أعلام الحديث في شرح معاني كتاب الجامع الصحيح

حديث أبي بكر في الهجرة

          748/ 3615- قال أبو عبد الله: حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قال: حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ إِبْراهِيمَ، أَبُو الْحَسَنِ الْحَرَّانِيُّ، قال: حدَّثنا زُهَيْرُ بْنُ مُعاوِيَةَ، قال: حدَّثنا أَبُو إِسْحاقَ، قال:
          سَمِعْتُ الْبَراءَ بْنَ عازِبٍ في حديث الرَّحل، قال: سمعت أَبا بَكْرٍ يحدِّث (1) بمَخْرَجِهِ مع رسول الله صلعم إلى المدينة. وساق الحديث إلى أن قال: فقُلْتُ (2) : نَمْ (3) يا رَسُولَ اللهِ (4) وَأَنا أَنْفُضُ لَكَ ما حَوْلَكَ. قال (5) : وإِذا أَنا بِراعٍ، فَحَلَبَ (6) فِي قَعْبٍ كُثْبَةً (7) مِنْ لَبَنٍ، فَشْرَبُ رسولُ اللهِ صلعم حَتَّىَ رَضِيتُ، واتَّبَعَنا سُراقَةُ بْنُ مالِكٍ، فَدَعا عَلَيْهِ النَّبِيُّ (8) صلعم، فارْتَطَمَتْ بِهِ فَرَسُهُ إِلَىَ بَطْنِها، أُرَىَ: فِي جَلَدٍ مِنَ الأَرْضِ، شَكَّ زُهَيْرٌ. وذكر باقي (9) الحديث.
          قوله: (أَنْفُضُ لك ما حولك) يريد: أحرسك (10)، وأطوف هل أرى أحداً من الطلب.
          و (الكُثْبَة): القليل من اللبن.
          وقوله: (ارتطمت به فرسُه) أي: سَاخَتْ قوائمُها، كما تَسُوخُ في الوَحْلِ (11)، ورَطَمْتُ الشيءَ، إذا أَوْحَلْتُه، فَارْتَطمَ.
          و (الجَلَدُ): الأرضُ الصُّلْبَةُ، المُسْتَوِيَةُ المَتْنِ (12).
          3652- قال أبو عبد الله: حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجاءٍ، قال: حدَّثنا إِسْرائِيلُ، عن أَبِي إِسْحاقَ:
          عَنِ الْبَراءِ، قالَ: اشْتَرَىَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ عازِبٍ (13) رَحْلاً (14) بِثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَماً، فقال: مُرِ الْبَراءَ فَلْيَحْمِلْ إِلَيَّ (15) رَحْلِي. فقال عازِبٌ: لَا، حَتَّىَ تُحَدِّثَنا كَيْفَ صَنَعْتَ أَنْتَ / وَرَسُولُ اللهِ حِينَ خَرَجْتَ مِنْ مَكَّةَ. وذكر القصَّة.
          فاسْتَدَلَّ (16) بعضُ أَهْلِ العلم على جواز ما يأخُذُهُ شُيُوخُ السُّوءِ مِنَ المُحَدِّثين على الحديث، قال: وذلك أنَّ عَازِباً لم يَحْمِلْ رَحْلَهُ إلى بَيتِه حتَّى حدَّثَه أبو بكر بقصَّةِ مَخْرَجِهِ مع رسولِ اللهِ صلعم إلى المدينة.
          قلت: ولم يكن هذا من أبي بكرٍ☺ ولا من عَازِبٍ على مَذْهَبِ هؤلاءِ، فإنَّ هؤلاَءِ القومَ إنَّما اتَّخذُوا الحديثَ بِضَاعَةً يبيعُونها، ويأخُذُونَ عليها أَجْراً، فهو شَرْطٌ معلومٌ لهم في أن لا يُحَدِّثُوا (17) إلَّا بِجُعْلٍ، وكان ما الْتَمَسَهُ أبو بكر من حَمْلِ الرِّحْلِ من باب المعروف، والعادةُ المعلومةُ في نَقْلِ الشَّيء الذي له ثِقَلٌ أو عِظَمُ حَجْمٍ أن يَحملَه تلامذةُ التُّجَّارِ وخَدَمُهم إلى رَحْلِ المُبْتَاعِ، ومن المعروف أيضاً في ذلك أنَّهم يُنِيلُونَه (18) على نَقْلِه (19) مَبَرَّةً، وكُلُّ ذلك يجري مَجْرَى العُرْفِ (20) الدَّائرِ (21) بينهم، والمُسْتَحْسَنِ في (22) عَاداتهم، إلَّا أنَّ عازباً لحرْصِهِ (23) على معرفة القِصَّة في مَخرجِه مع رسولِ اللهِ صلعم، واسْتفادته عِلْمَها، تَعَجَّلَ الفائدة، وقَدَّمَ المسألةَ فيها، ولو لم يكن هناك (24) نقلُ رَحْلٍ ولا حَمْلُ ثِقَلٍ لكان لا (25) يمنعُه أبو بكر الفائدة من (26) عِلْمِ القِصَّة، فهل يَسْمَحُ شُيوخُ السُّوءِ بما عندهم من هذه الأحاديث إذا لم يُرْشَوْا بنَيْلٍ (27)، ولم يُلْمَّظُوا (28) بشيءٍ.
          والقُدْوَة في هذا قول الله تعالى: {اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ} [يس:21]، وقوله: {مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}(29) [ص:86]، وقوله: {وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ}(30) [هود:29]، وما أَشْبَهَهَا من الآي، وكقوله: {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ}الآية [آل عمران:187]. وقال رسولُ اللهِ صلعم : «مَنْ سُئلَ عن عِلْمٍ (31) فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ بِلجَامٍ من (32) نَارٍ» (33). في نحوه من الأحاديث، ثمَّ هو (34) مَذْهَبُ عَامَّةِ السَّلَفِ الصالحِ، والمَرْضيَّينَ (35) من الخَلَفِ، ♥.


[1] (يحدث) سقطت من (ر) و(ف).
[2] (فقلت) سقطت من (م).
[3] (نم) سقطت من (أ).
[4] زاد في (ط): ( صلعم ).
[5] (قال) سقطت من الفروع.
[6] في (ر) و(ف) و(م): (يحلب).
[7] في (ط): (كعبة).
[8] في الفروع: (رسول الله).
[9] في الأصل: (وذكرنا في) والمثبت من (ط) والفروع.
[10] في (ف): (أحرس لك).
[11] قوله: (في الوحل) سقط من الأصل، والمثبت من (ط).
[12] جاء في (م) هنا: (انتهى الجزء الثالث بحمد الله وعونه بسم الله الرحمن الرحيم).
[13] في (م): (أبو بكر بن عازب).
[14] في (ط): (أرحلاً).
[15] في (أ): (لي).
[16] زاد في (أ) و(م): (به).
[17] في (ف): (في أن يحدثوا).
[18] في (أ): (ينيلونهم) وفي (م): (أن يسألوهم).
[19] في (ر) و(ف) و(م): (فعله).
[20] في (ر) و(ف): (المعروف).
[21] في (أ): (الدائم).
[22] (في) سقطت من (ط).
[23] في (ر): (بحرصه).
[24] في (ر): (هنالك) وفي (ف): (ولم لم يكن هنالك).
[25] قوله: (لا) سقط من الأصل، والمثبت من (ط).
[26] في (ر) و(ف): (في).
[27] في (ر) و(ف): (بنيله).
[28] يقال: لَمَظَ فلاناً من حَقَّه شيئاً: أعطاه، كَلَمَّظ تَلْمِيظاً واللُمَاظَةُ، بالضم: اسم لبقية الطعام في الفم بعد الأكل. (التاج : لمظ).
[29] في الفروع: (قل ما).
[30] (ويا قوم) ليست في (ط).
[31] زاد في (م): (علمه).
[32] في الأصل (ما) والمثبت من (ط).
[33] انظر: سنن أبي داود رقم (3658)، عن أبي هريرة.
[34] زاد في (أ): (على).
[35] في (أ): (المؤمنين).