شرح الجامع الصحيح لابن بطال

[كتاب الشفعة]

          ░░36▒▒ كِتَابُ الشُّفْعَةِ(1)
          ░1▒ بَابُ الشُّفْعَةِ(2) فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ فَإِذَا وَقَعَتِ الحُدُودُ فَلاَ شُفْعَةَ
          فيهِ جَابِرٌ: (قَضَى النَّبيُّ صلعم بِالشُّفْعَةِ في كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الحُدُودُ وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ). [خ¦2257]
          اتَّفق جماعة الفقهاء على القول بهذا الحديث، وأوجبوا الشُّفعة للشَّريك في المشاع مِنَ الرِّباع، وكلِّ ما تأخذه الحدود وتحتمله القسمة، وإنَّما اختلفوا في غير الشَّريك، فذهب مالكٌ والأوزاعيُّ والشَّافعيُّ وأحمدُ وإِسْحَاقُ وأبو ثَوْرٍ إلى أنَّه لا شفعة إلَّا في المشاع بين الشرُّكاء على ظاهر حديث جابرٍ، ورُوِيَ مثل ذلك عن عُمَرَ بن الخَطَّابِ وعُثْمَانَ بن عَفَّانَ وسَعِيدِ بن المُسَيَّبِ وسُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ وربيعةَ وأبي الزِّنَادِ.
          وقال أهل العراق بالشُّفعة للجار الملاصق غير الشَّريك، وأوجبها بعضهم إذا كانت الطُّرق واحدةٌ.
          وفي هذا الحديث ما ينفي الشُّفعة للجار لأنَّ ضرب الحدود إذا نفى الشُّفعة كان الجار أبعد مِنْ ذلك، وفيه أيضًا ما ينفي الشُّفعة في كلِّ ما لا يحتمل قسمةً ولا تضرب فيه الحدود، وذلك ينفي الشُّفعة في العروض والحيوان، وهو قول شاذٌّ يُروى عن عَطَاءٍ، والسُّنَّة المجتمع عليها بالمدينة ألَّا شفعة إلَّا في الأرضين والرِّباع.
          قال ابن القَصَّارِ: واتَّفق مالكٌ وأبو حنيفةَ والشَّافعيِّ أنَّ المسلم والذِّمِّيَّ في أخذ الشُّفعة مِنَ المسلم سواءٌ، وحُكِيَ عن الشَّعْبِيِّ أنَّه لا شفعة للذِّمِّيِّ، لأنَّه صاغرٌ، وهو قول الثَّوْرِيِّ وأحمدَ بن حنبلٍ، وحجَّة مَنْ أجاز ذلك عموم قوله ◙: ((الشُّفعَةُ في كُلِّ مَا لَمْ يُقسَمْ))، ولم يُفرِّق بين مسلمٍ وذِمِّيٍّ، وأيضًا فإنَّ ما يجب بالشَّركة لا يختلف فيه المسلم والذِّمِّيُّ كالعتق، ألا ترى أنَّه لو أعتق شقصًا مِنْ عبدٍ بينهما، قوِّم عليه كما يقوَّم على شريكه المسلم، والشُّفعة حقٌّ مِنْ حقوق الآدميين كسائر الحقوق الَّتي هي له(3)، مثل البيع والإجارة / وغيرها، والشُّفعة حقٌّ يتعلَّق بالمال وُضِعَ لإزالة الضَّرر كالردِّ بالعيب، فما وجب للمسلم فيه(4) وجب للذِّمِّيِّ مثله، وليس الصّغار يدلُّ على بطلان حقَّه لأنَّه لا فرق بين المسلم والذِّمِّيِّ في الحقوق المتعلِّقة بالأموال(5)، كخيار الشَّرط والأجل، وإمساك الرَّهن.


[1] زاد في (ز): ((╖)).
[2] قوله: ((باب الشُّفعة)) ليس في (ص).
[3] قوله: ((له)) ليس في (ز).
[4] في (ز): ((منه)).
[5] في (ز): ((بالمال)).