الجمع بين الصحيحين لابن الخراط

حديث: إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعةً

          2283- وذكر البخاريُّ أيضًا، [خ¦2731] عن المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ، ومَروانَ بنِ الحَكَمِ ويُصَدِّقُ(1) كلُّ واحدٍ منهما حديثَ صاحِبِه، قالا: خرجَ علينا رسولُ الله صلعم زمنَ الحُديبِيَّةِ(2) حتَّى إذا كانوا ببعضِ الطَّريقِ؛ قال النَّبيُّ صلعم: «إنَّ خالدَ بنَ الوَليدِ بالغَميمِ في خَيلٍ لقُريشٍ طَليعةً، فخُذُوا ذاتَ اليَمينِ»، فو اللهِ ما شَعرَ بهم خالدٌ حتَّى إذ(3) هُم بِقَتَرَةِ الجيشِ، فانطَلقَ يَركُضُ نذيرًا لِقُريشٍ وسارَ النَّبيُّ صلعم حتَّى إذا كانَ بالثَّنِيَةَ الَّتي يهبِطُ عليهم منها؛ بَرَكَتْ به راحلَتُهُ، فقال النَّاسُ: حَلْ، حَلْ، فأَلحَّتْ، فقالوا: خَلَأَتِ القَصْواءُ، فقال النَّبيُّ صلعم: «ما خَلَأَتِ القَصْواءُ وما ذاكَ لها بخُلُقٍ، ولكنْ حبَسَها حابِسُ الفيلِ» قال: «والَّذي نَفسِي بِيَدِه لا يَسأَلُونِي خِطَّةً يُعَظِّمُونَ فيها حُرُمَاتِ اللهِ إلَّا أعْطيتَهُم إيَّاهَا»، ثمَّ زجَرهَا فوَثَبَتْ، قال: فَعَدَلَ عنهم حتَّى النَّاسُ حتَّى نزَحُوهُ وشُكِيَ إلى النَّبيِّ(4) صلعم العَطشُ، فانْتزَعَ سَهمًا من كِنانَتِهِ، ثمَّ أمرَهُم أن يجْعلُوهُ فيه، فواللهِ ما زالَ يَجيشُ لهُم بالرِّيِّ حتَّى صَدَرُوا عنه، فبينَما هُم كذلكَ؛ إذ جاءَ بُديلُ بنُ وَرقَاءَ الخُزاعِيُّ في نفَرٍ من قومِهِ من خُزاعَةَ، وكانُوا عَيبَةَ(5) نُصْحِ رسولِ اللهِ صلعم / من أهلِ تِهامَةَ(6) ، فقال: إنِّي تركْتُ كَعبَ بنَ لُؤيٍّ وعامرَ بنَ لُؤَيٍّ نزَلُوا أعدادَ مياهِ الحُدَيبِيَةَ(7) معهم العوذُ المطافِيلُ، وهم مُقاتِلُوكَ وصَادُّوكَ عن البيتِ، فقالَ رسولُ الله صلعم: «إنَّا لم نَجئْ لقتالِ أحَدٍ، ولكِنَّا جئْنَا مُعتَمِرينَ وإنَّ قُريشًا قد نَهِكَتْهُم (8) الحربُ، وأَضَرَّتْ بهِم، فإنْ شَاؤُوا؛ مادَدْتُهُم مُدَّةً ويخْلُوا بينِي وبينَ النَّاسِ فإنْ [أَظهَرْ إنْ شَاؤُوا أنْ يدخُلُوا فيما دخَلَ فيه النَّاسُ فعلُوا] (9) وإلَّا؛ فقد جَمُّوا، وإنْ هُم أَبَوا؛ فوالذي نفسِي بيَدهِ لأُقاتِلَنَّهُم على أَمرِي هذا حتَّى تَنْفَرِدَ سالِفَتِي وليُنْفِذَنَّ اللهُ أمرَهُ»، فقال بُديْلٌ: سأُبلِّغُهُم ما تقولُ، [قال] (10) : فانطلَقَ حتَّى أتَى قُريشًا، فقال: إنَّا قد جئْنَاكُم من هذا الرَّجُل وسمعنَاه يقولُ قولًا، فإنْ شِئْتُم أنْ نَعْرِضَهُ (11) عليكُم؛ فعَلنَا، فقال سفَهاؤُهُم: لا حاجَةَ لنَا أن تُخبِرَنا عنه بشيءٍ، وقال ذَوو (12) الرَّأيِ منهُم: هاتِ ما سَمعْتَه يقولُ، قال: سَمعتُه يقولُ كَذا وكَذا، فحَدَّثَهُم بما قالَ النَّبيُّ صلعم، فقامَ عُروَةُ بنُ مسْعُودٍ، فقال: أيْ قَوْمِ؛ ألستُمْ بالوالِدِ؟ قالوا: بلَى، قال: أوَلسْتُ بالوَلَدِ؟ قالوا: بلَى، قال: فهل تَتَهِمُونِي؟ قالوا: لا، قال: ألَستُم تعلمونَ أَنِّي اسْتَنْفَرْتُ أهلَ عُكَاظٍ، فلمَّا بلَّحُوا (13) علَيَّ جئْتُكُم بأَهلِي وَوَلدِيْ ومَن أطاعَنِي؟ قالوا: بلَى، قال: فإنَّ هذا قد عَرَضَ لكُم خُطَّةَ رُشْدٍ، فاقْبَلُوها منه ودَعُونِي آتِهِ (14) ، قالوا: ائْتِهِ، فأتَاه فجعلَ يُكَلِّم النَّبيَّ (15) صلعم، فقال النَّبيُّ صلعم نحوًا من قولِه لبُدَيلٍ (16) ، فقال عُروَةُ عند ذلكَ: أي محمَّدُ؛ أرأيْتَ إنِ استأْصلْتَ أمرَ قومِكَ، هلْ سَمعْتَ بأحدٍ من العربِ اجْتاحَ أصلَهُ قبْلكَ؟ وإن تكُنِ الأُخرَى؛ فإِنِّي واللهِ لأَرَى وُجُوهًا، وإنِّي لأَرَى أشْوَابًا من النَّاسِ خَليقًا (17) أن يَفرُّوا (18) ويَدَعُوكَ، فقال لهُ أبو بكرٍ ☺: امْصُصْ (19) بَظْرَ (20) الَّلاتِ، أنَحنُ نَفِرُّ عنه وندَعُهُ؟ قال (21) : من ذا؟ قالوا: أبو بكرٍ، فقال: أما والذي نفسي بيدِهِ، لولا يدٌ كانتْ لكَ عندي لم أَجزِكَ بها؛ لأَجبْتُكَ، قال: وجعلَ يُكَلِّمُ النَّبيَّ صلعم، فكُلَّما تكلَّمَ (22) ؛ أخذَ بلحْيَتِهِ والمُغيرةُ قائِمٌ على رأسِ رسولِ الله صلعم ومعه السَّيفُ، وعليه المِغْفَرُ (23) ، وكُلَّما (24) أهوَى عُروَةُ بيَدِه إلى لحيةِ رسولِ الله صلعم ضربَ يدَه بنعلَ السَّيفَ، وقال: أخِّرْ يدكَ عن لحيةِ رسولِ الله صلعم، فرفعَ عُروَةُ رأسَه فقال: مَنْ هذا؟ قالوا: المُغيَرةُ بنُ شُعبَةَ، فقال: أي غُدَرُ؛ ألسْتُ أسْعَى في غَدْرَتِكَ وكان المُغيرَةُ صَحِبَ قَومًا في الجاهليةِ، فقَتلَهُم وأخذَ أموالهَم، ثمَّ جاءَ فأسلَمَ، فقال النَّبيُّ صلعم: «أمَّا الإسلامُ؛ فأَقبلُ، وأمَّا المالُ؛ فلسْتُ منه (25) في شيءٍ»، / ثمَّ إنَّ عُروَةَ جعلَ يَرمُقُ بعَينِهِ (26) أصحابَ النَّبيِّ صلعم، قال: فواللهِ ما تَنَخَّم رسولُ الله صلعم نُخامةً؛ إلَّا وَقعتْ في كَفِّ رجُلٍ منهُم، فدَلكَ بها وَجهَهُ وجِلدَهُ، وإذا أمرَهُم (27) ؛ ابتدَرُوا أمرَه، وإذا توضأَ؛ كادُوا؛ يقْتتِلوُن على وَضوئِهِ، وإذا تكَّلمُوا؛ خفضُوا أصْواتَهُم عندَه، وما (28) يُحِدُّون (29) إليه النَّظرَ؛ تَعظيمًا له، فرَجعَ عُروَةُ إلى أصحابِه، فقال: أي قَومِ؛ واللهِ لقد وفَدْتُ على الملوكِ، ووَفَدْتُ على قيْصَرَ وكِسرَى والنَّجَاشِي، واللهِ إن رأَيتُ مَلِكًا (30) قطُّ يُعظِّمُهُ أصحابُه ما يُعظِّمُ أصحَابُ محمَّدٌ محمَّدًا، واللهِ إنْ تَنَخَّمَ (31) نُخَامَةً إلَّا وَقعتْ في كَفِّ رجُلٍ منهُم فدَلكَ بها وجهَهُ وجِلدَه، وإذا أمرَهُم؛ ابْتدَرُوا أمرَه، وإذا توَضأَ؛ كادُوا يقْتتِلُون على وَضوئِهِ، وإذا تكلَّمَ (32) ؛ خَفضُوا أصوَاتَهم عندَه، وما يُحِدُّونَ (33) إليه النَّظَرَ؛ تعظِيمًا له، وإنَّهُ قد عرضَ عليكُم [خُطَّةَ] (34) رُشدٍ، فاقْبلُوها، فقال رجُلٍ من بني كِنانةَ: دَعوُني آتِيهِ، فقالوا: ائْتِهِ (35) ، فلمَّا أشرَفَ على النَّبيِّ صلعم وأصحابِه؛ قال رسولُ الله صلعم: «هذا فُلانٌ وهو من قومٍ يُعظِّمونَ البُدْنَ، فابعثُوهَا له»، فبُعِثَتْ له واستقَبلَه النَّاسُ يُلَبُّونَ، [فلمَّا رأى ذلكَ] (36) ؛ قال: سبحانَ اللهِ! ما يَنبَغي لهؤلاءِ أن يُصَدُّوا عن البيتِ، فلمَّا رجعَ إلى أصحابِه؛ قال: رأيتُ البُدْنَ قد قُلِّدَتْ وأُشْعِرَتْ، فما أَرَى أن يُصَدُّوا عن البيتِ، فقام رجُلٌ منهم، يقالُ له: مِكْرَزُ بنُ حفصٍ، فقال: دَعُوني آتِيْهِ (37) ، فلمَّا أَشرفَ عليهِم؛ قال النَّبيُّ صلعم: «هذا مِكرَزٌ، وهو رجُلٌ فاجِرٌ»، فجعلَ يُكلِّم النَّبيَّ صلعم، فبينَما (38) هوَ يُكلِّمُه؛ إذ جاءَ سُهيْلُ بنُ عَمرٍو، قال مَعمَرٌ (39) : فأَخبرَني أيُّوبُ، عن عِكْرِمةَ: أنَّه لمَّا جاءَ سُهيلٌ [بنُ عمرٍو] (40) ؛ قالَ النَّبيُّ صلعم: « [قد] (41) سَهُلَ لكُم منْ أمرِكُم».
          _رجع [إلى] (42) الحديثِ_: فجاءَ سُهيْلُ بنُ عَمرٍو فقال: هاتِ، اكْتبْ بينَنَا وبينَكُم كتابًا، فدعَا النَّبيُّ صلعم الكَاتِبَ فقالَ النَّبيُّ صلعم: « [اكْتُبْ] (43) بسم اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ»، فقال سُهيْلٌ: أمَّا الرَّحمنُ؟ فواللهِ ما أَدرِي ما هوَ، ولكن اكْتُبْ باسمِكَ اللَّهُمَّ، [كما كنتَ تكتُبُ، فقال المسلمونَ: والله، لا نَكْتُبها إلَّا بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، فقال النَّبيُّ صلعم: «اكْتُبْ باسمِكَ اللَّهُمَّ»] (44) ثمَّ قال: «هذا ما قاضَى عليه محمَّدٌ رسولُ الله»، فقال سُهيْلٌ: واللهِ لو كُنَّا نعلَمُ أنَّكَ رسولُ الله؛ ما صَددْناكَ عن البيتِ، ولا قاتَلنَاكَ، ولكن اكْتُبْ محمَّدُ بنُ عبدِ الله، فقال النَّبيُّ صلعم: «واللهِ إنِّي لَرسُولُ اللهِ، وإنْ كَذَّبتُموُنِي، اكْتُبْ محمدُ بنُ عبدِ اللهِ»، قال الزُّهْريُّ: وذلكَ لقولِه صلعم (45) : «لا يسأَلُوني خِطَّةً يُعظِّمُونَ فيها حُرُماتِ اللهِ إلَّا أعطيتُهُم إيَّاهَا»، ورجعَ إلى الحديثِ، فقال لهُ النَّبيُّ صلعم: / «على أن تُخَلُّوا بينَنَا وبينَ البيتِ، فنطوفَ (46) به»، فقال (47) سُهيلٌ: واللهِ لا تتَحدَّثُ (48) العربُ أنَّا أُخِذْنا (49) ضُغْطَةً، ولكن ذلكَ منَ العامِ المُقبِلِ فكتبَ، فقالَ سُهيْلٌ: وعلى أنَّهُ (50) لا يأْتِيكَ منَّا رجُلٌ وإن كانَ على دينِكَ إلَّا ردَدْتَهُ إلينا، قال المسلمونَ: سبحانَ اللهِ! كيفَ يُرَدُّ إلى المُشركينَ، وقد جاءَ مسلِمًا؟! فبينما هُم كذلكَ؛ إذ دخلَ أبو جَندلِ بنُ سُهيْلٍ بنِ عَمرٍو يرْسُفُ في قُيودِه، وقد خرجَ من أَسفلَ مكَّةَ حتَّى رمَى بنفْسِهِ بينَ أَظهُرِ المسلمينَ، فقال سُهيلٌ: هذا يا محمَّدُ أوَّلُ ما أقاضِيكَ عليه أن تَرُدَّهُ عَلَيَّ (51) ، فقال النَّبيُّ صلعم: «إنَّا لم نقْضِ الكتابَ بعدُ»، قال: فواللهِ [إذًا] (52) لا أُصالِحُكَ على شيءٍ أبدًا، قال النَّبيُّ صلعم: «فأَجِزْهُ لي»، قال: ما أنا بمُجيزِه (53) لكَ، قال: «بلى، فافعَلْ»، قال: ما أَنا بفاعلٍ، قال مِكْرَزٌ: بَلَى (54) قد أَجزْناهُ لكَ، قال أبو جَندلٍ: أي مَعشَرَ المسلمينَ؛ أُرَدُّ إلى المشركينَ، وقد جِئتُ مسلِمًا؟! أَلا تَروْنَ ما قد لَقيتُ؟ وكانَ قد عُذِّبَ عذابًا شديدًا في اللهِ، قال عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: فأتيتُ النَّبيَّ (55) صلعم، فقلت: أَلستَ نبِّيَ اللهِ حَقًّا؟ قال: «بلَى»، قال: أَلسنَا على الحقِّ وعَدُوُّنا على الباطلِ؟ قال: «بلَى»، قلتُ (56) : فلِمَ نعطِي الدَنيَّةَ في دينِنَا إذًا؟ قال: «إنِّي رسولُ الله ولستُ أَعصيهِ، وهو ناصِرِي»، قلت: أوَليسَ كنتَ تُحدِّثُنا أنَّا سنأْتي البيتَ فنطوفُ بهِ؟ قال: «بلَى، فأخبَرتُكَ أنَّا نأتِيهِ العامَ؟» قلت: لا، قال: «فإنَّكَ آتِيهِ ومُطَّوِّفٌ (57) بهِ»، قال: فأَتيتُ أبا بكرٍ فقلتُ: يا أبا بكرٍ؛ أليسَ هذا نبِّيُّ اللهِ حقًّا؟ قال: بلَى، قلتُ: ألسنَا على الحقِّ وعَدوُّنا على الباطلِ؟ قال: بلَى، قلتُ: فلمَ نُعطِي الدنِيَّةَ في دينِنا إذًا؟ قال: أيُّها الرَّجُل: إنَّه رسولُ اللهِ وليسَ يَعصِي ربَّه (58) وهوَ ناصِرُهُ، فاستمسِكْ بغَرْزِهِ، فواللهِ إنَّه على الحقِّ، قلتُ: أوَليسَ كانَ يحدِّثُنا أنَّه (59) سنأتي (60) البيتَ فنَطوفُ (61) به؟ قال: بلَى، [قالَ] (62) : فأخْبرَكَ أنَّكَ تأْتِيه العامَ؟ قلتُ: لا، قال: فإنَّكَ آتِيهِ ومُطِّوِّفٌ به، قال الزهريُّ: قال عُمَرُ: فعَمِلْتُ لذلكَ أعمالًا.
          _رجعَ [إلى] (63) الحديثِ_: فلمَّا فَرِغَ من قضيِّةِ الكتابِ؛ قال رسولُ الله صلعم لأصحابِه: «قُومُوا فانْحَرُوا ثمَّ احْلِقُوا»، قال: فوالله ما قامَ منهُم رجُلٌ حتَّى قال ذلكَ ثلاثَ مرَّاتٍ، فلمَّا لم يقُمْ منهُم أحدٌ؛ دخلَ على أمِّ سلَمةَ ♦، فذكرَ لها ما لَقِيَ (64) من النَّاسِ، فقالت أمُّ سلَمةَ: يا نبيَّ اللهِ؛ أتُحبُّ ذلكَ؟ اخُرجْ، ثمَّ لا تُكَلِّمْ أحدًا منهم كلمةً حتَّى تَنحرَ بُدُنَكَ، وتدعُوَ حالِقَكَ، فيحلِقَكَ، فخرجَ فلم يُكَلِّمْ أحدًا منهم حتَّى فعلَ ذلكَ، نَحرَ بُدنَهُ، ودعَا حالِقَهُ فحلَقَهُ، فلمَّا رأَوا [ذلكَ] (65) ؛ قامُوا / فنَحَرُوا (66) ، وجعلَ بعضُهُم يحلقُ بعضًا حتَّى كادَ بعضُهُم يقتُلُ بعضًا؛ غماًّ، ثمَّ جاءَهُ نسوةٌ مؤمناتٌ، فأنزلَ الله ╡: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ (67)}حتَّى بلغ {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة:10] فطلَّق عُمرُ يومئِذٍ امرَأَتينِ كانتا لهُ في الشِّركِ، فتزوجَ إحداهُما معاويةُ بنُ أبي سُفيانَ، والأُخرَى صفوانُ بنُ أميَّةَ، ثمَّ رجعَ النَّبيُّ صلعم إلى المدينةِ فجاءَهُ (68) أبو بَصيرٍ (69)_رجلٌ من قُريش_ وهو [رجلٌ] (70) مُسلمٌ، فأرْسلُوا في طلبِه رجلَينِ فقالوا: العهْدَ الذي جعلْتَ لنَا، فدَفعَه إلى الرَّجُلينِ، فخرجَا به حتَّى بلغَا ذا الحُلَيفَةِ، فنزلُوا يأكلُونَ من تمرٍ لهُم، فقال أبو بَصيرٍ (71) لأحدِ الرَّجُلينِ: واللهِ إنِّي لأَرَى سَيفَكَ هذا يا فُلانُ جيِّدًا، فاسْتلَّهُ الآخرُ وقالَ (72) : أجل والله؛ إنَّه لجيِّدٌ (73) ، لقد جَرَّبتُ به، ثمَّ (74) جَرَّبْتُ (75) ، فقال أبو بَصيرٍ (76) : أرِني أَنظرُ إليهِ، فأَمكَنَه منه، فضرَبَه حتَّى بَرَدَ، وفَرَّ الآخَرُ حتَّى أتَى المدينَةَ، فدخلَ المسجدَ يعدُو، فقالَ النَّبيُّ صلعم حين رآهُ: «لقد رأَى هذا ذُعْرًا»، فلمَّا انتَهى إلى النَّبيِّ صلعم؛ قال: قُتِلَ (77) والله؛ صاحِبي (78) ، فَإنِّي (79) لمَقْتُولٌ، فجاءَ أبو بَصيرٍ، فقالَ: يا نَبيَّ اللهِ؛ قد (80) واللهِ أَوْفى اللهُ ذِمَّتَكَ، قد رَدَدْتَنِي إليهم، ثمَّ [إنَّه] (81) أَنجَانِي اللهُ منهُم؛ فقالَ النَّبيُّ صلعم: «ويلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ لو كانَ لهُ أحدٌ»، فلمَّا سمعَ ذلكَ؛ عَرَفَ أنَّهُ سيَرُدُّه إليهم، فَخَرجَ حتَّى أَتَى سِيْفَ (82) البَحرِ، قالَ (83) : ويَنفَلِتُ (84) منهُم أبو جَنْدلٍ، فلَحِقَ بأَبي بَصيرٍ، فجعلَ لا يَخْرُجُ من قُريشٍ رجُلٌ قد أَسلمَ إلَّا لَحِقَ بأَبي بَصيرٍ (85) ، حتَّى اجْتمَعتْ منهم عِصابَةٌ، فوالله؛ ما يسمعُونَ بِعِيرٍ خَرجَتْ لقُريشٍ إلى الشَّامِ إلَّا اعْتَرَضُوا لها، فقَتُلوهُم وأَخذُوا أموَالَهم، فأَرسلَتْ قُريشٌ إلى النَّبيِّ صلعم تُناشِدُهُ اللهَ والرَّحِمَ لمَّا أَرسَلَ فمنْ أَتاهُ؛ فهوَ آمنٌ، فأرسلَ النَّبيُّ صلعم إليهِم، فأنزلَ الله ╡: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ} حتَّى بلغَ: {حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} [الفتح:24-26] وكانت حمِيَّتُهُم أنَّهُم لم يُقِرُّوا أنَّه نَبيٌّ (86) ، ولم يُقِرُّوا بـ(♫)، وحالُوا بينَهم وبينَ البيتِ.
          وقالَ عُقيلٌ: قال الزُّهرِيٌّ: قال عُروَةُ عن عائشةَ: أنَّ رسولَ الله صلعم كانَ يمتَحِنُهُنَّ، وبلَغَنَا أنَّه لمَّا أَنزلَ اللهُ ╡ أن يَردُّوا إلى المشركينَ ما أنفقُوا على من هاجَرَ من أزواجِهم، وحكمَ على المسلمينَ ألَّا يُمَسِّكُوا بِعِصَمِ الكَوافِرِ؛ أنَّ عُمَرَ (87) طلَّقَ امرأَتينِ قَريبةَ (88) بنتَ أبي أُميَّةَ وابنَةَ جَروَلٍ الخُزاعيِّ، فتَزَوَّجَ / قَريبَةَ مُعاوِيةُ، وتزَوَّجَ الأُخرَى أبو جَهمٍ، فلمَّا أبَى الكُفَّارُ أن يُقِرُّوا [بأداء] (89) ما أنفقَ المسلمُونَ على أزواجِهِم؛ فأنزل (90) الله ╡: {وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ} [الممتحنة:11] والعَقْبُ: ما يُؤَدِّي المسلمونَ إلى من هاجَرَتِ امرأتُهُ من الكُفَّارِ، فأَمرَ أن يُعْطَى مَنْ ذَهَبَ لهُ زوجٌ منَ المسلمينَ ما أَنفقَ منْ صَدَاقِ (91) الكُفَّارِ الَّلائي (92) هاجَرَتْ (93) ، وما نعلمُ أحدًا (94) من المهاجراتِ ارْتدَّتْ بعد إيمانِها، وبلَغنَا أنَّ أبا بَصيرِ بنِ أَسيدٍ (95) الثَّقفيِّ قَدِمَ على النَّبيِّ صلعم مُؤْمنًا مُهاجِرًا في المُدَّةِ، فكتبَ الأَخنَسُ بنُ شُرَيقٍ إلى النَّبيِّ صلعم يسأَلُه أبا بَصيرٍ؛ فذكرَ الحديثَ. [خ¦2733]
          خرَّج البُخاريُّ هذا الحديث والَّذي قبلَهُ في كتابِ الشروطِ [خ¦2731] [خ¦2733] وذكرَ في أوَّلِ الكتابِ طرفًا منه [خ¦2711] ، وقال فيه: ولم يأْتِهِ أحدٌ منَ الرِّجالِ إلَّا رَدَّهُ في تلكَ المُدَّةِ، وإن كانَ مُسلِمًا، وجاءتِ المُؤمناتِ مُهاجراتٍ، وكانت أمُّ كُلثومِ بِنْتُ عُقبَةَ بنِ أبي مُعَيطٍ ممنْ خرجَ إلى رسولِ اللهِ صلعم يومَئِذٍ وهيَ عاتقٌ، فجاءَ أهلُها يسألونَ النَّبيَّ صلعم أن يَرجِعَها إليهِم، فلم يَرجِعْها إليهم؛ [لِمَا] (96) أنزلَ اللهُ فيهِنَّ: {إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} إلى: {وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة:10] .
          وذكرَ في كتابِ المغازِي [خ¦4157] عن المِسْوَرِ ومَروانَ أيضًا قالا: خرجَ النَّبيُّ صلعم عامَ الحُديْبِيَةِ في بِضعِ عشْرَةَ مئةً من أصحابهِ (97) ، فلمَّا كانَ بذِي الحُلَيفَةِ قلَّدَ النَّبيُّ صلعم الهَديَ وأَشْعرَ وأَحرَمَ بالعُمرَةِ منها.
          وذكره في الحجِّ أيضًا. [خ¦1694]


[1] في غير (ص) و(ق) و(ك): (يصدِّق).
[2] في غير (ص) و(ق): (الحديبِيَةِ).
[3] في غير (ص) و(ق): (إذا).
[4] في غير (ص) و(ق): (رسول الله).
[5] في (ص): (عينه).
[6] في (ص): (تُهامة).
[7] في (ص): (الحديبيَّة).
[8] في (ص): (نهَكتهم)، وفي (ق): (نهكهم).
[9] سقط من (أ) و(ت).
[10] سقط من (ص) و(ق).
[11] في (ص): (نُعرِضه).
[12] في (ص): (ذو).
[13] في (ص): (بلجوا).
[14] في (ص): (آتيه).
[15] في (ص): (رسول الله).
[16] في (ص): (قول بديل).
[17] في (ك): (خلقًا).
[18] في (ص): (يفرقوا).
[19] في (ص): (أمصص).
[20] في (ص): (بطن)، (ك): (بظهر).
[21] في غير (ص) و(ق): (فقال).
[22] زيد في (أ): (كلمة).
[23] في (أ): (المغفرى).
[24] في غير (ص) و(ق): (فكلما).
[25] في (ص): (منهم)، وكتب فوقها: (كذا).
[26] في (أ) و(ت) و(ح): (بعينيه)، وجاء في (ت) و(ح) بعد قوله: (أصحاب النبي صلعم).
[27] زيد في (ق): (بأمر).
[28] في (ص) و(ق): (ما).
[29] في (ص): (يَحدُّون).
[30] في المطبوع: (مليكًا).
[31] في المطبوع: (يتنخَّم).
[32] في غير (ص) و(ق): (تكلموا).
[33] في (ص): (يَحدون).
[34] سقط من (ق).
[35] في (ص): (آتيه).
[36] سقط من (ق).
[37] في غير (ص) و(ق): (آته).
[38] في (ص): (فبينا).
[39] في (ح) (عمر)، وفي (ك): (يعمر).
[40] سقط من غير (أ) و(ص) و(ق).
[41] سقط من (ح).
[42] زيادة من (أ) و(ص) و(ق).
[43] سقط من (ح) و(ص) و(ق).
[44] سقط من (ص).
[45] في (ص): (╕).
[46] في (ص): (فنطوفُ).
[47] في (ص): (قال).
[48] في (ص): (يتحدث).
[49] في غير (ص) و(ق) والمطبوع: (نُؤخَذ)، وفي (ص): (أَخذنا).
[50] في (ق): (أن).
[51] في غير (ص) و(ق): (إليَّ)، وفي نسخة في هامش (أ) كالمثبث.
[52] سقط من:(ح).
[53] في غير (ص) و(ق) والمطبوع: (بمجيز ذلك).
[54] في (ت) و(ح): (بل).
[55] في غير (ص) و(ق): (رسول الله).
[56] في (ص): (فقلت).
[57] في (ص): (مطُوف).
[58] زيد في (ق): (╡).
[59] في المطبوع: (أنَّا).
[60] في غير (أ) و(ت) و(ح): (سيأتي).
[61] في (ت) و(ح): (فيطوف).
[62] زيادة من (ص) و(ق).
[63] سقط من (ت) و(ح).
[64] في (ص): (لقى).
[65] سقط من (ق).
[66] في (ص): (فَنَحِرُوا).
[67] زيد في (أ) والمطبوع: (فامتحنوهنَّ).
[68] في (ت) و(ح): (فجاء).
[69] في (ص): (نصير).
[70] سقط من (ت) و(ح).
[71] في (ص): (نُصَيْر)، وفي (ك): (نضير).
[72] في غير (ص) و(ق): (فقال).
[73] في (أ): (حبذا).
[74] في (ق): (و).
[75] زيد في (ص): (به).
[76] في (ك): (نضير).
[77] في (ص): (قَتَل).
[78] في (ص): (وصاحبي).
[79] في غير (ص) و(ق): (وإني).
[80] في (ص): (لقد).
[81] سقط من (ت) و(ح).
[82] في (ص): (سَيفَ).
[83] في (ت) و(ح): (وقال).
[84] في (أ): (وينقلب)، وفي (ص): (وتتفَلَّت).
[85] في (ص): (بُصير).
[86] زيد في غير (ص) و(ق): لفظ الجلالة.
[87] زيد في (ق): (☺).
[88] في (ق): (قُريبة).
[89] سقط من (ت) و(ح).
[90] في غير (أ) و(ص) و(ق): (أزل).
[91] زيد في المطبوع: (نساء).
[92] في (ص) و(ق): (اللاتي).
[93] في المطبوع (هاجَرْنَ).
[94] في (ك): (وما يُعلم أحد).
[95] في (ص): (بُصير بن أُسيد).
[96] سقط من (ص) و(ق).
[97] في (ت) و(ح): (الصحابة).