موردُ كلامِهِ ما حَلَّيْنَا بهِ أوَّلَ التَّراجِمِ الجَّديرُ أنْ تُملأَ بهِ في المحافِلِ الأشداقُ والتَّراجمُ، وعبارتُنا:
ويكونُ البُخاريُّ أجرى كتابَهُ مُجرَى الرِّسالَةِ لأهلِ العلمِ للانتفاعِ بهِ لم يفتتحْهُ بذلكَ، أعني الخطبةَ المشتملَةَ على الحمدِ والشَّهادَةِ والدِّلالَةِ على المقصودِ المتقدِّمِ ذكرُها، بلِ افتتحهُ بعدَ البسملَةِ بقولهِ: (بابٌ) على روايةِ غيرِ أبي ذَرٍّ والأصيليِّ الحاذقينَ لهُ:
وتجوزُ فيهِ: الإعرابُ مع التنوينِ، وعدمِهِ، على أنَّهُ خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ. وعدمُ الإعرابِ بأن يسكنَ على سبيلِ التَّعدادِ.
وعلى الشقِّ الثَّاني من القسمِ الأوَّلِ يكونُ مُضافاً إلى (كيفَ) التي هي اسمُ استفهامٍ مع ما بعدَها، فمحلُّهُما جرٌّ.
وأما الشقُّ الأوَّلُ منهُ فَمَحِلُّ (كيفَ) رفعٌ على الابتدائيةِ، وسُوِّغَ الابتداءُ بها مع أنَّها نكرَةٌ كونُها اسمَ استفهامٍ، قالَ سيبويه: يتعيَّنُ ذلكَ عندَ اجتماعِ نكرةٍ هي اسمُ استفهامٍ مع معرفَةٍ، وحتمَ /
جعلُ المعرفَةِ هي الخبرُ. ومثَّلَ ذلكَ في كتابِهِ بقولِهِ: نحو (كم مالُكَ).
- أو نصبٌ على الحاليَّةِ أو على المفعوليَّةِ المُطلقَةِ، وهذا إذا جُعلَتْ «كانَ» تامَّةٌ بمعنى وَجَدَ.
- وإما إذا حُكِمَ بأنَّها ناقصَةٌ وأنَّ اسمَهَا «بَدْءُ» المهموزُ مع سكونِ دالِهِ أي: ابتداءً، كما في بعض الرِّواياتِ، وهو المسموعُ من أفواهِ المشايخِ كما أفادَهُ ابنُ حجرٍ، أو غيرُ المهموزِ مع ضمِّ الدَّالِ وتشديدِ الواو أي: ظهورُ.
(الوحي) الإعلامُ بالشَّرعِ أو الموحى، وهو كلامُ اللهِ المنزَّلِ على نَبِيٍّ، وهذا عندَ أهلِ الشَّرعِ.
- وأما في اللُّغَةِ: فهو الإعلامُ في خفاءٍ، وأصلُهُ ما يدلُّ على التَّفهيمِ من كلامٍ أو كتابةٍ أو نحوهما، وفعلُهُ الأفصحُ أوحي، وجاء وَحي، فمحلُّ (كيف) نصبٌ على الخبريَّةِ.
وإنْ حُكِمَ بأنَّها زائدةٌ فمحلُّها رفعٌ؛ إما على الابتدائيةِ المتعيِّنَةِ عندَ سيبويه، أو على الخبريَّةِ كما يُرْشِدُ إليهِ كلامُ ابنُ هشامٍ والسيِّدُ الجُّرجانِيُّ مع اختلافِهِمَا في المُسَوِّغِ؛ فإنَّ ابنَ هشامٍ جعلَهُ تعارُضَ الأدلَّةِ بين سيبويه والجمهورِ، والجُّرجانيُّ جعلَهُ اعتبارَ القلبِ المجوِّزِ للحكمِ على كلٍّ منهُما كما هو للآخرِ، وذكرَ في ((شرحِهِ على المفتاحِ)) أنَّ كونَ النَّكرةِ المبتدأ كثيرٌ في كلامِ الفُصحاءِ. انتهت عبارَتُنَا.