░░4▒▒ كتاب الوضوء
إنما قدم كتاب الوضوء على سائر الكتب؛ لأن الأحكام الشرعية شرعت لمصالح العباد، وهي: إما دينية تتعلق بالعبادات، أو دنياوية تتعلق بالمبايعات والمناكحات ونحوها، والدينية هي أشرف؛ لأنها هي المقصود من خلق العالم، والصلاة مقدمة على سائر العبادات، وهي متوقفة على الوضوء؛ فلذلك قدم كتاب الوضوء، قاله الكرماني، وقال شيخ الإسلام البلقيني: ذكر البخاري (باب الوضوء) بعد (العلم)؛ لأن بعد العمل يكون العمل، وأفضل الأعمال البدنية: الصلاة، ولا يتوصل إليها إلا بالطهارة، انتهى
وأصله من الوضاءة وهي: الحسن والنظافة، وفيه لغات، أشهرها: بضم الواو اسم للفعل، وبالفتح: الماء الذي يتوضأ به، ثانيها: بالفتح فيهما، ثالثها: بالضم فيهما، وهي أضعفها.
وأما شرط الوضوء واحد، وهو أن يكون الماء مطلقًا، كذا قال المحاملي، قال البلقيني: ومما يعد من شرائطه: الإسلام، والتمييز، وعدم الحيض والنفاس، وعدم ما يمنع وصول الماء إلى البشرة، ورفع الخبث على وجه مرجح، ورفع الجنابة على ما جزم به ابن الحداد فيمن أحدث في أثناء غسله، ودخول الوقت لوضوء دائم الحدث ونحوه، وتقدم الاستنجاء على رأي ضعيف، انتهى
والوضوء أول ما فرض مع الصلاة، وقال ابن حزم: إنما فرض بالمدينة، وقال القاضي: اختلفوا متى فرضت الطهارة للصلاة، فذهب ابن الجهم إلى أن الوضوء في أول الإسلام سُنَّة ثم نزل فرضه في آية التيمم، وقال الجمهور: بل كان قبل ذلك فرضًا، انتهى
وذكر ابن إسحاق قال: حدثني بعض أهل العلم: (أن الصلاة حين افترضت على رسول الله صلعم أتاه جبريل وهو بأعلى مكة فهمز بعقبه في ناحية الوادي فانفجرت منه عين، فتوضأ جبريل ورسول الله صلعم ينظر؛ ليريه كيف الطهور للصلاة، ثم توضأ رسول الله صلعم كما رأى جبريل يتوضأ...)؛ الحديثَ مقطوعًا، ووصله أحمد، وفيه ابن لهيعة، ونحوه في «ابن ماجه» وفي سنده ابن لهيعة، وروي نحوه عن البراء وابن عباس، وفي حديث ابن عباس: (وكان ذلك أول من الفريضة)، ولا أعلم حال حديث البراء ولا حديث ابن عباس، ولو فرض أن الأحاديث / التي ذكرتها كلها ضعيفة وقلنا أيضًا بما عليه أهل العلم في تضعيف حديث ابن لهيعة _مع أن أحمد وثقه_ فإذا انضم ضعيف إلى ضعيف؛ قوي ونهض للدلالة، اللَّهُمَّ إلا أن يكون ضعَّفه لكذب راويه، أو شذوذه، أو ضعف قوي؛ فإنه لا ينجبر ولا ينهض للدلالة، قاله سيدي الوالد ⌂.