-
نظم مقدمة فتح الباري
-
المقدمة
-
عدالة الصحابة
-
الجرح المردود
-
من رمي ببدعة ممن أخرج لهم البخاري
-
معرفة المدلسين
-
معرفة المبهمات
-
معرفة المتفق والمفترق
-
معرفة المؤتلف والمختلف
-
معرفة التصحيف
-
معرفة الكنى
-
الإرسال
-
التعريف بالإمام البخاري
-
السبب الباعث له على تصنيف جامعه وحسن نيته فيه
-
مرتبة صحيح البخاري
-
أوجه تفضيل البخاري
-
إسناد الصحيح ورواياته
-
التعريف بنسخة ابن سعادة
-
سند المصنف إلى نسخة ابن سعادة من البخاري
-
الخاتمة
تَقَدَّمَ كُلَّ الكُتْبِ فِي صِحَّةٍ وَلَا نَظِيرَ لَهُ، كُلٌّ بِرَفْعِهِ يَجْزِمُ
قال في «المقدِّمة»: روينا بالسند الصحيح عن أبي عبد الرحمن النسائيِّ أنَّه قال: «ما في هذه الكتب كلِّها أجود من كتاب محمَّد بن إسماعيل» والنسائيُّ لا يعني بالجودة إلَّا جودة الأسانيد كما هو المتبادر إلى الفهم من اصطلاح أهل الحديث، ومثل هذا من مثل النسائيِّ غاية في الوصف، مع شدَّة تحرِّيه وتوقِّيه وتثبُّته.
وقال الإمام أبو عمرو بن الصلاح في كتابه «علوم الحديث» فيما أخبرنا به أبو الحسن ابن الجوزيِّ عن محمَّد بن يوسف الشافعيِّ عنه سماعًا قال: أوَّل من صنَّف في «الصحيح» البخاريُّ، وتلاه مسلمٌ، وكتاباهما أصحُّ الكتب بعد كتاب الله العزيز، وأمَّا ما رويناه عن الشافعيِّ أنَّه قال: ما أعلم في الأرض كتابًا في العلم أكثر صوابًا من كتاب مالكٍ، قال: ومنهم من رواه بغير هذا اللَّفظ ؛ _يعني: بلفظٍ أصحُّ من «الموطَّأ»_ فإنَّما قال ذلك قبل وجود كتابَيِ البخاريِّ ومسلمٍ، ثمَّ إنَّ البخاريَّ أصحُّ الكتابين صحيحًا، وأكثرها فوائد، انظرْ «المقدِّمة».
وقال الذهبيُّ: جامع البخاريِّ أجلُّ كتب الإسلام وأفضلها بعد كتاب الله تعالى.
وقال ابن السبكيِّ في «الطبقات» بعد أبيات:
علا عن المدح حتَّى ما يزان به كأنَّما المدح من مقداره يضع
له الكتاب الذي يتلو الكتاب هدًى هادي السياسة طودًا ليس ينصدع
الجامع المانع الدين القويم وسنَّة الشريعة أن تغتالها البد ع /
قاضي المراتب داني الفضل تحسبه كالشمس يبدو أسناها حين ترتفع
ذلَّت رقاب جماهير الأنام له فكلُّهم وهو عالٍ بينهم خضعوا
لا تسمعنَّ حديث الحاسدين له فإنَّ ذلك موضوعٌ ومنقطع
وَمَنْ قَالَ مَا تَحْتَ السَّمَاءِ أَصَحُّ مِنْ كِتَابٍ لِمُسْلِمٍ بَدَتْ لَهُ لُوَّمُ
وَقَالُوا خِلَافٌ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَمَنْ تَأَوَّلَهُ لَمْ يَدْرِ مَعْنَى مَنْ أَظْلَمُ
قال في «المقدِّمة»: واقتضى كلام ابن الصلاح: أنَّ العلماء متَّفقون على القول بأفضليَّة البخاريِّ في الصحَّة على كتاب مسلمٍ، إلَّا ما حكاه عن الحافظ أبي عليٍّ النيسابوريِّ أستاذ الحاكم أبي عبد الله الحافظ من أنَّه قال: ما تحت أديم السماء كتابٌ أصحُّ من كتاب مسلم بن الحجَّاج.
وقوله: (وَقَالُوا خِلَافٌ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ) إشارةٌ لقول الشاعر:
وليس كلُّ خلافٍ جاء معتبرًا إلَّا خلافٌ له حظٌّ من النظر
وقوله: (وَمَنْ تَأَوَّلَهُ...) إلى آخره، إشارةٌ لِما قاله السخاويُّ في «شرح الألفيَّة» وهو كما أشار إليه شيخنا محتملٌ للمدَّعى، ولنفي الأصحيَّة خاصَّةً دون المساواة، فقد قال ابن القطَّاع في شرح ديوان المتنبِّي: ذهب من لا يعرف معاني الكلام إلى أنَّ مثل قوله صلعم: «ما أقلَّت الغبراء ولا أظَّلت الخضراء أصدق لهجةٍ من أبي ذرٍّ» مقتضاه أن يكون أبو ذرٍّ أصدق العالم أجمع، قال: وليس المعنى كذلك، وإنَّما نفى أن يكون أحدٌ أعلى رتبةً في الصدق منه، ولم ينفِ أن يكون في الناس مثله في الصدق، ولو أراد ما ذهبوا إليه؛ لقال: أبو ذرٍّ أصدق لهجةً من كلِّ من أقلت.
والحاصل أنَّ قول القائل: فلانٌ أعلم أهل البلد بفنِّ كذا، ليس كقوله: ما في البلد أعلم من فلانٍ بفنِّ كذا، إلَّا أنَّه في الأوَّل: أثبت له الأعلميَّة، وفي الثاني: نفى أن يكون في البلد أحدٌ أعلم منه، فيجوز أن يكون فيها من يساويه فيه، قال: وإذا كان لفظ أبي عليٍّ محتملًا لكلٍّ من الأمرين؛ لم يحسن أن ينسب إليه الجزم بالأصحيَّة، يعني: كما فعل جماعةٌ؛ منهم: النوويُّ في «شرح / مسلمٍ» وغيره حيث قال: وقال أبو عليٍّ: كتاب مسلمٍ أصحُّ.
أقول: الحقُّ ما فعلته الجماعة لقول أبي السعود وغيره في: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ } [البقرة:114] إنكارٌ واستفادةٌ؛ لأن يكون أحدٌ أظلم ممَّن فعل ذلك، أو مساويًا له ولو لم يكن سبك التركيب متعرِّضًا لإنكار المساواة ونفيها، يشهد به العُرف الناشئ والاستعمال المطَّرد، فإذا قيل: مَن أكرم من فلان، أو لا أفضل من فلان: فالمراد به حتمًا أنَّه أكرم من كلِّ كريمٍ، وأفضل من كلِّ فاضل.
وقال ابن سلطان في «جمع الوسائل في شرح الشمائل» في حديث البراء بن عازب: ما رأيت شيئًا قطُّ أحسن منه، والمراد: نفي رؤية الإحسان والمساوئ بدلالة العُرف، والسرُّ في ذلك: أنَّ الغالب من كلِّ حال اثنين هو التفاضل دون التساوي، فإذا نفي أفضليَّة أحدهما، ثبت أفضليَّة الآخر، كذا ذكره المحقِّقون.
والحاصل أنَّ هذا التركيب إنَّما يدلُّ بالمطابقة على نفي الأحسن، وأمَّا نفي المساوئ إنَّما يستفاد من قرينة المقام، ومن سمع { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً }[النساء:122] وجده لقطع الخصام سيفًا صقيلًا.
أَلَا إنَّهُ فَضْلُ البُخَارِي مُسَلَّمٌ لَدَى مُسْلِمٍ، مَا شَكَّ فِي الفَضْلِ مُسْلِمُ
وَتَقْبِيلُهُ رِجْلَيْهِ أَعْلَنَ أَنَّهُ بِفَنِّهِ أَعْلَى مِنْهُ أَعْلَمُ أَفْهَمُ
قال له مسلمٌ في قصَّةٍ ذكرها في «المقدِّمة» في الآخر: لا يبغضك إلَّا حاسدٌ، واشهد أنْ ليس في الدنيا مثلك، وفي روايةٍ: فقبَّل بين عينيه وقال: دعني حتَّى أقبِّل رجليك يا أستاذ الأستاذين، وسيِّد المحدِّثين، وطبيب الحديث في علله.