التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح

حديث: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي

          2- (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ) بفتح الفاء؛ غير منصرف.
          (أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ) بنصب (ابن).
          (أَحْيَانًا يَأْتِينِي) انتصب (أَحْيَانًا) على الظرف.
          (مِثْلَ) منصوب نعت لمصدر محذوف، أي: إتيانًا مثل، ويُروَى: «في مثل» بإثبات «في»، ورجحت لأنَّ الصلصلة _حينئذ_ للوحي بمنزلة القراءة للقرآن في فهم الخطاب، وأما على إسقاط «في» فمعناه يرجع للذي ذكره ثانيًا، وهو تمثل الملك له فيكلمه.
          (صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ) يريد أنَّه صوت متدارك يسمعه ولا يتبينه أول ما يقرع سمعه حتى يفهم من بَعد.
          قيل: وفائدة [قوة] (1) صوت الملك؛ ليشغَلَه بالوحي على سائر إحساسه؟ قيل: إنَّما كان ينزل كذلك إذا نزلت آية وعيد أو تهديد.
          (فيفصم) بفتح الياء وضمها على ما لم يسم فاعله، أي: ينفصل ويقلع.
          وفيه سر لطيف أنَّها بينونة من غير انقطاع، والملك يفارقه ليعود إليه، والفصم _بالفاء_ القطع من غير بينونة، بخلاف القصم بالقاف الذي هو كسر وبينونة.
          (وَعَيْتُ) بفتح العين، أعيه وعيًا: فهمت، وقيل: حفظت، وأصله من الوعاء، ومنه: {أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}[الحاقة:12] أي: جمعته كما يُجمَعُ الشيء في الوعاء، وأما المال والمتاع فيقال منه: أوعيت بالألف أوعي فأنا مُوعٍ.
          (رَجُلًا) أي: على مثال رجل، وقيل: تمييز، وقال ابن السيد: حال موطئة على تأويل الجامد بمشتق، أي: مرئيًا محسوسًا.
          قال أهل الحقيقة: وتمثيل الملك رجلًا، وكذا تمثيل جبريل في صورة دحية ليس معناه أنَّه انقلبت ذات الملك في صورة الرجل؛ بل بمعنى أنَّه ظهر / بتلك الصورة للنبي صلعم تأنيسًا.
          (فَيُكَلِّمُنِي) كذا رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك، ورواه البيهقي من جهة القَعْنبي عن مالك فقال: «فيعلِّمني» بالعين المهملة بدل الكاف.
          (وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ) بفتح أوله والزاي مخففة، وبضمه والزاي مشددة مفتوحة.
          (لَيَتَفَصَّدُ) أي: يسيل كالفصد، وصحَّفه ابن طاهر بالقاف، وحكاه العسكري في كتاب «التصحيف» عن بعض شيوخه وقال: إن صح فهو من قولهم: تقصَّد الشيء إذا تكسر وتقطع.
          (عَرَقًا) بفتحتين، ونصبه على التمييز، وإنَّما كان كذلك ليبلو صبره فيرتاض لاحتمال ما كلفه من أعباء النبوة.
          ثم قال الإسماعيلي في «المستخرج»: هذا الحديث الذي صدَّر به البخاري لا يصلح لهذه الترجمة، وإنَّما المناسب لـ(كيف بدء الوحي) الحديثُ الذي بعده، فأما هذا الحديث فهو لـ(كيف يأتيك الوحي) وليس ذلك بدء الوحي.


[1] زيادة من (ز).