أصل الزراري شرح صحيح البخاري

باب الحياء في العلم

          ░50▒ هذا (باب الحياء)؛ بالمد، وهو تغيُّر وانكسار يعتري الإنسان عند خوف ما يعاب أو يذم، (في) تعلُّم (العلم) وتعليمه، هل هو مذموم أو ممدوح؟ فأشار إلى الأول بالأثر، وإلى الثاني بالحديث، وأطلق عليه الحياء؛ مجازًا.
          (وقال مجاهد) بن جبر التابعي مما وصله أبو نعيم في «الحلية» بإسناد صحيح على شرط المؤلف: (لا يتعلم العلم مستحْيِيْ)؛ بإسكان الحاء المهملة، وبيائين؛ ثانيهما ساكنة، من استحى يستحي، فهو مستحيي على وزن (مستفعل)، ويجوز فيه: مستحي؛ بياء واحدة من استحى، فهو مستحي على وزن (مستفع)، ويجوز: مستح؛ بدون الياء على وزن (مستف)، فحذفت منه عين الفعل ولامه، وتمامه في «عمدة القاري»، و (لا) هذه نافية، والفعل بعدها مرفوع، (ولا مستكبر)؛ أي: متعظم في نفسه، فآفات العلم أعظمها: الاستنكاف، وثمرته: الجهل والذلة في الدنيا والآخرة، فالحياء هنا مذموم، وسئل إمامنا رئيس المجتهدين الإمام الأعظم ☺: بمَ حصلت هذا العلم العظيم الذي شاع في الأمصار والأقطار؟ فقال: ما بخلت بالإفادة ولا استنكفت عن الاستفادة، ╩.
          (وقالت عائشة) ♦ مما وصله أبو داود ومسلم، وهو عطف على (وقال مجاهد)، فكلُّ واحد تعليق على حدة، ليس لأحدهما تعلق بالآخر، خلافًا لمن زعمه، (نِعم النساءُ نساءُ الأنصار)؛ برفع (نساء) في الموضعين، فالأولى: على الفاعلية، والثانية: على أنها مخصوصة بالمدح، والمراد من نساء الأنصار: نساء أهل المدينة، كذا قاله في «عمدة القاري».
          (لم يمنعهن الحياءُ)؛ بالرفع فاعله عن (أن يتفقهن)؛ أي: عن التفقه (في) أمور (الدين) فـ (أن) مصدرية، فالحياء هنا مذموم؛ لكونه سببًا لترك أمور الشرع المطلوب تعلمها وتحصيلها.