-
مقدمة المصنف
-
حديث أبي شريح
-
حديث: رأيت النبي صلعم يمسح على عمامته
-
حديث الفأرة تقع في السمن
-
حديث: كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئًا
-
حديث عائشة: أنها استعارت من أسماء قلادةً فهلكت
-
حديث: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسّفر
-
حديث الإسراء
-
حديث: لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها بغائطٍ ولا بول
-
حديث: بينما الناس بقباء في الصلاة إذ جاءهم آت فأخبرهم
-
حديث: أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر إلا الإقامة
-
حديث: لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة
-
حديث ابن عباس في صلاة الليل
-
حديث: صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرأ فاتحة الكتاب
-
حديث: أن الميت يسمع خفق النعال إذا ولوا عنه مدبرين
-
حديث الصلاة على شهداء أحد
-
حديث موسى مع الخضر عليهما السلام
-
حديث ابن عباس إذ سأله عما استيسر من الهدي
-
حديث: أن النبي أسلم من يهودي طعامًا
-
حديث: أن امرأتين من هذيلٍ رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها
-
حديث طلاق ابن عمر لامرأته
-
الحديث الحادي والعشرون
-
حديث: رأيتك في المنام يجيء
الحديث السابع عشر
حديث أبي جمرة عن ابن عبَّاس إذ سأله عمَّا استيسر من الهدي فقال: «جَزُورٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ». [خ¦1688]
وحديثُ عليٍّ: أنَّ رسولَ اللهِ صلعم أَشْرَكَهُ في هَدْيِهِ. [خ¦2505]
قلتَ: وترك أهل العلم بأجمعهم هذا المعنى، وقالوا: ما استيسر من الهدي شاةٌ، قلتَ: وقد ذكر مالك في «موطَّئه» ما يوافق / قول ابن عبَّاس، وهو حديث أبي الزُّبير عن جابر قال: «نحرْنا مع رسول الله صلعم البدنَةَ عن سبعةٍ، والبقرةَ عن سبعةٍ».
فالجواب أنَّ حديث ابن عبَّاس وقوله هذا صحيح مستعمل عند جمهور أهل العلم، وليس بمتروكٍ عند جميعهم كما ظننتَ، بل لا يتركه إلَّا أقلُّهم، اللهمَّ؛ إنْ كنتَ أردتَ ظاهر قوله: «أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ»، فتوهَّمتَ أنَّ الشَّاة يجوز فيها الاشتراك؛ لأنَّه يقع عليها اسم دمٍ، فإنْ كنتَ ظننتَ هذا فهو كما ذكرتَ، لا يقوله أحدٌ من علماء المسلمين فيمن وجب عليه دمٌ أنَّه تجزئه بعض شاةٍ، وإنَّما أجازَ العلماء الاشتراك في البَدنة والبقرة دونَ الشَّاة لكلِّ مَن لزمه ما استيسر من الهدي، لمتعةٍ أو قران أو غير ذلك ممَّا يدخلُ في الحجِّ؛ لأنَّ البدنة والبقرة تعدل عنهم سبع شياه، وممَّن أجاز ذلك من أهل العلم الشَّافعيُّ، وأبو حنيفة، والثَّوريُّ، والأوزاعيُّ، وأحمد بن حنبل، وأبو ثورٍ، وداود بن عليٍّ، وعامَّة الفقهاء، وروى منصور عن رِبْعِيٍّ قال: (كان أصحاب رسول الله صلعم يقولون: البقرة عن سبعة)، وروى محمَّد بن عبد الرَّحمن بن ثوبان عن أناسٍ من أصحاب محمَّد ◙ قالوا: «البقرة عن سبعة»، وعن عليٍّ وابن مسعودٍ قالا: (البقرة / عن سبعة، والبدنة عن سبعة) وأكثر العلماء على هذا، وقد روى ابن عبَّاس والمِسْور بن مَخْرَمة: «أنَّ النَّبيَّ صلعم نَحَرَ يومَ الحُدَيبية البدنة عن عشرةٍ»، وهذا حديث غير مستعمل عند الجميع، وقد أجمع العلماء أنَّ البقرة لا تجوز عن أكثر من سبعة، وكذلك البدنة، وفي إجماعهم على ذلك دليلٌ أنَّ الحديث وهمٌ أو منسوخ، وإنَّما قلتُ ذلك إنَّ هذا إجماعٌ؛ لأنَّ المسألة على قولين؛ أحدهما: نفي الاشتراك في البدنة والبقرة أصلًا، والثاني: إجازة الاشتراك فيها عن سبعة لا زيادة، وكلا القولين ينفي الاشتراك فيما فوق السَّبعة، وقد كان زُفر بن الهُذيل يقول: (إن كان الهَدْيُ الواجب على سبعة أنفس وكان من باب واحدٍ، مثل أن يكونوا كلُّهم وجبَ عليهم دمٌ مُسْتَيْسِر عن متعةٍ أو غيرها من وجه واحد؛ جاز لهم الاشتراك في البقرة والبدنة إذا كانوا سبعة فأدنى)، قال: (وإن اختلف الوجه منه؛ وجب عليهم الدم، لم يجزهم ذلك)، وكان أبو ثور يقول: (إن شاركهم ذمِّيٌّ أو مَن لا يريد الهدي، وأراد حصَّته من اللَّحم أجزأَ من أراد منهم / الهدي سبعة، ويأخذُ الباقون حصَّتهم من اللحم)، وقال أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمَّد: (إنْ كان منهم ذمِّيٌّ أو مَن لا يريد الهدي فلا يجزهم عن الهدي).
وأمَّا مالك ☼؛ فإنَّه كان يجيز الاشتراك في هدي التطوُّع، روى ذلك ابن وهب وغيره عنه، ومن حجَّته في ذلك: أنَّ رسول الله صلعم أشرك عليًّا في هديه، وكان تطوُّعًا؛ لأنَّه كان عنده مفردًا في حجَّته صلعم، ولا يجيز مالك الاشتراك في الهدي الواجب ولا الضحايا إلَّا أن يتطوَّع الرجل فيضحِّي عن نفسه وعن أهل بيته بشاةٍ واحدةٍ، فيجوز ذلك؛ لأنَّ رسول الله صلعم قد تطوَّع ببعض ضحاياه عنه وعن أمَّته.
وقال ابن شهاب عن عَمْرة وعروة عن عائشة: أنَّ رسول الله صلعم نَحَرَ عن نسائه بقرةً واحدةً في حجَّة الوداع بينهنَّ، وروى الأوزاعيُّ عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النَّبيِّ صلعم مثله.
وأنكر مالكٌ الاشتراك في الهدي الواجب والضحايا، ومن وجب عليه ما استيسر من الهدي؛ لم يجزه عنده دمٌ منفردٌ من دماءِ الأزواج الثمانية أقلُّه شاةٌ منفردةٌ، / ولم يكن عنده حديث أبي الزُّبير معمولًا به؛ لأنَّ الآثار اضطربت في نحر رسول الله صلعم يوم الحديبية، وكان رسول الله صلعم قد حصره العدوُّ يومئذٍ فنحر، والنحر عند مالك على المُحْصَر بعدوٍّ مستحبٌّ وليس بواجبٍ، وأكثر العلماء يوجبونه، وبيان مذاهبهم في ذلك في «التمهيد»، ولو رأى مالك ☼ أهل بلده يعملون بحديث جابر ما تركه؛ لأنَّه قد كان عرفه ورواه، ومالك يذهب إلى أنَّ الخبر إذا عَمِلَ بعضُ أهل بلده به وأفتوا بخلافه وفشا ذلك عندهم؛ جاز له تركه، وغيره يخالفه في هذا الأصل، والله الموفِّق للصواب.
وأبو الزُّبير حافظٌ متقنٌ ليس به بأسٌ، وجمهور العلماء على الاحتجاج بحديثه وقبوله، ومَن جرَحه منهم لم يأتِ في جرحه بحجَّة، والله المستعان.
وقد روى عطاء عن جابر مثل رواية أبي الزُّبير سواء، وروى جعفرُ بن محمَّد عن أبيه عن جابرٍ: أنَّ رسول الله صلعم أشرك عليًّا في هدْيه في حجَّة الوداع، والحمد لله ربِّ العالمين.