وقال البخاري ⌂: رأيتُ النَّبيَّ صلعم في المنام كأنِّي واقفٌ بين يديه، وبيدي مروحةٌ أذبُّ، فسألت المعبِّرين، فقالوا: أنت تذُبُّ عنه الكذب، فهو الذي حملني على إخراج «الصحيح»، فصنَّف البخاريُّ شكر الله تعالى سعيه هذا الكتاب الذي هو أصحُّ الكتب بعد القرآن، وسماه: «الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور سيدنا رسول الله صلعم وسننه(1) وأيامه».
روي عنه ☺ أنَّه قال: أخرجتُ هذا الكتاب من زهاء ست مئة ألف حديث.
وقال ☺: صنَّفتُ «الصحيح» في ستَّ عشرة سنة، وجعلتُه حجَّةً فيما بيني وبين الله ╡.
وقال إبراهيم بن مَعْقِل: سمعت البخاري يقول: ما أدخلتُ في هذا الكتاب إلَّا ما صحَّ، وتركتُ من الصحاح كي لا يطول الكتاب.
فأحاديث هذا الكتاب بالمكرَّر سوى المعلقات والمتابعات / سبعة آلاف حديث وثلاث مئة وسبعة وتسعون حديثًا من طريق الفِربري، على ما حرَّره حافظ العصر ابن حَجَر ⌂.
قال الفِربري: قال لي محمد بن إسماعيل: ما وضعتُ في كتابي «الصحيح» حديثًا إلَّا اغتسلتُ قبل ذلك، وصليتُ ركعتين.
وقال عبد القدوس بن همام: سمعت عِدَّة من المشايخ يقول(2): حوَّل محمد بن إسماعيل تراجم «جامعه» بين قبر رسول الله صلعم ومنبره، وكان يصلي لكلِّ ترجمة ركعتين، فحصل له ☺ ورحمه(3) اغتسالات بعدد أحاديث الكتاب، وأكثر من أربع عشرة ألف ركعة وخمس مئة ركعة وخمسين ركعة، غير الركعات التي بعدد التراجم مرتين.
ومن فضائل هذا «الجامع الصحيح»: ما ذكره الشيخ القدوة أبو محمد بن أبي جمرة ⌂ في أول الجزء الذي جمعه من أحاديث «الصحيح»: أنَّ المقتضي لذلك الجمع أنَّ البخاري ⌂ كان من الصالحين، وكان مجاب الدعوة، ودعا لقارئه، قال: وقد قال لي مَن لقيته من القضاة الذين كانت لهم المعرفة والرحلة عمن لقي من السادة المقَرِّ لهم بالفضل: إنَّ كتاب «البخاري» ما قرئ في وقت شدة إلَّا فُرِّجت، ولا رُكِبَ به في مركب فغرق قطُّ.
[1] في (ب): (أمور سيد المرسلين وسننه).
[2] في (ب): (يقولون).
[3] (ورحمه): ليست في (ب).