-
مقدمة المصنف
-
شرح مقدمة الثلاثيات
-
حديث سلمة: من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار
-
حديث سلمة: كان جدار المسجد عند المنبر
-
حديث سلمة: فإني رأيت النبي يتحرى الصلاة عندها
-
حديث سلمة: كنا نصلي مع النبي المغرب
-
حديث سلمة: أن من أكل فليتم أو فليصم ومن لم يأكل
-
حديث سلمة: أمر النبي رجلًا من أسلم أن أذن في الناس
-
حديث سلمة: كنا جلوسًا عند النبي إذ أتي بجنازة
-
حديث سلمة: أن النبي أتي بجنازة، ليصلي عليها
-
حديث سلمة: على ما توقد هذه النيران
-
حديث أنس: يا أنس كتاب الله القصاص
-
حديث سلمة: يا ابن الأكوع، ألا تبايع
-
حديث سلمة: يا ابن الأكوع، ملكت فأسجح.
-
حديث بسر: كان في عنفقته شعرات بيض
-
حديث سلمة: رأيت أثر ضربة في ساق سلمة
-
حديث سلمة: غزوت مع النبي سبع غزوات
-
حديث أنس: كتاب الله القصاص
-
حديث سلمة: لما أمسوا يوم فتحوا خيبر أوقدوا
-
حديث سلمة: من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة
-
حديث سلمة: أسمعنا يا عامر من هنيهاتك
-
حديث أنس: أن ابنة النضر لطمت جاريةً، فكسرت ثنيتها
-
حديث سلمة: بايعنا النبي تحت الشجرة فقال
-
حديث أنس: نزلت آية الحجاب في زينب بنت جحش
الثامن عشر: [خ¦5569]
قال البُخَارِيُّ: (حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ) أي الضَّحَاكُ (عَنْ يَزِيْدِ بنِ أَبِي عُبَيْدٍ) بالتَّصغير (عَنْ سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَعَ قَالَ: قَالَ النَّبيُّ) وفي بعضِ النُّسخِ: (رَسُوْلُ الله) (صلعم: مَنْ ضَحَّى مِنْكُم) بتشديد الحاء من التَّضحية، وَهي الذَّبحُ (وَقت الضُّحى) يوم العيد الأضحى، أي من ذبح أُضحية، وَهِيَ بَضَمِّ الهَمزة، وَيجوز كَسرها، وَقد تُحذفُ الهمزة فتُفتَحُ الضَّادُ، وَالجمعُ ضحايا، كهديَّة وَهدايا، وَبهَا سُمِّيَ يومُ الأضحى، فكأَنَّ اسمها اشتقَّتْ من الوقتِ الذي يشرع فيه.
(فَلَا تُصْبِحَنَّ) بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ المُوْحَّدة المخفَّفَةِ، من الإصبَاحِ، وَهوَ الدُّخولُ في الصَّباح، (بَعْدَ ثَالِثَةً) أي: بعد ليلة ثالثة من وَقت التَّضْحِيَةِ، (وَفي بَيْتِهِ) وَلأبي ذرٍّ: وَبقي في بيته (منه) أي من الذي ضحَّى به شيءٌ، أيْ مِنْ لَحْمِهِ، جُملةٌ حَاليةٌ، (فَلَمَّا كَانَ العَامُ المُقْبِلُ) أي الآتي، وَيُقال له: القابل، (قَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ، نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا العَامَ المَاضِي) أي من تركِ الادِّخار، وَفي بعض النُّسخ: عامَ الماضي، بإضافة الموصوف إلى الصِّفة، وَالمعنى: ألَّا ندَّخر كما لم ندَّخر في السَّنة الماضية، (قال: كُلُوا / وَأَطْعِمُوا) أي جيرَانَكُم وَأقاربكم وَفقرائكم (وَادَّخِرُوا) بتشديد الدَّال المهمَلة، من الذخيرة _بالذال المعجمة_ أي وَاتركوا بعضه ادِّخارًا لوقتٍ يَكون لكم به افتقارًا.
(فَإِنَّ ذَلِكَ العَام) وَفي نُسخةٍ: ((فإنَّ ذلك العام))(1) ، أي: العام السَّابق الذي وَقعَ فيه النَّهي.
(كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ) بفتح الجيم وَيُضم، أي مشقَّةً من جهة قحطِ السَّنة، (فَأَرَدْتُ أَن تُعِيْنُوا فِيْهَا) من الإعانة بالنون، وَضميرٌ فيها للمشقة المفهُومة من الجهد والشدَّة أو للسنة؛ لأنَّها سَبب المشقَّةِ، كذا قاله الشارح، وَالأظهر أنَّ الضميرَ رَاجعٌ إلى العَامِ، وَأَنَّثَ بِاعْتِبَارِ مُرَادفها وَهو السنة، وَالمعنى: أردت أن تعينوا الفقراءَ بعدم الادخار في تلك السَّنة، أو في حَال المشقَّة وَالشِّدَّة، وَهذا نهيٌ مؤكَّدٌ عن الادِّخار من لحوم الأضاحي، وَكان هذا سنَةَ تِسع من الهجرة، لأجل القَحط وَالعُسرة في تلك السَّنة كما صرَّحَ بها في الحديث، وَوقع الأذنُ في الادِّخار عام عشرة من الهجرة في حجة الوداع، كما جاء مفصلًا في رواية أحمد.
ثُمَّ اعلم أنَّ الادِّخار كان مَذْمُوْمًا لعلَّةٍ وَهي الافتقار، فلمَّا زالت عاد جواز الادِّخار.
وَأمَّا الأمرُ بالأكل على الإطلاق، فللإباحةَ للقرينة، وَكذا الأمرُ بالادِّخار. وَأمَّا الإطعام فواجبٌ، كذا قيل، وَالسُّنة أن يَأكل بَعضها، وَيُعطي الفقَراء بعضهَا، وَيُهدي بعضها إلى مَن شاء، وَلو كانوا منَ الأغنياء.
قال في ((الفتح)): تمسَّك به مَن قال بوجوب الأكل من الأضحية، وَلا حُجَّة فيه؛ لأنَّه أمرٌ بعد حظر فيكون للإباحة.
وَقال في مَوضعٍ آخر: وَلا خلافَ في كون الأضحية من شرائع الدِّين، وَهي عند الشافعية سُنَّة مُؤكدة على الكفاية.
وَفي وَجهٍ للشَّافعيَّة أنَّها من فروض الكفاية، وَعند أبي حنيفة تجبُ على المقيم الموسر، وَعن مَالك مثله في رواية، لكن لم يقيِّد بالمقيم، وَنقلَ عن الأوزاعي وَربيعة وَاللَّيث مثله، وَخالف أبو يُوسف من الحنفية وَأَشْهَبَ من المالكية، فوافقا الجمهور، وَقال أحمد: يُكره تركها معَ القدرة، وَعنه وَاجبة، وَعن محمَّد بن الحسَن: وهي سنَّةٌ غير مرخَّص في تركها.
وَأقرب مَا يتمسَّك به للوجوب: حديثُ أبي هريرة رفعه: «مَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» أخرجه ابن مَاجه وَأحمد وَرجاله ثقات، وَمثلُ هذا الوعيد لا يلحق إلا بترك الواجب، وَالله أعلم.
هذا وَقد يُقال: لما حرَّم عليهم الادخار فوق ثلاثة، وَعملوا بمقتضى ذلك، كان الظاهر أنهم يستمرُّون عليهِ كلَّ عام، وَلا يعَاودنه السُّؤال ثانيًا هنالك.
قال ابن المنير: وَكانوا فهمُوا أنَّ النَّهي عنْ ذَلك كان على سَبَبٍ خاصٍّ، وَهو الرأفة، وَإذا أُوْردَ العام على سَبَبٍ خاص حاك في النفس من عمُومه وَخصوصه إشكال، فلمَّا كان مظنَّة الاختصاص عاودوا السُّؤال، فبيَّن لهم صلعم أنَّه خاصٌّ بذلك السَّبب، وَيُشبه أنَّه استدلَّ بهذا مَن قال: إِنَّ العامَّ يَضعف عُمُومُهُ بالسَّبب، فلا يبقى على أصَالته، وَلا ينتهى به إلى التخصيص، ألا ترى أنَّهم لو اعتقدوا بقاء العُموم على أصالته لما سألوا؟، وَلو اعتقدوا الخصوص _أيضًا_ لما سألوا، فسؤالهم يدلُّ على أنَّه ذو شأنين، وَهذا اختيار الإمام الجُويني.
(أخرجه) أي البخاري (في كتاب الأضَاحِي) بتشديد الياء وَقد تُخَفَّفُ، يعني في باب مَا يُؤكل من لحوم الأضَاحي وَمَا يُتَزود منها، وَالله سُبحانه أعلم. /
[1] هكذا في الأصل الخطي، ولم تذكر كتب الشروح خلافًا في هذا الموضع.