-
المقدمة
-
الركاز حقيقته وحكمه
-
إذا قال قائل: أخدمتك هذه الجارية فهل هذا هبة أم عارية؟
-
إذا قال: حملتك على هذا الفرس، هل هذا هبة أم عارية؟
-
حكم شهادة القاذف إن تاب
-
حكم إقرار المريض لوارثه بدين
-
حد الأخرس إذا قذف بإشارة أو كتابة
-
بيع المكره وهبته
-
الإكراه على شرب الخمر
-
كتاب الحيل
-
في كتاب الحاكم إلى الحاكم في الحدود
-
في ترجمان الحاكم
4 - وقال في (كتاب الشهادات): (وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ(1) / الْقَاذِفِ وَإِنْ تَابَ)؛ لقوله تعالى: { وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور:4] (ثُمَّ قَالَ: لَا يَجُوزُ نِكَاحٌ بِغَيْرِ شَاهِدَيْنِ، فَإِنْ تَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ مَحْدُودَيْنِ) بقذف (جَازَ) النكاح؛ لأنَّهما مِن أهل الشهادة تحمُّلًا. وعدَمُ قبولها عند الأداء لا يَمنع تحققها؛ لأنَّ الأداءَ مِن ثمرتها، وفواتُ الثمرة لا يَلزم منه فواتُ الأصل. وانعقادُ النكاح موقوف على حضور الشاهدين لا على أدائهما الشهادة./
وقال أيضًا: (وَإِنْ تَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ عَبْدَيْنِ لَمْ يَجُزْ) النكاح؛ لأنَّ الشهادة من باب الوِلاية، لكونها نافذة على المشهود عليه شاء أو أبى، والعبدُ ليس من أهل الولاية (وَأَجَازَ شَهَادَةَ الْعَبْدِ وَالْمَحْدُودِ) بالقذف (في رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ) لجريانه مَجرى الخبر، والخبر يخالف الشهادة في المعنى.
ومُراد المؤلف التناقضُ فيما ذَهَبَ إليه، وبما تقرَّر من التعليل يظهر لك عدَمُ التناقض؛ لأنَّ العدالة مشروطة عند الأداء دون التحمل، فقد ذُكِرَ عن بعض الصحابة أنَّه تحمَّل في حال كفره وفي صغره، ثم أدَّى بعد إسلامه وكبره، والغَرَضُ من النكاح الشهرة، وذلك حاصلٌ بالعدلِ وغيره.
وأما عدمُ جواز التزوج بشهادة عبدين وإن كانا من أهل التحمل، فلِمَا مرَّ من أنَّ الشهادة من باب الوِلاية، والعبدُ لا ولاية له على نفسه، فلا يملِكها على غيره، ولذا قالوا: الأصلُ أنَّ من مَلَك القَبولَ بنفسه، انعقد العقدُ بحضرته، ومن لا فلا، فلا ينعقد بحضور عبدين أو صبيين أو مجنونين، بخلاف المحدودين، وابني الزوجين، فإنَّه ينعقد بحضورهم وإن لم تُقبل شهادتُهم عند تجاحُدِهِم، فلا تناقضَ بين الفرعين.
وكذا الثالث لما مَرَّ من أنَّه جَرى مَجرى الخبر؛ لأنَّه أمْرٌ ديني، والأمور الدينية تَثْبُتُ بالأخبار الصحيحة، بخلاف الشهادة فإنَّ لها شروطًا / زائدة، مِن تقدُّم الدعوى وتعدُّد الشاهد ولفظ الشهادة، ولكونه جَرَى مَجرى رواية الخبر، يُقبَل فيه خبرُ الواحد ولو أنثى من غير تقدُّم دعوى.
قال العيني: قال صاحب التوضيح(2): هذا غلطٌ؛ لأنَّ الشاهد على هلال رمضان لا يزول عنه اسمُ الشاهد، ولا يُسمَّى مخبِرًا، فحكمُه حكمُ الشاهد في المعنى؛ لاستحقاقه ذلك بالاسم، وأيضًا فإنَّ الشهادة على هلال رمضان حكمٌ من الأحكام، ولا يجوز أن يُقبَلَ في الأحكام إلَّا مَن تجوز شهادتُه في كلِّ شيء، ومَن جازت شهادته في هلال رمضان لا في غيره فليس بعَدْل، ولا هو ممن يُرضَى من الشهداء، [والله إنما تَعبَّدنا بــمن يُرضَى من الشهداء](3). انتهى.
قال العيني: قلتُ: هذا تطويلٌ للكلام بلا فائدة، وكلامٌ مبنيٌّ على غير معرفة بدقائق الأشياء... إلى آخر ما قال في رَدِّ ذلك المقال.
[وأقول](4): ولقد صَدَق في قوله: إنَّه كلام مبني على غير معرفة بدقائق الأشياء، أي: التي أدركها السابقون والأئمة المجتهدون، ولمَّا لم يُدرك مَداركَهم ولم يَظهر له ما ظهر لهم رَكِبَ الشَّطَط(5)، وفَرَطَ منه ما فَرَط، فأطلَق لسانَه بأنَّ قولَهم غَلَط، وهو سُوءُ أدَب يُقْضَى منه بالعَجَب.
وأقول: قولُه: (الشاهد على هلال رمضان، لا يزول عنه اسمُ الشاهد [ولا يُسمَّى مخبرًا فحكمه حكم الشاهد في المعنى](6)) فإن أراد بالمعنى بمعنى أنَّه يثبت به وجوبُ الصوم، فمسلَّم، وإنْ أراد أنَّه شاهد حقيقي مثبِتٌ للحق فممنوع؛ لأنَّ شهادة الفرد لا تُثْبتُ حقًا(7).
وأما قولهُ: (لا يُسمَّى مخبِرًا) بعد تسميته له شاهدًا، فدعوى بلا سَنَد، / ولم يَدَّعها أحد، لتناقضِها وعدم/ ما يشهد لها، فإنَّ الشاهد يُسمَّى مُخبرًا لغةً واصطلاحًا، أما لغةً فقال في ((الصحاح)): الشهادةُ خبرٌ قاطع. اهـ. فإذا كانت الشهادة خبرًا قاطعًا، فالشاهِدُ مخبِرٌ به. وأمَّا اصطلاحًا فلقول الفقهاء: الشهادةُ إخبار بحق للغير على الغير. فالشاهدُ مخبِر، ويُسمَّى مخبرًا. فقوله: لا يُسمَّى مخبرًا، ممنوع بلا امتراء.
وأما قوله: (فحكمُهُ حكمُ الشاهد في المعنى) فمسلَّم كما تقدَّم، ولكن لا يلزم من كونِهِ له حُكم الشاهد أن يكون شهادةً حقيقية، إذ لو كانت شهادة حقيقية لما جاز الحكمُ بواحد، مع أنَّه يكفي عند اعتلالِ المَطْلَع، وهو قولٌ عند الشافعيِّ وروايةٌ عن أحمد.
وأما قوله: (إنَّ الشهادة على هلال رمضان حكمٌ من الأحكام) فمسلَّم بلا كلام، والأحكام تَثبُتُ بالأخبار الصحيحة بلا نزاع ولا خصام.
فقوله: (ولا يجوز أن يُقبَل في الأحكام إلَّا من تجوز شهادتُه في كل شيء) قولٌ بلا إلمام(8)؛ فإنَّ شهادة النساء لا تجوز في الحدود القصاص بالاتفاق، مع أنَّ أكثر أحكام الدين إنَّما جاءت عن أمَّهات المؤمنين.
وأما قوله: (ومَن جازت شهادته في هلال رمضان لا في غيره فليس بعدل) فقولٌ بلا أصل، فإنَّ من رُدَّت شهادتُه لمانع غير عدم العدالة، لا يخرج عن العدالة بسبب ردِّ الشهادة؛ فإنَّ القاضيَ شُرَيحًا رَدَّ شهادة / الحسن بن علي ☻ لأبيه، فهل يقال بسبب رد الشهادة خرج عن العدالة ؟ ! لا يقوله عاقل، فضلًا عن فاضل.
وأما قوله: (واللهُ تعبَّدنا بمن(9) نَرضَى من الشهداء) فتقدَّم أنه مُسلَّم، ولكن عند الشهادة الحقيقية، والإخبارُ بهلال رمضان من الأمور الدينية الشرعية، وهي تَثْبُتُ بالأخبار المَرْضِيَّة، ولذا يُقبَلُ فيه شهادةُ الواحد ولو رقيقًا أو أنثى، ولا يُشترط فيه لفظُ الشهادة ولا الدعوى، ولا الحكمُ ولا مجلسُ القضاء.
[1] في (أ): الشهادة.
[2] هو ابن الملقن في كتابه التوضيح في شرح الجامع الصحيح.
[3] زيادة من (ب) و(ط).
[4] زيادة من المطبوع.
[5] بهامش (ب): الشطط بفتحتين مجاوزة الحدِّ في كلِّ شيءٍ كما في الصحاح. منه.
[6] زيادة في المطبوع، علَّلها بأنَّ المؤلف علَّق عليها.
[7] في (ب): (شيئًا)، ثم صححها بالهامش إلى ما أثبتنا.
[8] بهامش الأصلين: الإلمام المقاربة من المعصية من غير وقوعٍ. صحاح. فالمعنى لم يقارب الصواب فضلًا من أن يقع عليه.
[9] في الأصل: بما.