-
المقدمة
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
باب التيمم
-
كتاب الصلاة
-
→كتاب مواقيت الصلاة←
-
→كتاب الأذان←
-
باب فرض الجمعة
-
باب صلاة الخوف
-
باب في العيدين وتجمل فيه
-
باب ما جاء في الوتر
-
كتاب الاستسقاء
-
باب الصلاة في الكسوف الشمس
-
باب ما جاء في سجود القرآن وسنتها
-
أبواب تقصير الصلاة
-
باب التهجد بالليل
-
باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
-
باب استعانة اليد في الصلاة
-
باب في السهو إذا قام من ركعتي الفرض
-
كتاب الجنائز
-
باب وجوب الزكاة
-
فرض صدقة الفطر
-
كتاب الحج
-
أبواب العمرة
-
باب المحصر وجزاء الصيد
-
باب جزاء الصيد
-
فضائل المدينة
-
كتاب الصوم
-
كتاب صلاة التراويح
-
أبواب الاعتكاف
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
كتاب الشفعة
-
كتاب الإجارات
-
كتاب الحوالة
-
كتاب الكفالة
-
كتاب الوكالة
-
كتاب المزارعة
-
باب في الشرب
-
كتاب الاستقراض
-
باب ما يذكر في الإشخاص والملازمة والخصومة
-
باب في اللقطة وإذا أخبره رب اللقطة بالعلامة
-
كتاب المظالم والغضب
-
كتاب الشركة
-
كتاب الرهن
-
كتاب العتق
-
كتاب المكاتب
-
كتاب الهبة
-
كتاب العارية
-
كتاب الشهادات
-
كتاب الصلح
-
كتاب الشروط
-
كتاب الوصايا
-
كتاب الجهاد والسير
-
كتاب الخمس
-
كتاب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب
-
كتاب بدء الخلق
-
كتاب الأنبياء
-
كتاب المناقب
-
باب فضائل أصحاب النبي
-
باب مناقب الانصار
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
-
كتاب فضائل القرآن
-
كتاب النكاح
-
كتاب الرضاع
-
كتاب الطلاق
-
كتاب النفقات
-
كتاب الأطعمة
-
كتاب العقيقة
-
كتاب الذبائح والصيد
-
كتاب الأضاحي
-
كتاب الأشربة
-
[كتاب المرضى]
-
كتاب الطب
-
كتاب اللباس
-
كتاب الأدب
-
كتاب الاستئذان
-
كتاب الدعوات
-
[كتاب الرقاق]
-
[كتاب القدر]
-
كتاب الأيمان والنذور
-
باب كفارات الأيمان
-
كتاب الفرائض
-
كتاب الحدود
-
كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة
-
كتاب الديات
-
كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
-
كتاب الإكراه
-
كتاب الحيل
-
كتاب التعبير
-
كتاب الفتن
-
كتاب الأحكام
-
كتاب التمني
-
كتاب أخبار الآحاد
-
كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة
-
كتاب التوحيد
░░28▒▒ بَابُ: جَزَاءِ الصَّيدِ وَنَحْوِهِ. وقَولِ اللهِ تعالى: {لَا تَقْتُلُوُا الصَّيدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فجزاءٌ مِثْلُ مَا قَتلَ مِنَ النَّعَمِ} إلى قوله: {وَاتَقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيهِ تُحشَرُونَ} [المائدة:95-96].
وإذا اصَّادَ الحَلَالُ، فَأَهْدَى إِلى المُحْرِمِ الصَّيدَ أَكَلَهُ، وَلَم يَرَ ابن عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ بِالذَّبْحِ بَأْسًا، وَهُوَ غَيرُ الصَّيدِ، نَحْوُ الإِبِل وَالبَقَرِ وَالغَنَمِ والدَّجَاجِ / وَالخَيلِ.
يُقال: عَدْلٌ مِثْلٌ، فَإذَا كُسِرَتْ عِدْلٌ فَهُوَ زِنَةُ ذَلِكَ، {قِيَامًا} [آل عمران:191]: قِوَامًا، {يَعدِلُونَ} [الأنعام:1]: يَجْعَلُونَ عَدْلًا.
1821- ثمَّ ذكر فيه حديثَ أَبِي قَتَادَة: أنَّه صاد حمار وحشٍ وكَانَ غير محرِمٍ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَصَبْتُ حِمَارَ وَحْشٍ، وَعِنْدِي مِنْهُ فَاضِلَةٌ؟ فَقال لِلْقَومِ: (كُلُوا) وَهُمْ مُحْرِمُونَ.
الشَّرْحُ: هذه الآية نزلت في كعب بن عمرٍو أنَّه كَانَ محرِمًا في عام الحُدَيبِيَة بِعُمْرَةٍ، فقتل حمارَ وحشٍ، ووقع في «تفسير مقاتلٍ» أنَّها نزلت في أبي اليَسَر عمرِو بن مالكٍ، والأوَّل ما ذكره المؤرِّخون: ابنُ إسحاقَ وموسى بن عُقْبةَ والواقِديُّ وغيرهم.
يُقال: رجلٌ حرامٌ وامرأةٌ حرامٌ، والآية نزلت في العمدِ، والخطأُ ملحقٌ به للتَّغليظ، قال الزُّهْرِيُّ: نزل الكتاب بالعَمْد، والسُّنَّةُ جاءت بالخطأ.
{وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} بحجٍّ أو عمرة، أو المحرِم الدَّاخلُ في الحرم كَأَتْهَمَ وأنْجَدَ، ويُقال: أَحْرَمَ إذا دخل في الأشهر الحرم متعمِّدًا لقتله ناسيًا لإحرامه أو ذاكرًا، وقد سَلَفَ.
قال مُجَاهِدٌ والحَسَن: هو العامد للصَّيد مَعَ نسيانِ الإحرام حالَ قتلِه، فإنْ قتَلَه عامدًا ذاكرًا فأمرُه إلى الله، ولا حكم عليه لأنَّه أعظمُ مِنْ أن يكون له كفَّارةٌ.
{مِثْلُ مَا قَتلَ} في صورته وشبهه، أو قيمةِ الصَّيد يُصرف في مثله مِنَ النَّعم وهي الإِبِل والبقر والغنم، فإنِ انْفَرَدَت الإِبِل وحدَها قيل لها: نَعَمٌ بِخِلَافِ غيرها، قال الفرَّاء: هو ذكرٌ لا يُؤنَّث، وخُولف.
{يَحْكُمُ بِهِ} أي بالمثل، {هَدْيًا بَالِغَ الكَعْبَةِ} الحرمُ كلُّه لأنَّ الكعبة فيه، ويجوز فيه مِنَ الصِّغار ما لا يجوز في الأُضْحِيَّة خلافًا لأبي حنيفةَ.
{أَوْ كَفَّارَةٌ} يُشترَى بقيمة المثل طعامٌ، أو بقيمة الصَّيد أو عدل الطَّعام صيامًا عن كلِّ مُدٍّ يومًا أو ثلاثة أيَّامٍ، أو عن كلِّ صاعٍ يومين، وهي مخيَّرةٌ أو مرتَّبةٌ في المثل، ثمَّ الطعامِ ثمَّ الصيامِ، قاله ابن عَبَّاسٍ، وقد أسلفنا كلام البُخَارِيِّ في العَدْل، وَقُرِئَ بالكسر، وأُنكرت لأنَّه الحِمْلُ، وَقِيلَ: هما لغتان بمعنًى.
{وَبَالَ أَمْرِهِ} بالتزام الكفَّارة ووجوب التَّوبة {عَمَّا سَلَفَ} أي قبل التَّحريم {وَمَنْ عَادَ} بعد التَّحريم {فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ} بالجزاء أو عقاب الآخرة.
أو مَنْ قَتَلَهُ بعد التَّحريم مرَّةً بعد أخرى انتقم الله مِنْهُ بالعقوبة دون الجزاء عند ابن عَبَّاسٍ، أو بهما عند الجمهور، وقال شُرَيحٌ وسعيدُ بن جُبَيرٍ: يُحكَم عليه في أوَّل أمره فإذا عاد لم يُحكَم، ويُقال: اذهب ينتقمِ الله مِنْك، أيْ ذنبُك أعظمُ كاليمين الغَموس، قال الزُّهْرِيُّ: وَيُمْلَأُ بطنُه وظهرُه ضربًا وجيعًا، وبذلك حَكم الشَّارع في صيد وَجٍّ، وادٍ بالطَّائف.
{صَيدُ البَحْرِ} أي مصيده {وَطَعَامُهُ} أي طافيه وما لَفَظَهُ أو مملوحُه.
{مَتَاعًا لَكُمْ} أي مدَّخرٌ، وسيأتي في كتاب الصَّيد إيضاحُه إِنْ شَاءَ اللهُ وقدَّره، {وَلِلسَيَّارَةِ} المسافرون، أراد أنَّ المسافر والمقيم فيه سواءٌ، وكَانَ بنو مُدْلِجٍ ينزلون سِيفَ البحر فسألوه عمَّا نَضَبَ عَنْهُ الماءُ مِنَ السَّمك، فنزلتْ.
وأمَّا أثرُ أنسٍ فأخرجه ابن أبي شَيبَةَ، عن مروانَ بن معاوية، عن الصَّبَّاح بن عبد الله البَجَليِّ قال: ((سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، عَنِ الْمُحْرِمِ هَلْ يَذْبَحُ؟ قال: نَعَمْ))، وعن إبراهيمَ: ((يَذْبَحُ الْمُحْرِمُ كُلَّ شَيءٍ، إِلَّا الصَّيدَ))، وكذا قاله الحَكَم وحمَّادٌ وعطاءٌ.
وأمَّا أثر ابن عَبَّاسٍ فذكره إسماعيل بن أبي زيادٍ الشَّاميُّ في «تفسيره»، وكَأنَّ البُخَارِيَّ ذكر هذا التَّعليق ليستدلَّ به على ما رُوِيَ عن الحَسَن وعطاءٍ أنَّهما قالا: ((ذَبِيحَةُ الْمُحْرِمِ مَيتَةٌ))، وهو الصَّحيح مِنْ مذَهَبِ الشَّافعيِّ.
وقال ابنُ التِّينِ: على قول ابن عَبَّاسٍ عامَّةُ العلماء، وقال ابنُ بَطَّالٍ: ما ذَكَراه قولُ الجماعة العلماء لا خلاف بينهم أنَّ الدَّاجن كلَّه مِنَ الإِبِل والبقر والغنم والدَّجاج وشبهِه يجوزُ للمحرِم ذبحُها لأنَّ الدَّاجن كلَّه غيرُ داخلٍ في الصَّيد، وَأَمَّا حمَامُ مَكَّةَ فَلَيسَ مِنَ الدَّاجن وهو داخلٌ في الصَّيد المحرَّم على المحْرِم.
وقال الحربيُّ في «مناسكه»: يذبح المحْرِمُ الدَّجاجَ الأهليَّ، ولا يذبح الدَّجاج السِّنديَّ، ويذبح الحمامَ الشَّاميَّ، ولا يذبح الطَّيَّارة، ويذبح الإوزَّ، ولا يذبح البطَّ البريَّ، ويذبح الغنمَ والبقر الأهليَّة، ويصيد السَّمك وكلَّ ما كَانَ في البحر، ويجتنبُ صيد الضَّفادع، وهذه تفاصيلُ غريبةٌ.
وَقوله: (وَالخَيلِ) قالت به فرقةٌ، كما قاله ابن التِّينِ وأَجَازَهَا أبو يوسفَ ومحمَّدٌ وَالشَّافعيُّ وأحمدُ وإسحاقُ وأبو ثَورٍ وجمهورُ أهل الحديث، لحديث جابرٍ وأسماء أنَّهم أكلوه على عهد رسول الله صلعم وكرهها مالكٌ وأبو حنيفةَ، وسيأتي في الذَّبائح إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى.
إذا عرفت ذَلِكَ، فاتَّفق أئمَّة الفتوى بالحجاز والعراق أنَّ المحرِم إذا قتل الصَّيد عمدًا أو خطأً فعليه الجزاء، مِنْهُم اللَّيث والأَوزَاعِيُّ والثَّورِيُّ والأربعة وإسحاقُ، وخالف أَهْلُ الظَّاهِرِ فقالوا: لا يجب الجزاء إلَّا على المتعمِّد للآية لأنَّ دليل الخطابِ يقتضي أنَّ الخاطئ بِخِلَافِه وإلَّا لم يكن لتخصيص المتعمِّد معنًى، وقالوا: قد رُوِيَ عن عمر بن الخطَّاب ما يدلُّ على أنَّ ذَلِكَ كَانَ مذهبَهُ.
روى سفيانُ عن عبد الملك بن عميرٍ، عن قَبِيصةَ بن جابرٍ، عن عمرَ أنَّه سأل راميَ الظَّبي وقاتِلَه: ((أعَمْدًا أَصَبْتَهُ أَمْ خَطَأً؟)) قالوا: ولم يسأله عمر عن ذَلِكَ إلَّا لافتراق حكمِهما عندَه، وَرُوِيَ مثلُه عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ.
وذهبتْ جماعةُ العلماء في تأويل الآية، وقالوا: لا حُجَّة في سؤال عمرَ لأنَّه يجوز أنْ يسأله عن ذلك ليعلم إن كَانَ قتَلَه عمدًا ثمَّ قتل بعده صيدًا عمدًا انتقم الله مِنْهُ، فأراد عمرُ تحذيره مِنْ ذَلِكَ، مَعَ أنَّه قد روى شُعْبَة هذا الحديث عن قَبيصة أنَّه أجاب عمرَ بلا أدري، فأمَرَه بالفدية، فخالف روايةَ سُفيانَ، فدلَّ على أنَّ السُّؤال كَانَ ليقفَ به على الانتقام في العودة مَعَ أنَّ الأشبه بمذهب عمرَ مذهبُ الجماعة.
روى شُعْبَة عن الحَكَم عن إبراهيمَ عن الأسوَد أنَّ كعبًا قال لعمر: إنَّ قومًا استفتَوني في مُحرِمٍ قتل جرادةً فأفتيتُهم أنَّ فيها درهمًا، فقال: ((إِنَّكُمْ يَا أَهْلَ حِمْصَ كَثِيرَةٌ دَرَاهِمُكُمْ، تَمْرَةٌ خَيرٌ مِنْ جَرَادَةٍ)) أفلا ترى عمرَ لم ينكر على كعبٍ تركَه سؤالَ القوم عن قتل المحرِم للجرادة إن كَانَ عمدًا أو خطأً لاستواء الحُكْم في ذَلِكَ عنده، ولو اختلف الحُكْم في ذلك عنده لأنكر عليه ترْكَه السُّؤال عن ذَلِكَ، وهذا ابن مَسْعُودٍ وابن عَبَّاسٍ وابن عُمَرَ وابن عمرٍو كلُّهم قد أجاب فيما أصاب المحرِمُ بوجوب الجزاء، ولم يَسأل أحدٌ مِنْهُم عن عمدٍ في ذَلك ولا خطأٍ، ولا يكون ذَلِكَ إلَّا لاستواءِ الحُكْم عندهم في ذَلِكَ، ثمَّ السُّنَّةُ الثَّابتة عن الشَّارع تدلُّ على هذا المعنى.
روى جابرٌ أنَّه _◙_ سُئل عن الضَّبُع أصَيدٌ هو؟ قال: ((نَعَمْ، وَفيه كَبْشٌ إِذَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ)) ولم يفصل بين العمد / والخطأ، والقياسُ يدُلُّ عليه أيضًا كما في فساد الحجِّ بالجماع، والخطأُ بالكفَّارة أولى مِنَ العمد، دليلُه كفَّارة القتل.
واحتجَّ أَهْلُ الظَّاهِرِ بحديث: ((وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ)) والمراد وضعُ الإثمِ، فإنَّ الفقهاء مجمِعون أنَّ الخطأ والنِّسيان ليسا في إتلاف الأموال، وما روَوه عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ فإسناده ضعيفٌ، رواه قَتَادَة عن رجلٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، قاله إسماعيلُ بن إسحاقَ، وأغربَ محمَّد بن عبد الله المالكيُّ فقال: لا جزاء في غير العمد ولا في العمد إذا تكرَّر، وليس عليه إنْ عاد إلَّا ما أوعده الله به أو يعفو عَنْهُ، ونقله عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ وسعيدِ بن جُبَيرٍ وطاوسٍ وأبي ثورٍ، وَقِيلَ: إنَّ مَنْ {قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} مردودٌ إلى قوله: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ} وفيه بُعْدٌ.
واختلفوا في تأويل قوله _تعالى_: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} فقال مَالِكٌ وَالشَّافعيُّ ومحمَّد بن الحَسَن: المراد بالآية إخراجُ مثلِ الصَّيد المقتول مِنَ النَّعم إن كَانَ له مثل، ففي النَّعامةِ بدَنَةٌ، وفي بقر الوحش وحمارِه بقرةٌ، والغزالِ عنزٌ، والأرنبِ عَناقٌ، واليربوعِ جَفْرةٌ.
وقال أبو حنيفةَ وأبو يوسف: الواجب القيمةُ وإن كَانَ له مِثلٌ، ثمَّ يشتري بتلك القيمة هديًا أو طعامًا أو يتصدَّق بقيمته، قالوا: لمَّا لم يجُزْ أن يُراد بالمثل المثلُ مِنَ الجِنْس عُلم أنَّ المراد به القيمة، وأنَّها تصرف في النَّعَم يدلُّ على أنَّ المراد بالمثل القيمة قوله _تعالى_: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:95].
وهو عامٌّ في جميع الصَّيدِ سواءٌ كَانَ له مِثلٌ أو لم يكن، ومعلومٌ أنَّ ما لا مِثل له مِنْ جِنْسه ونظيرِه فإنَّ الواجب في إتلافه القيمةُ، فصارَ المرادُ بالمثل القيمةَ في أحد الأمرين، وجوابه أنَّ قوله: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} المراد به مثلُ المقتول، ولو اقتصر عليه ولم يقيِّدْه بالنَّعم لكَانَ الواجبُ في النَّعامة نعامةٌ، وفي بقر الوحش بقرةٌ، فلمَّا قال: {مِنَ النَّعَمِ} أوجب أنْ يكون الجزاءُ مثلَ المقتول مِنَ النَّعم لا مِنْ غيرِه، ومثلُه مِنَ النَّعم ليس هو القيمةُ، والمماثَلة مِنْ طريق الخِلْقة مشاهَدَةٌ محقَّقة، والتَّخصيصُ بالنَّعم مِنْ سائر الحيوان دالٌّ على ذَلِكَ، ومُخرِجٌ للدَّراهم وغيرها.
وقد يُرَادُ بالآية الحقيقةُ في موضعٍ وهو ما له مِثلٌ، والمجاز في آخر وهو ما لا مثل له، فإنَّا نعدِلُ إلى القيمة، وَإِنَّمَا يتنافى ذَلِكَ إذا كَانَ في حالةٍ واحِدةٍ فأمَّا في حُكمينِ فلا، فإن قلتَ: أين مماثلةُ الشَّاة للحمامة؟ قلتُ: لأنَّ الطَّير ليس مِنَ النَّعم، والجزاء لا يكون إلَّا هديًا، وهو أقلُّ ما يُسمَّى هديًا، وإنْ قتل جماعةٌ واحدًا لزمهم جزاءٌ واحدٌ عِنْدَ الشَّافعيِّ، خلافًا لمالكٍ.
واختلفوا في قوله: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} فقال مَالِكٌ: لا يجوز أنْ يكون القاتل أحدَ العَدْلين، وجوَّزه الثَّورِيُّ وَالشَّافعيُّ، واختلف أصحابُ أبي حنيفةَ على القولين.
وجهُ الأوَّل الآيةُ كما قال: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2]، فيُحتاج إلى حَكَمين غيره يحكُمان كمَا يُحتاج إلى شاهدين غيره، والحُكومات إِنَّمَا تكون مِنْ غير المحكوم عليهم، كمَا لا يجوز أن يكون الزَّوج حَكَمًا في الشِّقاق.
واتَّفق الأئمَّة الأربعة وأبو ثَورٍ أنَّ هذه الكفَّارة مخيَّرةٌ للإتيان فيها بِ_«أَو» _ فإنْ شاء أهدى وإن شاء صام، وإن شاء تصدَّق.
وقال الثَّورِيُّ: إنْ لم يجد هديًا أطعمَ، فإن لم يجد طعامًا صام، وقال الحَسَن والنَّخَعِيُّ: إنْ لم يكن عنده جزاؤه قُوِّم بدراهمَ، ثمَّ قُوِّمت الدَّراهمُ طعامًا فصام. وقال سعيدُ بن جُبَيرٍ: إِنَّمَا الطَّعام والصِّيام فيما لا يبلغ ثمن الهدي، والصَّواب الأوَّل، وَقِيلَ: إنَّ الحاكم مخيَّرٌ، وفيه بُعْدٌ لأنَّ القاتل هو المخاطَب.
واختلفوا في الصَّوم المعدَّل بالقيمة، فكَانَ بعضُهم يَقُولُ: يصوم عن كلِّ مُدَّين يومًا، هذا قول ابن عَبَّاسٍ، وبه قال الثَّورِيِّ والكُوفِيُّونَ وأحمدُ وإسحاق وأبو ثورٍ، لحديث كَعْب بن عُجْرةَ السَّالف، وقال بعضُهم: يصوم عن كلِّ مُدٍّ يومًا، وهو قول عطاءٍ ومالكٍ وَالشَّافعيِّ.
واختلفوا في قوله _تعالى_: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ} هل هذا الوعيدُ معه جزاءٌ عائدٌ على مُصيبِ الصَّيد كما كَانَ عليه في إصابته إيَّاه بدْأٌ كما أسلفناه هناك؟ فَذَهَبَ بعضُهم إلى أنَّه لا جزاء عليه في ذَلِكَ إلَّا أوَّل مرَّةٍ فإن عاد تُرِك والنِّقمةَ، وقد أسلفناه عن جماعةٍ، وذكره ابن المُنْذِرِ، عن النَّخَعِيِّ والحَسَن وقَتَادَة ومُجَاهِدٍ أيضًا.
وذهب الكُوفِيُّونَ ومالكٌ وَالشَّافعيُّ وأحمد إلى أنَّه يُحكَم عليه في الجزاء في كلِّ مرَّةٍ أصابَتهُ، وأسلفناه عن الجمهور وهو الصَّواب لأنَّا رُوِّينا عن عمرَ وعبد الرَّحْمَنِ بن عوفٍ وابن مَسْعُودٍ وابن عَبَّاسٍ وابن عُمَرَ وغيرهم أنَّهم حكموا على المحرِمِين بإصابةِ الصَّيد، ولم يسأل أحدٌ مِنْهُم المحكومَ عليه هل أصاب صَيدًا قبلُ؟ فدلَّ أنَّه لا فرق، وكمَا يتكرَّر جزاءُ الجماع فكذا الصَّيد.
فإنْ قلتَ: إِنَّمَا انتفت الكفَّارة على العائد لوقوع النِّقمة عليه، قيل: أَوَليس إثمًا كَانَ منتقَمًا مِنْهُ بمعصية الله؟ أفرأيتَ إنْ قتل الصَّيدَ بدا عاتيًا منتهكًا للحُرمة، أَمَا كَانَ يجب عليه في ذَلِكَ نقمةٌ ويكون عليه الجزاء، فكذا إذا عاد، ويجوز أنْ يكون معنى الانتقام أنْ يشاءه كما في سائر الوعيد.
قال ابنُ المُنْذِرِ: وأجمعوا أنَّ صيد البحر مباحٌ للمحرم اصطيادُه وبيعُه وشراؤه، أي لمفهوم الآية، فحُرمة الصَّيد ثابتةٌ للمُحرِم في الحِلِّ والحرم، وفي الحرم للمحرِم وغيره، وحديثُ أبي قَتَادَة مخرَّجٌ في مسلمٍ أيضًا، وقد ترجم عليه البُخَارِيُّ تراجمَ أحدها:
░3▒ إِذَا رَأَى المُحْرِمُونَ صَيدًا فَضَحِكُوا، فَفَطِنَ الحَلالُ.
1822- ثمَّ سَاقَه و:
░4▒ بَابٌ: لا يُعِينُ المُحْرِمُ الحَلالَ فِي قَتْلِ الصَّيدِ.
1823- ثمَّ سَاقَه. و:
░5▒ بَابٌ: لَا يُشِيرُ المُحْرِمُ إِلَى الصَّيدِ لِكَي يَصْطَادَهُ الحَلَالُ.
1824- ثمَّ سَاقَه:
وقال في بابِ لا يعين: قال لنا عمرٌو: اذهبوا إلى صالحٍ فسلُوهُ عن هذا وغيره، يعني أنَّ ابن عُيَيْنةَ قال لنا ذلك، وعمرٌو هو ابن دينارٍ، كَأنَّ عَمْرًا دلَّهم على أخذِه مِنْ صالحٍ.
وفي «شرح ابن بَطَّالٍ» بعد كلامِه على الآية، باب إذا صاد الحَلالُ فأهدى للمُحرِم الصَّيدَ أكَلَهُ، ثمَّ سَاقَ أثر أنسٍ وابن عَبَّاسٍ، وحديثَ أبي قَتَادَة.
إذا عرفتَ ذَلِكَ / فالكلامُ عليه مِنْ وجوهٍ:
أحدها: فيه مِنَ الفقه أنَّ لحم الصَّيد حلالٌ أكلُه للمحرِم إذا لم يصدْه أو لم يُصدْ مِنْ أجله وصادَه حَلالٌ، وفي ذَلكَ دليلٌ أنَّ قوله _تعالى_: {وَحُرِّمَ عَلَيكُمْ صَيدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة:96] أنَّ معناه الاصطيادُ وقتْلُ الصَّيد وأكْلُه لِمَنْ صاده، وإنْ لم يصده فَلَيسَ ممَّنْ عُني بالآية، يبيِّنهُ قوله _تعالى_: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:95] لأنَّ هذه إِنَّمَا نهى فيها عن قتلِه واصطياده لا غيرُ، وهذه مسألةٌ اختَلف فيها السَّلفُ قديمًا، فَذَهَبَت طائفةٌ إلى أنَّه يجوز للمُحرِم أكل ما صاده الحلالُ، رُوِيَ عن عمرَ وعُثْمَانَ والزُّبَيرِ وعائشةَ وأبي هُرَيرَةَ، وإليه ذهب الكُوفِيُّونَ، وذهبت طائفةٌ إلى أنَّ ما صاده الحلالُ للمحرِم أو مِنْ أجله فلا يجوز له أكلُه، وما لم يُصدْ له فلا بأس بأكله، وهو الصَّحيح عَنْ عُثْمَانَ، وَرُوِيَ عن عطاءٍ، وَهُوَ قَولُ مالكٍ وَالشَّافعيِّ وأحمدَ وإسحاقَ وأبي ثَورٍ وداودَ، قال أبو عمر: وهو أعدلُ المذاهب وأَولاها، وعليه يصحُّ استعمال الأحاديث وتحريمُها.
وفيه مَعَ ذَلكَ نصٌّ حسنٌ، يعني حديث جابرٍ الآتي، وذَكر ابن القصَّار أنَّ المحرِم إذا أكل ما صِيدَ مِنْ أجلِه فعليه الجزاء استحسانٌ لا قياسٌ، وعند أبي حنيفةَ وَالشَّافعيِّ لا جزاءَ عليه.
واحتجَّ الكُوفِيُّونَ بِقوله _◙_ للمُحرِمين: (كُلُوا) قالوا: فقد علمنا أنَّ أبا قَتَادَة لم يصدْه في وقتِ ما صاده إرادةً مِنْهُ أنْ يكون له خاصَّةً، وَإِنَّمَا أراد أنْ يكون له ولأصحابِه الَّذِين كَانُوا معه، فقد أباح ذَلِكَ له ولهم، ولم يحرِّمه لإرادته أنْ يكون لهم معه، وقوَّاه الطَّحَاوِيُّ بإجماعهم أنَّ الصَّيد لِحُرمةِ الإحرام على المحرِم، ولِحُرمة الحَرَم على الحلال.
وكَانَ مَنْ صاد صيدًا في الِحلِّ فذبحه فيه، ثمَّ أدخله الحرم فلا بأس بأكْلِه فيه، ولم يكنْ إدخالُه لحمَ الصَّيد الحرمَ كإدخاله الصيدَ حيًّا في الحرم لأنَّه لو كَانَ كذلك لنُهي عن إدخاله فيه، ومُنع مِنْ أكلِه كما يُمنع مِنَ الصَّيد، ولكَانَ إذا أكله في الحرم وجَب عليه ما يجبُ في قتله، فلمَّا كَانَ الحرمُ لا يَمنع مِنْ لحم الصَّيد الَّذِي صِيد في الحِلِّ كما يمنع مِنْ صَيدَ الحيِّ، كَانَ النَّظر على ذلك أنْ يكون كذلك الإحرامُ يحرِّم على المحرِم الصَّيدَ ولا يحرِّمُ عليه لحمَه إذا تولَّى الحلالُ ذبحَه قياسًا ونظرًا.
وحُجَّة مَنْ أجاز له أَكْل ما لم يُصَدْ له لأنَّ أبا قَتَادَة إِنَّمَا صادَه لنفسه لا للمحرِمين، وكَانَ وجَّهَهُ النَّبيُّ _صلعم_ على طريق البحر مخافةَ العدوِّ فلم يكن محرِمًا حِينَ اجتمع مَعَ أصحابه لأنَّ مخرجَهم لم يكن واحدًا، فلم يكن صيدُه للمحرِمين ولا بعونِهم.
ألا ترى قوله: (فَأَبَوا أَنْ يُعِينُونِي) فلذلك أجاز لهم أكلَه، وعلى هذا تتَّفق الأحاديث في أكْل الصَّيد ولا تتضادُّ، وقد رُوِيَ هذا المعنى عن رسول الله _صلعم_ روى جابرٌ مرفوعًا: ((صَيدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ، مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَو يُصَاد لَكُمْ)) صحَّحه الحاكم على شرط الشَّيخين، وقال أحمدُ: وإليه أذهبُ، وقالت طائفةٌ: لحم الصَّيد محرَّم على المحرِمين على كلِّ حالٍ، ولا يجوز لمحرِم أكلُهُ على ظاهر قوله _تعالى_: {وَحُرِّمَ عَلَيكُمْ صَيدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة:96] قال ابن عَبَّاسٍ: هي مبهَمةٌ، وهو مذهب عَلِيٍّ وابن عُمَرَ، وبه قال الثَّورِيُّ، وهي رواية ابن القَاسِم عَنْ مَالِكٍ، وبه قال إسحاقُ.
واحتجُّوا بحديث الصَّعب بن جَثَّامةَ الآتي بعدُ، وفيه ((إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ)) فلم يعتلَّ بغير الإحرام، واعتلَّ مَنْ أجاز أكْلَه بأنَّه _◙_ إِنَّمَا رَّده لأنَّه كَانَ حيًّا، ولا يحلُّ للمحرِم قتلُ الصَّيد ولو كَانَ لحمًا لم يردَّه لقوله في حديث أبي قَتَادَة، وستأتي رواية مَنْ روى أنَّ الحمارَ كَانَ مذبوحًا في باب: إذا أهدى للمحرِم حمارًا وحشيًّا لم يقبل.
وإنَّما لم يَجعل _◙_ ضحِكَ المحرِمين بعضِهم إلى بعضٍ دِلالةً على الصَّيد فأباح لهم أكلَهُ لأنَّ ضحكَ المحرِم إلى المحرِم مثلِه ممَّنْ لا يحلُّ له الصَّيد لا حرج فيه، وإن كَانَ قد آل إلى أنْ تنبَّه عليه أبو قَتَادَة فلم يكن أبو قَتَادَة عندَهم ممَّنْ يقتنِصُ صيدًا، فلذلك لم يجب عليهم جزاءٌ ولا حرُمَ عليهم أكلُه.
وأمَّا إذا أشار المحرِم على قانِصٍ بصيدٍ أو طالبٍ له أو أغراه به أو أعطاه سلاحًا أو أعانه برأيٍ فيُكره له أكله لقوله _◙_: ((أَمِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَ أَنْ يَحْمِلَ عليها، أَو أَشَارَ إِلَيهَا؟ قالوا: لا، قال: كُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا)) وفي ذَلِكَ دليلٌ على أنَّه لا يحرُم عليهم بما سوى ذلك، ودلَّ ذَلكَ على أنَّ معنى قوله فِي الحَدِيثِ السَّالف: ((أَو يُصَادَ لَكُمْ)) أنَّه على ما صِيدَ لهم بأمرهم، وهو يدلُّ على أنَّ المحرِم إذا أعان على الصَّيد بما قَلَّ أو كثرَ فقد فعل ما لا يجوز.
واختلفوا في ذَلِكَ، فقالت طائفة: إنْ دلَّ محرِمٌ حلالًا على صيدٍ أو أشار إليه أو ناوله سيفًا أو شِبهَه حتَّى قتله فعلى المحرِم الدالِّ أو الْمُعين له الجزاءُ، رُوِيَ ذَلِكَ عن عَلِيٍّ وابن عَبَّاسٍ، وقال به عطاءٌ والكُوفِيُّونَ وأحمدُ وإسحاقُ، واحتجُّوا بِقوله: (هَلْ أَشَرتُمْ أَو أَعَنْتُمْ؟ قالوا: لَا) فدلَّ ذَلِكَ أنَّه إِنَّمَا يحرُم عليهم إذا فعلوا شيئًا مِنْ هذا، ولا يحرُم عليهم بما سوى ذلِكَ، فجعل الإشارة والمعاونة كالقتل لأنَّ الدِّلالة سببٌ يتوصَّل به إلى إتلاف الصَّيد، فوجب الجزاءُ، دليلُه مَنْ نصب شبكةً حتَّى وقع فيها صيدٌ فمات.
وقال مَالِكٌ وابن الماجِشُونِ وَالشَّافعيُّ وأبو ثورٍ: لا جزاء على الدَّالِّ، وهو قولُ أصبغَ، واحتجُّوا فقالوا: الدَّالُّ ليس بمباشرٍ للقتل، وقد اتَّفقنا على أنَّه لو دلَّ حلالٌ حلالًا على قتل صيدٍ في الحرَم لم يكن على الدَّال جزاءٌ لأنَّه لم يحصُل مِنْهُ قتلُ الصَّيد، فكذلك هاهنا، وقد تَقَرَّرَ أنَّه لو دلَّ على رجلٍ مسلمٍ فقتلَه المدلولُ لم يَجب على الدَّال ضمانٌ، وحُرمة المسلم أعظم مِنْ حرمة الصَّيد.
ولا حُجَّة للكوفيِّين في حديث أبي قَتَادَة لأنَّه إِنَّمَا سألهم عن الإشارة والمعاونة، لأجلِ أنَّه يُكره لهم أكلُه، ولم يتعرَّض لذكر الجزاءِ، فمَنْ أثبت الجزاءَ فعليه الدَّليل، وأيضًا فإنَّ القاتلَ انْفَرَدَ بقتلِهِ بعد الدِّلالة بإرادته واختيارِه مَعَ كون الدَّالِّ منفصلًا عَنْهُ فلا يلزمُه ضمانٌ، وهذا كمَنْ دلَّ محرِمًا أو صائمًا على امرأةٍ فوطئها، ومحظوراتُ / الإحرام لا تجب فيها الكفَّارات بالدِّلالة كمَنْ دلَّ على طِيبٍ أو لباسٍ.
تنبيهاتٌ: أحدها: فيه أنَّه لا يُعان المحرِم على الصَّيد بقولٍ ولا فعلٍ، ثانيها: مجاوزة أبي قَتَادَة المواقيتَ يَحْتَمِل أنْ يكون لم يقصد نُسكًا وَإِنَّمَا جاء لكثرة الجَمْع، ويجوز أنْ تكون المواقيت لم تؤقَّت إذ ذاك، قال الأثرم: كنت أسمع أصحاب الحديث يتعجَّبون مِنْ هذا الحديث، ويَقُولُون: كيف جاز لأبي قَتَادَة أنْ يجاوز الميقات غير محرِمٍ؟ ولا يدرون ما وجهه، حتَّى رأيته مفسَّرًا في رواية عِياضِ بن عبد الله عن أبي سعيدٍ أي في «الصَّحيح» قال: ((خرجنا مَعَ رسول الله _صلعم_ فأَحْرَمَنا فلمَّا كنَّا مكَانَ كذا وكذا إذا نحن بأبي قَتَادَة كَانَ النَّبيُّ _صلعم_ بعثه في شيءٍ قد سمَّاه))، فذَكَرَ حديثَ الحمار الوحشيِّ.
وعند الطَّحَاوِيِّ: ((بعث النَّبيُّ _صلعم_ أبا قَتَادَة على الصَّدقة))، قال أبو سعيدٍ: ((وخرج هو _صلعم_ وأصحابُه محرِمون حتَّى نزلوا عُسْفانَ))، وفي «الإكليل» للحاكم مِنْ حَدِيثِ الواقديِّ عَنِ ابنِ أبي سَبْرَةَ، عن موسى بن مَيْسَرَةَ، عن عبد الله بن أبي قَتَادَة، عن أبيه قال: سلكنا في عُمرة القضيِّة على الفرْع، وقد أَحْرَمَ أصحابي غيري فرأيت حمارًا... الحديث.
وزعم المُنْذِرِيُّ أنَّ أهل المدينة أرسلوه إلى رسول الله _صلعم_ يُعلمونه أنَّ بعض العرب ينوي غزوَ المدينة، والثَّابت في «الصَّحيح»: ((خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ _صلعم_ فَمِنَّا الْمُحْرِمُ وَمِنَّا غَيرُ الْمُحْرِمِ)) وفي لفظٍ: ((أَحْرَمَ الصَّحَابَةُ وَلَمْ يُحْرِمْ هُوَ)).
الثَّالث: قوله: (يَضْحَكُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ) ووقع في روايةٍ: ((يضحكُ بَعْضُهُمْ إِليَّ)) _بتشديد الياء_ وهو خطأٌ وتصحيفٌ كما قال القاضي، والصَّواب: ((يضحك إلى بعضٍ))، فأسقط لفظة: بعضٍ، والصَّواب إثباتها لأنَّهم لو ضحكوا إليه كَانَت إشارةً مِنْهُم، وقد صرح فِي الحَدِيثِ أنَّهم لم يُشيروا إليه.
قال النَّوويُّ: لا يمكن رَدُّ هذه الرِّواية فقد صحَّت هي والرِّواية الأخرى، وليس في واحدةٍ مِنْهَما دِلالةٌ ولا إشارةٌ إلى الصَّيد، وأنَّ مجرَّد الضحِك ليس فيه إشارةٌ مِنْهُم، وَإِنَّمَا تعجَّبوا مِنْ عُروض الصَّيد ولا قُدرةَ لهم عليه، ومنْعِهم مِنْهُ، وكذا قال ابنُ التِّينِ: يريد أنَّهم لم يخبروه بمكَانِ الصَّيد حتَّى رآه بنفسه ولا أشاروا إليه، وفِي الحَدِيثِ ما يقتضي أنَّ ضحكَهم ليس بدِلالةٍ ولا إشارة، بيَّن ذَلِكَ في حديث عُثْمَانَ بن مَوْهَبٍ فقال: (أَمِنْكُمْ أَحَدٌ أَشَارَ إِلَيهِ؟ فَقالوا: لَا).
رابعها: معنى (أَرْفَعُ فَرَسِي شَأْوًا) أيْ أرفعه في سَيره وأُجريه، والشَّأو: الطَّلَق والغاية، ومعناه أَركُضُهُ ركضًا شديدًا وقتًا وأُسَهِّلُ سيره وقتًا، وقال ابنُ التِّينِ: الرَّفع دون الحُضْرِ، والشَّأوُ الرِّفعة، وهو أشبه بالحديث، وَقِيلَ: الشَّأو الغاية، وقال ابنُ فارسٍ: السَّبق، قال: ومرفوع النَّاقَة في السَّير خلاف موضوعها.
خامسها: قوله: (وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا) قال ابنُ التِّينِ: هي سُقيا بني غِفَار، قلتُ: وهي بضمِّ السِّين المهملة وسكون القاف ثمَّ مثنَّاةٍ تحتُ ثمَّ ألفٍ مقصورةٍ، قال عِياضٌ: هي قريةٌ جامعةٌ بين مَكَّةَ والمدينة مِنْ عمل الفُرْع، قال أبو عبيدٍ: قال كثيرٌ: إِنَّمَا سُمِّيت بذلك لما سُقيتْ مِنَ الماء العذب، وهي كثيرةُ الآبار والعيون والبِرَك، وكثيرٌ فيها صدقاتٌ للحسين بن زيدٍ، وقال ياقوتٌ: هي مِنَ البحر على سَبْعَة فراسخ، وفي «الأماكن» للزَّمَخْشَرِيِّ: السُّقيا السَّيلُ الَّذِي تفرَّع في عَرَفَة بمسجد إبراهيمَ.
وفي قوله: (قَائِلٌ السُّقْيَا) وجهان: أصحُّهما وأشهرهما كما قال النَّوويُّ مِنَ القيلولة، يعني: (تَركتُهُ بِتَعْهَنَ) وفي عزمه أنْ يقيل بالسُّقيا، والثَّانِي: بالباء الموحَّدة، وهو ضعيفٌ غريبٌ، وكَأنَّه تصحيفٌ، وإنْ صحَّ فمعناه أنَّ تَعْهَنَ موضعٌ مقابِلٌ السُّقيا.
سادسها: (تَعْهَنَ) بالتاء المثنَّاة فوق، قال أبو عُبيدٍ: صحَّ أنَّها موضعٌ بين القاحَة والسُّقيا، وقال صاحب «المَطالِع»: (تَعْهَنَ) عينُ ماءٍ وهي على ثلاثة أميالٍ مِنَ السُّقيا، وهي بكسر الأوَّل والثَّالث، كذا ضبطناه عن شيوخنا، وكذا قيَّده البكريُّ، وضبطناه عن بعضهم بفتح أوَّله وكسر ثالثه وإسكَانِ العين في كلا الضَّبطين، وعن أبي ذرٍّ تُعَهِن، قال عِياضٌ: بلغني عن أبي ذرٍّ أنَّه قال: سمعت العرب تقوله بضمِّ التَّاء وفتح العين وكسر الهاء، قال: وهذا ضعيفٌ.
سابعها: قوله: (أنَّهم خَشُوا أَنْ يَقْتَطِعُوا دُونَكَ) وقع في رواية أبي الحَسَن بالهمز ولا وجه له. كما قال ابنُ التِّينِ.
وَقوله: (وَعِنْدِي مِنْهُ فَاضِلَةٌ) أي قطعةٌ فضَلت وهُيِّئَتْ، وروى بعضهم: ((فَاضِلُهُ)) بضمِّ اللَّام وهاء ضميرٍ بعدها.
وقوله للقوم: (كُلُوا وَهُمْ مُحْرِمُونَ)، فيه جواز أكل المحرِم مِنَ الصَّيد إذا لم يُصَدْ مِنْ أجلِه، ولم يُعِن عليه ولا أشار كما سَلَفَ، وهو قول كافَّة الفقهاء.
و(غَيقَةَ) فِي الحَدِيثِ الثَّانِي بفتح الغين المعجمة ثمَّ ياءٍ مثنَّاةٍ تحتُ ثمَّ قافٍ ثمَّ هاءٍ، قال أبو عُبيدٍ: هو موضعُ رَسْمِ رَضْوَى لبني غِفارٍ بن مُلَيلٍ وهو بين مَكَّةَ والمدينة، وقال يعقوبُ: (غَيقَةَ) قليبٌ لبني ثعلبةَ حِذاءَ النَّواشر، والنَّواشر قارات بأعالي وادي المياه لهم ولأشجعَ.
قال أبو عبيدٍ: و(غَيقَةَ) لبني غِفارٍ صحيحٌ. وفي «شرح شعر كُثيِّرٍ» ليعقوبَ: غديقة جسَّا على شاطئ البحر فوق العُذَيبة، قال: و(غَيقَةَ) أيضًا سرَّةُ وادٍ لبني ثعلبةَ، وقال مرَّةً: (غَيقَةَ) موضعٌ عند حرَّة النَّار لبني ثعلبةَ بن سعدِ بن ذُبيَانَ.
و(القَاحَة) _بقافٍ ثمَّ ألفٍ ثمَّ حاءٍ مهملَة خفيفة_ على ثلاثِ مراحلَ مِنَ المدينة قبل السُّقيا بنحو ميلٍ، قال عِياضٌ: كذا قَيَّدوه، ورواه بعضهم عن البُخَارِيِّ بالفاء، وهو وهمٌ والصَّواب بالقاف، وزعم ابن إسحاقَ في «مغازيه» أنَّها بفاءٍ وجيمٍ، وردَّ ذَلِكَ عليه ابنُ هشامٍ، وقال الحازميُّ: هي موضعٌ بين الجُحْفة وقُدَيدٍ.
ثامنُها: قوله: (فَأَثْبَتُّهُ) أي تركتُه في مكَانِه لا يُفارقه، وكَانَت فرسه يُقال لها: الجَرادة.
وقوله: (وَخَشِينَا أَنْ تُقْتَطَعَ) ضُبِطَ بالتَّاء والنُّون وبالمثنَّاة تحت، قال / ابنُ قُرْقُولٍ: أي يحوزنا العدوُّ عنك، ومِنْ حملتك وكذلك تُقتَطَع دونَنا أي يُؤخَذُ ويُنفردُ به. وقال القُرْطُبِيُّ: أيْ خفنا أنْ يُحال بيننا وبينهم ويقتطعوا بنا عَنْهُم.
وَقوله: (إِنَّا اصَّدْنَا حِمَارَ وَحْشٍ) كذا هو مضبوطٌ بتشديد الصَّاد، وفي نسخةٍ: <صِدْنَا> قال ابنُ التِّينِ في الأوَّل: كذا وقع، واللُّغة على صِدنا مِنْ صاد يصيد، وكذا وقع عند الأَصِيليِّ: <صِدْنَا>، وقال بعضهم: مَنْ أدغم فعَلى لغة مَنْ يَقُولُ مُصَّبِر في مُصْطَبِر، وقرأ بعضُهم: {أَنْ يصَّلِحَا بَينَهُمَا صُلْحًا} [النِّسَاء:128].
وَقوله: (بِالقَاحَةِ) مِنَ المدينة على ثلاث مراحل، وقد سَلَفَ، و(الأَكَمَةِ) التَّلُّ، وسلف في الاستسقاء ويجمع أكمٌ ثمَّ آكامٌ، والأَتان أنثى مِنَ الحُمُر وجمعُها أُتُن، ذكره ابن فارسٍ.
تاسعها: قوله: (انْطَلَقْنَا مَعَ النَّبِيِّ _صلعم_ عَامَ الحُدَيبِيَة) وفي الباب الأخير أنَّ رسول الله _صلعم_ خرج حاجًّا والحُدَيبِيَةُ لا حجَّ فيها، وَإِنَّمَا كَانَت عُمرةً ولم يحجَّ إلَّا حَجَّةَ الوداع، فالمراد حاجًّا أي معتمرًا لأنَّه القصد.
وَقوله: (فأَحْرَمُوا كُلُّهُمْ إِلَّا أَبُو قَتَادَة) هذا قول الكُوفِيِّينَ لأنَّه استثناءٌ مِنَ الموجِب، ولم يجزه البصريُّون.
وَقوله: (فَنَظر أَصْحَابِي بِحِمَارِ وَحْشٍ) أدخلَ الباءَ، وإن كَانَ نظر متعدِّيًا حملًا على بَصُر، فكَأنَّه قال: فبَصُر أصحابي بحمار وحشٍ، وكذا وقع لأبي ذرٍّ: <فبَصُر> وجاء في روايةٍ: ((أَعَنْتُمْ أَو اصَّدْتُمْ؟)) _بتشديد الصَّاد وتخفيفها_ يعني أمرتم به أو جعلتم مَنْ يصيده، وَقِيلَ معناه: أَثرتم الصَّيد مِنْ موضعه، يُقال: أَصَدْتُ الصَّيد _مخفَّفٌ_ أيْ أثرتُه، وهو أَولى مِنْ رواية: ((أَصَّدْتُمْ)) بالتَّشديدِ لأنَّه _◙_ علم أنَّهم لم يصيدوا وَإِنَّمَا سألوه عمَّا صاده غيرُهم، نعم قال ابنُ دُرُسْتُوَيْهِ: اِصَّدتم كلام العامَّة، وقال اللَّبْلِيُّ وغيره: لم نرَ مَنْ قاله بالألف، وفي «المحكم» عَنِ ابنِ الأعرابيِّ: صدنا كمأةً، قال: وهو مِنْ جيِّد كلام العرب ولم يفسِّره، قال ابنُ سِيدَه: وعندي أنَّه يريد استثرنا كما يُقال: يستثار، قلتُ: ولعلَّ هذا هو الموقِع لِمَنْ قال: اصَّدتُ أي أثرتُ.
العاشر: الَّذِي في ألفاظ «الصَّحيح» أنَّه _◙_ أكل مِنْهُ، ووقع في الدَّارَقُطْنِيِّ عن أبي قَتَادَة: ((إِنِّي إِنَّمَا اصْطَدْتُهُ لَكَ، فَأَمَرَ _◙_ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوهُ، وَلَمْ يَأْكُلْهُ هُوَ))، قال أبو بكرٍ النَّيْسابوريُّ: قوله: ((اصْطَدْتُهُ)) وَقوله: ((وَلَمْ يَأْكُلْهُ)) لا أعلمُ أحدًا ذكره في هذا الحديث غيرَ مَعمرٍ، وهو موافقٌ لما رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بن عفَّانَ، وقال غيره: هذه لفظةٌ غريبةٌ لم نكتبها إلَّا مِنْ هذا الوجه.
الحادي عشرَ: حاصل ما في أكْلِ المحرِم الصَّيدَ مذاهبُ، أحدها: أنَّه ممنوعٌ مطلقًا صِيدَ لأجله أو لا، وهذا مذكورٌ عن بعض السَّلف، دليله حديث الصَّعبِ بن جَثَّامة الآتي، وَرُوِيَ عن عَلِيٍّ وابن عُمَرَ وابن عَبَّاسٍ.
ثانيها: أنَّه ممنوعٌ إنْ صاده أو صِيد لأجله سواءٌ كَانَ بإذنه أو بغير إذنه، وهو مَذْهَب مَالِكٍ وَالشَّافعيِّ.
ثالثها: إنْ كَانَ باصطياده أو بإذنه أو بدِلالةٍ حرُم وإلَّا فَلا، وإليه ذَهب أبو حنيفةَ.
وقال ابنُ العربيِّ: يأكل ما صِيد وهو حلالٌ، ولا يأكل ما صِيد بعدُ، وحديثُ أبي قَتَادَة هذا يدلُّ على جواز أكلِه في الجُملة، وهو على خلاف المذهب الأوَّل، ويدلُّ ظاهرُه أنَّه إذا لم يُشِرِ المحرِم عليه ولا دلَّ يجوز أكله، وقد سَلَفَ أنَّه لم يأكل مِنْهُ في روايةٍ، وذهب أبو حنيفةَ إلى أنَّه إنْ دلَّ عليه فعليه الجزاء.
فائدةٌ: صيد البَرِّ أكثر ما يكون توالدُه ومثواه في البَرِّ، وصيد البحر ما يكون توالدُه ومثواه في الماء، والصَّيدُ هو الممتنِع المتوحِّش في أصل الخِلقة.
فائدةٌ: عزا صاحب «الإمام» إلى النَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ أبي حنيفةَ عن هشامٍ عن أبيه عن جدِّه الزُّبَيرِ قال: ((كُنَّا نَحْمِلُ الصَّيدَ صفيفًا، وَنَتَزَوَّدُهُ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ _صلعم_)) ورواه الحافظ أبو عبد الله البلْخيُّ في «مسند أبي حنيفةَ» مِنْ هذا الوجه، ومِنْ جهة إسماعيلَ بن يزيدَ عن محمَّد بن الحَسَن، عن أبي حنيفةَ.
فائدةٌ أخرى: روى أبو يعلى المَوصِليُّ في «مسنَده» مِنْ حَدِيثِ محمَّد بن المُنْكَدِر: ((حَدَّثَنَا شَيخٌ لَنَا، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيدِ اللهِ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ _صلعم_ عَنْ مُحِلٍّ أَصَابَ صَيدًا أَيَأْكُلُهُ الْمُحْرِمُ؟ قال: نَعَمْ))، ولمسلمٍ: أُهدي لِطَلْحَةَ طائرٌ وهو محرِمٌ فقال: ((أَكَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم))، وللدَّارَقُطْنيِّ: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ _صلعم_ أَعْطَاهُ حِمَارَ وَحْشٍ وأَمَرَهُ أَنْ يفرِّقه فِي الرِّفَاقِ))، قال: والصَّحيح أنَّه مِنْ رواية عُمير بن سَلَمَةَ عن رسول الله صلعم.
ولَمَّا ذَكَر مُهَنًّا عن أحمد أنَّه قال: أذهبُ لحديث جابرٍ السَّالف، قال: ويُرْوَى عن طلحةَ والزُّبَيرِ وعمر وأبي هُرَيرَةَ فيه رخصةٌ، ثمَّ قال: عائشة تكرهُه وغيرُ واحدٍ، ولَمَّا ذُكر له حديث عبد الرَّزَّاق، عن الثَّورِيِّ عن قيسٍ عن الحَسَن بن محمَّدٍ، عنْ عائشة: ((أُهْدَي لِرَسُولِ اللهِ صلعم وشيقة لحمٍ وهو محرمٌ فأكله)) فجعل أبو عبد الله ينكره إنكارًا شديدًا، وقال: هذا سماعٌ منكر، وللدَّارقطنيِّ: امتنع عُثْمَانُ أَنْ يأكلَ مِنْ ظبيةٍ أُهديت له، فَسُئِلَ عن ذَلِكَ، فقال: إِنَّمَا صِيد لي وأُصيب باسمي.
وفي «الموطَّأ»: ((أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ سُئِلَ عَنْ لَحْمِ صَيدٍ وَجَدَهُ المُحْرِمُونَ، فَأَفْتَاهُمْ بِأَكْلِهِ، ثمَّ سَأَلَ عُمَرَ فَقال: لَو أَفْتَيتَهُمْ بِغَيرِ ذَلِكَ لأوجعتُك)).