تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم

حديث: أما بعد، فإنه لم يخف علي شأنكم

          3185- (كَانَ لَهُ حَصِيْرٌ يحْجُرُهُ بِاللَّيْلِ) أي يَتَّخِذُهُ حُجْرَةً يستترُ فيها ويخلو بأمرهِ.
          (لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوْا) فيه ثلاثةُ أقوالٍ: أحدُها: أن الله لا يَمَلُّ أبداً مَلِلْتُمْ أو لم تملُّوْا، فجرى هذا مَجرى قولِ العربِ: (حَتَّى يَشِيْبَ الغُرَابُ وَيَبْيَضَّ القَارُ). والثاني: أنهُ لا يَطْرَحُكُمْ حتى تتركوا العملَ، وتَزْهَدُوْا في الرَّغْبَةِ إليه، وسَمَّى الفعلينِ مَلَلاً، وليسَ بمللٍ على الحقيقَةِ على مذهبِ العربِ في وضعِ الفعلِ موضعَ الفعلِ إذا وافقَ معناهُ. والثالثُ: وهو الذي اختارهُ ابنُ الأنباريِّ، أن يكونَ المعنى: فإنَّ اللهَ لا يَقْطَعُ عنكم فضلَهُ حتى تملُّوْا سُؤَالَهُ، فسَمَّى فعلَ اللهِ مَلَلاً وليسَ بِمَلَلٍ، وهو في التأويلِ على جِهَةِ الازْدِوَاجِ، وهو أن تكونَ إحدى اللفظتينِ موافقةً للأُخرى وإن خالفَتْ مَعْنَاهَا، كما قالَ: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوْا عَلَيْهِ} [البقرة:194]، معناهُ فَجَازُوْهُ على اعتدائهِ، فسمَّاهُ اعتداءً، وهو عَدْلٌ، لِتَزْدَوِجَ اللفظةُ الثانيةُ مع الأولى، ومنه قولُهُ تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ} [الشورى:40] وهذا كثيرٌ.
          (كَانَ يَقُوْمُ إِذَا سَمِعَ الصَّارِخَ) يعني إذا صرخَ الدِّيْكُ.
          (أَصْلُ التَّغَمُّدِ التغطيةُ والسترُ) يُقالُ: تَغَمَّدَهُ اللهُ برحمتِهِ أي غَمَرَهُ بها وأَلْبَسَهَا إيَّاهُ وسترَهُ بها، وتغمَّدْتُ فلاناً إذا جعلتَهُ تحت كَنَفِكَ حتى تغطِّيهِ، أي في سِتْرِكَ، ومن ذلك: غَمَدَ السَّيْفَ لأنكَ إذا غَمَدْتَهُ فقد ألبَسْتَهُ بغمدِهِ وغَيَّبْتَهُ فيهِ، ويُقالُ غمدتُ السيفَ وأغمدتُهُ.