-
مقدمة المصنف
-
شرح مقدمة الثلاثيات
-
حديث سلمة: من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار
-
حديث سلمة: كان جدار المسجد عند المنبر
-
حديث سلمة: فإني رأيت النبي يتحرى الصلاة عندها
-
حديث سلمة: كنا نصلي مع النبي المغرب
-
حديث سلمة: أن من أكل فليتم أو فليصم ومن لم يأكل
-
حديث سلمة: أمر النبي رجلًا من أسلم أن أذن في الناس
-
حديث سلمة: كنا جلوسًا عند النبي إذ أتي بجنازة
-
حديث سلمة: أن النبي أتي بجنازة، ليصلي عليها
-
حديث سلمة: على ما توقد هذه النيران
-
حديث أنس: يا أنس كتاب الله القصاص
-
حديث سلمة: يا ابن الأكوع، ألا تبايع
-
حديث سلمة: يا ابن الأكوع، ملكت فأسجح.
-
حديث بسر: كان في عنفقته شعرات بيض
-
حديث سلمة: رأيت أثر ضربة في ساق سلمة
-
حديث سلمة: غزوت مع النبي سبع غزوات
-
حديث أنس: كتاب الله القصاص
-
حديث سلمة: لما أمسوا يوم فتحوا خيبر أوقدوا
-
حديث سلمة: من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة
-
حديث سلمة: أسمعنا يا عامر من هنيهاتك
-
حديث أنس: أن ابنة النضر لطمت جاريةً، فكسرت ثنيتها
-
حديث سلمة: بايعنا النبي تحت الشجرة فقال
-
حديث أنس: نزلت آية الحجاب في زينب بنت جحش
التاسع: [خ¦2477]
قال البُخَاري: (حَدَّثَنا أبو عَاصم الضَّحاكُ بنُ مَخْلَدٍ، عن يَزيد بن أبي عُبيد، عن سَلَمَةَ بنِ الأكوعِ: أنَّ النَّبي صلعم رَأَى نِيْرَانًا) بكسر أوَّله جمع نار، وَالياء منقلبة، (تُوْقَدُ) بصيغةِ المجهول مُخَفَّفًا (يومَ خَيبر) أي يوم فتح خيبر، على حَذف المضاف، وَسيأتي في الحديث السَّابع عشر بلفظ: ((يَوْمَ فَتَحُوا خَيْبَرَ))، وَفي بعض النسخ هنا: ((يَوْمَ فَتْحِ خَيْبَرَ))، وَهي البلدة المعروفة على أربع مَراحل من المدينة المشرَّفة إلى جهة الشَّام، ذات حُصون وَمزارع، فهو مَمنوع من الصَّرف للعلميَّة وَالتَّأنيث، وَكانت في زمنَ النَّبي صلعم في أيدي جماعةٍ من اليهود، ففتحها رسول الله صلعم على رَأس سبع سنين منَ الهجرة، وَكان فتحُهَا على يد عليٍّ ☺، وَالقصَّة مشهورة ليسَ هُنا موضع بَسطها.
(فقال: عَلَى مَا) أي: فوق ما (تُوقِد هَذِهِ النِّيْرَان) وَهوَ بإثبات ألف ((ما)) الاستفهامية مع دخول الجارِّ عليهَا، وَهو قليلٌ.
وللأصيلي قال: عَلَامَ، بحذف ألف مَا الاستفهامية.
ولأبي ذرٍّ: فقال: علَام بفاء قبل ((قال)) وَحذف ألف، وَالمعنى: على أي شيء توقد هذه النيران ؟
(قالوا: ) أي جماعة من المخاطبين / المسؤولين، وَلأَبي ذر: قال أي أحدهُم أو رئيسهم: (على الحُمُر) بضم الحاء المهملة وَالميم، جمع حِمار، وَمنه قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ} [المدثر:50] ، وَأما الحُمْر بضمٍّ فسكون فهو جمع أَحْمَر، كسُود جمع أَسود، وَتكلَّف الشَّارحُ في قوله: وَالتَّقدير على طبخ الحمر (الإِنْسِيَّة) احترازًا من الحمر الوحشية، وَهي بكسر الهمزة وَسُكون النون نسبة إلى الإنس وَهم بنو آدَم، وَقيل: بضمِّ الهمزة نِسبةً إلى الأنس ضد الوحشة، وَيُروى بفتح الهمزة وَالنون نسبة إلى الأَنَس مصدر آنست، كذا ذكر في ((النهاية)).
لكنْ تعَقَّبهُ القاضي عيَاض حيث قال: وَأكثرُ رِوَايات الشُّيوخ بفتحتين، وَزعم ابن الأثير أنَّ في كلام أبي موسَى المديني مَا يقتضي أنَّه بالضمِّ فالسُكون لقوله: الأنسيَّة هي التي تألف البيُوت، وَالأُنس ضد الوَحشة، وَلا حجَّة له في ذلك؛ لأن أبا مُوسى إنَّما قال: بفتحتين.
وقدْ صَرَّحَ الجَّوهري أنَّ الأَنَس بفتحتين ضد الوحشة، وَلم يقع في شيء من روَايات الحديث بضم وَسكون مع احتمال جوازه، نعَمْ زَيَّفَ أبو موسى الرِّوَاية بكسر أوَّله ثم السُّكون، فقال ابن الأثير: إنَّ أراد من جهة الرِّواية فعسى، وَإلا فهو ثابت في اللغة.
هذا وَقد وَقع في حديث أبي ثعلبة وَغيره: ((الأهلية))، بدل الإِنسيَّة.
(قال) أيْ النَّبي صلعم: (اكسِروها) بكسر السين، أي الظروف أو القدور التي تُطبخ فيها الحُمر، كما يدلُّ عليهَا سيَاق الكلام.
والأمر بكسرهَا للزَّجر وَالمبالغة في تحريم تلك اللُّحُوم، فلما التمسوا غسلها لمَا في كسرها من إتلافِ مَالٍ وَتضييعِ حَالٍ جوَّزَ غَسلها.
قال الفقهاء: إذا كانت الأوعيةُ التي فيها النَّجس بحيث يمكنُ أنَّ يُراقَ مَا فيها، وَإذا غُسلت طَهرت وَانتفع بها لم يجز إتلافها، وَإن لم يكن كذلك جَازَ كَسْرُها.
(وَأَهْرِيْقُوْهَا) أي وَصبُّوها، وَالواو لمُطلق الجمع، وَهو بفتح الهمزة وَسُكون الهاء لا غير، ففي ((الصِّحَاح)) أنَّه أمرٌ من باب الأفعال بزيادة الهاء بدلًا عَن حَركة عين الفعل، أي أصله: أُريق يريقُ، وَقيل: أروقُ يروقُ، فجبرَ مَا لحقهُ من التغيير بزيادة الهاء، نحو: اَسْطاَعُ بفتح الهمزة يُسْطِيع بضم أوَّله من أَطاَع يُطيع بزيادة السين بدلًا عن الحركة.
وَتوضيحه: ما قال الطَّيبي من: أنَّ إهراقَ يهْريق بسكون الهاء نحو اِسطاع يَسطيعُ، فأُبدلت الهمزة هاءً ثم جُعلت عِوضًا عن حركة العين فصَارت كأنَّها من نفسِ الكلمة، ثمَّ أُدخلت عليه الهمزة.
وأظهر منه مَا قال صَاحبُ ((النِّهاية)) بأنَّ الهاء من هَراق بدل من هَمْزَةِ أَرَاقَ، فقال: أراقَ الماءَ يُريقه إراقة، وَهَرَاقه يُهَرِيقه بفتح الهاء هِرَاقَةً، وَيُقال فيه: أهرقْتُ الماءَ أُهْرِقُهُ إِهْرَاقًا، فيُجْمَعُ بين البَدَل وَالمُبْدَل، انتهى.
ولا يَخفى أنَّه يُستفاد منه أنَّ الأمر لا يكون إلَّا بسُكون الهاء، وَالمضارع فيَجوزُ في هائه السُّكون وَالفتح.
هذا وَلأبي ذرٍّ: ((وَهْرِيْقُوْهَا))، بحذف الهمزة وَزيادة مثنَّاة تحتيَّة قبلَ القاف وَالهاء مفتوحة، كذا نقله الشارح؛ وَهُوَ يُوهم أنَّ زيادةَ المُثَنَّاة مختصَّة بهذه الرِّواية دون الرِّواية الأوْلى، وَليسَ كذلكَ، فما وَقع في أصله من زيادة الهمزة وَحذف المثنَّاة مخالفٌ للرِّواية وَالدِّرَاية.
وأما ما نقله ابن حجر المكِّي في ((شرح الشَّمائل)) من أنَّ أهَراق _بفتح الهَاء وَسُكونها_ من الإراقة، فالهاء زائدة، فغير صحيحٍ سُكونها؛ لما تقدَّم من كلام أهل اللُّغة.
ثمَّ قولُ ابن حجر: / وفيهِ لُغةٌ أُخرى: هَراق الماء هَريقه بفتح الهاء، وَالهاءُ حينئذٍ بدل من الهمزة، وَعلى الأُولى لُغتان، نَهَريق وَنَهْريق فغيرُ مُستقيمٍ، بل هو تلفيق بين اللُّغتين، فإنَّ نهَريق بفتح الهاء مضارع هَرَاق، وَسكونها مضارع أَهْرَاق بزيادة الهمزة.
(قالُوا: ) أي الصَّحابة مستفهمين (أَلَّا نُهَرِيْقَهَا ؟) أي من غير كسْرِهَا، وَتقييدُ الشَّارح بضم النون وَفتح الهاء وَاقتصاره عليْه يُوهم أنَّه لا يجوز سكونُ الهاء، وَليسَ كذلك لما سبَق من أنَّ في نهريق لغتان: فتح الهاء على أنَّها عوض عن الهمزة، وَحينئذٍ ماضيه هَراق، وَسُكون الهاء على أنها زائدة، وَمَاضيه أهراق.
(وَنَغْسِلُهَا) أي وَإِلَّا نغسلها من غير كَسْرٍ لَهَا ؟
(قال: اغْسِلُوا) أي اغسِلُوا القُدور، وَالمعنى: اكتفوا بغسلهَا إذا أمكن غسلُهَا.
وفيه ردٌّ على مَن زعم أنَّ دِنان الخمر لا سَبيل إلى تطهيرها.
فإنَّ الذي دخل القدور من الماء الذي طُبخت به الحمر يطهِّره الغسل، وَقد أَذِنَ صلعم في غسلها، وَقد دلَّ على إمكان تطهيرها، وَفي هذا إشعارٌ إلى أنَّ الحمر كانت مَيتةً، وَإلَّا فالمذبوحة منهَا طاهرةٌ عند الحنفية لما تقرَّر في محلِّهِ منَ الأَدلَّة.
لكن يُشكل بما وَقع في حديث عبد الله بن أبي أوفى قال: «أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ لَيَالِيَ خَيْبَرَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وَقَعْنَا فِي الحُمُرِ الإنْسِيَّةِ، فَانْتَحَرْنَاهَا... الحديث.
وفي حَديث أنس قال: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ جَاءَ جَاءٍ فَقَالَ: يَا رَسُوَل اللهِ، أُفْنِيَتْ الحُمُرُ، فَأَمَرَ أَبَا طَلْحَةَ فَنَادَى...الحديث.
وفي حديث أبي ثعلبة الخُشْنِيِّ قال: «غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلعم خَيْبَرَ، وَالنَّاسُ جِيَاعٌ، فَأَصَبْنَا بِهَا حُمُرًا مِنْ حُمُرَا إِنْسِيَّةً، فَذَبَحْنَاهَا، فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صلعم ، فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَنَادَى... الحديث.
هذا وَرُوي أنَّ عُدَّةَ الحُمُرِ التي ذبحوها كانت عشرين أو ثلاثين على الشَّكِّ.
وفيه إشكالٌ آخر، وَهُوَ: أنَّ المجاعة تُبيح أكل الميتة، فكيف أكل الحمر الذَّبيحة ؟ وَلعلَّه لم يكن المجاعة بهذه المثابة، وَلهذا زجرهم صلعم عن إتلاف المال، وَأمرهم بكسر القدور تغليظًا عليهم، وَتنبيهًا لهم أنَّ ذبح الحُمُرِ من غير ضرورة ككسر القدور من غير حاجة، فلمَّا تنبَّهوا لهذا المبنى وَتنزَّلوا في هذا المعنى، وَاستأذنوا بالاكتفاء في غسل الإناء: أذن لهم بأهون الأشيَاء، فاندفع كل من الإشكال، وَالله أعلم بالأحوَال.
قال الكَرْمَانِي: فإنْ قُلت: لِمَ خالفوا أمر رسول الله صلعم ؟ قلت: فهموا بالقرائن أنَّ الأمرَ ليسَ للإيجابِ. فإن قلتَ: فكيف رجع رسول الله صلعم عَن الأمر الجازم إلى الترديد بين الكسر وَالغسل المفهوم من قوله في روَاية أُخرى: «فقال رجل: يَا رَسُوْلَ اللهِ، أَوَ نَهْرِيْقُهَا وَنَغْسِلُهَا ؟ قالَ: أَوْ ذَاكَ».
وقال ابن الجوزي: أراد التَّغليظَ في طبخهم مَا نُهِيَ عن أكله، فلمَّا رأى إذعانهم اقتصر على غسل الأواني، انتهى.
ولعلَّهُ أُوحي إليهِ بِذلك، أو تغيَّرَ اجْتهادُهُ هُنالكَ، وَاليَوم قد نُسخ الكسر بالاتِّفاق، وَالمذاهبُ الأربعة على حُرْمة لحم الحمار خلافًا للشيعة.
وَيُؤخذُ من التَّقييد بالإنسيَّة حِلِّيَّة الحمر الوحشيَّة، وَلا أعلم خلافًا لأحد في هذه القضية، وَسيأتي زيادة بيَان لهذه المسألة في الحديث السَّابع عشر.
(أخرجه) أي البخاري / (في أبَوابِ المظالم وَالغصب في باب) ضُبِطَ بالأوجهِ الثَّلاثَةِ، وَالأَوْجَهُ هُوَ الجَرُّ، (هل تُكسر) بالتأنيث وَالتذكير (الدِّنان) بكسر أوَّله، أي الظُّروف (التي فيها خمر).
ووقعَ في بعض النُّسخ هنا زيادة، وَقد اعتمد عليهَا الشَّارح، وَهو قوله: (قال أبو عبد الله: كان ابن أبي أويس يقول: الأَنَسِيَّةُ _بنصب الألف وَالنون_) انتهى.
والمعنى: بفتح الهمزة وَالنون: فإنَّ الألف تُطلق على الهمزة أيضًا، وَالنصب وَالفتح يتعاودان.
قال الشارح: قائلُ هذا الكلام هو البُخاري، وَكان كثيرًا ما يُعبرُ عن نفسه في كتاب ((الصحيح))، وَكذا في سَائر الكتب بكنيته، وَالمراد بابن أبي أويس: إسمَاعيل بن أبي أُويس شيخه.
وَالمقصود: أنَّ شيخه إسمَاعيل يقول في هذا الحديث: أنَّ الحُمُرَ الأَنَسِيَّةَ بفتح الألف وَالنون خلاف مَا قاله باقي شيوخه.
والجمهورُ من العلماء مِنْ أنَّ الإِنْسِيَّة بكسر الهمزة وَسُكون النون. قال العَسقلاني: يعني أنَّها نسبةٌ إلى الأَنَس بفتحتين ضد الوحشيَّة.
وَالمشهُور في الرِّوايات كسرُ الهمزة وَسُكون النون نسبة إلى الإنس، أي بني آدَم؛ لأنَّها تألفهم، وَهو ضد الوَحشيَّة.
قال: وَالتَّعبير عن الفتح بالنَّصب، وَعن الهمزة بالألف، جَائزٌ عند المتقدِّمين، وَإن كان الاصطلاح أخيرًا قد استقرَّ على خلافه، فلا يبادر إلى إنكاره، وَالله سبحانه أعلم.