الجزء الثاني من إضاءة الدراري شرح صحيح البخاري
مما اعتنى بجمعه فقير رحمة ربه وأسير وصمة ذنبه
أحقر الخليقة بل لا شيء في الحقيقة
غبار أقدام العلماء
أحمد بن علي العثماني الشهير بالمنيني غفر له ولوالديه وللمسلمين
آمين
(بسم الله الرحمن الرحيم) كذا في الفرع بإثباتها مع رقم علامة إسقاطها عند ابن عساكر، ومما فرع المصنف مما ورد في بيان أحكام الطهارة من الأحداث أصلاً وخلفاً شرعَ في بيان ما ورد في الحيض الذي هو من الأنجاس، فقال:
░░6▒▒ (كِتَابُ الحَيْضِ): وما يذكر معه من الاستحاضة والنفاس، ولأبي ذر: تقديم كتاب على البسملة، وفي رواية: ((باب)) بدل ((كتاب))، والتعبير بالكتاب أولى، وترجم بالحيض لكثرة وقوعه، وله عشرة أسماء: الحيض، والطمث، والضحك، ومنه قوله تعالى: {فَضَحِكَتْ} [هود:71]؛ أي: حاضت كما في البيضاوي.
والإكبار: ومنه قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} [يوسف:31] أي: حضن. قال البيضاوي: من أكبرت المرأة إذا حاضت؛ لأنها تدخل الكبر بالحيض، والهاء ضمير للمصدر، أو ليوسف على حذف اللام ؛ أي: حضن له. انتهى.
والإعصار والدراس والعراك والفراك، بالفاء، والطمس والنفاس ومنه قوله ╕ لعائشة: ((أنفست))، وقد جمعها الشيخ نجم الدين ابن قاضي عجلون نظماً بقوله:
أسامي المحيض العشر إن رمت حفظها مفصلة
حيض نفاس وإكبار وطمث وطمس ثم ضحك
وبعدها عراك فراك والدراس وإعصار
يقال: حاضت المرأة فهي حائض، والأفصح ترك التاء.
وهو في اللغة: السيلان، يقال: حاض الوادي إذا سال، وحاضت الشجرة إذا سال صمغها.
ومنه حيض بعض الحيوانات غير الآدمية وهي: الأرنب لما روى أبو داود في ((سننه)) عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً.
الأرنب تحيض والضبع والخفاش والحِجرة بكسر الحاء أنثى الخيل والناقة والكلبة والوزغة.
قال ابن قاسم العبادي: لا يترتب عليه حكم حتى لو علق طلاقها بحيض شيء منها لم يقع ما لم يرد به المعنى اللغوي وهو مجرد خروج الدم.
وفي الشرع: دم ينفضه رحم امرأة سليمة عن داء وصغر في أوقات معلومة.
والاستحاضة: الدم الخارج في غير أوقاته، ويسيل من عرق في أدنى الرحم اسمه العاذل بالذال المعجمة، قاله الأزهري، وحكى ابن سيده إهمالها، وحكى الجوهري: إبدال اللام راء مع إعجام الذال وما نقص عن أقل الحيض، أو زاد على أكثره فهو استحاضة على الخلاف في أقل الحيض وأكثره، كما هو مقرر في كتب الفروع.
وأما النفاس: فهو لغة كما في ((الصحاح)) و((القاموس)): ولادة المرأة إذا وضعت، وأصله خروج الدم؛ لأنه يسمى نفساً.
وشرعاً: الدم الخارج بعد فراغ الرحم من الحمل أو من أكثره.
(وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى) بالجر عطفاً على الحيض، وفي رواية: ((قول الله)) بالرفع بلا واو ({وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة:222]): قال في ((الفتح)): والمحيض عند الجمهور هو الحيض، وقيل: زمانه، وقيل: مكانه انتهى.
وسبب نزول هذه الآية ما رواه مسلم من حديث أنس رضي الله [عنه]: أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يواكلوها ولم يجامعوها في البيوت، فسأل الصحابة رسول صلعم فأنزل الله: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} الآية فقال النبي صلعم: ((افعلوا كل شيء إلا النكاح)).
وقال الواحدي: السائل هو: أبو الدحداح، وفي مسلم: ((أن أسد بن حصين وعبادة(1) بن بشر قالا بعد ذلك: أفلا نجامعهن فتغير وجه رسول صلعم)) الحديث.
({قُلْ هُوَ أَذًى}[البقرة:222] ): أي: الحيض مستقذر يؤذي من يقربه لنتنه ونجاسته.
وفي ((الفتح)) قال الطبري: مسمى الحيض أذى لنتنه وقذره ونجاسته.
وقال الخطابي: الأذى المكروه الذي ليس بشديد كما قال تعالى {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى} [آل عمران:111]، فالمعنى: أن المحيض أذى يعتزل من المرأة موضعه، ولا يتعدى ذلك إلى بقية بدنها انتهى.
وأقول: قوله: ولا يتعدى إلى بقية بدنها، فيه نظر، إذ المقرر الذي عليه الجمهور أنه يحرم من الحائض الاستمتاع بما بين السرة والركبة، ومقتضى كلامه أنه لا يحرم إلا الاستمتاع بالفرج، وهو قول لبعض المجتهدين فلعله جنح إليه.
({فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:222]): أي فاجتنبوا مجامعتهن فيه لما مر عن مسلم من سبب نزولها، وقوله صلعم: ((اصنعوا كل شيء إلا النكاح))، فقالت يهود: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا: يا رسول [الله] ألا نجامعهن في الحيض يعني مخالفة لليهود؟ فلم يأذن في ذلك)).
وهذا اقتصاد بين إفراط اليهود في اجتنابهن واعتزالهن، وبين تفريط النصارى، فإنهن يجامعونهن في الحيض.
قال ابن الملقن: والإجماع قائم على جواز مواكلة الحائض ومضاجعتها وقبلتها، إلا ما شهد به عبيدة السلماني، وقال به بعض أصحابنا، وهو واهٍ انتهى.
واختلف العلماء في جواز وطئها إذا انقطع حيضها قبل أن تغتسل، فحرمه مالك، والليث، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، والشعبي، ومجاهد، والحسن، ومكحول، وسليمان بن يسار، وعكرمة.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن انقطع دمها لأكثر الحيض وهو عشرة أيام عنده / جاز له أن يطأها قبل الغسل، فإن الشارع قد حكم بطهارتها، حيث أوجب عليها الصلاة، وإن انقطع دمها قبل العشر لم يجز وطئها حتى تغتسل، أو يمضى عليها وقت صلاة؛ لأن الصلاة تجب عنده بآخر الوقت، فإذا مضى عليها آخر الوقت ووجبت عليها الصلاة علم أن الحيض قد زال، وهذا إذا انقطع لعادتها، فلو انقطع بدونها لم يحل وطؤها وإن اغتسلت، لكنها تصلي إذا خافت خروج الوقت كما في ((الخلاصة)).
وقال الأوزاعي: إن غسلت فرجها جاز وطئها وإلا فلا، وبه قالت طائفة من أهل الحديث، وروي مثله عن عطاء، وطاووس، وقتادة.
({وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ} [البقرة:222]) تأكيد للحكم، وبيان لغايته، وهو الغسل بعد الانقطاع، قال القسطلاني: ويدل عليه صريحاً قراءة: <يطّهّرن> بالتشديد بمعنى يغتسلن، والتزاماً قوله:({فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ}) [البقرة:222] فإنه يقتضي تأخر جواز الإتيان عن الغسل، انتهى.
والمأمور به إنما هو الإتيان في محل التناسل وهو الفرج الذي أحله الله.
({إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ}) من الذنوب، وفيه حث على التوبة إن وقع منهم تفريط بمخالفة ما أمر الله به، وبيان لكرمه تعالى ولطفه بالمذنبين، فإن التوابين صيغة مبالغة، فتقتضي كثرة الذنوب التي تجاوز الله عنها بالتوبة.
({وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}) [البقرة:222]: أي: المتنزهين عن الفواحش والأقذار، كمجامعة الحائض، وإتيان المرأة في غير موضع التناسل، كذا ذكرت الآية بتمامها، في رواية ابن عساكر ولأبوي ذر والوقت: (({فَاعْتَزِلُواْ} إلى قوله: {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}))، وللأصيلي كذلك: إلى قوله: {الْمُتَطَهِّرِينَ}، وفي رواية: (({وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} الآية)).
قال العيني: فإن قلت: أورد هذه الآية هاهنا، ولم يبين منها شيئاً فما فائدة ذكرها هاهنا؟ قلت: أقل فائدته التنبيه على نجاسة الحيض، والإشارة أيضاً إلى وجوب الاعتزال عنهن في حالة الحيض، وغير ذلك، انتهى.
[1] في الحاشية: لعله: أسيد بن حضير وعباد، كما في مسلم.