أعلام الحديث في شرح معاني كتاب الجامع الصحيح

حديث: يا فلان ما يمنعك أن تصلي معنا؟

          740/ 3571- قال أبو عبد الله: حدَّثنا أَبُو الْوَلِيدِ، قال: حدَّثنا سَلْمُ (1) بْنُ زَرِيرٍ، قال: سَمِعْتُ أَبا رَجاءٍ، قالَ:
          حَدَّثَنا عِمْرانُ بْنُ حُصَيْنٍ: أَنَّهُمْ كانُوا مَعَ النَّبِيِّ صلعم فِي مَسِيرٍ، فَأَدْلَجُوا لَيْلَهُمْ (2)، حَتَّىَ إِذا كانوا في وَجْه الصُّبْحِ عَرَّسُوا. وساق الحديث إلى أن قال: فَصَلَّىَ (3) رسولُ اللهِ وجعَلَنِي رَسُولُ اللهِ صلعم (4) فِي رُكُوبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَدْ عَطِشْنا عَطَشاً شَدِيداً، فَبَيْنَما (5) نَحْنُ نَسِيرُ إِذا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ سادِلَةٍ رِجْلَيْها بَيْنَ مَزادَتَيْنِ، فَقُلْنا: انْطَلِقِي إِلَىَ رَسُولِ اللهِ: فقالَتْ: وَما رَسُولُ اللهِ؟ (6) فَلَمْ نُمَلِّكْها (7) مِنْ أَمْرِها حَتَّى اسْتَقْبَلْنا بِها النَّبِيَّ (8) صلعم، فَحَدَّثَتْهُ أَنَّها مُؤْتِمَةٌ، فَمَسَحَ فِي الْعَزْلاوَيْنِ، فَشَرِبْنا عِطاشاً أَرْبَعِينَ رَجُلاً حَتَّىَ رَوِينا، وَمَلأْنا كُلَّ قِرْبَةٍ مَعَنا وَإِداوَةٍ، وَهْيَ تَكادُ تَنِضُّ مِنَ الْمِلْءِ (9). قال (10) : وَجُمِعَ لَها مِنَ الْكِسَرِ والتَّمْرِ، حَتَّىَ أَتَتْ أَهْلَها. فَهَدَى اللهُ ذلكَ الصِّرْمَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ، فَأَسْلَمَتْ وَأَسْلَمُوا (11).
          قوله: (فأدْلَجُوا لَيْلَهم (12)) أي: سَارُوا الليلَ كلَّه.
          و (التَّعْرِيسُ): نُزولُ اسْتراحَةٍ مِنْ غيرِ مُقَامٍ، وأكثر ما يكونُ ذلك سَحَراً.
          و (الرُّكُوبُ): جمع الرَّاكبِ، كقولكَ: شاهدٌ وشُهُودٌ (13).
          و (العَزْلاَءُ): عُروةُ المَزَادَةِ.
          وقوله: (سَادِلَةٌ رِجْلَيْها) يُريدُ: مُرْسِلَةً رجليها (14).
          وقولها: (إنَّها مؤْتِمَةٌ) / أي: ذَاتُ أيتامٍ.
          وقوله: (تَنِضُّ من المَلْءِ (15)) أي: تَكادُ تَنْشَقُّ فيخرجُ منها (16) الماءُ، يقال: نَضَّ الماءُ من العَيْنِ؛ إذا نَبَعَ، وكذلك نَضَّ العَرَقُ، وفُلاَنٌ يَسْتَنِضُّ معروفَ فلانٍ؛ أي: يستخرِجُه.
          وأمَّا (17) البَضُّ _بالباء_ فمعناه: القَطْرُ.
          و (الصِّرْمُ): النَّفَرُ النُّزُولُ على الماء (18).
          فأمَّا الصِّرمَة: فالقِطْعةُ من الإبل.
          وفيه من العلم أنَّ آنيةَ أَهْلِ الشِّرْكِ (19) على الطَّهَارةِ ما لم تُعْلَمْ فيها نَجاسَةٌ (20)، ولم يُعْلَمْ منهم تَرْكُ (21) تَوَقِّي النَّجاسَاتِ.
          وفيه أنَّ الضَّرُورةَ بِالعَطَشِ تُبِيحُ للإنسانِ الماءَ المملُوكَ لغيرهِ على عِوَضٍ يُعْطِيه إيَّاهُ، وقد جَمَعَ لها رسولُ اللهِ صلعم من الكِسَرِ والتَّمْرِ، فكانت عِوَضاً عمَّا شَرِبُوهُ (22) وأخَذُوهُ من ذلك الماءِ، وإنَّما لم يَبِنْ أثَرُ النُّقْصَانِ فيه مِنْ ناحية البَرَكةِ التي نزلت عليه (23) بدعاء رسول الله صلعم.
          والطعام عند عدمه قياس الماء في الاسْتِبَاحَةِ مع رَدِّ العِوَضِ على صاحبه، والله أعلمُ.


[1] في (أ) و(ر) و(م): (مسلم).
[2] في (أ): (ليلهم).
[3] في (أ): (فسار).
[4] قوله: (وجعلني رسول الله صلعم ) سقط من الأصل والفروع، والمثبت من الصحيح.
[5] في (ر) و(ف): (فإذا).
[6] (فقالت وما رسول الله) سقط من (أ).
[7] في (م): (نمكنها).
[8] في (أ): (رسول الله).
[9] في (أ): (الملك).
[10] في الأصل: (قاله) والمثبت هو الصواب.
[11] في (أ): (فأسلموا وأسلمت) وسقطت (وأسلموا) من (ر) و(ف).
[12] في (أ) و(م): (ليلتهم).
[13] في (ف): (ومشهود).
[14] زاد في الفروع: (يقال: سدلت الثوب والستر؛ إذا أرسلته).
[15] في (أ): (الملك).
[16] في (أ): (منه).
[17] في (م): (والماء).
[18] في (ف): (ماء).
[19] في (م): (آنية المشرك).
[20] في (ف): (طهارة).
[21] في الفروع: (منها) وسقطت منها كلمة (ترك) من (أ).
[22] في (أ): (شربوا).
[23] زاد في (ر) و(ف): ( صلعم ).