-
المقدمة
-
الركاز حقيقته وحكمه
-
إذا قال قائل: أخدمتك هذه الجارية فهل هذا هبة أم عارية؟
-
إذا قال: حملتك على هذا الفرس، هل هذا هبة أم عارية؟
-
حكم شهادة القاذف إن تاب
-
حكم إقرار المريض لوارثه بدين
-
حد الأخرس إذا قذف بإشارة أو كتابة
-
بيع المكره وهبته
-
الإكراه على شرب الخمر
-
كتاب الحيل
-
في كتاب الحاكم إلى الحاكم في الحدود
-
في ترجمان الحاكم
5 - وقال في (كتاب الوصايا): (وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ) قال صاحب التوضيح: المراد أبو حنيفة. وهذا أيضًا غيرُ مستبعَد؛ لأنَّه مذهبه، ولم ينفرد به، بل هو مذهَب مالك إذا اتُّهِمَ، وهو اختيار الروياني(1) من الشافعية.
وعن شريح والحسن بن صالح: لوارث غيرِ الزوجةِ بصَدَاقِها.
وعن قاسم وسالم والثوري(2): لا يجوز إقرارُ المريض مطلقًا، وبه قال أحمد.
ولذا قال الكرماني: كالحنفية.
(لَا يَجُوزُ إِقْرَارُهُ) أي: المريض مَرَضَ الموت (لِسُوءِ الظَّنِّ بِهِ) لــ(سوء) متعلق بـــ(يجوز)، فهو تعليل لعدم الجواز، و(به) متعلِّق بالظن، والضميرُ عائد على الإقرار أو ضمير المُقِر. وقولهُ: (لِلْوَرَثَةِ) متعلِّق بالإقرارِ والمُقِر، هذا مؤدَّى كلام المؤلف.
والذي في كتب الحنفية: وإقرارُ المريض لوارثه بدَيْنٍ أو عَيْنٍ/ باطل؛ لتعلُّق حقِّ الورثة بماله في مرضه، وفي تخصيص البعض به إبطالُ حق / الباقين.
قال العيني في ((شرح البخاري)) مع ورود(3) قوله صلعم : «لا وصيةَ لوارثٍ ولا إقرارَ له بدَيْن».
(ثُمَّ اسْتَحْسَنَ) أي: رأى بالاستحسان ما يُخالف القياس في بعض المواضع. والاستحسانُ هو: الدليل الخفِيُّ الذي لا يُدرَك إلَّا بدقَّةِ النظر، لذي الذهن الثاقب، والفهم(4) الصائب، (فَقَالَ: يَجُوزُ إِقْرَارُهُ بِالْوَدِيعَةِ وَالْبِضَاعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ) ولا فرق في الظاهر بين الدَّيْن والوديعة ونحوِها، [فقد تناقَضَ قولُهُ ظاهرًا.
أقول: قولُ الحنفية: يجوز الإقرارُ بالوديعة ونحوِها](5) للوارثِ مقيَّدةٌ [بالإقرار](6) باستهلاكها، بأن كان عند المريض وديعةٌ أو بِضاعةٌ أو مالُ مضاربةٍ ثابتةٍ عنده في حال الصِّحة، وأقرَّ باستهلاكها جاز إقرارُهُ وإن كان في ذلك ضرر على بقية الورثة؛ لأنَّه لو مات مجهِّلًا كان ضامنًا فإقراره أولى.
وكذا لو أقرَّ بقبضِ أمانةٍ ونحوِها كانت عند الوارث جاز إقراره؛ لأنَّ الوارث يدُهُ في ذلك يَدُ أمانة، وقولُه مقبولٌ في دفعها(7) في حياته ومماته، بخلاف ما إذا أقرَّ المريض بعينٍ بيده(8) أنَّها أمانة عنده للوارث، فإنَّه لا يجوز كالإقرار بالدين؛ لأنَّ النقول مصرِّحة بأنَّ الإقرار بالعين كالدين.
قال في ((الأشباه)): الإقرارُ للوارث موقوف على الإجازة، سواء كان بعين أو دَيْن أو قبضٍ منه أو إبراءٍ إلَّا في ثلاث:
لو أقرَّ بإتلاف وديعتِهِ المعروفة، أو أقر بقبض ما كان عنده وديعة، أو قبضِ ما قبضه الوارث بالوكالة من مديونه. كذا في ((تلخيص الجامع)). انتهى.
وبذلك يظهر الفرق بين إقراره بدَيْن عليه أو بقبضِ دين له، وبين / إقراره باستهلاك وديعة كانت عنده أو قبضِ أمانةٍ كانت عند الوارث؛ لأنَّ قول الوارث في الأول غيرُ مقبول، وفي الثاني مقبول، فكان إقرارُهُ تصديقًا لما يُصدَّقُ به، بخلاف الأول.
وعن هذا قال العيني: والفرقُ بين الإقرار بالدين والإقرار بالوديعة ونحوِها ظاهر؛ لأنَّ مَبْنَى الإقرار بالدين على اللزوم، ومبنى الإقرار بهذه الأشياء المذكورة على الأمانة، وبين اللزوم والأمانة فرق ظاهر. اهـ.
ثم قال محتجًا لدعواه بقوله: (وَقَدْ قَالَ صلعم : إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ) لكن الاحتجاج بهذا إنَّما يَصحُّ لو كان باقيًا على عمومه، لكنَّه مخصَّص بقوله تعالى: { إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات:12] فهو صريح بأنَّه ليس كلُّ ظنٍّ إثمًا، فيكون المحذَّرُ منه في الحديث البعضَ، أي: المؤثِّمَ، وهو ظنُّ السوءِ الفاسِدِ، بخلاف غيره، وهو ما كان للاحتراس ودفع الضرر عن الناس، فإنَّه غيرُ منهيٍّ عنه، بل مأمورٌ به ومطلوبٌ منه بدليل قوله صلعم :/ «احترسُوا من الناس بسُوءِ الظن».
ثم قال: (وَلَا يَحِلُّ مَالُ الْمُسْلِمِ لِقَوْلِه صلعم : آيَةُ الْمُنَافِقِ إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ(9)) وهو احتجاج آخَرُ لما ادَّعاهُ، ووجَّهه الكرماني بأنَّه إذا وَجَبَ تركُ الخيانة وَجب الإقرارُ بما عليه، وإذا أقرَّ لا بدَّ من اعتبار إقراره، وإلَّا لم يكن لإقراره فائدة. اهـ.
وأُجِيبَ بوجوب تركِ الخيانة ووجوبِ الإقرار بما عليه، ووجوبُ اعتباره في موضع ليس فيه تهمةٌ ولا إضرار للغير كما في الإقرار للأجنبي، / بخلاف الإقرار لوارثه ففيه تهمة ظاهرة وإضرار ببقية الورثة كما هو مشاهد.
وأُورِدَ عليه بأنَّ المريض في حالةٍ يَرِد فيها على الله تعالى وهي حالة يجتنب فيها المعصية والظلم.
وأجيب بأنَّ هذا أمرٌ باطن ونحن لا نحكم إلَّا بالظاهر.
ثم قال: (وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:58] فَلَمْ يَخُصَّ وَارِثًا وَلَا غَيْرَهُ) أي: لم يُفرِّق بين الوارث وغيره في تركِ خيانته ووجوب ردِّ أمانته.
وأُجِيبَ بأنَّه إذا لم يُعلَم شَغْلُ ذمة المريض، فكيف يجب الأداء، فإنَّ الدَّين في ذمَّته مظنون بحسب ظاهر إقراره، والضررُ لبقية الورثة محقَّقٌ، فلا يترك المحقَّق بالمظنون. والله تعالى أعلم.
[1] في المطبوع تصحيفًا: الرُّوْدَاني.
[2] في (أ): عن سالم الثوري.
[3] بهامش الأصل: قوله: ورد... إلخ. أخرجه الدارقطني في سننه عن نوح بن درَّاج عن أبان بن تغلب، عن جعفر بن محمد، عن أبيه. اهـ. قلت هو فيه برقم: 4298.
[4] في المطبوع: والرأي.
[5] زيادة من المطبوع.
[6] سقطت من المطبوع.
[7] في (ب): بدفعها. وفي (ط): يدفعها.
[8] في (ب) و(ط): في يده.
[9] بهامش الأصلين: أخرجه السيوطي في الجامع الصغير رامزًا للطبراني في الأوسط وابن عدي في الكامل. اهـ.