وأمَّا ثناءُ مشايخه والنَّاس عليه:
قال سليمانُ بنُ حربٍ ونظر إليه يومًا: هذا يكونُ له صيتٌ.
قلتُ: وقد تقدَّمَ نحوه لأحمد بن حفصٍ.
وقال البخاريُّ: كنتُ إذا دخلتُ على سليمانَ بن حربٍ، [يقولُ]: بيِّن لنا غَلَطَ شُعبةَ.
وقال ورَّاقُهُ: وسمعتُهُ يقول: كان إسماعيل بن أبي أويسٍ / إذا انتخبتُ من كتابه نسخَ تلك الأحاديثَ لنفسه، وقالَ: هذه الأحاديثُ انتخبَها محمَّدُ بن إسماعيل من حديثي.
وقال البخاري: اجتمعَ أصحابُ الحديث، فسألوني أنْ أكلِّمَ إسماعيلَ بنَ أبي أُويسٍ ليزيدهم في القراءة، ففعلتُ، فدعا الجاريةَ وأمرها أَنْ تُخرج صرَّةَ دنانيرَ، وقالَ: يا أبا عبد الله، فرِّقها عليهم. قلتُ: إِنِّما أرادوا الحديثَ. قالَ: قدْ أجبتُكَ إلى ما أردتَ من الزِّيادة، غير أنِّي أحبُّ أن تضَمُّ هذا إلى ذاك.
وقال عَبْدانُ بنُ عثمان: ما رأيتُ بعيني شابًّا أَبْصَرَ مِن هذا. وأشارَ بيدِهِ إلى محمَّدِ بنِ إسماعيلَ.
قال البخاريُّ: وقالَ لي إسماعيلُ بنُ أَبي أُوَيسٍ: انْظُرْ في كتُبي وما أملكُ لكَ، وأنا شاكرٌ لك ما دُمْتُ حيًّا.
وقال قُتيبةُ بنُ سعيدٍ: جالستُ الفقهاءَ والزُّهَّادَ والعُبَّاد، فما رأيتُ منذْ عَقِلْتُ كمحمَّدِ بنِ إسماعيلَ، وهو في زمانِه كعمرَ في الصَّحابة.
وعن قُتيبة أيضًا قال: لو كان محمَّد بن إسماعيل في الصَّحابة لكان آيةً.
وقال قُتيبةُ أيضًا: رُحِلَ إليَّ مِن شرقِ الأرضِ وغربِها، فما رَحَلَ إليَّ مثلُ محمَّد بن إسماعيل، فقال مِهْيَارٌ: صَدَقَ، أنا رأيتُهُ مع يحيى بن معين، وهما يختلفان إلى محمَّد بن إسماعيل، فرأيتُ يحيى ينقادُ له في المعرفة.
قال محمَّدُ بنُ قُتيبة البُخاريُّ: كنتُ عند أبي عاصم النَّبيل، فرأيتُ عندَه غلامًا، فقلتُ له: مِن أين؟ قال: مِن بخارى. فقلتُ له: ابنُ مَن أنت؟ قال: ابنُ إسماعيل، فقلت: أنتَ / قُرابتي، فقال لي رجلٌ عند أبي عاصمٍ: هذا الغلام يُنَاطحُ الكِبَاش، يعني: يُقاوم الشُّيوخ.
وقال إبراهيمُ بن محمَّد بن سلَام: كان الرُّتُوت من أصحاب الحديث، مثلُ سعيد بن أبي مريم، والحجَّاج بن مِنْهال، وإسماعيل بن أبي أُوَيس، والحُميدي، ونُعيم بن حمَّادٍ، والعَدَنيُّ، والخلَّال، ومحمَّد بن ميمونٍ، وإبراهيم بن المُنذر، وأبي كُريب، وأبي سعيد الأشجِّ، وإبراهيم بن موسى يَقْضُونَ لأبي عبد الله البخاريِّ على أنفسهم في النَّظر والمعرفة.
قلتُ: (الرُّتوتُ) بالرَّاء المهملة والتَّاء المثناة من فوق، وبعدها واو، وبعدها تاء مثناة من فوق أيضًا، همُ الرُّؤَساءُ. قاله ابن الأعرابي.
وقال إمامنا أحمدُ ابن حنبل: ما أخرجتْ خراسانُ مثلَ محمَّد بن إسماعيل.
وقال يعقوب الدَّوْرَقيُّ: محمَّد بن إسماعيل فقيهُ هذه الأمة.
وقال نُعيم بن حمَّاد مِثْلَه.
وقال بُنْدَارُ: هو أفقهُ خلقِ اللهِ في زماننا.
وقال عبد الله بن يوسف التِّنيسيُّ للبخاريِّ: يا أبا عبد الله، انظر في كُتبي، وأخبرني بما فيها من السَّقْط. قال: نعم.
وقال البخاريُّ: دخلتُ على الحُمَيْدِيِّ وأنا ابنُ ثماني عشْرة سنَة، وبينه وبين آخر اختلافٌ في حديث، فلما بَصُرَ بي الحُمَيْدِيُّ، قال: جاء مَنْ يفصلُ بيننا. فعرضا عليَّ، فقضيتُ للحُميديِّ، وكان الحقُّ معه. /
وقال البخاريُّ: قال لي محمَّد بن سلا•مٍ البِيكنديُّ: انظر في كُتُبي، فما وجدتَ فيها مِن خطأ فاضربْ عليه.
وقيل: كان محمَّدُ بنُ سلا•مِ، يقولُ: كلَّما دخل عليَّ البخاريُّ تحيَّرتُ، ولا أزالُ خائفًا منه.
وقال سُليمُ بن مجاهد: دخلتُ على محمَّد بن سلامٍ فقال: لو جئتَ قَبْلُ لرأيتَ صبيًا يحفظ سبعينَ ألفَ حديثٍ.
وقال حاشدُ بنُ إسماعيلَ: رأيتُ إسحاقَ بنَ راهويه جالسًا على المنبر، ومحمَّد بن إسماعيل معه، فأنكر محمَّدُ بنُ إسماعيلَ عليه شيئًا، فرجع إلى قول محمَّدٍ.
وقال إسحاقُ: يا معشرَ أصحابِ الحديثِ انظروا إلى هذا الشَّابِّ، واكتبوا عنه، فإنَّه لو كان في زمن الحسن بن أبي الحسن، لاحتاج إليه؛ لمعرفته بالحديث وفقهه.
وقال البخاريُّ: أخذَ إسحاقُ بن راهويه كتاب (التَّاريخ) الذي صنَّفتُه، فأدخلَهُ على عبد الله بن طاهر، وقال: يا أيُّها الأمير، أ•لا أُريك سِحرًا.
وهذا يسيرٌ مِن كلام مشايخه، ولو استقصيتُ عنهم لاحتجتُ إلى مجلدٍ كبيرٍ.