التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: من ينظر ما صنع أبو جهل؟

          3962- قوله: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ يُونُسَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه أحمد بن عبد الله بن يونس، نسبه إلى جدِّه، و(زُهَيْرٌ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه زُهير بن معاوية أبو خيثمة، وتَقَدَّم مترجمًا [خ¦232]، و(سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه ابن طُـِرْخَان، وتَقَدَّم ضبط طُـِرْخَان ومعناها، وتَقَدَّم هو مترجمًا [خ¦129].
          قوله: (وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ هذا عَمرو بنُ خالد بن فرُّوخ الحرَّانيُّ، شيخ البُخاريِّ، وتَقَدَّم مترجمًا [خ¦3957]، و(زُهَيْرٌ): تَقَدَّم أعلاه وقبله مرارًا، و(سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ): تَقَدَّم أعلاه أنَّه ابن طُـِرْخَان.
          قوله: (قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ): اعلم أنَّ في «السِّيرة» لابن إسحاق: أنَّ معاذَ بن عمرو بن الجموح أخا بني سلِمة حمل على أبي جهلٍ يومَ بدر، فضربه ضربة أطنَّت قدمه بنصف ساقه، وضربَ معاذًا ابنُ أبي جهلٍ عكرمةُ على عاتقه، فطرح يده فتعلَّقت بجلدةٍ من جسمه، فلمَّا آذته؛ وضع عليها قدمه حتَّى طرحها، قال عياض: وزاد ابنُ وهب في روايته القصَّة لمعاذ بن عمرو بن الجموح: (فَجَاءَ يحملُ يدَهُ، فبصق عليها رسولُ الله صلعم، فلَصِقَتْ)، ثُمَّ مرَّ بأبي جهل وهو عقيرٌ معوِّذُ ابن عفراء، فضربه حتَّى أثبته، وبه رمق، ثُمَّ مرَّ عبد الله بن مسعود بأبي جهل حين أمرَ ◙ أن يُلتمس في القتلى، فالتمسه، وقال له أبو جهل: هل أَعْمَدُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوه؟ أَخبرني لِمَن الدبَرةُ؟ قال: قلتُ: لله ولِرَسوله، فاحتزَّ ابن مسعود رأسَهُ، ثُمَّ جاءَ به رسولَ الله صلعم، فَأَلقَاه بينَ يديه، فحَمِد الله.
          وفي «الصَّحيحين» قصَّة عبد الرَّحمن بن عوف قال: (إنِّي لواقفٌ يومَ بدرٍ في الصَّفِّ نظرتُ عن يميني وعن شمالي، فإذا أنَا بغلامينِ منَ الأنْصَار...) إلى أن قال: («أيُّكما قَتَلهُ؟» فقال كلُّ واحدٍ منهما: أنا قتلته، قال: «هَل مَسحتُما سَيْفَيكُما؟» قالا: لا، فَنَظر في السَّيفين، قال: «كِلاكُما قتلهُ»، وقضى بسَلَبِه لمعاذ بن عمرو بن الجموح، وهما معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعاذ ابن عفراء) [خ¦2972].
          وقد قال شيخنا في مكان: (ابنا عفراء: معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ ابن عفراء)، انتهى، وليس كذلك، والوهم جاءه من رواية: (ضربه ابنا عفراء) [خ¦3745]، ومن رواية: (وهما: معاذ ابن عمرو بن الجموح ومعاذ ابن عفراء) [خ¦3141]، فجمع بينهما فأخطأ، بل بنو عفراء: معاذ، وعَوذ _ويقال: عوف؛ بالفاء_ ومعوِّذ، شهدوا بدرًا، وهم ثلاثة عند أبي معشر، والواقديِّ، وابن الفلاح، وكان ابن إسحاق يزيد فيهم رابعًا يسمِّيه: رفاعة، شهد عنده بدرًا، وأنكره الواقديُّ، وقد استُشهِد عوفٌ ومعوِّذ ببدر، وتوفِّي معاذٌ في زمن عثمان، وقيل: عاش إلى زمن عليٍّ ☻، أمُّهم: عفراء بنت عُبيد ابن ثعلبة من بني غنم، وأبوهم: الحارث بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن غنم بن مالك بن النجَّار، والذي ضربه من بني عفراء معاذ ومعوِّذ ابنا الحارث، وقال بعضهم: هما عوف ومعوِّذ، وقال في مكان آخر: (إنَّ المشارك في قتل أبي جهل معاذ؛ يعني: ابن عفراء).
          وقال الشَّيخ محيي الدِّين النَّوويُّ في «تهذيبه» في ترجمة (أبي جهل): (قتله ابن عمرو بن الجموح، وابن عفراء الأنصاريَّان)، وقال أيضًا في حديث إنَّ ابنَي عفراء قتلاه: (هما: عوذ، ومعوِّذ، ويقال في عوذ: عوف)، انتهى، ذكر ذلك في «مبهماته» في أواخرها بعد فراغٍ من كلام الخطيب.
          ولمَّا ذكر أبو عمر في «الاستيعاب» _في ترجمة معاذ بن عمرو بن الجموح وفي معاذ بن الحارث ابن عفراء_ الاختلافَ في قاتل أبي جهل ثَمَّ؛ قال: (وأصحُّ من هذا: ما رواه أبو خيثمة زهير بن حرب...) فساق سندًا إلى أنس بن مالك: أنَّ النَّبيَّ صلعم قال يوم بدر: «من ينظر ما صنع أبو جهل؟» فانطلق ابن مسعود، فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتَّى برد، قال: (وصحَّ أيضًا عن ابن مسعود: أنَّه وجده يومئذٍ وبه رَمَق فأجهز عليه وأخذ سيفه...) إلى آخر كلامه.
          وقال النَّوويُّ في «شرح مسلم» عند قوله في الحديث: (والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ ابن عفراء) ما لفظه: (كذا في «البُخاريِّ» و«مسلمٍ» من رواية يوسف بن الماجِشُون [خ¦2972]، وجاء في «البُخاريِّ» من حديث إبراهيم بن سعد: «أنَّ الذي ضربه ابنا عفراء» [خ¦3988]، وذكره أيضًا من رواية ابن مسعود [خ¦3964]، وأنَّ ابني عفراء ضرباه حتَّى برد [خ¦3962]، وقد قتلوه كلُّهم كافرًا ببدر، وذكره مسلم بعد هذا في «قتل أبي جهل» من حديث أنس، وذكر غيرُهما: أنَّ ابن مسعود هو الذي أجهز عليه، وأخذ رأسه، وكان وجده وبه رَمَق، وله معه خبرٌ معروف، قال القاضي: «هذا قول أكثر أهل السير»)، قال النَّوويُّ: (قلت: يُحمل على أنَّ الثلاثة اشتركوا في قتله، وكان الإثخان من معاذ بن عمرو بن الجموح، وجاء ابن مسعود بعد ذلك وفيه رَمَق، فحزَّ رقبته)، انتهى.
          وكلام الناس في هذه المسألة كثيرٌ متشعِّب، والذي ظهر لي _والله أعلم_ أنَّ الذي أثخنه معاذ بن عمرو بن الجموح، وهو الذي أعطاه ◙ سَلَبَه، وأنَّه ليس بواحد من ابنَي عفراء، وما قاله النَّوويُّ يجمع بين الأحاديث.
          قوله: (حَتَّى بَرَدَ): هو بفتح الموحَّدة والراء، وبالدَّال المهملة؛ معناه: مات ولم يمت، ولكنَّه قد قارب الموت؛ بدليل حديث ابن مسعود معه، والله أعلم، قال ابن قُرقُول: («حتى بَرَد»: كذا لهم؛ أي: مات، وعند السمرقنديِّ: «حَتَّى بَرَكَ»؛ بالكاف، وهو أليق بمعنى الحديث على تفسيرهم «بَرَدَ»: مات؛ لقوله بعدُ لابن مسعود ما قال، ولو كان ميتًا؛ لم يكلِّمه، إلَّا أن يفسَّر «بَرَدَ» بمعنى: سكن وفتر؛ فتصحُّ، يقال: جَدَّ في الأمر حتَّى بَرَد؛ أي: فَتَر، وبَرَد النَّبيذ: سَكَن)، انتهى.
          قوله: (أَأَنْتَ أَبُو جَهْلٍ؟): هو بألف الاستفهام أوَّلًا، كذا في أصلنا بألف واحدة غير أنَّها ممدودة بالقلم، والذي ظهر لي أنَّ المدَّ طرأَ عليها، (أبو جهل): وفي نسخة: (أبا جهل)، وسيجيء في آخره في نسخة: (قال أحمد ابن يونس: آنت أبو جهل؟)؛ بمدِّ الألف، فيحتمل أنَّ الاختلاف الذي وقع بين شيخَيِّ البُخاريِّ في مدِّ الألف، وذلك لأنَّ في نسخة: (أبا جهل) في المكانين، ويحتمل أن يكون في (أبي جهل)، هل هو أبو أو أبا جهل؟ والله أعلم، والثاني هو الظَّاهر، والله أعلم.
          قال الدِّمياطيُّ في مكان غير هذا المكان: («أنت أبا جهل؟» أي: أنت المقتولُ الذَّليل يا أبا جهل، على جهة التَّقريع والتَّوبيخ، وإظهار التَّشفِّي)، انتهى، وقيل في تخريجه غير ذلك، وأذكره حيث ذكره الدِّمياطيُّ إن شاء الله تعالى [خ¦4020]. /