قال المصنف ⌂: (بسم الله الرحمن الرحيم) اقتداءً بالقرآن العظيم وعملاً بقول النبي الكريم: ((كلُّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر))، وفي رواية: ((فهو أقطع))، وفي أخرى: ((فهو أجذم)) رواه أبو داود وغيره عن أبي هريرة، وحسنه ابن الصلاح وغيره، ورواه الحافظ عبد القادر في ((أربعينه)) عن أبي هريرة بلفظ: ((كلُّ أمرٍ ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع)) وقوله ╕: ((كل كلام لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم)) رواه أبو داود والنسائي، وفي رواية ابن ماجه: ((كلُّ أمرٍ ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد أقطع)) رواه ابن حبان وأبو عوانة في ((صحيحيهما)).
وقال ابن الصلاح: حديث حسن بل صحيح.
فقوله: ((أقطع)) أي: قليل البركة، وكذلك أجذم من جذِم _بكسر الذال المعجمة _ يجذَم _بفتحها _، ويقال: أقطع وأجذم من القطع والجذم، أو من القطعة وهي العطش والجذام، فيكون معناه أنه لا خير فيه كالمجذوم والنخل التي لا يصيبها الماء، كذا في ((عمدة القاري)).
وفي رواية للخطيب في ((جامعه)) عن أبي هريرة: ((كلُّ أمرٍ ذي بال لا يفتتح بذكر الله فهو أبتر أو أقطع)).
والإشكال في تعارض هذه الروايات مشهور، وكذا التوفيق بينها بحمل الابتداء على الحقيقي في إحداهما والإضافي في الأخرى، أو بحمل الابتداء على العرفي الذي يعتبر ممتداً إلى الشروع في المقصود، وكذا ما قيل من أنه يرد الأذان والشهادتان ونحو ذلك من الأمور المهمة التي لم يبدأ فيها بالبسملة ولا بالحمدلة، وكذا الخطبة بالنسبة إلى البسملة.
وأُجيب: بأن المراد في الروايات كلها الابتداء بأحدهما، أو ما يقوم مقامه بدليل الاكتفاء تارة بالبسملة كما اكتفى المصنف ⌂، وتارة بالحمدلة، وتارة بغيرهما أو بإلغاء المقيدين لتعارضهما ظاهراً والعمل بالمطلق، والكلام فيه شهير مبسوط في أوائل الكتب، والمصنف ⌂ وإن لم يبدأ بالحمد خطاً، لكن الظاهر أنه أتى به لفظاً حملاً له على ما هو الأكمل.
قال العيني: وذكر بعضهم أنه بدأ بالبسملة للتبرك؛ لأنها أول آية في المصحف أجمع على كتابتها فيه الصحابة ═.
قلت: لا نسلم أنها أول آية في المصحف وإنما هي آية من القرآن أنزلت للفصل بين السور، وهذا مذهب المحققين من الحنفية، وهو قول ابن المبارك وداود وأتباعه وهو المنصوص عن أحمد على أن طائفة قالوا: إنها ليست من القرآن إلا في سورة النمل وهو قول مالك وبعض الحنابلة، وعن الأوزاعي أنه قال: ما أنزل الله في القرآن { بسم الله الرحمن الرحيم} إلا في سورة النمل وحدها وليست بآية تامة، وروي عن الشافعي أنها ليست من أوائل السور غير الفاتحة، وإنما يستفتح بها في السور تبركاً بها.
ثم قال: ثم إنهم اعتذروا عن البخاري بأعذار هي بمعزل عن القبول.
الأول: أن الحديث ليس على شرطه فإن في سنده قرَّة بن عبد الرحمن، ولئن سلمنا صحته على شرطه فالمراد بالحمد الذكر؛ لأنه قد روي بـ((ذكر الله تعالى)) بدل: ((حمد الله)) وأيضاً / تعذر استعماله؛ لأن التحميد إن قدم على التسمية خولف فيه العادة وإن ذكر بعدها لم تقع به البداءة.
قلت: هذا كلام واهٍ جدًّا؛ لأن الحديث صحيح صححه ابن حبان وأبو عوانة، وقد تابع سعيد بن عبد العزيز قرة، كما أخرجه النسائي، ولئن سلمنا أن الحديث ليس على شرطه فلا يلزم من ذلك ترك العمل به مع المخالفة لسائر المصنفين، ولو فرضنا ضعف الحديث أو قطعنا النظر عن وروده فلا يلزم من ذلك أيضاً ترك التحميد المتوج به كتاب الله تعالى، والمفتتح به في أوائل الكتب والخطب والرسائل.
وقولهم: فالمراد بالحمد: الذكر، ليس جواباً عن تركه لفظة: الحمد؛ لأن لفظة الذكر غير لفظة الحمد، وليس الآتي بلفظة الذكر آتياً بلفظ الحمد المختص بالذكر في افتتاح كلام الله تعالى، والمقصود التبرك باللفظ الذي افتتح به كلام الله تعالى.
وقولهم: وأيضاً تعذر استعماله... إلخ كلام من ليس له ذوق من الإدراكات؛ لأن الأولية أمر نسبي، فكل كلام بعده كلام هو أول بالنسبة إلى ما بعده فحينئذٍ من سمى ثم حمد يكون بادئاً بكل من البسملة والحمدلة، أما البسملة فلأنها وقعت في أول كلامه، وأما الحمدلة فلأنها أول أيضاً بالنسبة لما بعدها من الكلام ألا ترى أنهم تركوا العاطف بينهما لئلا يشعر بالتبعية فيخل بالتسوية، وبهذا أُجيب عن قولهم بين الحديثين تعارض ظاهر إذ الابتداء بأحدهما يفوت الابتداء بالآخر.
الثاني: أن الافتتاح بالتحميد محمول على ابتداآت الخطب دون غيرها زجراً عما كانت الجاهلية عليه من تقديم الشعر المنظوم والكلام المنثور لما روي أنَّ أعرابياً خطب فترك التحميد فقال ╕: ((كل أمر...)) الحديث.
قلت: فيه نظر لأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب.
الثالث: أن حديث الافتتاح بالتحميد منسوخ بأنه ╕ لما صالح قريشاً عام الحديبية كتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيلَ بن عمرو فلولا أنه نسخ لما تركه.
قلت: هذا أبعد الأجوبة لعدم الدليل على ذلك ولم لا يجوز أن يكون الترك لبيان الجواز.
الرابع: أن كتاب الله ╡ مفتتح بها، وكتب رسول الله صلعم مبتدأة بها فلذلك تأسى البخاري بها.
قلت: لا يلزم من ذلك ترك التحميد، ولا فيه إشارة إلى تركه.
الخامس: إن أول ما نزل من القرآن {اقْرَأْ} [العلق:1] و{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر:1] وليس في ابتدائهما حمد الله فلم يجز أن يأمر الشارع بما كتاب الله على خلافه.
قلت: هذا ساقط جداً؛ لأن الاعتبار لحالة الترتيب العثماني لا لحالة النزول إذ لو كان الأمر بالعكس لكان ينبغي أن يترك التسمية أيضاً.
السادس: إنما تركه؛ لأنه راعى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ } [الحجرات:1] فلم يقدم بين يدي الله ورسوله شيئاً، وابتدأ بكلام رسوله عوضاً عن كلام نفسه.
قلت: الآتي بالتحميد ليس مقدم شيئاً أجنبياً بين يدي الله ورسوله، وإنما هو ذكره بثنائه الجميل لأجل التعظيم على أنه مقدم بالترجمة وسوق السند وهو من كلام نفسه، فالعجب أنه يكون بالتحميد الذي هو تعظيم الله تعالى مقدماً، ولا يكون مقدماً بالكلام الأجنبي.
السابع: أن الذي اقتضاه لفظ الحمد / أن يحمُد، لا أن يكتبه والظاهر أنه حمد بلسانه.
قلت: يلزمهم على هذا إضمار التسمية مع ما فيه من المخالفة لسائر المصنفين.
والأحسن فيه ما سمعته من بعض أساتذتي الكبار أنه ذكر الحمد بعد التسمية كما هو دأب المصنفين في مسودته كما ذكره في بقية مصنفاته، وإنما سقط ذلك من بعض المبيضين فاستمر على ذلك، والله أعلم. انتهى كلام العيني.
أقول: في قوله في تزييف الاعتذار الخامس: هذا ساقط جداً... إلخ، نظر؛ لأن قوله: لأن الاعتبار لحالة الترتيب العثماني لا لحالة النزول؛ غير مسلم عند المعتذر في حصول النكتة المقصودة للبخاري وهي جعل كتابه المبدوء بباب كيف كان بدء الوحي متشابهاً ومحاكياً لأول سورة نزلت من الوحي في كونه مبدوءاً بالبسملة فقط وهذه الأولية حقيقية، فأي مانع من قصد البخاري إياها ولا يقدح في ذلك تأخر نزول البسملة عن نزولها بعد أن استقر الأمر على ثبوت البسملة في أولها بدون الحمدلة، وبهذا يندفع قوله: ولو كان الأمر بالعكس لكان ينبغي أن تترك التسمية أيضاً كما يعلم بالتأمل.
ثم لا يخفى على المنصف أن ما استحسنه في غاية البعد إذ كيف تتفق جميع نسخ الصحيح على اتباع تلك المبيضة الساقط منها التحميد وترك غيرها مع حرص رواته على التحري والاحتياط في نقله، والسماع من مؤلفه، فلا أقل لو كان الأمر كذلك أن يوجد لفظ الحمد في بعض النسخ ويسقط في بعضها كما سقط هنا لفظ <باب> في روايتي أبي ذرٍّ والأصيلي.
ولعل الأقرب من الأعذار التي زيفها الأخير وهو أنه أتى بالحمد لفظاً وأسقطه خطاً.
وقوله: يلزمهم إضمار التسمية غير لازم إذ لا يلزم من ترك أحد الأمرين الجائزين ترك الآخر وخصوصاً كون فعلهما هو الأصل فليتأمل.
بقي هاهنا إشكال في جملة البسملة أورده السيد عيسى الصفوي، ونقله تلميذه ابن قاسم العبادي مسلماً له وساكتاً عليه.
قال الشهاب أحمد الخفاجي في ((شرحه على الشفا)): وهاهنا إشكال أبداه شيخ مشايخنا السيد عيسى الصفوي ⌂ وتلقاه من بعده بالقبول من عامة من رأيناه وهو أن جملة البسملة لا تخلو من أن تكون خبرية أو إنشائية.
ويتجه على الأول: أن من شأن الخبر الصادق أن يتحقق مدلوله بدونه في نفس الأمر ويكون الخبر حكاية عنه كما اتفقوا عليه، وما نحن فيه ليس كذلك؛ لأن مصاحبة الاسم والاستعانة به من تتمته، وهما لا يتحققان إلا بهذا اللفظ، اللهم إلا أن يجوز ذلك في نحو قولك: أتكلم أو أقوم متكلماً مخبراً بتكلم حصل بهذا اللفظ وفيه توقف.
وعلى الثاني: أن من شأن الإنشاء أن يتحقق مدلوله به، وأصل جملة البسملة ليس كذلك إذ الأكل والسفر ونحوهما مما ليس بقول لا يحصل بالبسملة، فإن كانت لإنشاء المصاحبة أو الاستعانة يلزم أن تكون الجملة لإنشاء متعلقها والأصل غير مقصود بوجه، ولو قيل: إن المعنى ابتدئ وافتتح؛ أي: أجعله بداية الفعل والجملة لإنشاء الجعل وأنه بداية كل شيء كما نقل عن الإمام لا يلزم ما مر إلا أنه خلاف المشهور، ولا يتم أيضاً على تقدير الخبرية؛ لأن المصاحبة والاستعانة به من تتمة الخبر وهما لا يتحققان إلا بهذا اللفظ وهو شأن الإنشاء على أنه لا يجري حقيقة إلا في نحو التأليف مما يمكن أن تكون بداءة به حقيقة وإجراؤه فيما سواه يحتاج للمسامحة في جعله بداءة له.
أقول: الظاهر أن هذه الجملة إنشائية لإنشاء التبرك الموقوف على التلفظ بالبسملة، وما توهمه هذا القائل على تقدير الإنشائية من الخيالات الواهية والأوهام الفارغة وقوله: إنها حينئذٍ لإنشاء المتعلق ومثله في غاية الندور عدم صحته في غاية الظهور، ألا ترى أن أدوات الاستفهام بأسرها تدخل المتحقق مضمونها خارجاً فتصير جملتها إنشاء كما يقول: من رأى شخصاً قائماً لم يحط بتشخصه أو أحواله خبراً من قام أو على أي حال قام، وهكذا مما لم يحط به نطاق الحصر، ولم يحم حوله الندور، ولا يقال: إنه مع تحقق القيام في الخارج أنه لإنشاء المتعلق، وكذا كم غلط وقع منك ورب صواب صدر من غيرك كما صرح به الرضي.
وأما كونه لإنشاء الجعل فتعسف من غير داع لارتكاب مثله، وأنا أعجب من هذا القائل كيف يزعم ورود ما قال، وممن ارتضاه بعده من فحول الرجال:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا
انتهى. / واعترض على البخاري أيضاً بأنه لم يفتتح كتابه بخطبة تنبئ عن مقصوده كما هو عادة المصنفين.
وأُجيب: بأن الخطبة لا يتحتم فيها سياق واحد يمتنع العدول عنه، بل الغرض منها الافتتاح بما يدل على المقصود وقد صدر الكتاب بترجمة بدء الوحي وبالحديث الدال على مقصوده المشتمل على أن العمل دائر مع النية فكأنه يقول قصدت جمع وحي السنة المتلقى عن خير البرية على وجه سيظهر حسن عملي فيه من قصدي، وإنما لكل امرئ ما نوى، فاكتفى بالتلويح عن التصريح، وقد سلك هذه الطريقة في معظم تراجم هذا الكتاب على ما سيظهر بالاستقراء.
ولما لم يتعرض فحول الشراح للكلام على مفردات البسملة والاحتمالات في متعلق الجار والمجرور لشهرة ذلك وتكرره على الأسماع في ابتداء الكتب تأسَّيت بهم في ذلك.
(باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلعم) هكذا هو في غير روايتي أبي ذرٍّ والأصيلي، وسقط في روايتهما لفظ <باب> وأصل باب: بوب، بحرك العين فأعلت بقلبها ألفا، ويجمع على أفعال كفرس وأفراس، وقد يجمع على أبوبة للازدواج، كما في قول القِتَال الكلابي واسمه: عبد الله بن المجيب بن...:
هتَّاك أخبيةٍ ولَّاج أبوبةٍ يخالطُ البرُّ منه الجدَّ واللِّينا
قال الصَّغاني: ولو أفرد لم يجمع هذا الجمع، والمراد من الباب هاهنا النوع كما في قولهم من فتح باباً من العلم؛ أي: نوعاً، وإنما قال باب، ولم يقل كتاب؛ لأن الكتاب يذكر إذا كان تحته أبواب وفصول والذي يتضمنه هذا الباب فصل واحد ليس إلا، فلذلك قال باب ولم يقل كتاب، كذا ذكره العيني.
وهو أمر أغلبي فقد يذكر الكتاب ولا يكون تحته باب ولا فصل ككتاب اللقيط في الفقه.
قال البلقيني: قدم البخاري بدء الوحي؛ لأن الوحي منبع الخيرات وبه قامت الشرائع وجاءت الرسالات ومنه عرف الإيمان والعلوم.
وقال البرماوي في ((شرحه)) على هذا الكتاب: بدأ البخاري بباب بدء الوحي؛ لأنه ينبوع الشريعة، ثم بالإيمان؛ لأنه الأساس والذريعة، ثم بالعلم؛ لأنه قبل العمل كما سيأتي في كلامه، ثم بالطهارة؛ لأن الطهور شطر الإيمان وهي المقدمة للثاني من أركان الإسلام التي بني عليها، ثم بالصلاة؛ لأنها الركن الثاني فذكرت بعد مقدمتها، ثم بالزكاة، ثم بالصوم، ثم بالحج، وفي بعض النسخ أو أكثرها تقديم الحج على الصوم؛ لأن رواية الحديث جاءت بالأمرين، ثم بالاعتكاف؛ لأنه من متعلقات الصوم لاسيما عند من يراه شرطاً فيه، ثم بالمعاملات؛ لأنها قوام الأبدان لعبادة الملك الديان، ومن تأمل حق التأمل ظهر له المناسبة في الكل، وقد أفرد بيانها في الكل شيخنا أبو حفص البلقيني، انتهى.
ولم يبين المناسبة في تعقيب الصلاة بالزكاة، والزكاة بالصوم، والصوم بالحج على ما في بعض نسخ البخاري، ولعل وجه المناسبة في تعقيب الصلاة بالزكاة اقترانها معها في التنزيل في اثنين وثمانين موضعاً فلزم تأخير الصوم عنها وإن كان مشاركاً للصلاة / في كون كل منهما عبادة بدنية، وقدم الصوم على الحج على ما في بعض نسخ البخاري؛ لأنه عبادة بدنية، والحج مركب من العبادة البدنية والمالية، والمفرد مقدم على المركب طبعاً فقدم وضعاً.
وأما بيان المناسبة بين الحج والزكاة على النسخة المشهورة من تقديم الحج على الصوم فلمشاركته الزكاة في كونه عبادة مالية باعتبار أحد جزئيه.
و(بابٌ): على تقدير ثبوته يقرأ بالرفع منوناً غير مضاف خبراً لمبتدأ محذوف، وبالنصب كذلك وإن لم يساعده الرسم إلا على لغة ربيعة مفعولاً به لفعل محذوف تقديره: اقرأ، والجملة بعده لا محل لها من الإعراب؛ لأنها مستأنفة، ويحتمل جعلها بدلاً من ((باب)) أو خبراً لمبتدأ محذوف، وأتي بها لبيان ما عقد الباب لأجله، وغير منون رفعاً ونصباً لإضافته إلى ما بعده على الوجهين السابقين.
ويزيد وجهاً آخر، وهو: أن يكون مبتدأ محذوف الخبر لاكتسابه التعريف بالإضافة إلى الجملة؛ لأنها في قوة المفرد كما سيأتي.
ويجوز فيه الإسكان على سبيل التعداد للأبواب كما في الأسماء قبل التركيب وهو غير معرب حينئذٍ، كذا ذكره الكرماني.
وناقشه الحافظ بأنه لم ترد به الرواية، ورده العيني: بأن التوقف على الرواية إنما هو في متن الكتاب والسنة، وأما في غير ذلك من التراكيب فيتصرف فيه بما تجوزه العربية. انتهى. وفيه نظر.
واستشكل إضافة ((باب)) إلى ما بعده من وجهين:
الأول: أن ما عقد عليه الباب، وهو قوله: ((كيف كان بدء الوحي)) لم يذكر ولم يأت في كلامه.
الثاني: أن الذي يضاف للجملة أحد ثمانية أشياء، وليس الباب واحداً منها، وهي على ما في ((المغني)): أسماء الزمان ظروفاً كانت أو غيرها، وحيث وآية بمعنى: علامة، وذو في نحو قولهم: اذهب بذي تسلم، وريث، وقول وقائل.
وأُجيب عن الأول: بأنَّ في الكلام حذف مضاف تقديره: باب جواب كيف كان بدء الوحي، ولا شك أن جواب هذا الاستفهام مذكور، على أن بعضَ المحققين ذكر أن كيف قد تخرج عن الاستفهام، وتكون اسماً للحال من غير معنى السؤال.
ومنه ما حكى قطرب عن بعض العرب(1): اُنظر إلى كيف يصنع؛ أي: إلى حال صنعه، وكذلك هنا يكون المعنى: باب حال بدء الوحي، فيستغنى عن التقدير.
وعن الثاني: بما ذكره البدر الدَّماميني في شرحه لهذا الكتاب المسمى بـ((مصابيح الجامع)): بأن ما ذكره النحاة إنما هو في الجملة التي لا يراد بها لفظها، وأما ما أريد به لفظه من الجمل فهو في حكم المفرد فتضيف إليه ما شئت مما يقبل بلا حصر.
ألا ترى أنك تقول محل قام أبوه من قولك: زيد قام أبوه _رفع _ ومعنى: لا إله إلا الله: إثبات الإلهية له تعالى ونفيها عن ما سواه إلى غير ذلك.
وهنا أريد لفظ الجملة، والأصل: هذا باب شرح كيف كان بدء الوحي؛ أي: باب شرح هذا الكلام، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.
وقد استبان لك أن عد ابن هشام في ((مغنيه)) أن قولاً وقائلاً من الألفاظ المخصوصة التي تضاف إلى الجملة غير ظاهر، ولا يخفى سقوط قول الزركشي لا يقال: كيف لا يضاف إليها؛ لأنا نقول: الإضافة إلى الجملة كلا إضافة. انتهى.
وتعقبه الشمني في ((حواشيه على المغني)) فقال: لا نسلم أن الكلام ليس فيه، بل الكلام فيما هو أعم منه. انتهى. وفيه نظر.
و(كَيْفَ): اسم لدخول الجار عليه بلا تأويل في قولهم: على كيف تبيع الأحمرين(2) ، ولإبدال الاسم الصريح منه في نحو: كيف أنت؟ أصحيح أم سقيم؟
ويستعمل على وجهين: أن يكون شرطاً نحو: كيف تصنع أصنع، وأن يكون استفهاماً إما حقيقياً نحو: كيف زيد؟ أو غيره نحو: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ} [البقرة:28] فإنه أخرج مخرج التعجب، كذا في ((عمدة القاري)).
لكن التعجب مصروف إلى المخاطبين لاستحالته على الله تعالى.
وقال الراغب: لا يسأل بها إلا عما يصح أن يقال فيه: شبيه وغير شبيه، فلا يقال في الله ╡: / كيف، وكلما أخبر به تعالى عن نفسه فهو استخبار على طريق التنبيه للمخاطب والتوبيخ له. انتهى.
وهي مبنية ولها صدر الكلام.
قال في ((المغني)): وتقع خبراً قبل ما لا يستغنى، نحو: كيف أنت؟ وكيف كنت؟ ومنه: كيف ظننت زيداً؟ وكيف أعلمته فرسك؟ لأن ثاني مفعولي ظن، وثالث مفعولات أعلم خبران في الأصل، وحالاً قبل ما يستغني، نحو: كيف جاء زيد؟ أي: على أي حالة جاء زيد.
وعندي: أنها تأتي في هذا النوع مفعولاً مطلقاً أيضاً، وأن منه: {كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ} [الفجر:6] إذ المعنى: أي فعل فعل ربك؟ ولا يتجه فيه أن يكون حالاً من الفاعل.
ومثله: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ} [النساء:41]: أي: فكيف يصنعون إذا جئنا من كل أمة بشهيد؟ انتهى.
ومن هذا القبيل: كيف كان زيد؟ إذا قدرت كان تامة ويقال فيها كي كما يقال في سوف سو قال:
كي تجنحون إلى سلم وما ثئرت قتلاكم ولظى الهيجاء تضطرم
ونقل عن سيبويه أنها ظرف دائماً فموضعها نصب ولا تخرج عنه، وأنكره الأخفش والسيرافي والأكثرون، بل قال ابن مالك ما معناه: لم يقل أحد أن كيف ظرف؛ إذ ليست زماناً ولا مكاناً، لكنها لما كانت تفسر بقولك: على أي حال؟ أو في أي حال؟ لكونها سؤالاً عن الأحوال العامة سميت ظرفاً؛ لأنها في تأويل الجار والمجرور واسم الظرف يطلق عليهما مجازاً.
قال في ((المغني)): ويؤيده: الإجماع على أنه يقال في البدل: كيف أنت؟ أصحيح أم سقيم؟ لأنه لا يبدل المرفوع من المنصوب. انتهى.
وحاصل كلام ابن مالك: تأويل ما روي عن سيبويه، وإرجاعه إلى قول الجمهور، ولو أبقي الكلام على ظاهره لما صح قول ابن مالك: لم يقل أحد ...إلخ مع كون إمام الفن قال به، ولما كان معنىً لإنكار الأخفش والسيرافي لظرفيتها لولا اقتضاء ما روي عنه ذلك، فليتأمل.
وزعم قوم أنها ترد عاطفة استدلالاً بقوله:
إذا قل مال المرء لانت قناته وهان على الأدنى فكيف الأباعدِ
بجر الأباعدِ.
قال في ((المغني)): وهو خطأ لاقترانها بالفاء العاطفة، ووجه جر الأباعدِ بأنه على حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه على حاله كقراءة ابن جماز: ▬والله يريد الآخرةِ↨ أو بتقدير: فكيف الهوان على الأباعدِ؟ فحذف المبتدأ والجار أو بالعطف بالفاء، ثم أقحمت كيف بين العاطف والمعطوف لإفادة أولوية الحكم. انتهى.
و(كَانَ): من الأفعال الناقصة تدل على الزمان الماضي من غير تعرض لزواله في الحال أو لا زواله وبهذا تفترق عن صار؛ فإن معناها: الانتقال من حال إلى حال، ولهذا يجوز أن يقال: كان الله ولا يجوز أن يقال: صار، قاله العيني.
و(بَدْأُ): بفتح الموحدة وسكون الدال المهملة وبالهمز آخره مصدر بدأت الشيء ابتدأت به.
وفي ((العباب)): بدأت بالشيء بدأً ابتدأت به، وبدأت الشيء: فعلته ابتداءً، وبدأ الله الخلق وأبدأهم بمعنى، وبدا _بغير همز في آخره _ معناه: ظهر، تقول: بدا الأمر بدواً مثل: قعد قعوداً؛ أي: ظهر، وأبديته: أظهرته.
وقال القاضي عياض: روي بالهمز مع سكون الدال من الابتداء وبغير همز مع ضم الدال وتشديد الواو من الظهور. وبهذا يرد على من قال: لم تجيء الرواية بالوجه الثاني فالمعنى على الأول: كيف كان ابتداؤه؟ وعلى الثاني: كيف كان ظهوره؟
وقال بعضهم: الهمز أحسن؛ لأنه يجمع المعنيين. وقيل: الظهور أحسن؛ لأنه أعم. وفي بعض الروايات: ((باب كيف كان ابتداء الوحي))، كذا في ((عمدة القاري)).
ومراده بمن قال: لم تجيء الرواية بالمعنى الثاني: الحافظ ابن حجر لما أن ظاهر عبارته يقتضي إنكار الرواية الثانية كما يعلم بالتأمل، وإن أمكن تأويل كلامه بأن مراده: نفيها سماعاً من أشياخه لا نفيها مطلقاً فقد أثبتها الثقات كعياض والزركشي وغيرهما، ويدل لذلك قوله: وهو الذي سمعناه من أفواه المشايخ، وبأن المصنف استعملها كثيراً كبدء الحيض / وبدء الأذان، وبدء الخلق. انتهى.
ومثل هذا يذكر لترجيح إحدى الروايتين على الأخرى لا لإنكارها.
و(الوَحْيِ): في الأصل: الإعلام في خفاء. وقيل: بسرعة، ومنه: الوحاء _يمد ويقصر_ بمعنى: السرعة والبدار.
وقال الراغب: أصل الوحي: الإشارة السريعة ولتضمنه السرعة قيل: أمر وحي، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض، وقد يكون بصوت مجرد عن التركيب، وبإشارة ببعض الجوارح وبالكتابة، وحمل على ذلك قوله تعالى: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم:11].
وقال الجوهري: الوحي: الكتاب، وجمعه: وُحِيّ مثل: حَلْي وحُلِي. انتهى.
والوحي أيضاً: الإشارة والكتابة والرسالة والإلهام والكلام الخفي، وكلما ألقيته إلى غيرك يقال: وحيت إليه الكلام وأوحيت، وهو أن تكلمه بكلام تخفيه.
ووحى وأوحى أيضاً: كتب وأشار قال تعالى: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} ووحيت إليك بخبر كذا؛ أي: أشرت.
وقال الإمام أبو عبد الله التيمي الأصبهاني: الوحي: أصله: التفهيم وكلما فهم به شيء من الإشارة والإلهام والكتب فهو وحي. وقيل: في قوله تعالى: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}: أي: كتب، وقوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل:68]: أي: ألهم، وأوحى ووحى لغتان والأولى أفصح، وبها ورد القرآن، وقد يطلق ويراد به اسم المفعول منه؛ أي: الموحى. وفي اصطلاح الشريعة: هو كلام الله المنزل على نبي من أنبيائه، كذا في ((عمدة القاري)).
وفي ((إرشاد الساري)) للقسطلاني: الوحي في اصطلاح الشرع: إعلام الله تعالى أنبياءه الشيء إما بكتاب أو برسالة ملك أو منام أو إلهام، وقد يجيء بمعنى الأمر نحو: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي} [المائدة:111] وبمعنى التسخير نحو: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} أي: سخرها لهذا الفعل، وهو اتخاذها من الجبال بيوتاً إلى آخره. وقد يعبر عن ذلك بالإلهام، لكن المراد به: هدايتها لذلك، وإلا فالإلهام حقيقة إنما يكون للعاقل. انتهى.
وهذا التعريف للوحي الشرعي أولى مما عرفه به العيني لعدم شمول تعريفه للرؤيا المنامية والإلقاء في الروع؛ كقوله صلعم: ((إن روح القدس نفث في روعي)) الحديث فهو من أقسام الوحي كما هو مسطور في أصول الفقه.
والرَّسول: إنسان حر ذكر بالغ من بني آدم أوحي إليه بشرع، وأمر بتبليغه، كان له كتاب أنزل عليه ليبلغه أولاً، ناسخاً لشرع من قبله، أو غير ناسخ له، أو على من قبله، وأمر بدعوة الناس إليه أم لم يكن له ذلك بأن أمر بتبليغ الوحي من غير كتاب، ولذلك كثرت الرسل وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر.
وقلت الكتب وهي القرآن، والتوراة، والإنجيل، والزبور، وصحف آدم وشيث وإدريس وإبراهيم وهي مائة وأربعة عشر كتاباً خمسون على شيث وثلاثون على إدريس وعشرون على إبراهيم ولا خلاف في هذا.
واختلف في عشرة، فقيل: نزلت على آدم، وقيل: على موسى قبل التوراة، والتوراة على موسى، والإنجيل على عيسى، والزبور على داود، والقرآن على محمد صلى الله وسلم عليه وعليهم أجمعين.
والنبيء _بالهمز وتركه _ إنسان حر ذكر من بني آدم أوحي إليه بشرع أمر بتبليغه أولاً، فهو أعم مطلقاً على الأصح من الرسول، ومعناه مهموزاً: المخبر اسم فاعل أو اسم مفعول من النبأ وهو الخبر؛ لأنه مخبَّر أو مخبر عن الله تعالى، وبلا همز: المرفوع أو المرتفع الرتبة من النبوة وهي: / ما ارتفع من الأرض.
وأما خبر: ((لا تقولوا: يا نبيء الله، ولكن: يا رسول الله)): فهو مما زال سببه؛ إذ كان الكفار يؤذونه زعماً منهم أنه الطريد لطردهم إياه وأصحابه من مكة، وقد وقع العمل على خلافه، كذا في ((عمدة المريد)) للمحقق اللقاني.
وما تقدم من أن النبي أعم مطلقاً من الرسول هو المشهور. وقال جمع _منهم المحقق ابن الهمام _ بالترادف، فمفهوم النبي هو مفهوم الرسول، وقيل: بينهما عموم وخصوص من وجه لانفراد الرسول في الملك وانفراد النبي في من لم يؤمر بالتبليغ.
وقد اختلف في عدد الأنبياء ╫ فقيل: مائة ألف وعشرون ألفاً. وقيل: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، وهذا هو المشهور. وقيل: مائتا ألف وأربعة وعشرون ألفاً. وقيل: لا يعلم عددهم إلا الله.
وأما الرسل: فثلاثمائة وثلاثة عشر. وقيل: وأربعة عشر. وقيل: وخمسة عشر لما في ((صحيح ابن حبان والحاكم)) من حديث أبي ذر: قلت يا رسول الله: كم الأنبياء؟ قال: ((مائة ألف وعشرون ألفاً))، وفي رواية: ((مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً))، وفي رواية: ((مائتا ألف وأربعة وعشرون ألفاً))، قلت: يا رسول الله كم الرسل من ذلك؟ قال: ((ثلاثمائة وثلاثة عشر جماً غفيراً)).
وفي ((مسند الطيالسي والبزار)): ((ثلاثمائة وخمسة عشر)).
وهاهنا نكتة لطيفة وهي أن نبينا محمداً صلعم لما اجتمع فيه ما تفرق في رسل الله تعالى من الكمالات جمع أشهر أسمائه، وهو محمد بحساب الجمل بطريق البسط عدد الرسل ╫، وذلك أن عدد الميم بهذه الطريقة تسعون، وعدد الحاء تسعة، والميم المشددة بميمين تبلغ مائة وثمانين، ودال بخمسة وثلاثين، ومجموع ذلك: ثلاثمائة وأربعة عشر.
وقوله: (صلعم): جملتان خبريتان لفظاً إنشائيتان معنى؛ لأن معناهما: إنشاء الصلاة والسلام لا الإخبار بحصولهما له، وعطفت إحداهما على الأخرى لما بينهما من التوسط بين كمال الاتصال، وكمال الانقطاع المقتضي للوصل، كما هو مقرر في محله، وجمع بينهما امتثالاً لقوله تعالى: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56]، ولكراهة إفراد الصلاة عن السلام عند البعض.
وقد اعترض أبو عبد الله التيمي على المؤلف بثلاثة أمور حيث قال: واعلم أنه لو قال: كيف كان الوحي وبدؤه لكان أحسن؛ لأنه تعرض لبيان كيفية الوحي ولابتدائه، وأنه كان ينبغي له أن لا يذكر عقب الترجمة لبدء الوحي حديث: ((إنما الأعمال بالنيات))، وأن حديث ابن عباس: ((كان رسول الله صلعم أجود الناس)): لا يدل على بدء الوحي.
وأجاب عن الأول: بأن المصنف لم يقصد بهذه الترجمة تحسين العبارة، وإنما مقصوده: فهم السامع والقارئ إذا قرأ الحديث علم مقصوده من الترجمة فلم يشتغل بها تعويلاً منه على فهمه. انتهى.
قال العيني: واعترض: بأنه ليس قوله: لكان أحسن مسلماً؛ لأنا لا نسلم أنه ليس بياناً لكيفية بدء الوحي؛ إذ يعلم مما في الباب أن الوحي كان ابتداؤه على حال المنام، ثم في حال الخلوة بغار حراء على الكيفية المذكورة من الغط ونحوه. ثم ما فر هو عنه لازم عليه على هذا التقدير أيضاً، إذ البدء عطف على ((الوحي))، كما قرره فيصح أن يقال ذلك إيراداً عليه، وليس قوله: كان ينبغي أيضاً مسلماً؛ إذ هو بمنزلة الخطبة وقصد التقرب، فالسلف كانوا يستحبون افتتاح كلامهم بحديث النية بياناً لإخلاصهم فيه وليس(3) وكذا حديث ابن عباس مسلماً / إذ فيه بيان حال الرسول ◙ عند ابتداء نزول الوحي، أو عند ظهور الوحي، والمراد من حال ابتداء الوحي: حاله مع كل ما يتعلق بشأنه أي تعلق كان، كما في التعلق الذي للحديث الهرقلي، وهو أن هذه القصة وقعت في أحوال البعثة ومبادئها، أو المراد بالباب بجملته: بيان كيفية بدء الوحي لا من كل حديث منه، فلو علم من مجموع ما في الباب كيفية بدء الوحي من كل حديث شيء مما يتعلق به لصحت الترجمة. انتهى.
وفيه: أن ما ذكره من التمحل إنما يفيد تصحيح الترجمة لا أن غيرها ليس بأحسن منها فلا يزيد على اعتذار التيمي عنه بأنه لم يقصد بهذه الترجمة تحسين العبارة ...إلخ.
وقوله: ثم ما فر منه لازم عليه ...إلخ غير ظاهر؛ لأن الترجمة إذا كانت بالعطف كانت معقودة على شيئين: الوحي وبدئه، فالأحاديث التي لم يوجد فيها لفظ البدء تدخل تحت الشيء الأول وهو الوحي، بخلاف ما لو كانت الترجمة بالتركيب الإضافي فإن المضاف إليه فيها غير مقصود، وإنما أتى به لتقييد المضاف فالترجمة بأمر واحد _وهو البدء المضاف إلى الوحي _ فكل حديث لا تعرض فيه للبدء لا يدخل تحت الترجمة، لكن الزيادة على الترجمة غير معيبة كالزيادة في الجواب على السؤال في قوله تعالى حكاية عن موسى ◙: {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا} [طه:18] الآية وقوله صلعم لما سئل عن طهورية ماء البحر: ((هو الطهور ماؤه الحل ميتته))، بخلاف النقص عنها.
(وقَولِ اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ): ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: <╡>، ولابن عساكر: <سبحانه>، وهو إما مجرور بالعطف على محل الجملة السابقة في رواية من ترك تنوين ((باب)): أي: باب كيف كان ابتداء الوحي؟ ومعنى قول الله تعالى، هكذا قدر من اطلعنا عليهم من الشراح كالحافظ والعيني والقسطلاني وفيه نظر؛ لأن تقدير لفظ معنى إنما يصح أن لو كان البخاري تعرض لتفسير الآية وبيان معناها، فلعل الأوجه أن يقدر لفظ ذكر؛ لأنه لم يزد على ذكر الآية الكريمة شيئاً، فالمعنى: باب كيف كان بدء الوحي وذكر قول الله تعالى الآية، وهذا ظاهر لا غبار عليه.
وقال العيني: والتقدير: باب كيف كان ابتدأ الوحي، وباب معنى قول الله ╡، وإنما لم يقدر وباب كيف قول الله؛ لأن قول الله تعالى لا يكيف. انتهى.
وأقول: إنما يحتاج إلى الاعتذار عن ترك تقدير كيف أن لو كان تقديرها صحيحاً بحسب الصناعة وهو غير صحيح؛ لأنه جعل وجه الجر في ((قول الله)) تعالى العطف على محل جملة: ((كيف كان بدء الوحي)) و((كيف)): جزء منها فهي من تمام المعطوف عليه فلا تقدر قبل المعطوف، وإنما يقدر العامل فيها وهو باب، فليتأمل.
وإما مرفوع على أنه مبتدأ والخبر محذوف؛ أي: قول الله تعالى كذا مما يتعلق بهذا الباب ونحو ذلك، قاله الدماميني.
وقال العيني: يجوز فيه الرفع على الابتداء وخبره قوله: (({إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [النساء:163] إلى آخره)).
وفيه نظر إذ قوله تعالى: (({إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ})): وقع في كلام البخاري محكياً بـ((قول الله)) تعالى، فكيف يصح أن يكون خبراً عنه؟ وهل يتم بمثل قولك: قول زيد إني قائم كلام إلا أن تقول: حق أو باطل أو نحو ذلك.
ويجوز أن يكون رفعه بالعطف على محل ((كيف كان بدء الوحي))، على تقدير باب، وجعلها بدلاً عنه أو خبراً لمبتدأ محذوف، وجوز الكرماني رفعه أيضاً عطفاً على ((بدء))، واعترض: بأن كلام الله تعالى لا يكيف.
وأجاب البرماوي: بأنه يصح على تقدير: كيف نزول قول الله؟ أو: كيف فهم معنى قول الله؟ أو نحو ذلك، أو بأن المراد: كلام الله المنزل المتلو لا مدلوله، / وهو الصفة القديمة القائمة به تعالى
({إنَّا أَوحَيْنَا إِلَيْكَ}): أي: بواسطة الروح الأمين جبريل ◙، وبلا واسطة كما في ليلة المعراج وبالإلهام وفي النوم وبالإلقاء في الروع قرآناً وغيره، وآثر صيغة التعظيم تفخيماً للوحي ويلزم منه تفخيم الموحى.
({كَمَا أَوْحَيْنَا}): أي: كوحينا، أو كالذي أوحيناه، أو كشيء أوحيناه.
({إِلَى نُوحٍ والنَّبِيِّيْنَ مِنْ بَعْدِهِ}): زاد في رواية أبي ذر: <الآيةَ>: بالنصب بإضمار اقرأ، والجار والمجرور في محل نصب صفة مصدر محذوف؛ أي: إيحاء مثل إيحائنا إلى نوح والنبيين من بعده، أو: حالاً من ذلك المصدر، لكن بتقديره معرفاً على رأي سيبويه؛ أي: حال كون إيحائنا إليك مماثلاً لإيحائنا إليهم.
وما: تحتمل المصدرية والموصولة والنكرة الموصوفة كما سبقت الإشارة إليه، والعائد على التقديرين الأخيرين محذوف.
ولما كان الإيحاء إلى نوح ومن ذكر بعده مسلماً عند منكري الوحي إلى نبينا ╕ صح جعل الوحي إليهم أصلاً والوحي إليه مشبهاً بالوحي إليهم؛ لأن وجه الشبه يكون في المشبه به أتم، وهذا بالنظر إلى ما هو عندهم؛ لأنهم عرفوه واشتهر عندهم لسبقه، وإما بالنظر إلى نفس الأمر فالإيحاء إليه أتم وأعظم؛ لأن من جملة وحيه القرآن، وهو أعظم كتب الله تعالى، ولم ينزل جبريل على نبي أكثر منه صلعم .
قال بعض الشراح: إنما خصص نوحاً بالذكر دون آدم ◙ مع أنه أول الأنبياء المرسلين؛ لأنه أول مشرع عند بعض العلماء، أو: لأنه أول نبي عوقب قومه فخصصه بالذكر تهديداً لقوم محمد صلعم .
ونظر فيهما العيني فقال: أما الأول: فلا نسلم أن نوحاً أول مشرع، بل أول مشرع هو آدم ◙؛ فإنه أول نبي أرسل إلى بنيه وشرع لهم شرائع، ثم قام بعده بأعباء الأمر شيث ◙، وكان نبياً مرسلاً، وبعده إدريس ◙ بعثه الله إلى ولد قابيل، ثم رفعه الله إلى السماء.
وأما الثاني: فلأن شيثاً ◙ هو أول من عذب قومه بالقتل.
وذكر العزيزي في ((تاريخه)): أن شيثاً ◙ سار إلى أخيه قابيل فقابله بوصية أبيه له بذلك متقلداً بسيف أبيه _وهو أول من تقلد بالسيف_ فأخذ أخاه أسيراً وسلسله، ولم يزل كذلك إلى أن قبض كافراً.
والذي يظهر لي من الجواب الشافي عن هذا: أن نوحاً ◙ هو الأب الثاني، وجميع أهل الأرض من أولاده الثلاثة لقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ} [الصافات:77] فجميع الناس من ولد سام وحام ويافث؛ وذلك لأن كل من كان على وجه الأرض قد هلكوا بالطوفان إلا أصحاب السفينة، فقيل: لم يكن فيها إلا هو وامرأته وبنوه الثلاثة. وقيل: كانوا عشرة، وقيل: كانوا اثنين وسبعين، وعن ابن عباس: كانوا ثمانين إنساناً، فلما خرجوا من السفينة ماتوا كلهم ما خلا نوحاً وأبناءه الثلاثة وأزواجهم، ثم مات نوح ◙ وبقي بنوه الثلاثة، فجميع الناس منهم.
فكان نوح ◙ أول الأنبياء المرسلين بعد الطوفان، وسائر الأنبياء ‰ بعده ما خلا آدم وشيثاً وإدريس، فلذلك خصه الله تعالى بالذكر، ولهذا عطف عليه الأنبياء لكثرتهم بعده. انتهى ملخصاً.
أقول: في نقضه الجواب الثاني بشيث ◙ نظر؛ لأن تعذيب شيث لقومه بالقتل لم يشتهر اشتهار تعذيب قوم نوح، وربما لا يعرفه / المقصودون بالتهديد فلا يحصل التخويف المقصود منه، بخلاف إهلاك قوم نوح بالطوفان؛ فإنه بلغ الغاية في الاشتهار بحيث لا يكاد يجهله أحد، فليتأمل.
ويجوز أن يكون مراده بالتعذيب: التعذيب بأمر عام سماوي، وأما تعذيب قوم شيث بالقتل فكان بمباشرته. وقيل: خص نوح بالذكر؛ لأنه أول نبي آذاه قومه فكانوا يضربونه بالحجارة حتى يقع على الأرض، كما وقع لنبينا مثله في الطائف؛ أي: ففيه تسلية له صلعم فيما وقع له من الأذى. وقيل: لأنه أول أولي العزم.
وقد يقال: وجه التخصيص: اشتهار رسالته والاتفاق عليها.
ففي كلام العارف بالله تعالى الشيخ محي الدين بن عربي قدس سره: لم يجئ نص في القرآن برسالة إدريس ◙ بل قيل فيه: {صِدِّيقًا نَّبِيًّا} [مريم:56] وأول شخص افتتحت به الرسالة نوح ◙، ومن كانوا قبله كانوا أنبياء، كل واحد على شريعة من ربه، فمن شاء دخل معه في شرعه، ومن شاء لم يدخل، فمن دخل ثم رجع كان كافراً. انتهى.
واسم (({نُوحٍ})): عبد الغفار، واشتهر بلقبه نوح، وإنما لقب به؛ لأنه كان ينوح على قومه ويتأسف عليهم لكونهم غرقوا بلا توبة ولا رجوع إلى الله تعالى. وكان أطول الأنبياء عمراً حتى قيل: إنه عاش ألفاً وثمانمائة سنة، ولما نزل عليه الوحي كان عمره ثلاثمائة وخمسين سنة، ولبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله تعالى.
وفي ((تفسير البيضاوي)) في سورة الأعراف: نوح بن لمك بن متوشلح بن إدريس أول نبي بعده، بعث وهو ابن خمسين سنة أو أربعين. وقال في تفسير: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت:14]: أي: بعد المبعث، إذ روي أنه بعث على رأس أربعين سنة ودعا قومه تسعمائة وخمسين سنة، وعاش بعد الطوفان ستين.
وفي ((العرائس)) للثعلبي: بعث الله نوحاً نبياً ورسولاً وهو ابن خمسين سنة وأبوه: متوشلح مؤمن كأمه سمخاء بنت أنوش، ولذا دعا لهما بقوله: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} [نوح:28].
وما تقدم من كونه أطول الأنبياء عمراً هو المشهور، ونقل الأجهوري عن الشيخ زروق: أن شعيباً ◙ عاش ثلاثة آلاف سنة، وكان في غنمه اثنا عشر ألف كلب.
ثم إن مناسبة هذه الآية لما ترجم له المصنف ظاهرة؛ فإن المراد منها: تحقيق وحي نبينا كما تحقق وحي من قبله من النبيين، وأنه صلعم لم يأت بأمر مخترع غير معهود، بل أتى بما هو سنة الله في النبيين الذين خلو من قبل فمن كذبه فكأنما كذب سائر النبيين.
وقال العيني: اعلم أن عادة البخاري ⌂ أن يضم إلى الحديث الذي يذكره ما يناسبه من قرآن، أو تفسير له، أو حديث على غير شرطه، أو أثر عن بعض الصحابة أو التابعين بحسب ما يليق عنده في ذلك المقام، ومن عادته في تراجم الأبواب ذكر آيات كثيرة من القرآن، وربما اقتصر في بعض الأبواب عليها فلا يذكر معها شيئاً أصلاً، وأراد بذكر هذه الآية في أول هذا الباب: الإشارة إلى أن الوحي سنة الله تعالى في أنبيائه ‰. انتهى.
وسبب نزول هذه الآية _على ما ذكره هو وغيره _ أن اليهود قالوا للنبي صلعم: إن كنت نبياً فأتنا بكتاب جملة من السماء كما أتى به موسى ◙ فأنزل الله تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ} [النساء:153] الآيات، فأعلم الله تعالى أنه نبي يوحى إليه كما يوحى إليهم، وأن أمره كأمرهم، وبدأ بنوح لما تقدم، وعطف عليه النبيين من بعده، وخص منهم إبراهيم ومن بعده إلى داود تشريفاً لهم وتعظيماً لشأنهم، وترك ذكر موسى ◙ ليبرزه مع ذكره بقوله: وكلم موسى تكليماً على نمط أعظم من الأول.
ولما كان هذا الكتاب لجمع وحي السنة / صدره بباب الوحي؛ لأنه ينبوع الشريعة كما تقدم، ولما كان الوحي لبيان الأعمال الشرعية، والتكليفات الربانية، ومن المعلوم أن مدارها على النية قدم المؤلف حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) لمناسبته للآية السابقة؛ لأنه أوحى إلى الكل الأمر بالنية كما قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5] والإخلاص النية ولإرشاد الشارع في قراءة كتابه من أول الأمر أن عمله بحسب نيته ليجاهد نفسه في إخلاصها.
فقال كما أخبرنا بذلك مشايخنا الذين روينا هذا الحديث مع بقية أحاديث هذا ((الصحيح)) عنهم من أجلهم: شيخنا شيخ الإسلام وبركة الأنام، العالم العامل، والمحدث الكامل، خادم السنة النبوية، وناشر أحاديث خير البرية، الشيخ محمد أبو المواهب مفتي السادة الحنابلة بدمشق الشام، المتوفى لليلتين بقيتا من شوال سنة ست وعشرين ومائة وألف عن ثلاث وثمانين سنة.
ومنهم: قطب دائرة العلوم، ومركز إحاطة المنطوق والمفهوم، مطلع شمس الهداية الإلهية، ومنبع فيض العلوم الربانية، العارف بالله تعالى شيخنا الشيخ عبد الغني بن إسماعيل النابلسي، المتوفى في أواخر شعبان سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف عن ثلاث وتسعين سنة بتقديم التاء.
ومنهم: المحدث الفاضل مجمع الكمالات والفضائل المعمر، الذي ألبسه الله حلة الفصاحة والقبول، ورزقه النضرة ببركة دعاء الرسول شيخنا الشيخ محمد ابن الشيخ علي الكاملي الشافعي المتوفى منتصف ذي القعدة الحرام سنة إحدى وثلاثين ومائة وألف عن سبع، وقيل: تسع _بتقديم التاء_ وثمانين سنة بقراءتي على الأول لبعضه، وسماعي لبعضه، والإجازة بسائره، وبقراءتي على الثاني لبعضه، والإجازة لسائره، وبسماع بعضه من الثالث، والإجازة بسائره برواية الثلاثة له عن الشيخ المعمر المحدث المقرئ الشيخ عبد الباقي مفتي السادة الحنابلة سابقاً بدمشق الشام قال:
أنبأنا شيخنا الشيخ حجازي الواعظ، عن ابن أركماس، عن الحافظ ابن حجر عن أبي إسحاق إبراهيم ابن عبد المؤمن البعلي، وأبي علي الجيزي، وأم محمد عائشة بنت عبد الهادي قالوا: أنبأنا أحمد بن أبي طالب ابن أبي النعم الصالحي الحجار سيدة(4) الوزراء بنت عمر بن المنجي التنوخية، قالا: أنبأنا أبو عبد الله ابن الحسين بن المبارك الزبيدي قال: أنبأنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى الهروي، قال: أنبأنا أبو الحسن عبد الرحمن ابن محمد الداودي، قال: أنبأنا أبو محمد عبد الله بن أحمد السرخسي قال: أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يوسف الفربري قال: أنبأنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري.
ونروي هذا ((الصحيح)) أيضاً بطريق الإجازة بالخط واللفظ عن المشايخ الثلاثة المكيين وهم: الشيخ المعمر الزاهد، الشيخ أحمد بن محمد بن أحمد النخلي المكي، والشيخ عبد الله بن سالم البصري المكي، والشيخ محمد بن سلامة الإسكندري.
قال الأول: سمعت ((صحيح البخاري)) على شيخنا الشيخ محمد علاء الدين البابلي المصري الشافعي إلا فوتاً يسيراً فبالإجازة بقراءة أخينا في الله وصاحبنا الخطيب والإمام ببلد الله الحرام الشيخ علي الأيوبي قال شيخنا البابلي: أخبرنا به الشيخ الإمام العالم الهمام جهبذ السادة الأعلام أبو النجا سالم بن محمد السنهوري سماعاً لبعضه، وإجازة لسائره بقراءته لجميعه على خاتمة المحققين والحفاظ المسند النجم محمد بن أحمد / بن علي الغيطي بقراءته لجميعه على شيخ الإسلام أبي يحيى زكريا بن محمد الأنصاري بقراءته لجميعه على أمير المؤمنين في الحديث، الحافظ شيخ السنة أبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني.
بسماعه لجميعه على الأستاذ إبراهيم بن أحمد التنوخي، بسماعه لجميعه على أبي العباس أحمد بن أبي طالب الحجار، بسماعه لجميعه على السراج الحسين بن المبارك الزَّبيدي _بفتح الزاي_ الحنبلي، بسماعه لجميعه على أبي الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزي الهروي، بسماعه لجميعه على أبي الحسن عبد الرحمن ابن محمد بن مظفر بن داود الداودي.
سماعاً عن أبي محمد عبد الله بن أحمد السرخسي، سماعاً عن أبي عبد الله محمد بن يوسف بن مطر ابن صالح بن بشير الفربري، سماعاً عن أمير المؤمنين في الحديث الجهبذ الناقد الإمام، والحبر الكامل الهمام، أحد أساطين الإسلام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه الجعفي مولاهم، المتوفى ليلة السبت مستهل شوال سنة ست وخمسين ومائتين عن اثنين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يوماً.
وبهذا السند والذي قبله قال المؤلف ⌂ ونفعنا به والمسلمين:
[1] في الأصل: ((الغرب)).
[2] في هامش الأصل: ((أي: اللحم والخمر)).
[3] بياض في الأصل.
[4] كتب في الأصل تحت ((سيدة)): ((بست)).