَتَلوا راعيَ رسولِ اللهِ صلعم وطَرَدُوا(5) النَّعَمَ، فبلغَ ذلكَ رسولَ اللهِ صلعم فأرسلَ في آثارهم، فأُدْرِكوا فجيءَ بهم، فأَمرَ بهم فقُطِّعتْ أيديهم(6) وأرجلُهُم، / وسَمَرَ أعيُنَهم، ثُمَّ نبذَهم في الشَّمسِ حَتَّى ماتوا.
          قلتُ: وأيُّ شيءٍ أشدُّ ممَّا صنعَ هؤلاءِ ارتَدُّوا عَنِ الإِسْلَامِ، وقَتَلُوا وسَرَقُوا، فقالَ عَنْبسةُ بنُ سعيدٍ(7) : والله إنْ سمعتُ كاليومِ قطُّ، قلتُ(8) : أتردُّ عليَّ حديثي يا عَنْبسةُ؟! قالَ: لا ولكن أتيتَ بالحديثِ على وجهِهِ، واللهِ لا يزالُ هذا الجند بخيرٍ مَا عاشَ هذا الشيخُ بينَ أظهرِكم(9) ، قلتُ: وقد كان في هذا سنَّةٌ من (10) رسولِ اللهِ صلعم، دخلَ عليهِ نفرٌ من الأنصارِ فتحدَّثوا [عَنْدهُ] (11) فخرجَ رجلٌ منهم بينَ أيديهم، فقُتِلَ فخرجوا بعدَهُ (12) فإذَا هم بصاحبِهم يتشحَّطُ (13) في الدَّمِ، فرَجَعَوا إلى رسولِ اللهِ صلعم، فقالوا: يا رسولَ الله؛ صاحبُنا كان تَحَدَّثَ (14) مَعْنا، فخرجَ بين أيدينا فإذَا نحن بِهِ يتشحَّط في الدَّم، فخرج رسولُ اللهِ صلعم فقالَ: «من (15) تظنُّونَ أوْ ترونَ قتلَهُ؟» قالوا: نرى أنَّ اليهودَ قتلتْهُ، فأرسلَ إلى اليهودِ، فدعاهم، فقالَ: «أنتم (16) قتلتمْ هذا؟» قالوا: لا (17) ، قالَ: «أترضونَ نفلَ (18) خمسينَ من اليهودِ مَا قَتَلُوهُ؟» فقالوا: مَا يبالونَ أنْ يقتلونا أجمعينَ، ثُمَّ يَنْفِلُونَ، قالَ: «أفتستحقَّونَ الدِّيةَ بأَيْمَانِ خمسينَ منكم؟» قالوا: مَا كُنَّا لِنَحْلِفَ (19) ، فَوَدَاهُ (20) من عَنْدِهِ، قلتُ: وقد كانت هُذَيلٌ جعلوا (21) خَلِيْعًا (22) [لهم] (23) في الجاهليَّة، فطرقَ أهلَ بيتٍ من اليمنِ بالبطحاءِ فانتبه (24) لهُ رجلٌ منهم، فحذفَهُ بالسَّيفِ فقتلهُ، فجاءتْ هُذيلٌ، فأخذوا (25) اليمانيَّ فرفعوهُ إلى عمرَ في الموسمِ، وقالوا: قَتَلَ صاحبَنا، فقالَ: إنَّهم قد خلعوهُ، فقالَ: يقُسِمُ خمسون من هذيلٍ: مَا خلعوا (26) ، قالَ: فأقسمَ منهم تسعةٌ وأربعونَ رجلًا، وقَدِمَ رجلٌ منهم من الشامِ فسألوهُ أنْ يُقْسِمَ، فافتدى يمينَهُ منهم بألفِ درهمٍ، فأدخلوا مكانَهُ رجلًا آخرَ فدفعهُ إلى أخي المقتولِ، فقُرِنَتْ يدُهُ بيدِهِ، قالَ: فانطلقنا (27) والخمسونَ الذينَ أقسموا حَتَّى إذَا كانوا بنخلةَ أخذتهم السَّماءُ فدخلوا في غارٍ في الجبلِ، فانهجمَ الغارُ على الخمسينَ الذينَ أقسموا فماتوا جميعًا، وأفلتَ (28) القرينانِ واتَّبعهما حجرٌ فكسرَ رِجْلَ أخي المقتولِ فعاشَ حولًا ثُمَّ ماتَ. قلتُ: قد (29) كان عبدُ الملكِ بنُ مروانَ أقادَ رجلًا بالقسامَةِ ثُمَّ ندِمَ (30) بعدما صنعَ فأمرَ بالخمسينَ الذينَ أقسموا فمُحوا من الدِّيوانِ / وسَيَّرهم (31) إلى الشَّامِ.
          خرَّجهُ في الدِّياتِ، [خ¦6899] وقالَ في طريق آخر مختصرٍ: قالَ أبو قِلابةَ: هؤلاءُ سرقوا وقتلوا وكفروا بعدَ إيمانِهم وحاربوا الله وسولَه، [خ¦233]
          زادَ في آخر: وسعوا في الأرضِ فسادًا، [خ¦3018] وقالَ أيضًا: مَا علمتُ نفسًا حلَّ قتلُها (32) في الإسلام إلَّا رجلٌ زنى بعدَ إحصانٍ... الحديث. [خ¦4610]
          وذكر طرفًا منهُ في المغازي، قالَ: مَا تقولونَ في القسامةِ؟ فقالوا (33) : حقٌّ قضى بها رسولُ اللهِ صلعم، وقضتْ بها الخلفاءُ قبلَكَ. [خ¦4193]
          وخرَّجَ في بابِ القسامةِ في الجاهليَّةِ عَنْدَ آخرِ المناقبِ [خ¦3845] عَنِ ابنِ عبَّاسٍ قالَ: إنَّ أوَّلَ القسامةِ (34) كانت في الجاهليَّةِ لَفِيْنَا (35) بني هاشمٍ، كان رجلٌ من بني هاشمٍ استأجرهُ رجلٌ من قريشٍ من فخِذٍ أخرى، فانطلقَ معهُ في إبلِهِ فمرَّ بِهِ رجلٌ من بني هاشمٍ فانطلقتْ (36) عروة جوالقِهِ، فقالَ: أغثْني بعِقَالٍ أشدُّ بِهِ عروةَ جوالقي لا تنفُر الإبلُ، فأعطاهُ عِقَالًا فشدَّ بِهِ في جوالِقِهِ، فلمَّا نزلوا؛ عُقِلَتِ الإبلُ إلَّا بعيرًا واحدًا، فقالَ الذي استأجرَهُ: مَا شأنُ هذا البعيرِ لمْ يُعْقَلْ من بينِ الإبلِ؟ قالَ: ليسَ لهُ عِقَالٌ، قالَ: فأينَ عِقَالُهُ، قالَ: فَحَذَفهُ بعصًى كان فيه (37) أجلهُ، فمرَّ بِهِ رجلٌ من أهلِ اليمنِ فقالَ: أتشهدُ المَوْسِمَ؟ قالَ: مَا أشهدُ، وربَّما [مرَّةً] (38) شهدتُهُ، قالَ: هل أنت مُبَلِّغٌ عَنِّي رسالةً من الدَّهرِ؟ قالَ: نعم، قالَ: فكَتَبَ (39) إذَا [أنتَ] (40) شهدتَ الموسمَ فنادِ: يا آل قريشِ، فإذَا أجابوكَ؛ فنادِ: يا [آلَ] (41) بني هاشمٍ، فإن أجابوكَ؛ فسلْ عَنْ أبي طالبٍ، فأخبرهُ [أنَّ] (42) فلانًا قتلني في عِقَالٍ، وماتَ المُسْتَأجَرُ، فلمَّا قَدِمَ الذي استأجرهُ؛ أتاهُ أبو طالبٍ فقالَ: مَا فعلَ صاحبُنا، قالَ: مَرِضَ فأحسنتُ القيامَ عليهِ فولِيْتُ دفنَهُ، قالَ: قد كان أهلَ ذلكَ منكَ، فمَكُثَ حينًا، ثُمَّ إنَّ الرَّجُلَ الذي أوصى إليهِ أنْ يُبَلِغَ عَنْهُ وافى المَوْسِمَ، فقالَ: يا آل قريشٍ، قالوا: هذهِ قريشٌ، قالَ: يا بني هاشمٍ، قالوا: هذهِ بنو هاشمٍ، قالَ: أينَ أبو طالبٍ؟ قالوا (43) : هذا أبو طالبٍ، قالَ: أمرني فلانٌ أنْ أُبْلِغَكَ رسالةً: أنَّ فلانًا قتلهُ في عِقالٍ، فأتاهُ أبو طالبٍ فقالَ [لهُ] (44) : اخترْ منَّا إحدى ثلاثٍ: إن شئتَ أنْ تؤدِّي (45) مئةً من الإبلِ فإنَّكَ قتلتَ صاحبَنا، وإنْ شئتَ حلفَ خمسونَ من قومِكَ / أنَّكَ لمْ تقتلْهُ، فإنْ أبيتَ؛ قتلناكَ بِهِ، فأتى قومَهُ (46) ، فقالوا: نحلفُ، فأتتهُ امرأةٌ من بني هاشمٍ كانتْ تحتَ رجلٍ منهم قد ولدَتْ لهُ، فقالتْ: يا أبا طالبٍ؛ أُحِبُّ أنْ تجيزَ ابني هذا برجلٍ من الخمسينَ ولا تُصْبِرْ (47) يمينَهُ حيثُ (48) تُصْبَرُ (49) الأيمانُ، ففعلَ، فأتاهُ رجلٌ منهم فقالَ: يا أبا طالبٍ؛ أردتَ خمسينَ رجلًا [أنْ] (50) يحلفوا مكانَ مئةٍ من الإبلِ، يصيبُ كُلَّ رجلٍ بعيرانِ هذانِ بعيران فاقبلهما عَنْي (51) ولا تُصْبِرْ (52) يميني حيثُ تُصْبَرُ (53) الأيمانُ فقبلَهما، وجاءَ ثمانيةٌ وأربعونَ فحلفوا، قالَ ابنُ عبَّاسٍ: والذي (54) نفسي بيدِهِ مَا حالَ الحولُ ومن الثَّمانيةِ وأربعينَ عينٌ تطرِفُ.


[1] في (ي): (القِوَد).
[2] سقط من (ق) و(ي).
[3] في (ت) و(ح) و(ش): (ولم).
[4] في (ي): (ألا).
[5] في (ت) و(ح) و(ش): (وأطردوا).
[6] في (ق): (أيديَهم).
[7] في (ق): (سعد).
[8] في (ت) و(ج) و(ح) و(ش): (فقلت).
[9] في غير(ق) و(ي): (أظهرهم).
[10] في (ي): (عن).
[11] سقط من (ي).
[12] في (ق): (بعد).
[13] في (ق): (يتسخط).
[14] في (ق): (يُحدث)، وفي (ي) بلا نقط.
[15] في غير (ق) و(ي): (بمن).
[16] في غير (ق) و(ي): (آنتم).
[17] زيد في (ي): (لا والله).
[18] في (ق): (نفيل).
[19] في (ي): (لنحلفُ).
[20] في (ي): (فودَّاه).
[21] في غير (ق) و(ي): (خلعوا).
[22] في (ت) و(ج) و(ح) و(ش): (حليفًا).
[23] سقط من (ق) و(ي).
[24] في (ت): (فانتبهه)، وفي الهامش كالمثبت.
[25] في (ي): (فأخذت).
[26] في غير (ق) و(ي): (خلعوه)، وفي (ج): (فخلعوا).
[27] في غير (ق) و(ي): (فانطلقا).
[28] في (ق): (وافتلت).
[29] في غير (ق) و(ي): (وقد).
[30] في (ق): (قدم)، وكتب بالهامش: (أظنه ندم).
[31] في غير (ق) و(ي): (وصيرهم)، وفي المطبوع: (فسيَّرهم).
[32] في (ت) و(ح) و(ش): (قتلَها).
[33] في (ت) و(ح) و(ش): (قالوا).
[34] في غير (ق) و(ي): (قسامةٍ).
[35] في (ق): (لِقينا).
[36] في (ح) والمطبوع: (انقطعت).
[37] في (ت) و(ج) و(ح) و(ش): (فيها)، وفي (ي): (منه).
[38] سقط من (أ) و(ق) و(ي).
[39] في (أ) و(ج) و(ك): (فَكَنَتَ)، وفي (ق): (فكنتُ)، وفي (ي): (فكنتَ).
[40] سقط من (ق) و(ي).
[41] سقط من (ت) و(ج) و(ح) و(ش).
[42] سقط من (ق).
[43] في (ق): (قال).
[44] سقط من (ق) و(ي).
[45] في (ت) و(ح) و(ش): (تودِّي)، وفي (ق): (تودي).
[46] في (ق): (قومُه).
[47] في (ق): (تصير)، وكذا في المواضع اللاحقة.
[48] في (ت) و(ح) و(ش): (حتَّى)، وفي (ي): (حين).
[49] في (ت) و(ح) و(ش): (تصبرَ).
[50] سقط من (ي).
[51] في المطبوع: (منِّي).
[52] في (ي): (تصبِّر).
[53] في (ي): (تصبِّر).
[54] في غير (ق) و(ي): (فو الذي).