باب في إبطال قول مَن زعم أنَّ مِن شرط البُخارِيِّ إخراجَ الحديث عن عدلينِ وهَلُمَّ جرًّا إلى أنْ يتصل الخبرُ بالنَّبيِّ صلعم وقد تقدَّم منا القول بأنَّ هذا حُكمُ مَن لم يُمعن الغوص في خبايا الصحيح، ولو استقرأ الكتابَ حقَّ استقرائه، لوجَدَ جملةً من الكتاب ناقضة عليه دعواه.
وأمَّا قولُ الحاكم في القسم الأول: إنَّ اختيار البُخارِي ومُسْلِم إخراجُ الحديث عن عدلين عن عدلين إلى النَّبيِّ صلعم، فهذا غيرُ صحيح طردًا وعكسًا، بل لو عَكَس القضية وحَكَم كان أسلم له، وقد / / / /
صَرَّح بنحو ما قلتُ مَن هو أمكن منه في الحديث، وهو أبو حاتم محمد بن حِبَّان البُستي:
أخبرني أبو المحاسن محمد بن عبد الملك بن علي الهَمَذَاني: أخبرنا أبو القاسم المستملي: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي: أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن هارون الزَّوْزَني: حدَّثنا ابن حبان البُستيُّ قال: وأمَّا الأخبارُ فإنها كلَّها أخبارُ الآحاد؛ لأنَّه ليس يُوجد عن النَّبيِّ صلعم خبر من رواية عدلين، رَوَى أحدُهما عن عدلين، وكلٌّ واحد منهما عن عدلين حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله صلعم، فلما استحال هذا وبَطَل، ثبتَ أنَّ الأخبار كلَّها أخبارُ الآحاد، ومَن اشتَرط ذلك فقد عَمَد إلى ترك السُّنن كلِّها، لعدم وجود السنن إلَّا من رواية الآحاد. /
هذا آخر كلام ابنُ حبان.
ومن سَبَر مَطَالع الأخبار عَرَف أنَّ ما ذكره ابنُ حبَّان أقرب إلى الصواب.
وأمَّا قوله: إنَّ الموجود المروي مِن الأحاديث على الوتيرة التي رَسَم، يبلغُ قريبًا من عشرة آلاف فهذا ظن منه بأنَّهما لم يُخرِجا إلَّا على ما رَسَم، وليس كذلك، فإنَّ أقصى ما يمكن اعتبارُه في الصحة هو شرط البُخارِي، ولا يُوجَد في كتابه من النحو الذي أشار إليه إلَّا القدرُ اليسير.
وأما قوله: إنَّ شرط الشيخين إخراجُ الحديث عن عدلين وهلمَّ جرًا إلى / أن يتصل الحديث.... فليس كذلك أيضًا لأنَّهما قد خرَّجا في كتابيهما أحاديثَ جماعةٍ من الصحابة، ليس لهم إلَّا راوٍ واحدٍ، وأحاديثَ لا تُعرَف إلَّا من جهةٍ واحدة، وأنا أذكُرُ من كل نوع أحاديثَ تدلُّ على نقيض ما ادعاه.